القداسة

جي. سي. رايلي ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

هل أنت مقدس؟


إنني لا أسألك إن كنت تحضر الكنيسة بانتظام – أو إذا كنت معمدًا وتتناول من عشاء الرب- أو إذا كنت تُدعى مسيحيًّا- إنني أسأل شيئَا أكثر من كل ذلك، هل أنت مقدس أم لا؟

إنني لا أسأل عما إذا كنت تقر بقداسة أناس آخرين- أو إذا كنت تحب قراءة سير الأشخاص المقدسين والحديث عن أمور مقدسة والاحتفاظ على مكتبك بكتابات مقدسة- أو إذا كنت تهدف لأن تكون مقدسًا وترجو أن تكون كذلك يومًا ما- إنني أسأل عن أمر أبعد من ذلك: هل أنت نفسك مقدس اليوم أم لست كذلك؟
ولماذا أسأل بهذا الشكل المباشر، وأواصل التساؤل بهذه القوة؟ إنني أفعل ذلك لأن الكلمة المقدسة تقول: "بدون القداسة لن يرى أحد الرب". إن هذا هو المكتوب وليس اختراعي، إنه الكتاب المقدس وليس رأيي الخاص، إنه كلمة الله وليس كلام إنسان- "القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب 12: 14).
يا لها من كلمات فاحصة ومفرزة! يا لها من أفكار تلك التي طافت بذهني وأنا أكتبها! إنني أنظر إلى العالم، وأرى الجزء الأكبر منه منطرحًا في الشر. أنظر إلى المسيحيين المؤمنين وأرى غالبيتهم لا يملكون من المسيحية شيئًا سوى الاسم. وأعود إلى الكتاب المقدس، وأستمع للروح قائلاً: "القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب".
من المؤكد أنه نص ينبغي أن يجعلنا نهتم بطرقنا، ونفحص قلوبنا، من المؤكد أن عليه أن يستثير فينا أفكارًا جليلة، ويجهنا للصلاة.
قد تحاول ان تماطلني بأن تقول: "إنك تبالغ في الشعور والتفكير في مثل هذه الأمور، أكثر مما يفترض الكثيرون". وأنا أجيب: "ليست هذه النقطة. فإن الأرواح البائسة التي تهلك في الجحيم تفعل أكثر من ذلك، إن السؤال الأعظم ليس ما تفكر فيه أو ما تشعر به لكن ما تفعله".
قد تقول: "لم يكن مفترضًا أبدًا أن يكون جميع المسيحيين مقدسين، وإن القداسة، كما قد وصفتها، إنما هي فقط للقديسين العظماء وللناس الذين يمتلكون مواهب استثنائية". وأنا أجيب: "لا أستطيع أن أرى ذلك في الكتاب المقدس. فأنا أقرأ أن كل من له رجاء في المسيح يُطهر نفسه" (1يو 3: 3)- "القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب".
قد تقول: "من المستحيل أن نكون مقدسين ونقوم في نفس الوقت بدورنا في هذه الحياة. فهذا امر لا يمكن أن يحدث". وأنا أجيب: "إنك مخطئ في ذلك. هذا الأمر يمكن أن يحدث، فعندما يكون المسيح إلى جانبك لا يكون هنالك أمر مستحيل. لقد فعل الكثيرون ذلك، فداود وعوبديا ودانيال والعبيد في بيت نيرون، جميعهم نماذج تثبت ذلك".
قد تقول: "إذا كنت كثير القداسة سأكون مختلفًا عن الناس الآخرين". وأنا أجيب: "أنا أعرف ذلك جيدًا. وهذا بالضبط ما يجب أن تكونه. فخدام المسيح الحقيقيون كانوا دائمًا مختلفين عن العالم الذي حولهم –أمة مفرزة- شعب خاص؛ ويجب أن تكون أنت أيضًا كذلك، إذا ما أردت أن تخلص!".
قد تقول: "بهذا الشكل، قليلون فقط هم الذين سيخلصون". وأنا أجيب: "أعلم ذلك، وهذا بالتحديد ما تخبرنا به الموعظة على الجبل". فقد قال الرب يسوع هذا منذ 1900 عامًا خلت. "ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة، وقليلون هم الذين يجدونه" (مت 7: 14). فقليلون هم من سيخلصون، لأن قليلين سوف يتجشمون مشقة البحث عن الخلاص. فالناس لن ينكروا على أنفسهم ملذات الخطية وطريقها الخاص ولو لوقت قليل. فهم يديرون ظهورهم لـ "ميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل". يقول الرب يسوع: "لا تريدون أن تأتوا إلى لتكون لكم حياة" (يو5: 40).
قد تقول: "هذه أمور صعبة: فالطرق ضيق جدًا". وأنا أجيب: "أعرف ذلك. وهذا ما تقوله الموعظة على الجبل". فقد قال الرب يسوع هذا منذ 1900 عامًا خلت. فهو كان يقول دومًا إن على الناس أن يحملوا صليبهم كل يوم، وأن يكونوا مستعدين لقطع أيديهم أو أرجلهم إذا ما أرادوا أن يصيروا له تلاميذ. ففي الدين، كما في الأمور الأخرى: "لا مكاسب دون آلام". فما لا يكلفك شيئًا لا يساوي شيئًا.
أيا كان ما نظنه مناسبًا لأن نقوله، ينبغي أن نكون مقدسين، إذا أردنا أن نرى الرب. فأين هي مسيحتنا إذا لم نكن كذلك؟ لا يجب أن نملك مجرد اسم مسيحي، ومعرفة مسيحية، لكن ينبغي كذلك أن نملك شخصية مسيحية. علينا أن نكون قديسين على الأرض، إذا ما وددنا أن نكون قديسين في السماء. لقد قال الله ذلك، ولن يتراجع عنه: "القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب". يقول جينكينJenkyn: "إن مرسوم البابا يجعل الأموات فقط قديسين، لكن الكتاب المقدس يطالب بالقداسة في الحياة". ويقول أوين Owen: "لا يخدعن الناس أنفسهم، فالتقديس ملمح ضروري لدى أولئك الذين تحت قيادة الرب المسيح لأجل الخلاص. وهو لا يقود أحدًا إلى السماء إلا أولئك الذين يقدسهم على الأرض. إن هذا الرأس الحي لن يسمح بوجود أعضاء ميتة".
أعترف بأنني أخشى تقلبات الأزمنة بشأن هذا الموضوع. أشك كثيرًا في أنه يأخذ المكانة التي يستحقها في أفكار واهتمام البعض من شعب الرب. إنني باتضاع أشير إلى أننا ميالون لتجاهل عقيدة النمو في النعمة، وأننا لا نهتم اهتمامًا كافيًا بكيف أن المرء يمكن أن يمضى إلى مدى كبير في ممارسة ديانته دون أن يمتلك النعمة ويكون ميتًا في نظر الله بعد كل ذلك. إنني أؤمن بأن يهوذا الإسخريوطي كان يشبه الرسل الآخرين إلى حد كبير. فعندما حذرهم الرب من أن واحدًا سيخونه، لم يقل أحد: "هل هو يهوذا؟". نفعل حسنًا إن تفكرنا أكثر في كنائس ساردسولاودكية (رؤ 3: 1-3/14-18).
إنني لا أرغب في أن أجعل من القداسة صنمًا. ولا أريد أن أنُزل المسيح عن عرشه، وأضع القداسة مكانه. لكن ينبغي أن أقول بصدق إنني أتمنى أن يتم التفكير في القداسة أكثر مما هو حادث اليوم، وبالتالي فإنني أنتهز الفرصة لكي أشدد على الموضوع لدى كل المؤمنين الذين قد تقع هذه الصفحات بين أيديهم. أخشى من أنه في بعض الأوقات قد يُنسى أن الله قد ربط بين التبرير والتقديس. إنهما بلا نقاش أمران متمايزان ومختلفان، لكن لا يمكن أبدًا أن يوجد الواحد دون الآخر. إن كل المبررين مقدسون، وكل المقدسون مبررون. فما جمعه الله لا ينبغي على إنسان أن يفرقه. فلا يخبرني عن تبريرك ما لم تكن لك أيضًا إشارات على قداستك. لا تفتخر بعمل المسيح من أجلك ما لم تظهر لنا عمل الروح فيك. لا تعتقد بتاتًا بأنه يمكن للمسيح والروح أن ينفصلا. وأنا لا أشك في أن الكثير من المؤمنين يعرفون هذه الأمور، لكنني أعتقد أنه من الجيد لنا أن نتذكرها. دعونا نثبت أننا بالفعل نعرفها من خلال حياتنا. دعونا نحاول أن نبقى أمام عيوننا هذا النص باستمرار: "اتبعوا القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب".
أليس هذا حقيقيًا أننا نحتاج إلى مقياس أعلى من القداسة الشخصية اليوم؟ أين هو صبرنا؟ أين غيرتنا؟ أين محبتنا؟ أين أعمالنا؟ أين قوة ديانتنا المرئية، كما كانت في الأيام التي ولت؟ أين تلك اللهجة التي لا تُخطئها أذن والتي كانت تميز قديسي الماضي وتُزلزل العالم؟ حقًا لقد تحولت فضتنا إلى زغل، وامتزجت خمرنا بالماء، وفقد ملحنا طعمه. لقد أصبحنا جميعًا نيامًا.
إن الليل يمضى والنهار يقترب. فلنستيقظ ولا ننام اكثر من ذلك. ولنبق عيوننا مفتوحة أكثر مما كانت عليه حتى اليوم. "لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة" –"لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح، مكملين القداسة في خوف الله" (عب 12: 1/2كو7: 1). يقول أوين Owen " هل مات المسيح لتحيا الخطية؟ هل صلب في العالم، بينما محبتنا للعالم تنشط وتقوى؟ ألا أين روح ذاك، الذي بصليب المسيح قد صُلب للعالم والعالم له!".

 

 

جي. سي. رايلي

من كتاب "دعوة للقداسة"