The Decrees of God أحكام (مقاصد) الله

آرثر بينيك ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

حُكم (قصد) الله هو خطته أو عزمه بالنسبة للأمور المستقبلية. وقد استخدمنا صيغة المفرد كما تفعل كلمة الله (رو 8: 28، أف 3: 11)، لأنه لم يوجد غير قصد واحد لعقله غير المحدود بشأن الأمور المستقبلية.

لكننا نتكلم وكأن هناك الكثير منها، وذلك لأن عقولنا لا تقدر إلا أن تفكر في دورات متتابعة، بحسب نشأة الأفكار والمناسبات، أو حين نُشير إلى الأهداف المتعددة لقصد الله، ولكونها كثيرة تبدو لنا أننا نحتاج أن نجعل لكل منها قصدًا مُميزًا. لكن فكر الله الغير محدود لا يسير بتدرج أو بمراحل: من مرحلة لأخرى: "معلومة عن الربِّ منذ الأزل جميع أعماله" (أعمال 15: 18).

تَذكر كلمة الله أحكام (مقاصدَ) الله في فقرات كتابية عديدة، وفي مصطلحات متنوعة. كلمة "قضاء الربِّ" موجودة في مزمور 2: 7، وفي أفسس 3: 11 نقرأ عن "قصد الدهور". في أعمال 2: 23 نقرأ عن "مشورة الله المحتومة" في أفسس 1: 9 نجد سرَّ "مشيئته" في رومية 8: 28 نجد أن الله "سبق فعين". في أفسس 1: 9، نقرأ عن "مسرته" تُدعى مقاصدُ الله "مشورته" لتُشير أنها كاملة الحكمة. وهي تُدعى "مشيئة" الله لُتبين أنه لم يكن تحت تحكم أحد، لكنه عمل بحسب مرسته. حين تكون إرادة الإنسان هي المتحكم في سلوكه، يكون في المعتاد نابعًا من نزواته وعن غير عقل، لكن الحكمة ترتبط دائمًا بالمشيئة في أعمال الله، وبالتالي، تُدعى مقاصد الله "رأي مشيئته" (أف 1: 11).

تتعلق مقاصد الله بكل الأمور المستقبلية بلا استثناء: كلّ ما حدث في إطار الزمن، كان مُعدّا قبل بدء الزمن. كان قصد الله متعلقًا بكل شئ، الكبير منه والصغير، الخير والشر، ولكن علينا ان نكون حريصين في هذا الشأن الخير لنقول إنه بينما الله هو الآمر والمتحكم في الخطية، فهو ليس صانعها كما هو صانع الخير. لا يمكن أن تخرج الخطية من الله القدوس عن طريق الخلق الإيجابي المباشر، لكن فقط بقصد "السماح" والفعل السلبي. قصد الله شامل تمامًا كحكمه، وهو يشمل كل المخلوقات وكل الأحداث. لقد كان مهتمًا بحياتنا وموتنا؛ بحالتنا في الزمان، وحالتنا في الأبدية. بينما يعمل الله كل شئ بحسب مشورة مشيئته هو، فنحن نعرف من أعماله ما هي مشورته (ماذا كانت)، تمامًا كما نحكم على تصميم المهندس المعماري بفحص المبنى الذي أُقيم تحت إشرافه.

لم يقُم الله فقط، بتدبير خلق الإنسان، ووضعه في الأرض، ثم تركه ليقود نفسه قيادة بغير تحكم، لكن ثبّت كل الظروف في حياة عموم الأفراد، وكل التفاصيل التي ستشكل تاريخ الجنس البشري منذ بدايته وحتى نهايته وهو لم يُدبر فقط القوانين العامة اللازمة لحكم العالم، بل قرر تطبيق هذه القوانين على كل الحالات الفردية. أيامنا معدودة، وكذلك شعور رؤوسنا. يمكننا أن نعرف ما هو "مدى" المقاصد الإلهية من تدبيرات العناية الإلهية، التي تمت فيها. تصل رعاية العناية الإلهية إلى أقل المخلوقات شأنًا، وأدق الأحداث، موت عصفور، وسقوط شعرة.

 

فلنتأمل الآن في بعض من صفات المقاصد الإلهية.

أولاً، هي مقاصد أبديّة. إن الافتراض أن المقاصد صُنعت في إطار الزمن، يساوي أن نفترض أن حدثًا جديدًا قد تم، أو طرأ حدث أو سلسلة من الظروف لم تكن متوقعة، مما أجبر العلي أن يتخذ قرارًا جديدًا. وهذا يوحي أن معرفة الله محدودة، وأنه يزداد حكمة بمرور الوقت، وهذا تجديف رهيب. لا يوجد شخص يؤمن أن الفهم الإلهي غير محدود، ومُدرك للماضي، والحاضر، والمستقبل، يقبل العقيدة الخاطئة التي تنادي بالمقاصد المؤقتة. لا يجهل الله الأحداث المستقبلية التي ستقوم بها إرادات البشر؛ لقد أخبر لها في عدد لا يُحصى من الأحداث، وما النبوة إلا إعلان عن علمه المسبق الأبدي. تؤكد كلمة الله أن الله قد اختار المؤمنين في المسيح قبل بدء العالم (أف 1: 4)، نعم لقد "أُعطيت" لهم النعمة في ذلك الوقت (2 تي 1: 9).

 

ثانيًا، مقاصد الله حكيمة. تظهر الحكمة في اختيار أفضل الأهداف ممكنة وأكثر الوسائل ملائمة لتحقيقها. وانتماء هذه الصفة إلى مقاصد الله هو أمر واضح مما نعرفه عنها، فقد تكشفت لنا حين تمت، وكل دليل على حكمة أعمال الله هو دليل على حكمة الخطة، التي تمت المقاصد وفقًا لها. كما أعلن كاتب المزمور، "ما أعظم أعمالك يارب! كلها بحكمة صنعت" (مز 104: 24). صحيح أن ما يقع تحت ملاحظتنا هو قدرٌ ضئيل منها، ومع ذلك، فعلينا أن نستمر في ما نفعله في حالات أخرى؛ أن نحكم على الكل بالعينة. على ما هو غير معروف، بما هو معروف. من يدرك أعمال مهارة جديرة بالإعجاب في أجزاء ماكينة تمَكن أن يفصحها، من الطبيعي أن يؤمن أن الأجزاء الأخرى هي أيضًا جديرة بالإعجاب. بنفس الطريقة علينا أن نُشبع عقولنا بأعمال الله حين تفرض الشكوك نفسها علينا، وأن نطرد الاعتراضات التي قد يتسبب فيها شئٌ ما لا نقدر أن نصالحه مع أفكارنا الشخصية بشأن ما هو جيد وحكيم. حين نصل إلى حدود المحدود ونشخص إلى النطاق الغامض لغير المحدود، فلنتعجب. "يا لعمق غني الله وحكمته وعلمه!" (رو 11: 33).

 

ثالثًا، هي مقاصد حرة. "من قاس روح الرب ومن مشيره يعمله. من استشاره فأفهمته وعلمه في طريق الحق وعلَّمه معرفةً وعرّفه سبيل الفهم" (إش 40: 13، 14). كان الله وحده حين منع مقاصده، ولم تتأثر قراراته بأي مسبب خارجي. كان حرًا أن يقصد أولا يقصد، وأن يقصد أمرًا ما أو أمرًا آخر. يجب أن نعزو هذه الحرية إليه وهو الأسمى، والمُستقل، والقدير في كل أعماله.

 

رابعًا، مقاصد الله مُطلقة وغير مشروطة. لا يتوقف إتمامها على أي شرط قد يحدث أو لا يحدث. في كل مرة قصد الله أمرًا، فقد دبر أيضًا كل السبل لتحقيقه. الله الذي دبر قصد الخلاص لمختاريه دبّر أيضًا أن يعمل بالإيمان فيهم (2 تس 2: 12). "رأي يقوم وأفعل كل مسرتي" (إش 46: 10): لكن هذا ما كان ليحدث لو كانت مشورته متوقفة على شرط يمكن ألا يحدث. ولكن الله "يعمل كل شئٍ حسب رأي مشيئته" (أف 1: 11).

جنبًا إلى جنب مع عدم القدرة على تغيير أو إيقاف مقاصد الله، تُعلمنا كلمة الله بوضوح أن الإنسان مخلوق مسؤول وسيُحاسب على أفعاله. فإن كانت أفكارنا تتشكل من كلمة الله، لن يقود التمسك بأمر إلى إنكار الآخر. ونحن نعترف أن هناك صعوبة حقيقية في تحديد أين ينتهي أمرٌ ويبدأ الآخر. وهكذا يكون الحال دائمًا حين يوجد اجتماع بين الإلهي والبشري. الصلاة الحقيقية هي بدافع الروح القدس، ولكنها أيضًا صرخة قلب بشري. الكتب المقدسة هي كلمة الله بالوحي، ولكنها أيضًا مكتوبة بواسطة بشر كانوا أكثر من مجرد ماكينات في يد الروح. المسيح هو الله وهو إنسان. هو كليّ المعرفة، ومع ذلك كان "يتقدم في الحكمة" (لو 2: 52). هو الله القدير، ومع ذلك "قد صُلب من ضعفٍ" (2 كو 13: 4). لقد كان رئيس الحياة، لكنه مات. كلها أسرار عليا، لكن الإيمان يستقبلها بلا تشكيك.

لقد تم الإيضاح كثيرًا في الماضي أن كل اعتراض على مقاصد الله الأبدية ينطبق بنفس القوة على معرفته المُسبقة الأزلية:

"موضوع قصد الله لكل شئ أو عدمه هو أمرٌ يتعلق بوجود الله، يتعلق بمعرفته كل الأمور قبل أن تحدث. مما لا يحتاج إلى دليل أنه إن كان الله يعرف كل شئ مسبقًا، فإما أنه وافق عليه أو لم يوافق، أي أنه إما أنه أرادها أن تكون أو لم يُرد أن تكون. لكن الإرادة بوجوب وجودها هو قصدها."

(جوناثان إدواردز Jonathan Edwards)

 

أخيرًا، حاول أن تفترض وتتأمل في العكس. إنكار المقاصد الإلهية يساوي أن تفترض عالمًا بكل اهتماماته تتحكم فيه الصدفة العشوائية أو المصير الأعمى. حينئذ، أيّ سلام، وأيّ ضمان، وأيّ تعزية تكون لقلوبنا وعقولنا المسكينة؟ ما هو ملجأنا الذي نلجأ له في وقت الاحتياج والتجربة؟ لا شئ أبدًا. لن يوجد ما هو أفضل من الظلمة السوداء والرعب الخسيس للإلحاد. يا قارئي العزيز، كم يجب أن نكون شاكرين أن كل شئ هو مُقررٌ من حكمة وصلاح ليس لهما حدود. كم يجدر بنا أن نحمد الله ونشكره على مقاصده الإلهية. بسبب هذه المقاصد "نحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله الذين هو مدعوون حسب قصده" (رو 8: 28). يجدر بنا أن نهتف قائلين، "لأن منه وبه وله كل الأشياء. له المجد إلى الأبد. آمين" (رو 11: 36).

 

آرثر بينيك

من كتاب "صفات الله"