هل السؤال هو "لماذا تحدث الأمور السيئة للأتقياء؟" أم "لماذا تحدث الأمور الجيدة للأشرار؟"

ميلفين تينكر ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

"وكان حاضرًا في ذلك القوت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم. فأجاب يسوع وقال لهم

أتظنون أن هؤلاء الجليليين كانوا خطاة أكثر من كل الجليليين لأنهم كابدوا مثل هذا. كلا أقول لكم، بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون. أو أولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم أتظنون أن هؤلاء كانوا مذنبين أكثر من جميع الناس الساكنين في أورشليم. كلا أقول لكم، بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون." (لوقا 13: 1-5)

 

كنت في الثامنة عشر من عمري، في بيتي في ويلز مع والديّ وإخوتي، عندما سمعت نداء عاجل لطلب المعونة ثم بثه على الراديو. ففي نفس ذلك الصباح، انهار جبل من غبار ورواسب الفحم، فطمر مدرسة ابتدائية في بلدة أبيرفان الصغيرة. فتم حث رجال ويلز الأقوياء على ق طريقهم إلى هذه القرية. فأمسك أبي وإخوتي بالمجارف وذهبوا إلى هناك، واشتركت أنا أيضًا معهم في ذلك.

توهّجت المنطقة بالأضواء الكاشفة، تلك المنطقة التي كانت منذ ساعات قليلة تردد صدى لعب الأطفال. كان عمال المناجم الأقوياء يبكون بصوت واضح وهم ينقبون في الأنقاض طوال الليل. وكان صمت ثقيل يهبط على الجميع، بعد أن تخرج صرخة تعلين العثور على جثة أحد الأطفال. وأخيرًا تم إخراج كل جثث الأطفال البالغة 116 طفل، و28 من جثث البالغين. ولا تزال ذكرى تلك المأساة الرهيبة تعيش في أذهان الأحباء والأصدقاء.

إن تلك المأساة وغيرها الكثير قبلها وبعدها، تنتزع من القلوب الحساسة أسئلة مثل، "لماذا؟ أين الله من كل هذا؟ ماذا يمكن أن يقول أو يفعل؟".

في إحدى المرات واجه يسوع أسئلة مشابهة تتعلق بمأساتين حدثتا في زمانه. وقد تفيدنا الطريقة التي أجاب بها في تقييم منظور خاص بمشكلة الألم، والذي يمكن أن نتجاهله بسهولة شديدة. ليس هذا هو كامل المنظور مسيحيًّا تمامًا، ولكنه مع ذلك منظور مهم. ونجد الرواية الخاصة بهاتين المأساتين في لوقا 13: 1-5

 

الحدث

هناك حدثان مأساويان قدما فرصة لرد يسوع بخصوص الآلام البشرية.

الحدث الأول هو من صنع بشري، فهو مذبحة يتحدث سياق الإصحاح السابق عن يسوع وهو يدعو الناس إلى فهم علامات الأزمنة بشكل سليم. ثم نقرأ في إصحاح 13: "وكان حاضرًا في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم" (ع 1). لسبب ما، قام بيلاطس بعمل مذبحة هائلة لبعض اليهود الجليليين، ربما أثناء استعدادهم لاحتفالات الفصح. فبينما كن هؤلاء الناس يقومون بإعداد خروف الفصح، ويستعدون للإتيان أمام الله في احتفال ديني عظيم، قام الجنود الرومانيون، بأوامر من بيلاطس، بقتل أعداد من اليهود في الجليل. كان هذا الفعل الوحشي الإجرامي ليصدم أي إنسان، فهو يُشبه ما نُطلق عليه التطهير العرقي، الذي يحدث مؤخرًا في البوسنة – هذه هي الصورة التي يمكن أن تعلق بأذهاننا. كانت مذبحة مروعة. يمكن للبعض أن يفكروا أنه حيث أن هؤلاء الذين قُتلوا كانوا أناسًا مكرسين لله ومتدينين، كان يجب على الله أن يوفر لهم نوعًا من الحماية الخاصة. وحيث أنه لم يوفرها لهم، فلابد أنهم كانوا أشرارًا بشكل خاص، وكانت هذه دينونة الله عليهم.

أما الحدث الثاني، فقد كان مأساة طبيعية نوعًا ما: متمثلة في انهيار برج، وقتل ثمانية عشر شخصًا. ربما كان الضحايا من البالغين، لكن هناك احتمال لوجود أطفال بينهم أيضًا، مما يضاعف المأساة أكثر في أذهان سامعي يسوع. كانت هذه المأساة مروعة بالنسبة لليهود، كما كانت مأساة استاد هيلزبورو لكرة القدم مروعة بالنسبة لسكان شيفيلد وليفربول، أو كما كان انهيار جبل الفحم مأساويًا بالنسبة لأهل أبيرفان كما كان طوفان تسونامي رهيبًا على بلدان جنوب شرق أسيا. إننا نتحدث الآن عن أحداث حقيقية وقعت لأناس حقيقيين– فهي معاناة بشرية حقيقية. لذلك، فقد أراد الناس أن يعرفوا كيف يفكر يسوع في هذه المواقف المأساوية.

 

رد فعل يسوع

لكن يسوع عندما تحدث، كان قاطعًا في كلامه. إننا في كبريائنا نشير إلى المعاناة والآلام البشرية ونسأل، "ماذا سيفعل الله بشأنها؟" لكن يسوع يشير إلى الآلام البشرية ويقول، "ماذا ستفعل أنت بشأنها؟" إننا ننظر إلى كارثة فنقول، "كيف يمكن أن يكون الله صالحًا؟"، لكن يسوع ينظر إلى المأساة يوجه كلامه إلينا، لي ولك ويقول، "كيف يمكن أن تكون شديد السوء؟" يكمن خلف كلمات يسوع توبيخ يشكك في افتراضنا بأننا نستحق النجاح والسلام والبركة (التي لدينا بقدر كبير)، ولكنها عندما تكون لدينا، نتجاهل الله، إلى أن تصدمنا مأساة فجأة فنقوم بإلقاء اللوم عليه. لكن هذه طريقة تفكير خاطئة، يقول يسوع، لأن ما نفشل في وضعه في الاعتبار هو أن الكارثة هي بالضبط ما نستحقه، وأنه عندما تقع مأساة يجب الا تجعلنا نهز قبضتنا في وجه الله، بل أن نتوب ونرجع إلى الله. إن عنوان هذا الكتاب هو، "لماذا يتألم الأتقياء؟" وربما نظن أن هذا سؤال جيد. لكن بحسب الكتاب المقدس، يكون السؤال الحقيقي في ضوء الطريقة المريعة التي نتعامل بها مع خالقنا وخليقته، كما التي نتعامل بها من الآخرين، هو: "لماذا تحدث أمور جيدة للأشرار؟" فهذا هو اللغز الحقيقي.

هناك ثلاث أمور تختص برد فعل يسوع، والتي قد نجدها مثيرة للصدمة قليلاً. الأمر الأول هو أن يسوع لم يفترض أن أولئك الذين قتلهم بيلاطس، أو أولئك الذين قتلهم انهيار البرج، لم يكونوا يستحقون قدرهم. فحقيقة أنه توجه إلى الجموع وحثهم على حقيقة أنهم إذا لم يتوبوا سيهلكون هم أيضًا، توضح أن يسوع كان يفترض ببساطة أن كل أنواع الموت هي ببساطة، بشكل أو بآخر، نتيجة للخطية، ولذلك فهي مستحقة (العددان 3، 5). يتفق هذا الأمر مع التعليم الكتابي بأكمله: "وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت"، يقول الله (تكوين 2: 17)؛ "لأن أجرة الخطية هي موت"، يقول بولس (رومية 6: 23). لذلك فإن الموت والمآسي التي تحيط به كثيرًا، هو حكم الله العادل على عصياننا – نحن أخطأنا، لذلك فنحن نموت.

لكننا إذا رأينا دينونة الله تعمل بصورة ما في الآلام البشرية، يجب ألا نقفز إلى استنتاجات خاطئة. فنجد يسوع يؤكد هنا على أن موت هؤلاء، بمثل هذه الوسائل، ليس دليلاً على أن الذين يتألمون بمثل هذه الطريقة هم أكثر شرًا من أولئك الذين ينجون من هذا المصير. بل الافتراض هو أننا جميعًا نستحق أن نموت، وأنه إذا كانت مثل هذه الأمور قد حدثت لنا، فلن تكون أكثر مما نستحق: "أتظنون أن هؤلاء الجليليين كانوا خطاة أكثر من كل الجليليين لأنهم كابدوا مثل هذا" (ع 2). لاحظ أنهم "خطاة"، بحسب كلام يسوع. "أو أولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم أتظنون هؤلاء كانوا مذنبين أكثر من جميع الناس الساكنين في أورشليم" (ع 4). ولكلا السؤالين، يقدم يسوع الإجابة: "كلا أقول لكم." لكن هذا لا يعني أن الآخرين يستحقون أقل من هذا، لأن يسوع يقول في عدد 3: ”بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون".هذا يعني أنه لا يوجد مكان للتعالي الأخلاقي والاعتداد بالنفس، الذي نميل إلى إظهاره عندما يحدث أمر مريع لأشخاص معينين –خاصة إذا كان لدينا سبب لبغض هؤلاء الأشخاص. وهناك تصريح يرضي الذات يقول، "ماذا تتوقع غير ذلك لأناس مثل هؤلاء؟". إننا لا نقوم بإعلان ذلك بالطبع في بعض الأحيان، لكننا نفكر هكذا. لكن يسوع يقول، "هل تعتقد أنهم يستحقون مثل هذه المعاملة؟ لكن هذا لا يعدّ شيئًا بالنسبة لما تستحقه أنت." لذلك علينا أن نُظهر نوعًا من الاتضاع السليم.

لكن، ثالثًا، لابد أن نتعامل بجدية مع الطريقة التي رأي بها يسوع الحروب والكوارث الطبيعية، ليس كفرصة للنقاش الفلسفي المجرد حول صلاح الله وسيادته، بل كفرصة لدعوة الرجال والنساء إلى التوبة. فقد ذكر يسوع هذا الأمر مرتين، أنه إن لم تتوبوا –أي ترجعوا عن طرقكم الخاصة إلى الله واتباع يسوع- فجميعكم كذلك تهلكون. وهذا أمر أكيد يقيني مثل يقينية مجئ النهار بعد الليل.

وقد أوضح يسوع هذه الحقيقة الرهيبة بمثل:

"كانت لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه. فأتى يطلب فيها ثمرًا ولم يجد. فقال للكرام هوذا ثلاث سنين آتى أطلب ثمرًا في هذه التينة ولم أجد. اقطعها. لماذا تبطل الأرض أيضًا. فأجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة أيضًا حتى أنقب حولها وأضع زبلاً. فإن صنعت ثمرًا وإلا ففيما بعد تقطعها." (لوقا 13: 6-9).

هل ترى ما يبحث عنه الله في البشر، وماذا سيفعل إذا لم يجده؟ إنه يبحث عن ثمر، أي علامات على توبتنا وحياتنا كأناس نعكس محبته. أساسًا، كان يسوع يتحدث عن إسرائيل. فقد كانوا يرون يسوع وهو يعلّم ويخدم بينهم على مدى ثلاث سنوات، لكن كان الوقت قد قارب على الانتهاء، وإذا لم تكن هناك استجابة له، ستكون هناك دينونة. وقد حدث هذا فعليًّا، لأنه خلال أربعين عامًا كانت أورشليم قد خربت، وقد أوضح يسوع تمامًا أن هذه هي دينونة الله التي يتم تنفيذها (مرقس 13: 2، 28-30). إن الله صالح في مثل صلاح كلمته؛ لذلك فإذا قال شيئًا ما لابد وأن ينفذه.

نرى هنا إشارة تقليدية لمعنى أن يكون المرء "نبويًّا". كيف يمكن للمسيحي أن يكون نبويًّا اليوم؟ إنه يكون نبويًّا عندما يربط كلام الله ببعضه البعض وبالأحداث. فيكون عليه أن ينظر إلى المواقف المختلفة من خلال عدسات الكتاب المقدس، ويسأل، "ما الذي يقوله الله من خلال ذلك، وما الذي يطلب منا الله أن نفعله؟" وفي حالات الحرب والكوارث من هذا النوع، تكون الإجابة دائمًا هي نفسها: توبوا، وتوقفوا عن التفكير في أن الله مدين لنا بفضل ما، وتوقفوا عن استغلال لطفه واحسانه تجاهنا، لتدركوا قدر الفوضى التي فعلتموها، من عيشكم كأمة أو ككنيسة أو كأفراد، بعيدين عن الله دون الرجوع إلى الله وإلى قيمه. لذلك، تعلقوا وارجعوا قبل فوات الأوان. بمعنى آخر، يجب أن تكون الآلام فرصة لنوع من الفحص الجدّي للنفس، وسؤالها عن الدروس التي يجب أن أتعلمها أنا شخصيًّا من ذلك.

جاءت الحرب العالمية الثانية كصدمة للكثيرين داخل الكنائس. كان الكثيرون من قادة الكنائس يتبنون اتجاهًا إنسانيًّا متفائلاً، مؤمنين حقًّا أن الجنس البشري قد تعلّم دروسه من الحرب العالمية الأولى، وأن الأمور ستصبح أفضل أكثر فأكثر كل يوم. وكانوا يعتقدون بإخلاص أن كل ما يجب أن تفعله مع شخص مثل هتلر هو أن تتحدث معه حديثًا لطيفًا، وتجادله بالمنطق. ويبدو من الواضح أنهم قد تركوا كتبهم المقدسة خلفهم (فما بالك بالحس الفطري)! لذلك حدث ارتباك كامل بالنسبة للبعض عندما اندلعت الحرب، وبدأوا يتسألون: كيف يمكنك أن تفسر ذلك؟ كيف يسمح إله صالح بحدوث هذا؟

لكن هناك رجل أخبر الناس دون خجل بما كان يحدث، وكان هذا الرجل هو د.مارتن ليود جونز، والذي يبدو أنه تعامل مع لوقا 13 بجدية. وهذا هو ما نادى به في إحدى عظاته عام 1939، عند اندلاع الحرب العالمية الثانية:

"يسمح الله بحدوث أمور مثل الحرب لكي يؤدبنا ويعاقبنا؛ ولكي يعلمنا، ولكي يجعلنا نتوب عن خطايانا، وفوق كل شئ، لكي يدعونا للتوبة وقبول عرض نعمته السخي. لذلك فإن السؤال الحيوي بالنسبة لنا، ليس أن نقول، "لماذا يسمح الله بالحرب؟" بل أن نتأكد من أننا نتعلم الدرس ونتوب أمام الله عن خطايا قلوبنا الشخصية وخطايا الجنس البشري بأكمله، التي قادت إلى مثل هذه النتائج".

هذا هو صوت النبي.

أليست هذه علامة على دينونة الله علينا كأمة، أننا نادرًا ما نسمع مثل هذه الأصوات اليوم بين قادة كنائسنا المحلية؟ هل نطلب الكثير من القادة المسيحيين الوطنيين مثلاً، الذين لديهم تواجد في الإعلام، عندما نطلب منهم أن يذكروا ببساطة حقائق أساسية في الإنجيل؟ أن هناك إله، وأننا سوف نقدم له حسابًا عن أنفسنا؟ وأنه هو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يجعلنا في علاقة صحيحة وسليمة معه، وأنه قد فعل ذلك من خلال موت ابنه، مع ما يترتب على ذلك من دعوته لنا بأن نرجع إليه ونضع ثقتنا وإيماننا فيه؟ يجب أن أقول أنني لم أسمع هذا يُقال بوضوح من قبل. لكننا مع ذلك لدينا سياق اجتماعي في هذا البلد، يُقدم حرفيًّا فرصة إليه لعرض مثل هذه الدعوة؛ يتمثل ذلك في الوثنية الاقتصادية، وارتفاع معدلات الجريمة، والتحلل والتفكك الاجتماعي. على مدى السنوات القليلة الماضية، كانت لدينا أحداث هزت مجتمعنا من أساساته، مثل الخيانة الزوجية العلنية من جانب الأسرة المالكة، وقتل الأطفال في ليفربول، وذبح أطفال في دنيلين، وطعن رجال الدين، وغيرها. ماذا يمكن أن يفعل الله أكثر من ذلك للفت انتباهنا، ولجعلنا نُدرك أن الأمور ليست على ما يرام؟ فهناك علاقة قوية شديدة الوضوح بين هذه الأمور وبين حق الإنجيل.

لكن دعونا لا نُسئ فهم ذلك. إنني لا أفترض أننا يجب أن نكون قساة أو غير مبالين بآلام البشرية فالأمر أبعد ما يكون عن ذلك. فإنني أشك كثيرًا في أن يسوع قال هذه الكلمات دون أن تملأ الدموع عينيه، ويظهر الحزن والأسى في نبرة صوته. لكن ترك الأمر فقط عند مرحلة التعاطف، دون إرشاد الناس إلى المسيح، هو أقسى شئ يمكن أن نفعله –لأننا بذلك نسلب الناس الرجاء الوحيد الذي لديهم. هل تستطيع أن تفكر في أي أمر أكثر بشاعة من هروب المرء من مأساة في هذه الحياة، فقط لكي يعاني من مأساة أعظم بالذهاب إلى أبدية بلا مسيح في الحياة الآتية؟ يقدم الله للناس من خلال الآلام البشرية فرصة تلو الأخرى لكي يعودوا إليه. هل لاحظت في المثل كيف تم مد فرصة التوبة؟ وهذا بسبب محبة الله، ولكن هذه الفرصة لن تطول إلى الأبد، فلا يمكننا أن نستمر في تأجيل استجابتنا لله، بل يجب أن نستجيب له الآن.

أتعجب دائمًا وأتضايق من أن الناس الذين يحضرون خدمات الدفن –وهي المناسبة التي تركز الفكر أكثر من غيرها على الأبدية، وعلى قصر الحياة الأرضية، وعلى حقيقة أننا يوم ما سوف نموت ويأتي دورنا لأن نوضع في هذا التابوت- ولكنهم يخرجون من الخدمة كما دخلوا، بنفس ابتعادهم عن ملكوت الله. فإنه مع كل مأساة من المآسي البشرية، يأتي كذلك فعل من أفعال الرحمة، بدعوة الله إلينا بأن نرجع إليه ونضع ثقتنا وإيماننا فيه.

إن مضمون ما يعلمّه يسوع هنا ليس أن الألم هو المهم في حد ذاته، لكن المهم هو اتجاهنا واستجابتنا له. يقدم ديفيد واستون في واحد من كتبه مثالاً على ذلك، عن طريق أبوين شابين. فقد كل منهما ابنًا في الرابعة أو الخامسة من العمر بطريقة مأساوية. أحدهما تُوفي نتيجة لمرض اللوكيميا؛ بينما الآخر غرق في حوض سباحة. أحدهما كان مسيحيًّا شاهدًا، ولكنه أصبح الآن بعد هذه الحادثة ملحدًا. بينما الآخر كان ملحدًا، وبعد تلك الحادثة، أصبح مسيحيًّا. نجد هنا موقفان مأساويان متشابهان، لكن استجابتين مختلفتين بالكامل. أحدهما أتى بالمرارة واليأس، وقاد إلى الضياع، بينما قاد الآخر إلى فتح القلب للمحبة والسلام الموجودين في المسيح يسوع. يدعو يسوع الرجال والنساء لكي يفهموا أن هذه الحياة ليست هي كل شئ، وأن المآسي ستأتي، وأننا بعيدون عن الله، نجني فقط ثمار ما قد زرعناه. لقد دُعينا لأن نتخلى عن تمردنا ضد الله ونرجع إليه كأبينا السماوي، من خلال آلام ابنه بدلاً عنّا على الصليب.

 

ميلفين تينكر

من كتاب: "كيف نؤمن بإله المحبة في عالم الألم"