مخاطر المعلمين الكذبة

جون ر. ستوت ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

"احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم تعرفونهم. هل يجنون من الشوك عبنًا أو من الحسك تينًا هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة وأما الشجرة الرديّة فتصنع أثمارًا رديّة. لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع أثمارًا رديّة ولا شجرة رديّة أن تصنع أثمارًا جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتُلقى في النار. فإذًا من ثمارهم تعرفونهم".

 

أ‌)       الافتراضات

يقول المسيح: "احترزوا (أي احذروا واحترسوا) من الأنبياء الكذبة". فهو يفترض أن هنالك أنبياء كذبة، فليس من المعقول أن يضع أحد إعلانًا في حديقة منزله تقول: "احترسوا من الكلاب" ويكون كل ما عنده في بيته قطتان! فعندما يحذّر المسيح أتباعه من الأنبياء الكذبة؛ فهذا يعني أنهم موجودون بالفعل.

وقد ذكر العهد القديم الكثير عنهم، في مناسبات كثيرة، ويبدو أن المسيح اعتبر أن الفريسيين والصدوقيين أنبياء كذبة. فقال عنهم إنهم قادة عميان يقودون عميانًا. وأعلن أنهم سيزيدون عددًا، وأن الفترة التي تسبق مجيئه ستتميَّز بالانتشار الواسع للإنجيل، وبقيام أنبياء كذبة كثيرين يضلّون كثيرين (مت 24: 11-14). ونحن نقرأ عنهم تقريبًا في كل رسائل العهد الجديد، ويسميهم الكتاب (كما قال المسيح هنا) "أنبياء كذبة"؛ لأنهم يدَّعون الوحي الإلهي، كما يُطلق عليهم "رسل كذبة" (2 كو 11: 13)؛ لأنهم يدًّعون السلطان الرسولي. ويسمّيهم أيضًا "معلمين كذبة" (2 بط 2: 1)، و"مسحاء كذبة" (مت 24: 24 ومر 13: 22 و1يو 2: 18، 22)؛ لأنهم يدَّعون أنهم المسيح، أو ينكرون أن المسيح هو الله المتجسد.

وتاريخ الكنيسة حافل بقصص مرعبة عن الصراع مع المعلمين الكذبة، فقد تحدَّتهم الكنيسة، وسهرت للدفاع عن الحق، إلا أنهم تسبَّبوا في خسارة كبيرة. وأخشى أنهم مازالوا موجودين بكثرة في كنيسة اليوم.

ويضع القول: "احترزوا من الأنبياء الكذبة" أمامنا افتراضًا آخر، هو أن هناك مقاييس موضوعية للحق، نميِّز بها كذب التعاليم الموضوعة التي أذاعها المعلمون الكذبة. فماذا قصد المسيح بكلمة "كاذب"؟

في أيام كتابة الكتاب المقدس، كان النبي الحقيقي هو الذي يتعلم الحق من الإعلان الإلهي والوحي الإلهي، أما المعلم الكاذب فيدِّعي الوحي الإلهي، ويقدم تعليمًا كاذبًا. وقد وصف النبي إرميا الأنبياء الكذبة بأنهم "يتكلمون برؤيا قلوبهم". أما النبي الحقيقي، فإنه "يقف في مجلس الرب.. يسمع كلمته ويخبر الشعب بكلام الرب.. يتكلم عن فم الرب" (إر 23: 16، 18، 22). ثم يقول إرميا: "النبي الذي معه حلم فليقصَّ حلمًا. والذي معه كلمتي فليتكلم بكلمتي بالحق. ما للتبن مع الحنطة يقول الرب" (إر 23: 28).

إن وصفَ المسيح بعض المعلمين بأنهم "أنبياء كذبة"، يدل على أنه لم يكن متهاونًا، ولا موفِّقا بين المتناقضات، فيعلِّم أن آراء هؤلاء الكذبة تحوي أفكارًا عن الحق. كلا! فالرب وضَّح ما هو حقيقي وما هو كاذب، وأن الذين ينشرون الكذب باسم الله هم أنبياء كذبة، وعلى تلاميذه أن يحذروا منهم.

 

ب‌)   التحذيرات

بعد أن لاحظنا افتراض المسيح أن هناك أنبياء كذبة، وأن هناك انحرافات عن الحق، دعونا نفكر في تحذيراته بأكثر تدقيق: "احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان. ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة" (عدد 15).

إن خطر هؤلاء الكذبة يكمن في أنهم "ذئاب"، ولقد كانت "الذئاب" في فلسطين هي العدو الطبيعي "للحملان"، ولم تكن الحملان تستطيع أن تحمي نفسها في مواجهتهم. والراعي الصالح (كما علَّم المسيح فيما بعد) كان دائمًا يحذِّر من الذئاب ليحمي الخراف منهم. أما الراعي الأجير، الذي ليست الخراف له، فلا يبالي بها، وعندما يرى الذئب مقبلاً يترك الخراف لينجو بنفسه، فيخطف الذئب الخروف ويبددها (يو 10: 11-13).

وقطيع المسيح، اليوم، إمّا في أيدي رعاة صالحين أو أجراء أو ذئاب. والراعي الصالح، يطعم شعبه الحق. أما المعلم الكاذب فمثله مثل الذئب، يشتت الرعية بالتعاليم الكاذبة. والراعي الأجير (الراعي الموظف)، لا يعمل شيئًا لحماية الخراف، ويتركها للمعلمين الكذبة. ولذلك قال الرسول بولس لقسوس كنيسة أفسس: "لأني أعلم هذا أنه بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية. ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ ورائهم. لذلك اسهروا" (أع 20: 29-31).

فما هي الأمور الملتوية التي تمثل خطرًا وانزعاجًا وقلقًا في الكنيسة؟

لقد كان الأنبياء الكذبة في العهد القديم يخدعون الشعب بالآمال الكاذبة، ويعلّمونهم أن الله محب رحيم وليس ديانًا، ففضحهم النبي إرميا وأعلن خطأهم وقال عنهم للشعب: "يتكلمون برؤيا قلبهم، لا عن فم الرب.. ويقولون لمحتقري كلام الرب قال الرب يكون لكم سلام. ويقولون لكل من يسير في عناد قلبه: "لا يأتي عليكم شر" (إر 23: 16، 17)، لذلك قال الرب عنه: "يشفون كسر بنت شعبي على عثم قائلين سلام سلام. ولا سلام" (إر 8: 11). ويخدِّر كلام الأنبياء الكذبة شعب الله، ويعطيهم إحساسًا خادعًا بالأمن والسلام، فينامون في خطاياهم، لأنه لا يحذرهم من دينونة الله الوشيكة، وبالتالي لا يضع أمامهم وسيلة النجاة من هذه الدينونة.

وليس من سبيل المصادفة أن يحذر المسيح من المعلمين الكذبة بعد تعليمه عن البابين والطريقين والمصيرين والحشدين، لأن الأنبياء الكذبة كانوا بارعين في تلويث طريق الخلاص. وهناك من يشوِّه أو يفسد معاني الإنجيل، فيصعب على الباحثين عن الباب الضيق أن يجدوه. ويحاول البعض أن يجعل الطريق الكرب أوسع بكثير مما وصفه المسيح، قائلين إن المسير فيه لا يتطلب إلا قليلاً من القيود، أو قد لا يتطلب منك أي نوع من القيود، سواء بالنسبة للعقيدة أو السلوك. لكن أخطر أنواع المعلمين الكذبة هم الذين يناقضون تعاليم المسيح، ويؤكدون أن الطريق الرحب لن يؤدي إلى الهلاك، بزعمهم أن كل الطرق تؤدي إلى الله، بما في ذلك الطريق الرحب والطريق الكرب، ويقولون إنه بالرغم من أن الطريقين يقودان إلى اتجاهين متضادين، إلا أنهما في النهاية يؤديان إلى الحياة!!

ولا عجب إن كان المسيح يشبّه مثل هؤلاء المعلمين الكذبة بالذئاب الخاطفة –لا لأنهم طماعون يبحثون عن الجاه والقوة (وهم هكذا فعلاً)، ولكن لأنهم مفترسون خطرون للغاية. إنهم مسؤولون عن قيادة الشعب إلى الهلاك الذين ينكرون وجوده.

وهؤلاء المعلمون الكذبة أكثر من خطرين، لأنهم خادعون، فالكلاب والخنازير الذين تكلم عنهم في (مت 7: 6) من السهل اكتشافهم، لأن عاداتهم القذرة تكشفهم. أما مشكلة "الذئاب"، فلا يُكتشف بسهولة، لأنهم يندسّون في القطيع متنكرين في شكل حملان. وكنتيجة لهذا، ينخدع فيهم الشخص غير المكترث ويعتقد أنهم حملان، فلا يطردهم، ولا يكتشف طبيعتهم الحقيقية –إلا بعد حدوث الدمار. فالمعلم الكاذب، لا يعلن ولا يكشف عن نفسه ولا عن أكاذيبه، بل بالعكس يدِّعي أنه يعلّم الحق.

وكما قال "بونهوفر" عن النبي الكاذب إنه: "يعتقد أن المسيحيين مجموعة بسطاء أو سُذَّج، وهو يحاول أن يخفي أغراضه الدنيئة تحت ستار المحبة المسيحية، آملاً أن أقنعته غير البريئة تصرف الأفكار عن نواياه". وهو يتظاهر بالتقوى، ويستخدم غالبًا لغة روحية سامية، ولو أنه يلويها لتتغيَّر عن معناها الحقيقي فتخدع البسطاء. بل يتخفَّى أحيانًا وراء ألقاب سامية، أو وراء درجات أكاديمية مبهرة، ليقدم تعاليمه المسمومة. لذلك، يحذّرنا المسيح بقوله: "احترزوا". فلنسهر ولنصلِّ لنستطيع أن نميز، ونستخدم الملكات التي وضعها الله فينا، ولا نتساهل، ولا ننبهر بمظهر الإنسان الخارجي، سواء كان أدبه، أو درجاته العلمية، ولا نكون ساذجين فنظن أن الشخص الحاصل على درجات علمية عالية، أو رتبة كنسية هامة لأنه أسقف أو قسيس أو أستاذ في كلية لاهوتية، يكون شخصًا مستقيم الرأي وسفيرًا أمينًا للمسيح. علينا أن نتفرَّس في مثل هؤلاء جيدًا، لنقرأ بعمق حقيقة ما هو تحت الستار، وما الذي تحت صوف الغنم: ذئب أم حمل؟

 

ج) امتحانات

بعد أن تأملنا في الافتراضات التي افترضها المسيح، والتحذيرات التي قدمها، دعونا الآن نبحث في الامتحانات التي أخبرنا بها المسيح، لنطبِّقها. لقد تحول الآن من تشبيه الحملان والذئاب إلى تشبيه الأشجار وثمارها، ومن الحديث عن ثياب الحملان التي يلبسها الذئب إلى الثمار التي ينبغي أن تحملها الأشجار.

ومع أننا أحيانًا نخطئ في التمييز بين الذئب والحمل، لكننا لا نرتكب هذا النوع من الخطأ في تحديد نوعية الشجر، فلا يمكن للشجرة أن تخفي هويتها لمدة طويلة، لأنها آجلاً أو عاجلاً ستكشف عن نفسها من ثمارها. قد يلبس الذئب قناعًا، لكن الشجرة لا تستطيع، فالشوك والحسك لا يمكن أن ينتجا ثمارًا تؤكل مثل التين والعنب. وإن كانت طبيعية الثمار تحدد نوعية الشجرة (شجرة التين تُنتج تينًا، والكرمة عنبًا)، لكن حالة الشجرة تحدد حالة الثمر: "كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارًا ردية" (عدد 17). ولا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارًا ردية ولا شجرة ردية، أن تصنع أثمارًا جيدة (عدد 18). وسيحدد يوم الدينونة الفرق، إذ تُقطع الشجرة الردية وتُطرح في النار (عدد 19).

هذه هي الخلاصة التي ركز عليها السميح مرتين (العددان 16، 20)، فمن ثمارهم تعرفونهم. فما هي هذه الثمار؟

النوع الأول من الثمار الذي يكشف لنا شخصية الأنبياء الكذبة الحقيقية يظهر في مجال أخلاقهم وسلوكهم. وثمر المعلِّم الجيد دليل على تشبُّهه بالمسيح، وهو الذي تكلم عنه الرسول بولس بما أسماه "ثمر الروح". وكلما رأينا في المعلم وداعة المسيح، وقوة محبته، وصبره، ولطفه، وصلاحه، وتعففه؛ نعلم أنه معلم حقيقي، لا مزيف. لكن عندما تغيب مثل هذه الصفات من حياة المعلم، وتظهر فيه "أعمال الجسد" – لا "ثمر الروح"، ونرى العداوة، والخصام، والنجاسة، والغيرة، والحسد؛ نستطيع أن نحكم أننا أمام معلم كاذب، مهما كانت كلماته جذابة. لكن هذه الثمار لا تقتصر على الصفات والسلوك فحسب، لذلك كتب كلفن "إن الحكم على المعلمين من خلال حياتهم، فحسب، هو في رأيي خطأ".

وهنا، نأتي إلى الثمر الثاني، وهو نوعية التعليم، وهنا يظهر في حديث آخر للمسيح استخدم فيه تشبيه الشجرة، وقال: "لأن من الثمر تُعرف الشجرة.. يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار. فمن من فضلة القلب يتكلم الفم. الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يُخرج الصالحات. والإنسان الشرير من الكنز الشرير يُخرج الشرور. ولكن أقول لكم إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوق يعطون عنها حسابًا يوم الدين. لأنه بكلامك تتبرر وبكلامك تُدان" (مت 12: 33-37، قارن لو 6: 45).

لذلك، يُعرف قلب الإنسان من كلامه، كما أن الشجرة تُعرف من ثمارها، فعلينا مسؤولية أن نمتحن المعلم من تعليمه. وقد أعطانا الرسول يوحنا مثالاً لهذا، لأن كنائس آسيا التي كتب إليها كانت مهدَّدة بالمعلمين الكذبة، فحذَّرهم كما، فعل المسيح من قبل، بأن لا ينخدعوا، لكن ليمتحنوا الأرواح (أي المعلمين الذين يدَّعون الوحي)؛ ليروا هل هي من الله (1يو 2: 26 و4: 1). وشجعهم أن يفتشوا عن المحبة والبر العملي في المعلمين. فإن لم يجدوها؛ عليهم أن يرفضوا مثل هذا المعلم. وأضاف إلى مثل هذه الامتحانات الأخلاقية أمرًا هامًا، هو نوعية التعليم. فهل رسالة هذا المعلم تتفق مع تعاليم الرسل؟ (1يو 2: 24 و4: 6)، وهل هو يعترف أن يسوع هو المسيح، الله الذي أتى في الجسد؟ (1يو 2: 22، 23 و 4: 2، 2: 3 و2يو7-9).

لقد دافع مصلحو القرن السادس عشر عن أنفسهم، بطلب امتحان تعاليمهم، بعد أن اتهمتهم كنيسة روما بأنهم أصحاب بدع ومعلمين كذبة، فالتجأوا إلى كلمة الله، وأكدوا أن تعاليمهم ليست بدعًا جديدة، لكنها اكتشاف أمر قديم، هو الإنجيل الحقيقي وتعاليم رسله. وكانت "كنيسة العصور الوسطى" الكاثوليكية قد انحرفت عن الإيمان، وانقادت إلى الضلال، فصرخ "لوثر" بأعلى صوته وقال: "تمسكوا بكلمة الله النقيّة فتستطيعوا أن تحكموا على ما هو الصواب".

وأكد "كلفن" ذات الحقيقة، وقال: "كل التعاليم ينبغي أن تُوضع أمام نور كلمة الله لتقييمها. ونحن نحكم على المعلمين الكذبة ينبغي ان يكون قانون الإيمان (أي كلمة الله) هو القاضي". ثم ذهب إلى خطوة أبعد من هذا، عندما وجَّه الأنظار إلى دوافع المعلمين الكذبة بالإضافة إلى مادة تعليمهم، فالدوافع تحدد صدق المعلم: هل هو من الله أم لا؟ وقد برهن المسيح أنه مرسل من الله، بأنه لا يطلب مجد نفسه، بل مجد الذي أرسله. "وأما من يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق" (يو 7: 18).

وفي امتحاننا لمؤهلات المعلم، يجب أن نمتحن صفاته ورسالته. وقد لخص هذا الأمر "الأسقف رايلي" عندما قال: "التعليم الصحيح، والحياة المقدسة، هي علامات النبي الحقيقي".

لكني أعتقد أن هناك امتحانًا ثالثًا علينا أن نطبِّقه على المعلمين، يتعلق بتأثيرهم، فلنسأل أنفسنا: ما هو تأثير تعليمهم على أتباعهم؟

أحيانًا لا يظهر زيف المعلم في الحال، فلا نستطيع أن نكتشف أي عيب في سلوكه أو تعليمه، لكن زيفه يظهر فيما بعد، من نتائجه المدمرة. وهذا ما قصده الرسول بولس في قوله: "وكلمتهم ترعى كآكلة" (2تي 2: 17). ونرى تأثيرهم المدمر عندما إيمان بعض الناس (2 تي 2: 18)، عندما يؤدي تعليمهم إلى الخصومات (1تي 6: 4، 5 و2تي 2: 23 وتي 1: 11 و3: 9)، والفجور (2 تي 2: 16). لكن على النقيض من ذلك، نجد أن التعليم الصحيح يؤدي إلى الإيمان والمحبة والفضيلة (1 تي 1: 4: 5 و4: 7 و6: 3 و2 تي 3: 16، 17 وتي 1: 1).

وليس تطبيقًا امتحان الثمر أو التأثير أمرًا سهلاً، فالثمر يحتاج إلى وقت للنضوج. وعلينا أن ننتظره بصبر، لأننا نحتاج إلى فرصة لفحصه بدقَّة وعن قرب، فليس من السهل دائمًا أن تفحص الشجرة وثمرها من على بُعد. حتى من خلال النظرة القريبة العابرة، قد لا تستطيع أن تكتشف بعض الأمراض في الشجرة أو في الثمار.

وعند تطبيق هذا القانون على المعلمين، نجد أننا نحتاج –لا إلى تقييم سطحي عن موقع المعلم في الكنيسة، لكن إلى نظرة فاحصة لسلوكه، وصفاته، ورسالته، ودوافعه، وتأثيره.

وليس معنى مثل هذه التحذيرات التي قدَّمها المسيح أن نشك في كل معلم، أو أن نمارس هواية الصيد في الماء العكر بالنسبة للمعلمين. إلا أن هذه التحذيرات تذَّكرنا أن هناك أنبياء كذبة في الكنيسة يجب أن نحترس منهم، ونسهر ضدهم.

إن الحق جدير أن نتمسك به؛ لأنه حق الله ويبني كنيسة الله، لكن الضلال هو عمل الشيطان ويؤدي الهلاك. وإن كنا نهتم بحق الله وبكنيسته، فعلينا أن نأخذ تحذيرات الله مأخذ الجد. لقد وضع المسيح ورسله على عاتقنا مسؤولية حفظ تعاليم الكنيسة نقية وسليمة، وهي مسؤولية تقع جزئيًا على عاتق القادة (من أساقفة وقساوسة)، لكنها مسؤولية كل فرد من أعضاء الكنيسة. فالكنيسة المحلية تمتلك قوة أكثر مما تتوقعها أو تستخدمها في اتخاذ قراراتها بالنسبة للمعلمين الذين تستمع إليهم. وتحذير المسيح من الأنبياء الكذبة، هو تحذير موجَّه إلى جميعنا، وإن انتبهت الكنيسة له، وطبَّقت الامتحانات التي يقدمها المسيح لنا؛ فلن تكون في هذه الحالة الخطيرة من الخلل الأخلاقي بل واللاهوتي التي نحن عليها الآن.

وبهذه الفقرة، حتم المسيح تصوره للعلاقات المسيحية. وعندما نسترجعهم، نستطيع أن نكتشف أنها علاقات غنية ومتنوعة:

فالمؤمن (كأخٍ) يكره الرياء، بل ينتقد نفسه، ويدعِّم الآخرين ويبنيهم.

والمؤمن (ككارزٍ) يقيِّم ويقدِّر دور الإنجيل، ويرفض أن يقدمه للخطاة المعاندين الرافضين الذين يزدرون به.

و(كمحبٍّ) لكل الناس، يفعل بهم ما يريدهم أن يفعلوه به.

والمؤمن (كابنٍ) يتطلع إلى أبيه السماوي بثقة واتضاع، ليعطيه كل عطية صالحة يحتاجها. والمؤمن (كمسافرٍ) في الطريق الكرب الصعب يتمتع بصحبة المؤمنين المسافرين معه، ويضع عينه على هدف الحياة.

والمؤمن (كحارسٍ) لتعليم الله ينتبه إلى تحذيرات المسيح، فيكون ساهرًا ليميِّز المعلمين الكذبة الذين يحرّفون الحق ويتلفون قطيع المسيح.

 

جون ستوت

من "تفسير الموعظة على الجبل"