الخطية : اقتباسات عبر كتاب "الخطية خاطئة جداً"

رالف فيننج ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

"فهل صار لي الصالح موتاً. حاشا. بل الخطية. لكي تظهر خطية منشئة لي بالصالح موتاً لكي تصير الخطية خاطئة جداً بالوصية."

(رو 7: 13)

 

 

- يمكن أن يُعزى إلى الخطية كل الشرور والمساوئ التي تحدث في العالم؛ فهي أصل فساد الحكم، وهي المحرضة على الشر، وبانية برج بابل.

- الخطية هي إرادة مضادة لإرادة الله.

- الخطية لها طبيعة وشكل ومظاهر وصفات ونفس سلوكيات إبليس.

- الخطية شديدة الشر، حتى أنها لا تقوم فقط بإغضاب وإهانة الله بنفسها، بل تسعى أيضاً لهزيمة وإحباط مساعي كل الذين يحاولون أن يفعلوا عكس ذلك.

- الخطية تقدم بيانات كاذبة عن الله وعن الصلاح، وتضع التحيزات وصخور الإزعاج والإهانة والعثرة في طريق البشر، حتى يكرهوا كل ما هو صالح. وهكذا تسعى الخطية باستماتة شديدة ضد كرامة ومجد الله.

- الخطية تجعل الخاطئ يرغب لو لم يكن هناك إله ويسعى لئلا يكون هناك إله.

- الخطية مناقضة لله ولكل ما هو عزيز عنده أو دُعي اسمه عليه؛ لكن رغم أنها ضد كل صلاح، إلا أنها ليست مضادة كثيراً لأي صلاح بقدر ما هي مضادة لله، الذي هو ولأنه هو، الصلاح الأعظم المطلق.

- الخطية، في كونها مضادة لله، هي مضادة أيضاً للإنسان، لأن ما يتعدى على مجد الله يناقض سعادة الإنسان.. فـ"الشركة والتوافق مع الله هو سعادة الإنسان".

 

- "بسبب الخطية، يُحرم الإنسان، الذي كان إمبراطور جنة عدن، من بلده الأصلية، ولن يراها أبدًا إلا بطريقة جديدة وحيّة؛ لأن القديمة قد أُغلقت، وإلى جانب ذلك، فإنه ممنوع من دخولها بلهيب سيف متقلب. منذ ذلك الوقت، أصبح قدر كل إنسان أن يأتي إلى هذا العالم عريانًا ويخرج منه عريانًا، لإظهار أنه ليس له الحق في أي شئ؛ لكنه يعيش على إحساس وتصدّق نعمة الله. فكل ما لدينا أو نمتلكه ما بين ميلادنا ووفاتنا هو كسب خالص ومجرد عطية وهبة من الله. يمكن لله أن يختار إما أن يسمح لنا بشيء أو لا يسمح، وعندما يعطينا، فقد يأخذ منا مرة أخرى، وليس لأي منا الحق في أن يقول أي شئ سوى ما قاله أيوب: "عريانًا خرجت من بطن أمي وعريانًا أعود إلى هناك. الرب أعطى والرب أخد فليكن اسم الرب مباركًا" (أيوب 1: 21). كل ما لدينا، طعامنا وثيابنا، هو مُعار لنا فقط. فنحن مجرد مستأجرين، لذلك، إذ نفهم أننا لا نستحق شيئًا، يجب أن نكون مكتفين وشاكرين لأجل كل شئ (1 تيموثاوس 6: 7، 8). 

 

- أفسدت الخطية المجتمع، حتى أصبح الإنسان ذئباً بل حتى شيطاناً للآخر.

- أعمت الخطية فهم الإنسان وإدراكه، وجعلته أحمقاً.. لذلك فإن معرفة المسيح يسوع الآن تتطلب قوة عظيمة مثل تلك التي كانت عند الخلق، عندما قال الله أن يشرق نور من ظلمة.

- آه، كم جعلت الخطية الإنسان مسكيناً وتافها! (لو لم يكن البشر عمياناً، لما كانوا قد اقتيدوا بمرشدين عميان. لكن لكونهم في الظلام، فإنهم يسرون جداً بالمرشدين الذين يشابهونهم.)

- الخطية حطت من قدر الإنسان وجعلته بهيمة.. (من الأفضل أن تكون حمار بلعام على أن تكون حماراً مثلما كان بلعام نفسه.. وهذا هو ما سيكون عليه بعض الناس تماماً إذا تُرِكوا لأنفسهم، إن لم تتدخل النعمة العامة أو الخاصة لكي تكبحهم أو تجددهم لمنع حدوث ذلك.)

- الخطية جعلت البشر أسوأ من الوحوش[1].. الوحوش لا تتعدى على قانون طبيعتها، لكن الإنسان فعل هذا ويفعله مرات ومرات.. (ليس عيباً في الأسد أن يفترس، لكنها خطية في الإنسان أن يكون مثل الأسد المفترس.. ليس خطية بالنسبة للحيوان أن يكون شهوانياً، لكنها خطية بالنسبة للإنسان، الذي رغم أنه خُلِق لغايات وأهداف أسمى، يصبح متدنياً للغاية بحيث يكون في كثير من الأمور أكثر شهوانية وجسدانية من الحيوانات جعلت الخطية الإنسان منطوياًً على ذاته وقاسياً حتى أن الدببة أكثر رحمة بعضها بالبعض؛ فخير للإنسان أن يقابل دبة ثكول ولا جاهل في حماقته (أم 17: 12). فالإنسان أكثر ضرراً للإنسان من ضرر الحيوانات للإنسان.

 

- الخطية فصلت الإنسان عن الله بمعنى أخلاقي.. هذا إيذاء وجرح عظيم؛ في الواقع، هذا هو أعظم الأضرار، فحيث أن الله هو الخير الأعظم والمطلق للإنسان، لابد أن يكون الانفصال عن الله هو أسوأ وأفدح شر وخسارة بالنسبة للإنسان.

- على وجه الخصوص، الخطية فصلت الإنسان:

أ. عن رؤية الله (كان يمكن للإنسان أن يتكلم مع الله وجهاً لوجه، كما يكلم الإنسان صاحبه، لكن يا للأسف! أصبح لا يمكن للإنسان أن يرى وجه الله ويعيش.. فيا للضرر الهائل الذي فعلته الخطية بالإنسان إذ فصلته عن رؤية الله! لا يمكن للإنسان أن يرى الله ويعيش، رغم أن أفضل حياة هي في رؤية الله.

ب. الخطية فصلت الإنسان عن حياة الله.. بمعنى، حياة مثل التي يعيشها الله، أي حياة القداسة والكمال.

ج. الخطية فصلت الإنسان عن محبة الله.. عن تلك المحبة وذلك التواصل الفعلي الذي كان لدى الإنسان من قبل تجاه الله وكان يستمتع به. الخطية لم تحرمه من هذا فقط، بل جعلت الإنسان موضوع غضب الله، لأن الله يسخط على الأشرار كل يوم (مز 7: 11).. كان الإنسان في يوم من الأيام موضوع محبة الله وفرحه: عندما جاء الإنسان إلى العالم في صورة الله، نظر الله إليه بفرحة وعشق فيه صورته. لكن الخطية جعلت الإنسان موضوعاً لسخط الله، آخ منها تلك الخطية المؤذية.

د. الخطية فصلت الإنسان عن علاقة العهد التي كانت له مع الله. نتيجة لذلك، لم يعد هناك التزام من جانب الله أن يملك أو يعتني به أو تكون له أية علاقة به إلا بأن يحكم عليه. وما فعلته الخطية في البداية، إن لم تتم التوبة عنها وتلقي الغفران، ستفعله حتى يومنا هذا. لذلك يسمى الخطاة "لوعمي"، أي لستم شعبي، وهذا أسوأ من ألا يكونوا شعبًا (1 بطرس 2: 10). إنهم بدون إله ولا موعد ولا عهد (أفسس 2: 12). لا يمكن للإنسان أن يزعم أن له أي حق لدى الله، حيث أنه قد أخطأ: لذلك يُقال عن البشر أيضًا أنهم بدون رجاء، أي بلا رجاء في أنفسهم. يا له من انفصال ذلك الذي فعلته الخطية! فعندما سلبت الله من الإنسان سلبت منه كل شئ، لأن كل شئ هو لنا فقط مادام الله لنا (1 كورنثوس 3: 21). 

نتج عن هذا الانفصال عن الله اثنان من المآسي العظيمة التي حلت بالخطاة كأحكام دينونة على الخطية: 

أ- حجب الله وجهه. تبع هذا عملية الانفصال، كما يتم التعبير عن ذلك بوضوح في إشعياء 59: 2، "آثامكن صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم حجبت وجهه عنكم"، أو كما جاء في الهامش، "جعلته يحجب وجهه عنكم". إن وجهه هو الذي يصنع السماء، وابتسامة منه أو رفع نور وجهه علينا هو الذي ينعشنا أكثر من الحنطة والخمر والزيت (مزمور 4: 6-7). إن رحمته أفضل من الحياة – الأفضل لنا لو أننا تركنا الحياة عن أن نترك رحمته! يتم التعبير عن خطية الإنسان بهذا، أنه يدير لله القفا لا الوجه. ويعبّر الله عن عقابه له بأن يدير الله ظهره للإنسان لا وجهه. عندها لا يتصرف الله كصديق بل كغريب. لكن الحقيقة أن حجب الله لوجهه يعني المزيد من المآسي أكثر مما يمكنني أن أذكره هنا بالتفصيل. 

ب- المأساة الأخرى والتي ليست أقل ما سابقتها هي أن الله لا يسمع لصلواته. يأتي هذا بعد النص السابق الذي ذكرناه (إشعياء 59: 2) وهو يلازم حجب الله لوجهه (إشعياء 1: 15). الله هو إله سامع للصلاة، لكن الخطية تسكت صراخنا، وصلوات الأشرار مكرهة للرب الذي يدعوها ليس أفضل من الولولة (هوشع 7: 14). 

يوجد أيضًا اثنان أو ثلاثة من المآسي، بخلاف الكثير من المآسي الأخرى التي نتجت عن هذا الانفصال، التي يشهدها باستمرار الإنسان الخاطئ المسكين. 

ج- أصبح الإنسان بلا قوة. فقوة الإنسان العظيمة هي في اتحاده بالله. الانفصال عن الله يضعفه، لأنه بدون الله، وبعيدًا عنه، وبمعزل عنه، وبالانفصال عنه لا نقدر أن نفعل شيئًا. فأن تكون خاطئًا يعني أن تكون بلا قوة (رومية 5: 6، 8). كان الإنسان من قبل شمشونًا في قوته، لكن إذ أُخذت منه خصل شعره، فارقته قوته، بحيث أنه من نفسه ليس كفؤًا لأن يفكر فكرة واحدة جيدة (2 كورنثوس 3: 5). لقد كان قويًا وهو في الرب وفي شدة قوته، لكن الآن يديه ضعيفتان، وركبه مخلعة، وأرجله لا تستطيع أن تحمله؛ فلديه عجز روحي. 

د- أصبح الإنسان خائفاً من الله ويشعر بالخزي والخجل من المجئ أمام الله. عندما كان في حلالة البراءة، رغم أنه كان عريانًا، لم يكن يشعر بالخوف أو الخجل من الاقتراب من الله، أو من اقتراب الله منه. لكنه عندما أخطأ خجل من أن يظهر وجهه لله وخاف أن يرى وجه الله أو أن يسمع صوته (تكوين 3: 9: 10). عندما كان بارًا كان شجاعة في جرأة الأسد، لكنه الآن يختبئ خلف شجرة. 

"لكي لا يُقسّى أحد عليكم"، "فلا تُقسوا قلوبكم" (عبرانيين 3: 8، 13، 15). كل هذا له علاقة بسماع صوت الله. لأنه عندما يأتي الله لكي يبكت الإنسان لا يستطيع الإنسان أن يسمع صوته بل يقسي قلبه. وكما كان في البدء، هكذا الأمر الآن بين الخطاة من بني البشر.  

 

"الخطية هي ضد خير الإنسان في الحياة الآتية (بسب الخطية أصبح كل البشر معرضين للدينونة): لقد جلبت الخطية للإنسان ذلك الموت الأبدي، الدينونة. في هذه الحياة، بسبب الخطية يموت الإنسان ميتات كثيرة، لكن في الحياة الآتية يختبر الإنسان الموت إلى الأبد. لو كانت الخطية قد أضرت الإنسان في هذه الحياة فقط، التي هي مجرد لحظة، لما كانت بمثل هذه الخطورة. لكن آثار الخطية البائسة أبدية: إن لم تحُل الرحمة دون ذلك، فإن الأشرار سيموتون ويقومون من الموت لكي يموتوا مرة أخرى، الموت الثاني والأسوأ. 

 

لماذا إله كل نعمة يغضب ويدين الخطية؟ 

"قبلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق" (مزمور 2: 12). فالهلاك يعقب غضبه. "رعب الملك كزمجرة الأسد؛ الذي يغيظه يُخطئ إلى نفسه" (أمثال 20: 2). فكم يكون مرعبًا إذًا غضب ملك الملوك! عندما يصفّ الله خطايانا أمام عينيه، فإننا نفنى بسخطه ونرتعب بغضبه (مزمور 90: 7). لذلك فإننا نعرف أنه إذا كان غضب الله رهيبًا بمثل هذه الدرجة وأن الخطية هي التي تغضبه، إذًا فالخطية بالتأكيد خاطئة جدًا ومناقضة لله. لولا ذلك لما كان إله كل نعمة، وإله الصبر، الذي اسمه محبة، سيصبح غاضبًا إلى هذه الدرجة على الخطية وبسببها. 

"لم يشفق الله على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين" (رومية 8: 23) مما يشهد بوضوح كم تمثل الخطية شيئًا بغيضًا بالنسبة لله. 

"الخطية وحدها هي التي جعلت الله يندم أنه خلق الإنسان" (تكوين 6: 5، 6). 

رأى الله أن شر الإنسان قد كثر على الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه شرير باستمرار، فندم الله أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه. لذلك يقول الله في عدد 7، أني حزنت أني عملتهم. إن ندم الله ينمّ عن بغضه وغضبه الشديد من شر الإنسان. في وقت من الأوقات، رغم أن ذلك لم يدم إلا قليلاً، لم تكن هناك خطية، وعندما نظر الله إلى ما صنعه، كان أبعد ما يكون عن الندم، بل كان سعيدًا بلا حدود، لكن عندما أفسدت الخطية حالة وجمال عمله، عندها بالحقيقة، بحسب تعبير البشر، يتأسف الله ويندم. 

يشهد الله ضد الخطية بكثير من الأحكام العظيمة القاسية. 

فقد هدد بدينونة الخطاة وسوف ينفذ هذه الدينونة على الكثيرين منهم في كل العصور. بالنسبة لبعض الخطاة سيقوم الله بتنفيذ هذه الدينونة طوال الأبدية. لأن ما فعله الله يوضح ما سوف يفعله بعد ذلك، كما يستنتج الرسول بطرس (2 بطرس 2: 3-6). يهين الخطاة الله كثيرًا عندما يقولون أن الشر صالح في عينه، أو، أين هو إله العدل (ملاخي 2: 17). كما أنهم ينسون أنفسهم كثيرًا وما فعله الله عندما يقولون، كل شئ باق هكذا كما هو، ولذلك فإنهم يستمرون في تهكمهم بقولهم، أين هو موعد مجيئه؟ أي مجيئه للدينونة (2 بطرس 3: 3-4). صحيح أنه إذا كان الله يحاكم ويدين بمثل السرعة التي يخطئ بها الإنسان، لكان العالم قد خلا من السكان وانتهى سريعًا، لكن صبره الآن هو برهان على دينونته الآتية (2 بطرس 3: 9، 10). في ذلك الوقت عندما يُرسل الله البشر إلى الجحيم ويدينهم، سوف يعرفون ويعترفون كم كانت الخطية شريرة ومدى المرارة التي تُنتجها في النهاية الأخيرة. 

حيث أن الدينونة هي شئ رهيب ومخيف، ليست أقل من سكب الله غضب الله إلى الأبد على الخطاة، لابد أن نستنتج أن الخطية تغضب الله إلى أقصى درجة لأنها مناقضة له. لابد أن يكون السبب الذي لأجله يأتي الله بكل هذه الدينونة الهائلة على البشر ليس بسيطًا. تتمثل الدينونة الحاضرة التالية لذلك في ترك الله للإنسان بمفرده أو تسليمه لدينونة الهلاك ولقلب متقسي. لكن تلك، رغم أنها دينونة حاضرة، إلا أنها غير مرئية، والدينونة الأبدية مستقبلية، لذلك لن أتكلم أكثر من ذلك عنهما، لكني سأوضح أن الله قد أدان على نحو ظاهر هذا العالم بسبب الخطية من عصر إلى عصر. 

إنه إله يدين في الأرض، كما أنه إله سوف يدين الأرض. "معروف هو الرب. قضاء أمضى. الشرير يعلق بعمل يديه" (مزمور 9: 16)؛ الرب معروف بأنه ضد الخطية. هذا نص مهم وجدير بالذكر حتى أنه أضيفت له ملحوظة مزدوجة – "ضرب الأوتار" Higgaion، سلاه. لا أتذكر أي نص آخر حدث فيه ذلك. 

لقد شهد الله على غضبه ضد الخطية بواسطة تنفيذ للدينونة في الخطاة، وفي القديسين، وفي ابنه. 

1- نفّذ الله الدينونة في الخطاة. عادة ما يكون أو شخص ارتكب خطية معينة تتم معاقبته عقوبة ظاهرة وغير معتادة. ناهيك عن آدم الذي كان يمثّل كل البشر في شخص واحد، والذي اجتاز عقوبة ولعنة لأجل خطيته، وقايين، أول قاتل، الذي كان كما لو أنه تعلق في سلاسل كتحذير رهيب للآخرين. يهوذا، أول مرتد، صار مثلاً تحت الناموس، كما أن ناداب وأبيهو، أول من كسرا الناموس الطقسي بعد إنشاء كهنوت هارون. حنانيا وسفيرة، أو اثنين كذبا على الله في بداية الكنيسة المسيحية، والذين تم عقابهما بطريقة خارقة. لقد صنع الله تلالاً من الشهود بهذه الطريقة. كما أقام الله علامات تذكارية بأعمدة الملح، مثل زوجة لوط، الطوفان الذي أغرق العالم القديم، والنار التي أحرقت سدوم وعمورة، والكثير من الأمور التي أصابت إسرائيل كمثال، كانت كلها علامات ومثال لنا، كما يقول الرسول في 1 كورنثوس 10: 11، وهكذا يعاقب الله كل الخطاة بطريقة أو بأخرى. فهو لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا؛ بل لعنهم كلهم تحت الظلام. بل أنه أهلك عالمًا كاملاً تقريبًا مرة واحدة؛ ولم ينج منه إلا ثمانية أشخاص. لقد قطع وأباد مدنًا وأممًا ليست بقليلة، بالإضافة إلى الأمور التي حدثت مع أفراد. لذلك لا يستطيع البشر أن يقولوا أن كل شئ سيظل كما هو. وأن الله ليس إله العدل أو أنه متهاون مع شر الخطية. 

لا يوجد عصر لا يقوم فيه الله فعليًّا وواقعيًّا بمحاكمة الخطاة[2]. ربما لا يكون هذا الأمر واضحًا تمامًا بالنسبة للمراقبين المجحفين أو المتحيزين، الذين يعتقدون أن لا شئ يحدث كعقاب إلا الأمور الخارقة أو الاستثنائية، كما لو أن الأرض لابد أن تبتلع الناس دائمًا. أو أن يضرب الله البشر بالصواعق باستمرار، ولا أقل من ذلك يمكن أن يطلق عليه عقاب! كم من مرة ارتفعت يد الله لكن البشر لم يفهموا، بل في الواقع، شعروا ولكنهم لم يعترفوا! إن الله وكيلاً في حضن البشر، وهو ضميرهم الشخصي الذي يشتكي عليهم ويدينهم كثيرًا حتى أنهم لا يستطيعون أن يقفوا أمام دينونته. عندما تضربهم قلوبهم فإنهم يغرقون، ويسقط وجههم وتهرب شجاعتهم، كما الحال مع قايين ويهوذا وغيرهما. لو كان الناس فقط أمناء ورووا مجرد وخزات الضمير التي يشعرون بها، لكانوا شهودًا بما يكفي على كيفية تأنيب الله للبشر من الداخل، وتنفيذه للدينونة على أرواحهم. لكن الله في كثير من الأحيان يوقع عقوبة جسدية مرئية وأمام عيون الآخرين. قبل الطوفان، كان هذا يحدث بطريقة شائعة للغاية بصورة مباشرة وشخصية. ولكنه كان يمكن أن يحدث أيضًا من خلال وسيط، في بعض الأحيان من الملائكة، وفي أحيان أخرى من القضاة أو الحكام من البشر الفانيين، الذين يمثلون الله العلي. يمكنك أن تقول أنه بواسطة هذه الأمور يسيطر الله على الأوضاع ويحافظ على القوانين في كثير من الأحيان. الدينونة الآن عمل غريب ويبدو أنه لا يتناسب مع يوم الصبر هذا بل يتناسب مع يوم الغضب الآتي. ورغم ذلك، في كثير من الأحيان يضع الله لنا نماذج وأمثلة، ورغم أنه لا يُفنى كل الأمم الآن تمامًا، إلا أنه لا يترك أمة بالكامل دون عقاب. 

2- حاكم الله شعبه عندما أخطأوا، لكي يُظهر مدى بشاعة الخطية، حتى في الأشخاص الذين يحبهم كثيرًا. قد يفكر أحد أن الله لو رغب في إنقاذ أي إنسان، فإنه سينقذ خاصته؛ وهو بالفعل يشفق عليهم وينقذهم، كما يشفق الأب على ابنه الذي يخدمه. لكن رغم أنه يسامحهم، إلا أنه ينتقم على أفعالهم وإثمهم (مزمور 99: 8). يُعفي الله الكثيرين من الخطاة من العقاب في هذه الحياة، حيث أنه لن يغفر لهم في العالم الآتي: لكن حيث أن الله قد قرر تمامًا أن يغفر لشعبه إلى الأبد، فإنه لن يسامحهم الآن بالكامل، بمعنى أنه لن يتركهم تمامًا دون عقاب هنا في الوقت الحاضر. كان الله قاسيًا للغاية مع شعبه عندما أخطأوا ، وقد كلفهم هذا كثيرًا. عندما زنى الملك دواد وقتله كلفه هذا سحق عظامه: "فتبتهج عظامٍ سحقتها"، كما قال في مزمور توبته (مزمور 51: 8). وعندما أخطأ بطرس كلفه هذا بكاءً مرًا. التوبة أمر مكلف. فهي عار، وحزن، وألم للإنسان، على الرغم من أنها نعمة والتزام أخلاقي. 

إذا أضلّ أولاد الله وتهرّبوا من مسؤولياتهم لابد أن يشعروا بالعصا. إنها عصا العهد، لأن التهذيب والتقويم من الفجور موجود في العهد، تمامًا مثلما يوجد تسديد الاحتياجات، والإنذار بالدينونة، وأيضًا وعود الرحمة. في بعض الأحيان تسبب الخطية مثل هذا الحزن لأعضاء الكنيسة أنفسهم بحيث يكونون معرضين لخطر الابتلاع من الحزن المفرط، إن لم يكن من اليأس الكامل والتخلي عن الرجاء في الرحمة (2 كورنثوس 2: 7). الله رحيم ورؤوف، ومع ذلك فهو إله يفتقد الذنب والخطية، وفي بعض الأحيان يعاقب أولئك الذين عرفهم وأحبهم أكثر من كل البشر الذين على الأرض. ورغم أنه لا ينزع رحمته عنهم، إلا أنه يفتقد بعصا معصيتهم وبضربات إثمهم (مزمور 89: 30-33). 

 

رالف فيننج

من كتاب: "الخطية خاطئة جداً"



[1]  لاحظ عزيزي القارئ أن التبرير/التجديد لم يغير أو يلغي من طبيعة الإنسان الساقطة، حيث يظل الإنسان (بعد السقوط) في ذاته وفي طبيعته القديمة خاطئاً، وإن كان مبرراً. (المحرر/ الموقع)

[2]  هل من الممكن أن نفهم هكذا الكوارث الطبيعية التي تطيح بالبشر (كالتسونامي)، واجتياحات الأشرار (كداعش) للعزّل؟!