اليأس: مرض الروح - (مفهوم اليأس عند كيركجارد)

سورين كيركجارد ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

مثلما قد يقول الطبيب إنه لا يوجد شخص واحد سليم معاف تمامًا دونما أدنى ذرة من مرض، فكذا فإن كل من يعرف الجنس البشري قد يقول إنه لا يوجد إنسان واحد لا ييأس ولو قليلاً، لا يوجد إنسان واحد لم يُعان ولو قليلاً من عدم الراحة، والصراع الداخلي وعدم التناغم، أو لم يُجرّب حصرًا من شئ مجهول أو شئ لا يجرؤ حقًا على محاولة معرفة كنهه..

 

إن إمكانية هذا المرض نابعة من تفوق الإنسان على الحيوان؛ وإدراك هذا المرض هو التفوق المسيحي على الإنسان الطبيعي؛ والنعمة المسيحية هي أن يُشفى من هذا المرض..

إن اليأس حالة روحية وهو يتعلق بما هو أبدي خالد في الإنسان.

 

اليأس هو "مرض للموات"

عذاب اليأس هو تحديدًا عدم القدرة على الموت. ومن ثم فهو يشابه حالة ذاك المريض الذي على شفا الموت قابعًا في سريره يصارع الموت ولا يستطيع أن يموت..

وبهذا المعنى الأخير اليأس هو مرض الموات، إنه مرض النفس هذا، أن تظل دائمًا أبدًا تموت، تموت بيد أنك لا تموت..

إنه كشخص لا يستطيع أن يلتهم ذاته، لا يستطيع التخلص من ذاته، لا يستطيع أن يختزل ذاته إلى لا شئ. تلك هي صيغة اليأس.. الشخص اليائس عندما يأس من شئ فإنه يأس حقًا من ذاته، والآن يود لو تخلّص من ذاته.

فمن الشطح أن نقول عن شخص في حالة يأس: إنه يلتهم نفسه، لكن هذه هي الحالة بالتحديد عند اليأس: إنه يريد أن يلتهم نفسه، وهذا بالتحديد ما لا يسعه فعله، حيث أن اليأس قد أشعل شيئًا لا يمكن أن يحترق أو يُحرق داخل النفس.

وبناء على ذلك، فإن اليأس من شئ ليس اليأس الحقيقي. إنه بداية أو كما قد يقول الطبيب عن المرض، إنه لم يظهر بعد ولم يكشف عن نفسه كالبرد المكتوم. الخطوة التالية هي اليأس المُعلن المفصح عنه، وهو اليأس في النفس..

أن نيأس من نفسنا، أي في اليأس نريد أن نتخلص من ذاتنا، هي صيغة لكل أنواع اليأس..

تلك هي الحال عند اليأس. مهما حاول الشخص اليائس تجنب هذا، ومهما نجح في فقدان نفسه تمامًا (وخاصة في حالة اليأس الذي هو جهل بأنك يائس) وفقد نفسه بطريقة بحيث لا يمكن إدراك الفقد على الإطلاق –فرغم كل هذا- ستُظهره الأبدية وتكشف عنه وتُبدي له حالته: إنه في يأس وستلصقه بنفسه، بحيث يكون عذابه هو أنه لا يستطيع التخلص من نفسه، أو لا يستطيع تخليص نفسه من نفسه، وسيظهر بوضوح أنه كان يتخيل إنه قد نجح في فعل هذا. إن الأبدية مُجبرة على هذا لأن امتلاك النفس، أو أن تكون نفسًا هو أكبر أمانة أُعطيت للإنسان وهي أمانة خالدة لكنه أيضًا فرض الأبدية على الإنسان..

ألا تكون في يأس وألا تُدرك أنك في يأس، هو بالتحديد شكل من أشكال اليأس. وبمعنى أكثر عمقًا، فإن الرؤية الشائعة في تفسير اليأس تشابه الرؤية الشائعة فيما يتعلق بتحديد مرض شخص من عدمه، وبشكل أكثر عمقًا سبب هذا هو أن الرؤية الشائعة لا تفهم ما هو الروح(وبسب عدم الفهم هذا، لا يُمكن للمرء فهم اليأس أيضًا) مثلما لا تفهم ما هو المرض وما هي الصحة. كقاعدة عامة، يُعتبر الشخص عندما لا يقول بذاته إنه مريض، ناهيك عن أنه يقول عن نفسه إنه على ما يرام. لكن الطبيب لديه رؤية مختلفة عن المرض. لماذا؟ لأن الطبيب لديه تصور محدد ومتطور عما تعنيه الصحة ومن ثم فهو يحدد حالة الإنسان وفقًا لذلك. يعلم الطبيب جيدًا أنه مثلما هناك مرض الوهم فكذلك ثمة الصحة المتوهمة، وفي الحالة الأخيرة يتخذ التدابير للكشف عن المرض. وبصفة عامة، ليس على الطبيب، تحديدًا لأنه طبيب (عالم بالأمور) أن يثق ثقة عمياء فيما يقوله المرء عن حالته. فلو كان ما يقوله المرء عن حالته سواء كانت مرضًا أم صحة هو أمر موثوق فيه، لكان من الوهم وجود اطباء. إن مهمة الطبيب ليست مجرد وصف العلاج ولكنها تحديدًا وقبل كل شئ تشخيص المرض، ومن ثم فإن مهمته الأولى هي تحديد ما إذا كان المريض المفترض مريضًا حقًا أو ما إذا كان الشخص السليم المفترض سليمًا حقًا. وتلك هي علاقة طبيب الروح باليأس. إنه يعرف ما هو اليأس ويدركه ومن ثم فلا يقبل بإعلان الشخص أنه ليس يائسًا ولا بإعلانه أنه يائس.

اليأس إحساس يمكن إحساسه ولأنه من خصائص الروح، يجوز أيضًا أن نظن أنه حالة أخرى وقد نخلط بينه وبين كل الحالات الانتقالية مثل الرفض والصراع الداخلي والتي تمر بدون أن تتطور كي تتحول إلى يأس. لكن طبيب الروح يعتبر هذه الحالات أيضًا من أشكال اليأس..

أيضًا تتغاضى الرؤية الشائعة عن أن اليأس يختلف اختلافًا جدليًا عما نسميه مرضًا، لأنه مرض الروح..

 

اليأس من سمات الروح

هذا يعني أن حالة الإنسان، باعتباره روح هي حالة حرجة باستمرار ويعتمد هذا على حقيقة أن الإنسان روح (ولو سألنا أنفسنا عن اليأس لابد من النظر إلى الإنسان بوصفه روح)..

لكن ألا تُدرك أنك محدّد بالروح هو بالتحديد اليأس.. حتى لو كان هذا اليأس من وجهة النظر البشرية، جميل ومحبوب للغاية فحتى ما هو جد جميل، محبوب، مثل شباب المرأة ما يزال يأس، حتى في السعادة. ولهذا السبب، لا يمكن الانزلاق عبر الحياة على هذه الآنية. ولو نجحت هذه السعادة في الانزلاق، حسنًا، فائدتها جد قليلة لأنها يأس. وبالتحديد لأن مرض اليأس جدلي تمامًا، فإن أسوأ شئ، وأسوأ حظ هو ألا تُعاني من هذا المرض: إنه هبة من السماء أن تُصاب به، بالرغم من إنه أخطر الأمراض، إن لم يرد أحد أن يُشفى منه..

ومن ثم، فالرؤية الشائعة بأن اليأس نادر هي رؤية خاطئة تمامًا، فهو على العكس من ذلك تمامًا، جد شائع وعمومي. والرؤية الشائعة، التي تفترض أن كل من لا يعتقد أو يشعر أنه ليس في يأس أو إنه فقط من يقول إنه في يأس هو في يأس، فهي رؤية زائفة خاطئة تمامًا. على العكس من ذلك تمامًا، فالشخص الذي يقول دون تكلف إنه في يأس هو أقرب قليلاً، وبشكل جدلي، إلى الشفاء من كل من لا يُعتبرون كذلك ومن كل من لا يرون أنفسهم في يأس. وبالتأكيد سيتفق معي أطباء الروح، إنه بشكل عام، فإن معظم البشر يعيشون حياتهم دون أن يقتربوا من إدراك أن قدرهم إنهم أرواح ومن ثم، كل ما يسمَّى الأمان، والسعادة في الحياة، وما إلى ذلك، هي في الواقع يأس. وعلى جانب آخر، فإن أولئك الذين يقولون إنهم في يأس هو عادة أولئك الذين لديهم طبيعة جد عميقة حتى إنهم مقدور عليهم أن يدركوا كونهم أرواح أو أولئك التي ساعدتهم الخبرات المريرة والقرارات الخاطئة على أن يُدركوا أنهم أرواح: سواء هذا أو ذاك، فإن الشخص الذي يخلو من اليأس حقًا هو شخص نادر الوجود حقًا.

ثمة الكثير من الكلام عن الحزن البشري والمعاناة –وأنا أحاول أن أفهمه ولي خبرة لصيقة به- ثمة كلام كثير عن تضييع الحياة، لكن حياة الإنسان تضيع فقط إن استمر مخدوعًا بأفراح الحياة أو أتراحها بحيث لا يُدرك بوضوح وإلى الأبد روحه، ونفسه، أو ما يساوي هذا، وهو ألا يُدرك قط وبالمعنى الأعمق ويكتسب انطباعًا بأن هناك إله، وأنه "هو"، هو ذاته بنفسه، حاضر أمام هذا الإله – خير كثير لا حدود له ولا يمكن اكتسابه إلا عبر اليأس. يا لبؤس أولئك الذين يعيشون بهذه الطريقة، وينخدعون عن أجمل الأفكار وأسمى النعم تلك، يا له من بؤس أننا نغمر أنفسنا في هذا ونشجع الآخرين كي ينغمسوا فيه، ونستخدمهم كطاقة لإتمام مسرحية الحياة ولا نذكرّهم قط بهذه النعمة. يا لها من معاناة وياله من بؤس أن يتجمّع الناس معًا في كتلة واحدة، وتنخدع بدلاً من أن تنقسم إلى أفراد بحيث يستطيع كل فرد أن تكتسب القدر الأعلى، الشيء الوحيد الذي يستحقه أن تعيش من أجله والذي يكفي كي تعيش إلى الأبد. أعتقد أن بوسعي أن أبكي إلى الأبد على مثل هذا البؤس. وبالنسبة لي، فإن التعبير الأكثر رعبًا من هذا المرض الرهيب والبؤس المخيف هو أنه مخفي –ليس فقط أن الشخص الذي يعاني منه قد يرغب في إخفائه، وربما ينجح، ليس فقط أنه يجوز أن يعيش في الإنسان بحيث لا يكتشفه أحد قط، ليس هذا فقط بل يجوز أن يختفي داخل المرء بحيث أنه هو نفسه لا يُدرك وجود هذا المرض! أو عندما تمر الساعات وينفذ الوقت، زمن التوقيت، عندما يتوقف طنين الحياة الدنيوية ويصمت، وعندما تنتهي فاعليتها غير المؤثرة القلقة، وعندما يتوقف كل شئ حولك، كما هي حال الأبدية – عندئذ سواء كنت رجل أم امرأة، ثري أم فقير، اعتمادي أم مستقل، محظوظ أم سيئ الحظ، سواء كنت من ضمن الملوك وتلبس تاج الدولة اللامع أو كنت من ضمن السوقة المجهولين تحمل عبء حرارة النهار، سواء ظل اسمك مذكورًا ما استمر العالم موجودًا أو سواء كنت مجهولاً مع استمرار العالم ضمن العديد من ربوات المجهولين الذين لا يُحصون، وسواء كان البهاء والدواء الذي يكتنفك يتجاوز كل الوصف أو سواء حل بك أسوأ وأفظع قدر بشري – فإن الأبدية تسألك، ومعك الملايين والملايين غيرك من أفراد البشر، سؤالاً واحدًا: هل عشت في يأس أم لا، هل يأست بهذه الطريقة بحيث لم يسعك أن تُدرك أنك في يأس أو بتلك الطريقة بحيث حملت هذا المرض بداخلك كسر يلتهم أعضاءك الداخلية، وكثمرة حب خاطئ في قلبك المفعم، أو بتلك الطريقة بحيث أنك رغم الآخرين انفجرت في نيران اليأس. ولو حدث هذا، لو شعت حياتك في يأس، فبصرف النظر عما جنيته أو خبرته، فقد خسرت كل شئ، ولن تعرفك الأبدية لأنها لم تعرفك قط، أو الأفظع عرفتك كما عرفت نفسك وهي تربط بينك وبين نفسك في يأس.

 

اليأس المحدود، وهو افتقاد اللا محدود

أن كل كائن بشري ينزع أولاً لأن يكون نفسًا، ومُقدر له أن يكون نفسه، وبقدر ما تكون كل نفس بالتأكيد ذات حدود (محددة ومحدودة) فإن هذا يعني أساسًا أن لها شكل راسخ وليس أنها مستقرة على شئ، أو أنها تتشكل خوفًا من البشر فلا تجرؤ على أن تصير نفسها في أكثر أشكالها خصوصية..

فمثل هذا الإنسان المحاط بالبشر جماعات وأفرادًا، من كل الصنوف والضروب، والمستوعب في كل مناحي الحياة الدنيوية، والمستغرق باستمرار في كل سبل العالم، يجد نفسه نسيًا منسيًا، ينسى اسمه، وينسى ربه، ولا يجرؤ على الإيمان بنفسه، ويجد أن من الخطر أن يكون نفسه، ومن الأيسر عليه والأسهل له أن يكون مثل الآخرين، أن يصير نسخة، رقمًا، رجل من العامة.

وياللعجب، فهذا النوع من اليأس يمر بلا أدنى ملاحظة تحت سمع وبصر العالم. فبمجرد أن يفقد الإنسان نفسه بهذه الطريقة يكسب هذا الإنسان قدرة متزايدة على النجاح الساحق في عالم المال والحياة الاجتماعية. وفي الواقع، يصير المرء هكذا مؤهلاً للنجاح في الحياة. هنا لا مجال للتأخر، ولا للتردد، ولا للتراجع، لا مشاكل مع نفسه وانسحاقها وتحولها الذري، إنه يتدحرج كجلمود صخر حطه السيل من عُلٍّ وينتقل من يد لأخرى كقطعة نقود تتداولها الأيدي وتتخاطفها. ولا ينُظر إليه قط على أنه شخص يعاني من اليأس، بل يراه الناس على أنه مثال لما يجب أن يكون عليه الإنسان..

ومن ثم فمع المحدودية يأتي اليأس. والإنسان في هذا النوع من اليأس يمكنه أن يعيش حياة جيدة ولو لفترة، وفي الواقع، يحيا في رغد من العيش، ويظهر أنه إنسان متحقق ويحظى بتقدير اجتماعي، وينال مراتب عليا، ويُبجل وتبتلعه كل الأهداف الوقتية. وفي الواقع، تتكون الذهنية العلمانية من جماع هؤلاء البشر الذين يبيعون أنفسهم، لو جاز لنا القول، إلى العالم. إنهم يستخدمون قدراتهم، ويكنزون الذهب والفضة، وينجحون في مشاريعهم الدنيوية، ويحسبون بدقة واقتدار بل وقد يسطرون اسمًا لهم في التاريخ، لكنهم ليسوا أنفسًا بالمعنى الروحي، إنهم بلا نفس، بلا ذات، ولا روح يمكن من أجلها المغامرة بكل شئ، لا روح لهم تقف أمام الله وتخشع في حضرته، حتى لو بدا أنهم قد تحققوا في أي مجال آخر..

يمتلك المؤمن الترياق الناجح الوحيد ضد اليأس – أي الإمكانية- لأن كل شئ ممكن لدى الله في كل لحظة. وهذا هو مضمون الإيمان الصحيح الذي يحل كل التناقضات. التناقضات هنا هو ما يلي، من وجهة النظر البشرية، السقوط أكيد، لكن بالرغم من هذا ثمة إمكانية..

وهذا الذي ارتقت كينونته حتى صار روحًا عبر فهم أن كل شئ ممكن، هو من يستطيع أن يخلق الصلة مع الله. إن معرفتي أن مشيئة الله هي الممكنة، تجعلني قادرًا على الصلاة، ولو لم يوجد أي شئ سوى الضرورة والحتمية، لصار الإنسان كالدواب والبهائم..

الشخص الذي يضيع في الإمكانية يحلق عاليًا في شجاعة اليأس، بينما هذا الذي يصير كل شئ بالنسبة له ضرورة يلجم نفسه في الحياة ويحطمه اليأس..

تعتمد حدة وشدة اليأس على درجة الوعي أو لنقل أنها تتناسب طرديًّا مع زيادة الوعي: أي أنه كلما ازدادت درجة الوعي، ازدادت حدة اليأس.. بينما اليأس في حده الأدنى هو عندما تصل درجة عدم الوعي هذه إلى أقصاها..

ولو قارنا بين الشخص الذي يُدرك ويعي يأسه، فإن الفرد اليائس الذي لا يعي يأسه ويجهله، هو ببساطة إنسان بعيد عن الحقيقة والخلاص، وفي حالة استلاب..

إن الفرد الذي يجهل يأسه يبتعد عن الحقيقة والخلاص بقدر أكبر من ابتعاد ذلك الذي يعرفه، ولكن يظل غارق فيه..

فالجهل لا يمكنه البتة أن يهزم اليأس أو يُغيره إلى غير حال، حتى إنه قد يكون في الواقع أخطر أنواع اليأس. فبالإضافة لقوة تأثيره الإحباطي فإن الشخص الذي يجهل أنه في يأس محصن بشكل ما ضد إدراكه ليأسه، أي أنه في حصن حصين من اليأس..

فالفرد أبعد ما يمكن عن إدراك ذاته كروح عندما يجهل أنه في يأس. لكن هذا تحديدًا، أي عدم إدراك الذات يكون هو اليأس الذي هو انعدام الروح، سواء كانت الحالة هي المرض السقيم، أو مجرد العيش دون حياة، مثل: النبات، أو في حياة صاخبة مليئة بالطاقة، فكل هذا سره هو اليأس. والحالة الأخيرة تشبه حال ذلك المصدور (مريض السل)، فعندما يصل المرض لمنتهاه، ويدخل الحالة الحرجة، يشعر بالتحسن ويعتقد أنه في أحسن صحة، بل ربما ظن الآخرين حتى أنه يشع صحة.

هذا النوع من اليأس (الذي هو الجهل باليأس) هو الأكثر شيوعًا في العالم، في الواقع فإن ما ندعوه العالم، أو تحديدًا ما تدعوه المسيحية العالم الوثني والإنسان الطبيعي.

هي بالضبط هذا النوع من اليأس، تحديدًا ذلك النوع هو اليأس الذي يجهل اليأس..

في هذا النسق، كل وجود بشري لا يعي ذاته بوصفها روح، وأمام الله روح، أي كل وجود بشري لا يستقر في شفافية بين يدي الله ولكن يرتاح في غموض مريب ويتماهى مع بعض العموميات المجردة (كالدولة أو القومية أو الأمة إلخ..) أو، في ظلام النفس الدامس، وينظر لقدراته على أنها مجرد طاقات للإنتاج، وبدون أن يعي بعمق من أين أتت هذه القدرات، وينظر لذاته كما لو كانت شيئًا غير مجدد هذا لو أراد أساسًا أن يُضفي عليها معنى –كل وجود مثل هذا، بصرف النظر عما يحققه، مهما كان مذهلاً حقًا، ومهما استطاع أن يشرح، حتى لو شرح كل الحياة والوجود، ومهما كان مستمتعًا بشدة بالحياة بشكل جمالي – نقول أن كل وجود مثل هذا هو يأس محض..

عكس أن يكون المرء في يأس هو أن يمتلك المرء الإيمان: عندما تصيغ النفس علاقتها بذاتها وعندما تريد النفس أن تكون ذاتها، تدخل النفس الشفافة الراضية في جنّات القدرة التي خلقتها..

 

سورين كيركجارد

من كتاب: "المرض طريق الموات"