في نقد "المسيحية" الجماهيرية

سورين كيركجارد ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٢

 في نقد "المسيحية" الجماهيرية Christendom

رسالة إلى "المسيحيين"

"حرفيًا يستخدم كيركجورد هذا المصطلح "المسيحية Christendom"، أي "العالم المسيحي" بين علامتي تنصيص لكي يميزها عن المسيحية الحقيقية؛ مسيحية العهد الجديد، بحسب تعبيره."
(مقتطفات من ترجمة لبعض مقالات جريدة "اللحظة Instant" التي كان يصدرها كيركجارد)

 

تصدير
لماذا أرغب في العمل على إصدار جريدة "اللحظة"؟ أنا راغب في فعل ذلك لأنني سأندم إلى الأبد إذا لم أفعل، وسأندم إلى الأبد إذا سمحت لنفسي أن أمتنع عنه، لأن هذا الجيل الذي يعيش حاليًا، ربما سيكون فقط، وعلى أكثر تقدير قادرًا على أن يجد عرض حقيقي مثير للاهتمام وشاذ، عما هي المسيحية، بحيث لا يبقى هادئًا (ساكنًا) حيثما هو، في وهم كونه مسيحيًا، وفي أن لعبة "المسيحية" التي يلعبها الكهنة هي المسيحية.

 

ينبغي قول ما سيُقال، وإلا كيف سيمكننا عرض موضوع حاسم إلا بتلك الطريقة؟
يمكنني أن أوضح بدقة أكبر، إن طرح موضوع حاسم (كهذا) –وهذه هي كارثة المهمة (التي أنا بصددها الآن)- لا يمكن القيام به كأي أمر آخر؛ ولهذا الآن، خصوصًا حين تكون كارثة العصر هي أسلوب "بقدرٍ ما (كناية عن النسبية)"، بالضبط الدخول في كل شيء "بقدرٍ ما"، حين يكون هذا هو بالضبط المرض، فينبغي اتخاذ كل إجراء لكي لا يحدث هذا، قدر الإمكان؛ الدخول أيضًا في هذه المهمة "بقدرٍ ما" يضيع معه كل شئ..
هكذا يتم طرح موضوع حاسمٍ. صدقني، أنا مطلع بصورة جيدة على مساوئ العصر، أنه بلا هوية، كل شيء نسبي. ولكن تمامًا كما "أن الدرع اللامع من حديد مصقول" ساطع جدًا فحينما تسقط أشعة الشمس عليه فإنه يعكس الشمس بلمعانٍ مضاعف.
تمامً كما يخشى درع كهذا أقل بقعة اتساخ، طالما أنه لم يعد هو نفسه مع أقل بقعة اتساخ -كذلك تمامًا يخاف الأمر الحاسم كل اتصال بأسلوب "بقدرٍ ما". أنا أفهم ذلك، ألا أفهمه، أنا المعروف حتى لأطفال الشارع باسم "إما-أو (كناية عن الحسم ورفض النسبية والمهادنة، في إشارة أيضًا إلى كتابه ذا العنوان الغريب: "إما - أو").

 

هل يُبرَر للكنيسة (حرفيًا: الدولة المسيحية، حيث كانت المسيحية دين الدولة في ذاك الوقت "الكنيسة هي الدولة والدولة هي الكنيسة") هل يُبَرَر للكنيسة أن تجعل المسيحية -إن أمكنها ذلك- مستحيلة؟
(ينطبق ذلك على وضع المسيحية المصرية، رغم اختلاف ديانة الدولة، وذلك بسبب أن الدولة تحدد سلفًا الهوية الدينية للفرد من قبل مولده، مما يجعل المسيحية ديانة انتماء جماهيري وليس اختيار قلبيّ لدى الفرد، علاوة على شدة هذا الانتماء الوطني حين تدين به الأقلية وذلك لتعزيز الإحساس بالذات والمواطنة والانتماء. ومن المعروف إحصائيًا –حسب مركز جالوب للإحصاء- أن مصر أكثر دولة متدينة في العالم.)
(ينتهج كيركجارد هنا في كتابته، أسلوب التفنيد والتهكم السقراطي Ironic الذي اشتهر به –كما سيقول هو ذلك صراحة بالمقال التالي- لتعرية أغلوطة ضخمة غير واضحة للجميع، كما كان يفعل سقراط. والجدير بالذكر أن أول رسالة ماجستير حصل عليها كيركجارد كانت في هذا الأسلوب السقراطي)

 

ما نحتاج لتوضيحه، هو أن ما فعلته الدولة (المقصود "المؤسسة المسيحية الرسمية"، وما فعلته آنذاك هو توظيف 1000 موظف كرجال دين، لدفع دين الدولة المسيحي للأمام. وربما يكافئ هذا، في وضعنا المصري، خريجي كليات اللاهوت والإكليريكية الذين يتم تعينهم كقساوسة) ما فعلته وما تفعله يعادل، لو كان ذلك ممكنًا، جعل المسيحية مستحيلة؛ ويمكن توضيح هذا الأمر ببساطة واختصار شديدين (لاحقًا)، لأن الوضع الفعلي في البلاد هو في الحقيقة، أن المسيحية، مسيحية العهد الجديد، ليست فقط غير موجودة، بل جُعلت -إن كان ذلك ممكنًا- أيضًا مستحيلة..
أليس هذا بصورة أو أخرى من أكثر الأمور خطورة التي يتقدم بها المرء بجعل المسيحية -إن كان ذلك ممكنًا- مستحيلة؟ "الكاهن" لديه منفعة اقتصادية لجعل الناس يسمون أنفسهم مسيحيين، طالما أن كل شخص مثل هذا هو بالتأكيد (وكيل بالعمولة في إطار الدولة/المؤسسة المسيحية الرسمية) عضو مساهم ويساهم أيضًا بمنح كل الوظيفة سلطة ملحوظة – لكن ليس هناك شيء أكثر خطورة على المسيحية الحقة، لا شيء أكثر مناقضة لطبيعتها من جعل الناس تتبنى باندفاع صفة "مسيحيون"، "وتعلمهم أن يكون لديهم أفكارًا ضيقة عن أن تكون مسيحيًّا، كما لو أن الأمر سهل جدًا. ولدى "الكاهن" منفعة مالية بتركها بذلك الوضع، بحيث أن الناس عبر اتخاذهم الاسم "مسيحيون" لن يتوصلوا إلى معرفة ما هي المسيحية حقًّا، وإلا فإن كل جهاز الـ1000 موظف (الأكليركي) والسلطة الحاكمة سيصبحون على نحو آخر دون أهمية –لكن ليس هناك أكثر خطرًا على المسيحية الحقة، ليس هناك أكثر نقيضًا لطبيعتها من (هذا الإجهاض) العمل على بقائها هناك، فينتحل الناس لقب "مسيحيون".. ويفترض أن يكون هذا هو عمل ودعاية ونشر المسيحية!
فهذا، هذا النشاط، لا يتم باسم إعاقة المسيحية؛ كلا (على الإطلاق). بل باسم نشر المسيحية، والدعاية المسيحية، وللعمل من أجل المسيحية! وبين هذا القليل جدًا (حيث لا تنتحل الناس/الأقلية التي لا تذهب للكنائس، اسم المسيحية) والكثير جدًا (رواد الكنائس) الذي يُفسد كل شيء، بين هذا القليل جدًا وهذا الكثير جدًا؛ تقع، بتوازن جاد، مسيحية "العالم المسيحي Christendom": كنيسة الدولة الرسمية/مسيحية كنيسة الشعب، التي تبدو مدهشة فعلاً عند مقارنتها عدديًّا مع مسيحية العهد الجديد. مسيحيون بالملايين، الجميع بنفس النوعية (مرتادي الكنائس بالملايين، الذين صاروا مسيحيين منذ مولدهم بالوراثة فقط).
ثمة شيء مثير وصادم بالنسبة لي بمجرد التفكير بهذا النوع من العبادة (العبادة الشعبية الجماهيرية)، أن تكون عبادتك هذه لله هي استخفاف به (سخرية منه) (فهذا النوع من العبادة هو "سخرية واستخفاف وإهانة لله"، كما سيوضح كيركجارد أكثر لاحقًا)، سأبذل كل ما في وسعي للمساهمة بمنع حدوث هذا الأمر، وأن تكون عيون جماهير الناس مفتوحة على كيفية ترابط الأمور، وعليه يمكن منعهم من أن يكونوا مذنبين بجريمة قامت في الواقع الدولة (المؤسسة المسيحية الرسمية) والكهنة بتوريطهم فيها – لأنه بغض النظر عن مدى حساسية وطيش القسم الأعظم من الناس فهناك ما يزال الكثير الصالح منهم الذي يريد عبادة الله، ولكنهم لا يعرفون سوى هذه الطريقة لعبادته.
فلنسلط الضوء على هذه القضية، وليكن واضحًا للناس ماذا يعني العهد الجديد بأن تكون مسيحيًّا، فيتمكن كلّ شخص أن يختار فيما إذا كان يريد أن يكون مسيحيًّا أو فيما إذا كان بصدق، وصراحة وحزم لا يريد أن يكون كذلك. لنقل هذا بصوت عال لكل الشعب: أنه أحبُ إلى الله بلا حدود أن تقر بصراحة بالوضع الذي من بسببه أصبحت تُدعى مسيحيًّا- بأنك لم ولا تريد أن تكون مسيحيًّا (بل دفعك المجتمع المسيحي لهذا منذ ولادتك)، أحب بصورة لا حدود لها من هذه الحماقة؛ أن تكون عبادتك لله هي استخفاف به (سخرية منه).
نعم، هكذا ينبغي العمل؛ ينبغي إلقاء الضوء على الظلام الذي يتم فيه حفظ قضية كنيسة الدولة وكنيسة الشعب. بدلاً من مواجهة السؤال، وباحترام لا مشروط لما يعنيه العهد الجديد بأن تكون مسيحيًّا: ما هو عدد المسيحيين فعلاً في البلاد؟ فقد تم قلب المعادلة بالطريقة التالية: هناك مليون مواطن في البلاد، وبالتالي، مليون مسيحي –و1000 موظف تم تعيينهم ليعيشوا على هذا. ثم خطوة واحدة أخرى إلى الأمام، فينقلب التصريح ويُختم: لو كان هناك 1000 موظف، الذين ينبغي عليهم العيش على المسيحية –ولدينا مثلهم حاليًا (بل أكثر في مصر)- فينبغي أيضًا أن يكون هناك مليون مسيحي. علينا أن نتمسك بحزم بذلك؛ أن يكون هناك مليون مسيحي (بالقوة الجبرية)، وإلا فلن يمكننا أن نضمن مصدر عيش لكل أولئك الموظفين (الإكليركيين).
وهكذا فإن الوعظ بالمسيحية ينسجم مع هذا الأمر (مع هذا النوع الخاص من السماجة/الوقاحة الذي يجد فيه الإنسان نفسه): أن تعمل من أجل المسيحية سيكون، كما قيل، هو كسب الناس لكي يتخذوا اسم مسيحيين، وأن يجعلوا أيضًا القضية تتوقف عند هذا الحد، وهذا ما أسميه: جعل المسيحية -إن كان ذلك ممكنًا- مستحيلة، وتبعًا لذلك (أكرر) جُعِلت جماهير الناس مُدانة بجريمة، كان من المفترض أن يكونوا أبرياء منها، أعني جريمة السخرية من الله باسم عبادته، الأمر الذي سأسعى على الرغم من ذلك أنا –الذي لم أحصل سابقًا إلا قليلاً من الثناء على حبي للناس، كي أمنعه بكل طريقة.

من العدد (1)
24 مايو 1855


مهمة مضاعفة
عندما جاءت المسيحية إلى العالم، كانت المهمة هي التبشير بالمسيحية مباشرة. كذلك هو الأمر في كل مكان، حيثما يتم تقديم المسيحية في بلاد لا يكون فيها الدين مسيحيًّا..
أما في "العالم المسيحي Christendom" فالعلاقة مختلفة، طالما أن الأمور (الوضع) مختلف. فما يملكه المرء ليس مسيحيًّة بل وهمًا كبيرًا، والناس ليسوا وثنيين ولكنهم جُعلوا سعداء من خلال وهم أنهم مسيحيون.
فإن أردت التعريف بالمسيحية هنا، فينبغي أولاً وقبل كل شيء إزالة الوهم. لكن طالما أن هذا الوهم قائم، هذه الخديعة؛ أن الناس مسيحيون، فسيبدو الأمر كما لو أن التعريف بالمسيحية هو تجريدهم من المسيحية. ولهذا فأن أول أمر يمكن عمله هو: أنه "ينبغي إزالة هذا الوهم."
هذه هي المهمة؛ لكن هذه المهمة لها اتجاه مضاعف.
إنها موجهة إلى ما ينبغي عمله لتوضيح المفاهيم لدى الناس، لإثارتهم عن طريق المُثل، لنقلهم عبر الشفقة إلى حالة عاطفية، وإيقاظهم من خلال لسعة التهكم والازدراء والسخرية إلخ إلخ.
لن تكون المهمة شيء آخر في حالة وجود هذا الوهم؛ أن يتصور الناس أنهم مسيحيون، وأن الدولة عينت 1000 موظف (رجل دين)، مصلحتهم -بفعل غريزة البقاء على الحياة- ألا يتعرف الناس على ماهية المسيحية (الحقيقية) وعلى أنهم ليسوا مسيحيين. وهذا يعني أن الوجود الشخصي لهؤلاء الكهنة مسيحيًّا، غير حقيقي، بل علمانيون بكل ما في الكلمة من معنى وفي خدمة الدولة (أو المؤسسة المسيحية الرسمية، موظفون، أفراد ذوي منزلة رفيعة، صانعو نجاحات في المهنة، إلخ)، هم من الطبيعي إذن ألا يكونوا في وضع فيه يخبروا رعايا الكنيسة عما هي المسيحية؛ طالما أن قول ذلك سيعني الاستقالة من الوظيفة.

 

ثناء في/ مديح العنصر الإنساني أو دليل على أن العهد الجديد لم يعد حقيقي
يطرح مخلص العالم، السيد المسيح، في العهد الجديد، القضية كالتالي: "ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه!" (مت 7: 14). الآن، على العكس، فإننا جميعًا مسيحيون؛ فالطريق واسع بكل ما يمكن، بل والأوسع في الدانمارك (نستطيع كذلك أن نقول في مصر، حيث يُولد كل مسيحي مسيحيًّا بالوراثة)، طالما أنه الطريق الذي نسير كلنا عليه، وعلاوة على ذلك، فإنه بكل الأشكال سهل ومريح، والباب متسع بكل ما يمكن – في الحقيقة لا يوجد هناك باب أكثر اتساعًا من الباب الذي يمرون عبره حشودًا.. من ثم، لم يعد العهد الجديد حقيقة. طوبى للسلالة البشرية! أنت، مع ذلك، أنت يا مخلص العالم، لديك تصورات متواضعة عن السلالة البشرية! فلم تتنبأ بالسمو، الكمال، الذي يمكن بلوغه خلال السعي المتواصل المثابر!
النتيجة؛ لم يعد العهد الجديد -إلى هذه الدرجة- هو الحقيقة: كلما اتسع الدرب كلما كان الباب أوسع، وكلنا مسيحيون.. وإلى تلك الدرجة لم يعد العهد الجديد هو الحقيقة.

 

كلنا مسيحيون
أن كلنا مسيحيون هو أمر معروف بشكل عام ومفروغ منه بحيث أنه لا يحتاج إلى تقديم، بل أنه حتى راح يشق طريقه بثقة لكي يتحول من كونه حقيقة تاريخية إلى بديهية، بل أحد المبادئ الخالدة التي يُولد الطفل معها حاليًا. وهكذا لا يمكن القول بأن تغييرًا ما قد أصاب الناس مع وجود المسيحية بحيث يولد الطفل في "المسيحية"، علاوة على مبدأ إضافي يزيد عن الإنسان الموجود خارج المسيحية، وهو مبدأ "أننا جميعًا مسيحيون."
لكن بالطبع لن يضير إن جعل المرء الأمر مرارًا وتكراراً واضحًا لنفسه؛ إلى أي حد من المؤكد أننا كلنا مسيحيون.. وهنا أقدم محاولتي؛ وأنا أغوي نفسي أن تجعل الأمر واضحًا تمام الوضوح؛ إلى أي حد أننا حقيقة جميعًا مسيحيون. حسنًا، إننا كذلك إلى درجة، بحيث إذا كان هناك ثمة ملحد يعيش بيننا ويعلن بعبارات قوية أن كل المسيحية هي كذب، ويُعلن، علاوة على ذلك، بعبارات قوية أنه ليس مسيحيًّا – فحتى ذلك لن يسفعه، فهو مسيحي؛ ويمكن طبقًا للقانون معاقبته (كم ينطبق هذا على بلدنا، مصر، الأعلى تدينًا في العالم، طالما تقول بطاقة هويته الشخصية هذا!!)- فهذا موضوع آخر، لكنه مسيحي. الدولة (المؤسسة الدينية) تقول: "أي هراء هذا؟! إلى ماذا سيؤدي ذلك؛ فحالما نسمح لأحد ("المسيحيين"/رواد الكنائس) أن يُعلن أنه ليس مسيحيًّا، فسيرفض الجميع قريبًا أن يكونوا في النهاية مسيحيين. لا، لا، لنرفض ذلك من البداية ونثبت على المبادئ. فنحن لدينا حاليًا إحصائية مجدولة بصورة جيدة، وتم تصنيف كل شيء، كل شيء مضبوط، كالعادة على افتراض أننا جميعًا مسيحيون – لذا، فهذا الشخص أيضًا مسيحي. ينبغي عدم التساهل مع مثل هذا الوهم، الذي سيكون مجرد شذوذ. أنه مسيحي، ولهذا سيكون كذلك."
إلى هذا المدى إننا جميعًا بالتأكيد مسيحيون. مقيدين في "المسيحية" بثبات، كثبات التناقضات الموجودة خارج المسيحية، هذا أمر ثابت، هذا المبدأ خالد لا يمكن لأحد بالتأكيد أن يتمكن من زعزعته: "كلنا مسيحيون".

 

لو كلنا مسيحيون حقًا – فمن هو الله إذن؟
لو افترضنا الأمر على غير كذلك؛ بأن ما تفهمه عن كونك مسيحيًّا هو مجرد وهم، فكل جهاز كنيسة الدولة هذا والـ 1000 شخص أعضاء المجلس الكنسي الدنيوي هذا.. وهلم جرًا، ما هو إلا خداع بصري كبير لن يعنينا بأقل ما يكون في الآخرة (الحياة الأبدية)، بل على العكس سيُستخدم كاتهام ضدنا – إذا لم يكن الأمر كذلك، فعلينا في هذه الحالة أن نتخلص منه (من أجل الأبدية!) وكلما كان ذلك أسرع كلما كان أفضل.
لنفترض أن الأمر كذلك، لنفترض بأن ما تفهمه الآن عن كونك مسيحيًّا هو فعلاً ما يعني أن تكون مسيحيًّا: فما هو الله في السماوات إذن (في هذه الحالة)؟
أقول لك، إنه سيكون أكثر الكائنات الموجودة سخرية على الإطلاق، وكلامه سيكون أكثر الكتب التي ظهرت إلى النور سخرية على الإطلاق؛ بأنه صنع السماوات والأرض (كما قال في كلامه)، وهدد بالجحيم، بعقاب أبدي – للحصول على هذا الذي تفهمه الآن عن أن تكون مسيحيًّا! كلا، لم يحدث أمر بمثل هذه السخرية على الإطلاق من قبل. تصور أن رجلاً واجه شخصًا بمسدس محشو وقال له "سأطلق عليك الرصاص" أو افترض أمرًا أكثر رعبًا من هذا، أنه قال "سألقي القبض عليك وأعذبك حتى الموت بأسلوب فظيع إذا لم (انتبه الآن، فهنا جوهر القضية!)، إذا لم تجعل حياتك على هذه الأرض مريحة وممتعة بقدر ما تستطيع!!" بالتأكيد أن هذه هي أكثر المحادثات مدعاة للسخرية على الإطلاق! هل يحتاج المرء حقًا لأن يُهدَد بمسدس محشو وبأشد عقوبة للموت، كيما يحقق ذلك (راحته ومتعته في الطريق المتسع الذي فيه كلنا مسيحيون)!! فربما لا يكون المسدس المحشو ولا عقوبة الموت الأكثر قسوة قادرين على منع ذلك!
أن أكثر أنواع التجديف على الله رعبًا، ذلك الذي تقترفه هذه "المسيحية"، هو أن تحول رب الروح إلى – ثرثرة مضحكة. وأكثر عبادة بلا روح، بلا روح أكثر من أي شيء، العبادة الموجودة أو التي وجدت في الوثنية، بلا روح أكثر من عبادة حجر، أو بقرة، أو حشرة باعتبارها إله، بلا روح أكثر من أي شيء، هي، أن تعبد باسم الله – ثرثارًا!

 

إذا كنا حقًا مسيحيين، إذا كان كل شيء منظمًا حسب "المسيحية"، "العالم المسيحي"، فإن العهد الجديد وعلى نفس المنوال لم يعد مرشدًا لهذا "المسيحي"، ولا يمكن أن يكون ذلك.
طبقًا لهذه الافتراضات المشار إليها فإن العهد الجديد لم يكن ولن يكون مرشدًا للشخص هذا "المسيحي" – لأن الطريق تغيرت، وهي تختلف تمامًا عما هو موجود في العهد الجديد.
ولهذا فإن العهد الجديد، الذي أُعتبر مرشدًا للمسيحيين، سيصبح طبقًا لهذه الافتراضات فضولاً تأريخيًّا، يُشبه إلى حد ما كتاب يد للسياح في بلاد محددة، حين يكون كل شيء في تلك البلاد قد تغير تمامًا. لا يأخذ السائحون كتاب يد كهذا على محمل الجد في تلك البلاد، إلا أنه يمتلك قيمة عالية ككتاب قراءة (ترفيهي) للتسلية. بينما يسافر المرء في القطار مرتاحًا، قارئًا في كتاب اليد "هنا يوجد ذئب الروابي المرعب، حيث يغطس المرء تحت الأرض بعمق 70000 قدم"؛ بينما يجلس المرء ويدخن سيجارًا في حافلة الطعام المريحة، يقرأ المرء في كتاب اليد "هنا تختفي عصابة سرقة التي تهاجم وتضرب المسافرين" – هنا هي موجودة، هنا كانت، طالما (كم ممتع أن تتصور كيف كان الأمر) الآن لا يوجد ذئب الروابي بل سكة قطار، وليس هناك عصابة سرقة بل حافلة طعام مريحة.
إذا كنا حقًا مسيحيين، إذا كان كل شيء على ما يرام مع "المسيحية" والعالم المسيحي، إذًا على أن أصرخ -إن كان ممكنًا- بصورة عالية جدًا بحيث يمكن سماعها في السماء: أنت أيها اللانهائي، الذي لم تكشف عن نفسك كونك شيء سوى محبة، لم يكن هذا الأمر في الحقيقة محبة منك، أنك لم تعلمنا أن العهد الجديد لم يعد مرشدًا (كتاب يد) للمسيحيين! فأية فظاعة آنئذ، بينما يتغير كل شيء إلى نقيضه، ومع أنها حقيقة أننا جميعًا مسيحيون، أن تنذر الضعفاء من خلال عدم إلغاء أو تغيير كلمتك!
مع ذلك فأنني لا يمكنني افتراض أن الله كذلك، ولهذا فأنا مضطر لأن أقدم توضيحًا آخر، وهو الأمر الذي أميل إليه أكثر: إن كل هذه القضية عن "المسيحية" و"العالم المسيحي" هي قطعة من خداعات البشرية؛ بأننا مسيحيون فعلاً هو وهم بمقتضى خدعة بشرية. العهد الجديد، على النقيض من ذلك، هو كتاب يد ثابت كليًا للمسيحيين، بالنسبة إليهم فإن الأمور ستستمر في هذا العالم كما يقرأها المرء في العهد الجديد، ومن هو الذي لا تشوشه الأمور التي تمضي بصورة مختلفة بالنسبة للمسيحيين المخدوعين في هذا العالم، عالم الخديعة.

من العدد (2)
4 يونيه، 1855

 

الدولة – المسيحية
تتعامل "الدولة" (المؤسسة المسيحية الرسمية) بصورة مباشرة مع العدد (الأرقام)، ولهذا، فعندما تتضاءل الدولة، فهذا يعني أن العدد سيغدو صغيرًا جدًا، إلى درجة أن هذه الدولة ستكف عن الوجود، وستختفي الفكرة.
أما المسيحية فإن علاقتها بالعدد مختلفة: إن وجود مسيحي حقيقي واحد كافٍ لكي تكون المسيحية موجودة حقًا.
نعم، تتعامل المسيحية عكسيًا مع العدد – فحين يُصبح الجميع مسيحيين فإن مفهوم المسيحي سيختفي

للتوضيح لنأخذ مثالاً: لو فرضنا أنه في نية دولة ما أن تقضي على كل شعرٍ حقيقي (مع ملاحظة أن الشعر لا يضاد العالم كما هي المسيحية) فأنها تحتاج فقط إلى طرح 1000 مصدر عيش لشعراء موظفين (الخدام ورجال الدين هنا)؛ لنصل تقريبًا إلى وضع، تكون فيها البلاد باستمرار وإلى حد ما قد امتلأت بشعرٍ فاسد (الجميع يصبحون شعراء، نظرًا لتحوله لأكل عيش)، بحيث أن الشعر الصادق سيصبح أشبه بالمستحيل. أما الأقلية، الذين يمتلكون حقًا رسالة كانت يمكن أن تجعل منهم شعراء فسيتخلون تمامًا في اللحظة الحرجة عن المساعي المثابرة التي بذلوها على مسؤولياتهم الخاصة، ويختارون الراحة: "وظيفة رسمية"، مع أن تلك المساعي المثابرة هي تمامًا الشرط لكي تغدو هذه الأقلية شيئًا ما في رسالتها الشعرية. أما الأكثرية فإنها سترى في كون المرء شاعرًا مجرد مصدر رزق، مصدر رزق يؤمّن فيه الإنسان حياته.

: لأن المفهوم "مسيحي" هو مفهوم جدلي، إذ يمكن أن يكون الإنسان مسيحيًّا فقط بالتضاد أو في حالة نقيض. والأمر ذاته في العهد الجديد أيضًأ، فيما يتعلق برغبة الله أن يُحب، وهي تمامًا علاقة تضاد من أجل تعزيز الحب؛ وهكذا فإن المسيحي، الذي يحب الله، وبالتضاد مع البشر الآخرين، عليه أن يُعاني من كراهيتهم وملاحقاتهم. وحالما تختفي هذه المفارقة، فأن تكون مسيحيًّا هو محض هراء – كما هو الحال في مسيحية "العالم المسيحي Christendom" التي قضت بمكر على المسيحية عن طريق: كلنا مسيحيون.
لكن هذا الأمر أصبح صعبًا إدراكه في مسيحية "العالم المسيحي Christendom" حيث لا يملك الإنسان، وهو أمر طبيعي تمامًا، أي تصور عما هي المسيحية، وأين يتمكن الإنسان، على أقل تقدير، أن يعثر على الفكرة، أو على الأقل، كما يقال، أن يتقبل في تصوره، بأن المسيحية تم إلغاؤها عبر انتشار ملايين الأسماء والألقاب المسيحية (وكأنه يتكلم عن ملايين الأشخاص الذين قررت الدولة والمؤسسات المسيحية مسيحيتهم بالوراثة بوثيقة ميلادهم ووثيقة معموديتهم)، التي يهدف عددها إلى التغطية على أنه لا وجود لمسيحي، وأن المسيحية غير موجودة على الإطلاق. وكما يقال "يثرثر المرء كثيرًا لكيلا يقول شيئًا"، فإن الجنس البشري، ومنه الفرد، يريد أن يثرثر ويتهرب من أن يكون مسيحيًّا من خلال هذا الحشد من الأسماء والألقاب المسيحية، والدولة المسيحية/المجتمع والمؤسسات المسيحية، والعالم المسيحي، اعتقادًا منه إن الله سيكون مشوش العقل بتلك الملايين، بحيث لا يكتشف أنه خُدع، وأنه ليس هناك إنسان واحد: مسيحي.

 

رأي طبي

1

إن تشخيصًا صائبًا (تقديرًا للمرض) هو أكثر من نصف العمل. سوف يقر جميع الأطباء بصحة ذلك. وبنفس الوقت لن تساعد كل الطاقات، كل العناية والرعاية إذا كان التشخيص خاطئًا.
وهو نفس الأمر أيضًا بالنسبة للدين، حيث سمح الناس ويسمحون باعتبار هذه النوعية من "المسيحية" صالحة؛ أننا جميعًا مسيحيون، فوجهوا اهتمامهم إلى هذه القضية أو تلك في وقت ما، أو هذا المظهر أو ذاك من العقيدة في وقت آخر، وهكذا.
لكن الحقيقة هي: أننا لسنا مجرد غير مسيحيين فحسب! لا، بل أننا حتى غير وثنيين يمكن وعظهم بالعقيدة المسيحية بدون تردد! لكن تم إعاقتنا بواسطة وهم.. وهم هائل (وهم "المسيحية Christendom"؛ أننا جميعًا مسيحيون، في عالم مسيحي، ومجتمع مسيحي) عن أن نكون كذلك (حقًا مسيحيون).
ثم أن الناس لا تريد المساس بالوهم، بل أن يبقى ثابتًا ساري المفعول، ومن الجهة الأخرى يريدون تقديم عرض جديد للتعاليم المسيحية.
هذا ما تريده الناس، وبمعنى محدد فهو أمر طبيعي. لأنهم بالضبط وقعوا في شرك الوهم (لا نريد أن نقول أنهم حتى جزء مهم من الوهم) لهذا السبب بالذات ربما يريدون كل ما يغذي المرض (وهو أمر مألوف)، فيكون أكثر ما يسر المريض هو نفس الشيء الذي يغذي المرض.

2

تخيل مستشفى المرضى فيها يموتون كالحشرات. يتم تغيير العلاج بهذه الطريقة أو تلك – لكن دون جدوى. فأين يكمن الخلل؟ الخلل يكمن في البناية (المؤسسة المسيحية الرسمية هنا)؛ السم موجود في كل البناية. أن تسجيل المرضى كموتى بسبب هذا المرض مرة، وبسبب ذاك المرة الأخرى، ليس في الواقع من الحقيقة في شيء، فكلهم جميعًا قد ماتوا بسبب السم الموجود في البناية.
نفس الأمر في المجال الديني، أن الوضع الديني بائس، وأن الناس دينيًا في وضع يُرثى له، هذا أمر لا يمكن نكرانه. لهذا يعتقد أحد الأشخاص أن الوضع سيتحسن إذا كان عندنا كتاب جديد للتراتيل الدينية (الترانيم)، وشخص آخر كتاب جديد لمذبح الكنيسة وثالث قداس موسيقي، وغيرها وغيرها.
هذا أمر عقيم – لأن الخلل يكمن في البناية (المؤسسة المسيحية). لقد غدا كل الهواء المحصور في كل أكوام قاذورات كنيسة الدولة، التي لم يجر بالمعنى الروحي، تعريضها للهواء، منذ أزمان سحيقةغدا مسمومًا. ولهذا السبب فإن الحياة الروحية مريضة أو لفظت أنفاسها الأخيرة..
لندع هذه الأكوام من النفايات تنهار، ولنتخلص منها؛ لنغلق كل هذه الدكاكين والأكشاك، الوحيدة التي استثناها قانون عبادة يوم الأحد (كناية عن تحول الحياة المسيحية إلى مهنة تُدار من خلال المؤسسات المسيحية الرسمية)؛ لنجعل هذه الثنائية الرسمية المستحيلة: "عطلهم عن العمل، وأعل كل هؤلاء الدجالين (الكهنة الموظفين)". إذا كان الحال بحيث أن الطبيب المصادق عليه رسميًّا هو الطبيب الشرعي والطبيب غير المصادق عليه هو الدجال، فمسيحيًا، هو العكس تمامًا، المعلم المصادق عليه هو الدجال، لكونه مصادق عليه رسميًّا – دعونا نعبد الله ثانية ببساطة بدلاً من الاستخفاف به والسخرية منه في بنايات ضخمة. لتكن هناك جدية مرة أخرى ويكف الأمر عن أن يكون لعبة (تمثيلية).
نعم، ليحدث ذلك. ما تحتاجه المسيحية ليس حماية الدولة (المؤسسات المسيحية الرسمية) الخانقة؛ كلا، أنها تحتاج هواء نقيًّا، إلى اضطهاد المجتمع و– حماية الرب. الدولة تُسبب الضرر فقط؛ إنها تتفادى الاضطهاد (يُشير كيرككورد هنا إلى الاضطهاد والمعاناة المطلوبة من المؤمن بنظره، لكي يكون مسيحيًّا حقًّا. "المترجم")

، كما أنها ليست المجال الذي تتحقق عبره حماية الله. وعلاوة على كل شيء، أنقذوا المسيحية من الدولة (من المؤسسات الدينية الرسمية)؛ لأنها بحمايتها تختنق المسيحية، تمامًا كما تخنق المرأة رضيعها بجسدها، وهي تُعلم المسيحية أكثر العادات السيئة الكريهة: استخدام الشرطة/القانون "وربما العقيدة" (أي القوة والسيطرة لضبط مسيحية "العالم المسيحي") باسم المسيحية.

 

هذا أمر مرّوع
الأمر جد مروّعًا أن تعيش، من جيل إلى جيل، عائلات كاملة من الطفيليين الذين (يسمونهم معلمي المسيحية) تحصل على العيش، باسم المسيحية، من خلال تقديم شيئًا زائفًا إلى الناس يناسب رغباتهم – وهو دليل حاسم بكل ما في الكلمة من معنى على أنها ليست مسيحية العهد الجديد – التي ترتزق باسم المسيحية من الوعظ بما هو نقيض لمسيحية العهد الجديد، مفتخرة بالراتب (الوظيفة الدينية الرسمية)، الذي هو، مسيحيًّا، مضحك تمامًا كما أن يريد المرء أن يلعب الورقة الرابحة (يقش) بورقة عادية في لعبة الورق، أو يريد تعريف نفسه كراع بواسطة بطاقة مختومة من ذئب.
هذا ما هو مروّع. وربما لم يحدث مثله في التأريخ؛ أنه قد تم تصفية الدين بهذه الطريقة، من خلال ازدهاره. لكن أرجوك لاحظ أن ما أعتبر كـ"مسيحية" هو النقيض لما يفهمه العهد الجديد كمسيحية؛ فدين المعاناة (المسيحية الحقيقية) أصبح دين فتنة بالحياة مع أنه أبقى على الاسم "مسيحية" دون تغيير.
هذا ما هو مروّع. أن الوضع بالنسبة للمسيحية هو من المحتمل، في الوقت الراهن، صعب بدرجة مضاعفة لما كان عليه عندما دخلت العالم، لأنها لا تواجه حاليًا اليهود والوثنيين، الذين كان من المحتمل أن تثير سخطهم الكامل، بل تواجه "المسيحيين"، الذين توجب أن يُثار سخطهم بنفس الطريقة كما أثارت في الماضي سخط الوثنيين واليهود، "المسيحيين"، الذين جعلتهم طائفة من المحتالين الكنسيين أن يصدقوا بأنهم مسيحيون، وأن المسيحية هي لحن موسيقي لأغنية شراب، حتى أكثر سحرًا من الأغاني التي يصاحبها دومًا الحزن الذي يختفي بسرعة وخلال 100 عام سيكون كل شيء منسيًا ، بينما أغنية الشرب المسيحية المحبة للحياة، كما يؤكد لنا الكهنة "ستدوم إلى الأبد" .

 

"مسيحيون حقيقيون" مقابل "مسيحيون عديدون"
اهتمام المسيحية، وما تريده هو: مسيحيون حقيقيون.
أن شره رجال الدين نحو الفائدة المالية وكذلك السلطة ذا صلة بـ"ازدياد عدد المسيحيين."
وقد حدث هذا الأمر بسهولة جدًا، كما لو أن شيئًا لم يحدث: "أحصل لنا على أطفال، رش على رأس كل طفل قليلاً من الماء (أو غطسة في جرن المعمودية، هنا) – عندئذ هو مسيحي!
"عندئذ سنحصل في وقت قصير على مسيحيين أكثر من سمك السردين في فصل صيد السردين، مسيحيون بالملايين، من ثم فأننا بواسطة المال أيضًا سنكون أعظم قوة شهدها العالم حتى الآن. أما قضية الأبدية فهي أكثر الاختراعات براعة، وستبقى عمليًا كذلك، إذا وضعت بأيد صحيحة، طالما أن المؤسس قد رأى ماهية المسيحية بطريقة غير عملية بل وخاطئة أيضًا."
بناء على ذلك، صار هناك ملايين المسيحيين، الدول المسيحية، الممالك، البلدان، العالم المسيحي. لكن هذا هو النصف الأول من قضية الجريمة المسيحية؛ الآن نصل إلى ما هو معقد تعقيد فريد من نوعه، لا نظير له تمامًا؛ حتى بين الأشخاص الذين أثروا أنفسهم عن طريق تزوير أختام دوائر الضريبة أو ماركات المصانع المشهورة، فهم لا يصروا على كونهم مستقيمين ومحترمين كأصدقاء حقيقيين لدوائر الضريبة أو تلك المصانع. هذا الأمر من نصيب مزيفي المسيحية فقط (كل من اشتركوا في تكييف هذا "العالم المسيحي" الرسمي غير المسيحي حقيقة). ذلك الحماس، حماس الأنانية، الحماس لكسب العديد من "المسيحيين" بذات الأسلوب الذي تبغضه المسيحية من أعماق قلبها، ذلك الحماس تم تزيينه ليصير حمية وحماسًا مسيحيًا حقيقيًا للدعوة إلى العقيدة، كما لو أن هذه هي المسيحية التي يخدمها المرء بهذه الطريقة وليس العكس من ذلك؛ المسيحية التي خانها المرء، وخدم بدلاً من ذلك نفسه. مع ذلك أصبح حماس الأنانية المختوم بزيف كأنه حماس مسيحي، كما أصر هؤلاء المزيفون على اعتبار أنفسهم أصدقاء حقيقيين للمسيحية. تلك الملايين غير المحظوظة، التي تم خداعها من أجل أموالها، وأسئ استخدامها كقوة ملموسة بينما تم خداعها في المقابل من أجل الأبدية عبر تلقينها بعض الكلام الطنان، تلك الملايين التي تؤله وتوقر المزيفين المسيحيين باعتبارهم خدامًا للمسيحية.

 

في "المسيحية" (مسيحية العالم المسيحي) الجميع مسيحيون؛ وحين يكون الجميع مسيحيون، فإن مسيحية العهد الجديد –تلقائيًا- غير موجودة، بل أنها في الحقيقة مستحيلة.
تقوم مسيحية العهد الجديد على فكرة أن المرء مسيحي، كما قلت سابقًا، هو في علاقة – تناقض، بمعنى أن تكون مسيحيًا هو أن تؤمن وأن تحب الله في علاقة – تناقض. بينما يملك المسيحي، طِبقًا لمسيحية العهد الجديد، كل المساعي والجهاد والمعاناة التي ترتبط بما هو مطلوب منه؛ أن يموت (كولوسي 2: 20، 3:3)، وأن يكره نفسك (لوقا 14: 26)، إلخ. فهو يُعاني أيضًا بسبب علاقة التناقض مع الآخرين، الأمر الذي أشارت إليه مسيحية العهد الجديد مرارًا: أن تكون مكروهًا من الآخرين، وملاحقًا، وأن تعاني من أجل العقيدة، ..إلخ (متى 10: 17- 22).
في مسيحية "العالم المسيحي" كلنا مسيحيين – بالتالي فإن علاقة التناقض قد اختفت. بتعبير آخر، لا معنى لها، فقد تم جعل الجميع مسيحيين وكل شيء مسيحيًا (فأين التناقض إذن؟!)– وهكذا فنحن نعيش حياة وثنية (تحت اسم المسيحية). لم نجرؤ أن نثور بتحد علانية ضد المسيحية؛ كلا، إنما ألغليناها برياء ومكر من خلال تزييف تعريف معنى أن تكون مسيحيًا.
حول هذا أقول: 1) هذه قضية إجرام مسيحية، 2) هذا تلاعب بالمسيحية، 3) وهذا استهزاء بالله.
كل ساعة تبقى فيها الأمور على حالها، فإن الجريمة ستستمر؛ كل يوم أحد تقام طقوس العبادة بهذه الطريقة، يتم جعل المسيحية لعبة والله محل سخرية. وكل شخص يشترك فيها ويُساهم في التلاعب بالمسيحية وجعل الله محل سخرية، فهو متورط في قضية إجرام مسيحية.
نعم، أوه يا إلهي، لو لم يكن ثمة خلود (أبدية): وهي أكثر الكلمات التي قيلت قطعًا في هذا العالم، فأنت، عندئذ، يارب الخليقة، كنت قلت: لا تضلوا فإن الله لا يُشمخ عليه "يُسخر منه" (غلاطية 7: 6).

 

صعوبة مهمتي
ليس هناك أسهل من رؤية، أن المسيحية الرسمية (ما نسميه نحن "المسيحية") ليست هي مسيحية العهد الجديد، ولا حتى السعي نحوها، ولا نملك أقل شبهًا بها..
إذا افترضنا أن ما يفهمه العهد الجديد عن المسيحية وأن تكون مسيحيًّا هو أمر محبوب للإنسان حقًا، أمر يمكن أن يُسعد ويجذب حقّا الإنسان السوي، كما لو أنه تقريبًا كان من اختراعه، كما لو أنه منطوق من قلبه (وهو بالطبع ما يُخالف طبيعة سقوط الإنسان) - حسنًا، عندئذ سيكون كل شيء على ما يرام.
لكن، لكن، لكن هنا بالضبط تكمن الصعوبة. ما يفهمه العهد الجديد عن المسيحية وأن تكون مسيحيًّا (الأمر الذي لا يخفيه العهد الجديد إطلاقًا بل يؤكد عليه بحزم على قدم الإمكان) هو بالضبط أكثر ما يعارضه الإنسان السوي (الطبيعي)، فهو بالنسبة إليه إهانة، هي ما يتمرد ضدها إما بعاطفة همجية وتحد أو أنه سيحاول بمكر التخلص منها بأي ثمن، مثلاً، عن طريق الخداع، بحيث يُسمي ما هو النقيض تمامًا "مسيحية"، من ثم يحمد الله على "المسيحية" وعلى الفوائد الكبيرة (البركات) التي لا تُقدر بثمن بإنه مسيحي.
وعندما أريد الآن أن أجعل الأمر واضحًا بأن ما نُسميه نحن مسيحية، أي المسيحية الرسمية هي ليست إطلاقًا مسيحية العهد الجديد، وأُبين لهذا الغرض ما يفهمه العهد الجديد عن المسيحية وأن تكون مسيحيًّا، وأن هذه هي بؤس، وشقاء ومعاناة صرفة (لكن من ثم، إن الأبدية، حقيقية، وإن بدا ذلك عبثًا)، بينما ما نسميه "المسيحية" هو أمر مبهج وممتع (لكن بعدئذ، ليس هناك حقيقة ضمان آخر للأبدية أكثر من الأبدية التي يقدمها الكهنة) -وعندما أفعل ذلك، فلا مهرب من أن أكثر الناس سيخلطون بين أمرين: أن ما أُشير إليه بكونه مسيحية العهد الجديد لن يسعدهم، وأن ما يُسعدهم أو يُكدرهم لا يُغير بأية حال من الأمر شيئًا فيما يتعلق بالسؤال عما هي مسيحية العهد الجديد. في الحقيقة، ينبغي اعتبار كونهم غير مسرورين علامة على ان ما أسميه مسيحية العهد الجديد هو مسيحية العهد الجديد بالفعل.
ليس دون داع أنني، في الحقيقة سميت قضية "المسيحية" هذه قضية إجرامية. لم يُضيّع واعظ المسيحية الرسمية طبعًا -كما يتوقع المرء- الفرصة بل، بدأ القضية، زورًا، من الأساس -بالتأكيد على أن كسب الناس، هو القضية المهمة بالنسبة إليه، أما المسيحية فهي أقل أهمية. والطريقة –التي اتخذها- كالتالي: إثارة العواطف الإنسانية، وما يفتنها يُسمى "مسيحية"؛ هذا ما يجعلونه الـ"مسيحية"-وهكذا يتم كسب الناس إلى "المسيحية".
مسيحية العهد الجديد هي، على العكس من ذلك، هي ما لا يسر بل ويصدم الناس إلى أقصى درجة. هي المسيحية التي إن تم الوعظ بها بهذا الطريقة لا يمكنها أن تكسب المسيحيين بالملايين ولا أن تكسب الأرباح والمكافآت الدنيوية. نادرًا ما يُمارس إنسان، من أي جيل، ضبط النفس بحيث يكون قادرًا على الرغبة فيما لا يسره، بحيث يكون قادرًا على أن يتمسك بقوة بالحقيقة التي لا تسره، أن يتمسك بقوة بكونها الحقيقة رغم أنها لا تسره، أن يتمسك بقوة بكونها الحقيقة لأنها بالضبط لا تسره، من ثم، على الرغم من أنها لا تسره، أن يكون قادرًا على الرغبة في أن يُصبح مشغولاً بها. سيكون هذا الأمر مربكًا لأكثر الناس على الفور، بوعي أو بدون وعي؛ ينبغي أن يكون ما يشغلهم أمرًا يبدو مفرحًا (مسرًا) لهم، وجذابًا لهم.
هذا هو ما يهدف إليه مزيفو المسيحة: ففي توضيحهم للناس ما هي "المسيحية"، فإنه يحرفون القضية باستمرار بالشكل التالي: "يمكنك أن تكون على ثقة أن هذه وتلك هي المسيحية لأنها تناشدك (توافقك). وبالعكس، فيمكنك التأكد بسهولة أن هذه وتلك لن تكون المسيحية، لأنها تصدمك في أعماقك."
بهذا الأسلوب كسبت جماعة الكهنة، التي تُراهن على العدد البشري، الناس، وأوهمتهم بأنهم مسيحيون، من خلال خداعهم باسم المسيحية بشيء.. شيء يجذبهم. وقد وجد الملايين أنفسهم مسرورين بأن يكونوا، أيضًا، مسيحيين بهذه الطريقة الرخيصة والمغرية، وأن يحصلوا بنصف ساعة وبهزة يد على حسم قضية الأبدية، كي يكونوا بعدها قادرين بحق على التمتع بهذه الحياة!
هنا، كما ترى، تكمن الصعوبة. ليست القضية إطلاقًا هي جعل الأمر واضحًا أن المسيحية الرسمية ليست هي مسيحية العهد الجديد، بل تكمن الصعوبة في أن مسيحية العهد الجديد وما يفهمه العهد الجديد بالمسيحية هي أي شيء إلا ما يسر الإنسان!
والآن فكر بما يعنيه أنه عليك أن تكسب الناس الذين أفشلهم وعظ "المسيحية" الخادع، وأفسدتهم فكرة أن ماركة المسيحية هي في الجوهر أن تكون جذابة لهم. أن عليك، إن أردت لهم أن يكونوا راغبين في رؤية ما يفهمه العهد الجديد بالمسيحية، عليك أن تجعلهم يرون هذا. بينما آلاف من "رعاة الأرواح" يريدون افتراضًا تغيير كل شيء لكي لا يفقدوا النعاج (الشعب)، ويريدون استمرار إثارة كل العواطف عند النعاج بهذه الطريقة: "يمكنك التأكد بسهولة أن هذا وذاك ليس من الممكن أن يكونوا مسيحيين."

 

"الرسمي" مقابل "الشخصي"
لا شيء مثير للاشمئزاز لدى الله، لا البدعة ولا الخطيئة، لا شيء مثير لاشمئزازه جدًا كما هي هذه الديانة "المسيحية" الرسمية. يمكنك بسهولة فهم ذلك الآن؛ طالما أن الله كائن واحد، تستطيع بالتأكيد أن تتخيل كم هو مثير لاشمئزازه أن شخصًا يريد خداعة بالصياغات، يريد أن يتحايل عليه باحتفالات رسمية، وخطابات رسمية إلخ. في الحقيقة لأن الله بالضبط هو بأكثر المعاني صدقًا ذاتًا، محض ذات، لهذا السبب تمامًا فما هو رسمي بالنسبة ِإليه هو أكثر اشمئزازًا وبلا حدود مما لامرأة تكتشف أن أحدًا يطلب الزواج منها طبقًا لكتاب (مرسوم) صاغه أحدهم لها.

من العدد (4)
7 يوليه 1855


"أولا ملكوت الله"
(حدوتة قصيرة)
والآن أنت، أيًّا من تكن، فكّر فقط بكلمات الله "أولا ملكوت الله"، ولن تحتاج أكثر من ذلك لكي تعرف أن كل المسيحية الرسمية هي هاوية من الكذب، خداع بصري، أمر مدنس جدًا، بحيث أن الشيء الوحيد الحقيقي، الذي يمكن أن يُقال عنه، هو: أن تتوقف عن المشاركة فيها (إذا كنت تشارك عادة في حضور العبادة)، كما هو الوضع الآن. نعم، سوف تظل مذنب، ولكن ذنب أقل، لو امتنعت عن المشاركة في الاستخفاف بالله والسخرية من الله (هذا ما ينبغي قوله، فعلينا قوله).
كلمة الله تقول "أولاً ملكوت الله"، ولكن التفسير (الترجمة العملية) هو أولاً أي شيء آخر، وفي النهاية ملكوت الله. بعد طول انتظار تم الحصول على أشياء هذه الدنيا أولاً، ثم أخيرًا تصل الخطبة (العظة) في الخاتمة -إلى أطلب أولاً ملكوت الله. وبهذه الطريقة يُصبح المرء كاهنًا حيث يكون كل عمل الكاهن هو ممارسة مستمرة لما يلي: أولاً أمور هذه الدنيا، ومن ثم -ملكوت الله؛ أولاً الاهتمام بأمور هذه الدنيا، فيما إذا كانت تُريح الحكومة أو الأكثرية، أو على الأقل مجموعة أفراد- أي: أولاً مراعاة ما يأمر به أو يمنع خوف الناس، ومن ثم ملكوت الله؛ أولاً أمور الدنيا، أولاً النقود، من ثم يمكنك تعميد طفلك؛ أولاً النقود، وبعدها سيُهال عليك التراب على تابوتك، وستكون هناك خطبة (عظة/قداس) للدفن حسب التقاليد (الطقوس)؛ أولاً النقود، وبعدها الفضيلة، ثم ملكوت الله، بحيث أن الأخيرة (ملكوت الله) تأتي في نهاية المطاف إلى حد إنها لن تأتي البتة، وتبقى كل الأمور عند البداية: النقود.
على هذا النحو أٌقيمت علاقة في كل نقطة وكل شيء بين المسيحية الرسمية ومسيحية العهد الجديد. وحتى هذا لم يعترف به المرء على أنه تفاهة؛ كلا، بل تم الإصرار بصفاقة على أنه يمكن تحسين المسيحية، وأن المرء لا يمكنه البقاء مع المسيحية الأولى (الأصيلة)، فهي كانت مجرد مرحلة ..إلخ. ولهذا فليس هناك ما يعارضه الرب، كما يعارض المسيحية الرسمية، والمشاركة فيها بدعوى عبادته. فإذا كنت تعتقد -وأنت تعتقد في ذلك بالتأكيد- بأن الرب يعارض السرقة، والسلب، والنهب، والعهر، والاغتياب، والطمع وغيرها -فإن المسيحية الرسمية وعبادتها كريهة إليه بصورة غير محدودة أكثر من ذلك. أن تعتقد أنه يمكن أن يكون الإنسان غارقًا في مثل هذا الغباء الحيواني واللاروحانية، بحيث يتجرأ على عبادة الله بهذه الطريقة، التي فيها كل شيء بلا معنى، بليد.. بدون روح، وأن يتجرأ الناس بصفاقة بعدها على اعتبار ذلك خطوة إلى الأمام في المسيحية!
من واجبي أن أقول ما يلي: "أيّا كنت، ومهما تكن بالمناسبة حياتك؛ أن التوقف عن المساهمة في العبادة الرسمية -إذا كنت تشارك بها عادة- كما هي الآن سوف يقلل من إثمك العظيم. ومن ثم، فأنت تتحمل المسؤولية، وعليك تحمل مسؤولية تصرفك، لكنه قد تم تنبيهك!"
إن "المسيحية" (مسيحية العالم المسيحي) من جيل إلى آخر، هي مجتمع من اللامسيحيين.
والصيغة التي يحدث بها ذلك هي كالتالي: الفرد ذاته غير راغب في أن يكون مسيحيًّا، لكنه يأخذ على عاتقه أن يُنجب أطفالاً (يعمدهم ويأتي بهم للكنيسة)، ليصبحوا مسيحيين؛ وإن هؤلاء الأطفال سيسلكون بدورهم نفس الطريق. وهكذا يتم الاستخفاف بالله والسخرية منه الذي يتربع عرشه في السماء. بينما خدامه على الأرض، الملزمون بالقسَّم (الخدمة)، الكهنة، المتمتعين بالحياة وفي هذه الملهاة (الكوميديا)؛ يساعدون يدًا بيد مع القابلات بزيادة النسل؛ وكأن هذه هي؛ الجدية المسيحية الحقيقة..
هذا هو سر هذا النوع من "المسيحية"، إساءة قوية لا شبيه لها يُراد بها الاستخفاف بالله السخرية منه، إهانة، يتم بالرغم من ذلك مباركتها -على اعتبارها مسيحية حقيقية- من قبل الكهنة، أولئك المعلمون الثابتو القسم، هؤلاء الرفاق ذوو الوجهين..
بالنسبة لمسيحية "العالم المسيحي" تلك فإن كل شيء يقوم على ما هو راسخ بقوة؛ إن المرء يُصبح مسيحيًّا وهو طفل؛ وإذا كان أحد سيُصبح حقًا مسيحيًّا فإنه سيكون ذلك وهو طفل، ابتداءً من الطفولة (وربما أوتوماتيكيًّا بالميلاد، كما يحدث في مصر، أو بمجرد المعمودية). وهذه هي الكذبة الرئيسية؛ ولو تم السماح لها، فعلى مسيحة العهد الجديد السلام! ومن ثم تكون مسيحية "العالم المسيحي" قد كسبت الجولة، الانتصار الذي يتم الاحتفال به بصورة ملائمة عبر إقامة موائد شراب وطعام حقيقة، لقاء جامح للمتعة، يتقدمهم الباخوسيون والباخوسيات (الكهنة) والقابلات الذين يتلقون الطفل في هذه "المسيحية" منذ ولادته.
الحقيقة هي أنه لا يمكن للمرء أن يكون مسيحيًّا كطفل؛ إنه أمر مستحيل تمامًا، كما هو مستحيل لطفل أن يُنجب طفلاً. أن تكون مسيحيًّا يُفترض (طبقًا للعهد الجديد) حياة إنسانية كاملة، بما يُطلق عليه بالمعنى الطبيعي، بلوغ الرجل، لكي يُصبح المرء وقتها مسيحيَّا؛ من خلال انسلاخه عن كل ما يتصل مباشرة به. أن تُصبح مسيحًّا (طبقًا للعهد الجديد)؛ يفترض وعيًا ذاتيًا بالخطيئة ووعيًا بذاته كخاطئ أثيم. وهكذا يرى المرء ببساطة، أن كل موضوع التحول إلى المسيحية كطفل؛ إن يُصبح فعلاً كذلك وهو طفل، ليس في الواقع أقل أو أكثر من مجرد عبث يُلقمه الكهنة العابثون لرؤوس الناس، على الأرجح، بمقتضى قسمهم اليمين على العهد الجديد (رسامتهم ككهنة)، لكي يمكن ترتيب رزق "الكهنة" ووظيفتهم.

 

الحقيقة عن أهمية "الكاهن" للمجتمع
تمامًا كما يجب على الإحصائي، الخبير في مجاله، حين يطلع على المواطنين في مدينة كبيرة، أن يكون قادرًا على أن يُقدم أرقامًا متناسبة عما تستخدمه مدينة كهذه من العاهرات؛ أو كإحصائي خبير في مجاله حين يطلع على حجم الجيش، يكون قادرًا على تحديد العدد المناسب من الأطباء الذي يحتاجه جيش بهذا الحجم للعناية به بصورة جيدة - تمامًا كذلك كان ينبغي أيضًا على الإحصائي، الذي يتعامل مع أمور كهذه، حين يكون مطلعًا على المواطنين في بلد ما، أن يكون قادرًا على تحديد العدد المناسب لشاهدي الزور/الكهنة (عادة ما يُسمي كيركجارد الرسل والقديسين في كتاباته بـ"شاهدي/شهود الحق"، وعليه نفهم هنا استخدامه لمصطلح "شاهدي الزور" على كهنة المسيحية الرسمية لتبيان أنهم على النقيض تمامًا من الرسل والقديسين الذين بنوا المسيحية الحقيقية)، الذين يحتاجهم بلد كهذه، لكي تكون محمية تمامًا، باسم المسيحية، من المسيحية، أو مصانًة بصورة تامة، تحت قناع المسيحية، بحيث حين كون قادرة على عيش حياة وثنية، وعلاوة على ذلك، هادئة وطاهرة من خلال كونها "مسيحية".

من وجهة النظر هذه، فإن حقيقة أهمية "الكاهن" للمجتمع واضحة، أو إلى أي حد يتوقف ذلك في الواقع على أهميته.
تفترض المسيحية من وجهة نظرها عن الوجود الإنساني أن الجنس البشري هو جنس خاسر (مفقود/ضائع)، وأن كل فرد يولد، لمجرد ولادته وبالتالي انتماءه إلى هذا الجنس، فهو روح ضالة (مفقودة/ضائعة). ولهذا تريد المسيحية إنقاذ كل فرد، لكنها لا تُخفي على أي نحو حقيقة أنه إذا كان ينبغي القيام بعمل جاد بهذا الشأن، فستغدو هذه الحياة وبدون شرط النقيض تمامًا لما يمتلكه الإنسان من حس ومزاج، تغدو معاناة، وكربًا ومأساة صرفة.
هذا بالتأكيد ليس مقبول لدى الإنسان؛ ربما لا يوجد فرد واحد بين الملايين، على قدر كافٍ من الصدق والنزاهة حتى يقبل ذلك. لذلك فمهمة الإنسان "الجنس البشري"، "المجتمع" هي حماية نفسه بكل قوته ضد المسيحية، التي ينبغي اعتبارها عدو البشرية المميت.
لكن أن تنفصل عن المسيحية علنًا (ترفضها صراحة)؛ "لا" بالطبع، يقول الإنسان الذكي "لا، هذا ليس من الفطنة في شيء، أن يرفض الإنسان، بصدق وجهًا لوجه، سلطة بهذا القدر الكبير، كما هي المسيحية" - فإن رفضها كليًا، فإنه سيواجه في نهاية المطاف خطرًا، بحيث تضيق هذه السلطة عليه الخناق عقابًا لانشغاله عنها بحماقة، لأن رفضها بصدق هو مع ذلك انشغال بها على نحو ما.
كلا، هنا ينبغي استخدام أدوات أخر، على الرفيق الذكي "الإنسان" أن يحمي هنا نفسه بطريقة مختلفة تمامًا.
والآن ستبدأ الملهاة (الكوميديا). فبالنسبة لحشد جماهيري بهذا أو ذاك الحجم، يقول الإحصائي إنه يحتاج إلى عدد كبير جدًا من شهود الزور (الكهنة). هؤلاء قد تم تعيينهم. فأن لا يكون هناك ما يعظون به، وأن لا يكون ما تُعبر عنه حياتهم هو مسيحية العهد الجديد، فهذا أمر يدركونه جيدًا أنفسهم. لكنهم يقولون: إنها مصدر رزقنا؛ بالنسبة لنا يتعلق الأمر بأن نبقى يقظين لأنفسنا وأن لا نسمح لأنفسنا أن نرهب شيء..
"نحن" يقول المجتمع "نحن مجرد مواطنين عاديين؛ لا يمكننا أن نشغل أنفسنا بالدين بهذه الطريقة؛ نحن نثق براحة بالـ"كاهن"، الذي، هو برغم كل شيء؛ ملزم بالقسم على العهد الجديد".
الآن اكتملت الملهاة (الكوميديا)؛ فالكل مسيحيون وكل شيء مسيحي، والكهنة وكل شيء يُعبر عمّا هو مناقض تمامًا لمسيحية العهد الجديد. لكن يبدو أن من المستحيل الإمساك بنهاية هذه القضية المحاكة بخبث؛ يبدو أنه من المستحيل الوصول إلى ما يقع وراء المظاهر (خلف السطح). كيف يمكن للبعض أن يشك بوجود المسيحية إذن؟ في الحقيقة إنه أمر مستحيل تمامًا.. وهو أمر مربك جدًا كما أن يقول شخص عند الوصول "مع السلامة"! كيف يحصل لأيَّ كان عند سماعه كلمة مع السلامة أن يفكر بأن شخصًا ما قد وصل، وكيف يمكن حدوث هذا الأمر لأي شخص؟! في الحقيقة أنه لم يحدث لأيَّ كان، ولو أنني لم أقلها بنفسي لما عرف أحد من الذين أتحدث على أنهم "شهود الزور"، لما عرف إنهم "الكهنة"، "الكهنة" الذين يُعتبروا في الواقع "شهود للحق"!
هذه هي حقيقة أهمية "الكاهن" للمجتمع، الذي يستخدم من جيل إلى جيل عددًا "ضروريًا" من شاهدي الزور لكي، باسم المسيحية، يكون محميًا تمامًا من المسيحية (الحقيقية)، ومصانًا تمامًا ليكون قادرًا على العيش وثنيًا، مطمئنًا، وحتى طاهرًا، بحيث يعيش على أن هذه هي المسيحية.
ليس هناك، بالطبع، نزيه واحد في كل المؤسسة الكنسية. نعم، أعرف جيدًا، أن هناك أناس غير مبالين من نواح عديدة للاتفاق معي على ما أقول، يعتقدون مع ذلك، بأن عليّ أن أجعل هناك بعض الاستثناءات، بأن هناك مع ذلك أقلية. لا، شكرًا لكم. أن الشروع في مناقشة هذا الموضوع يعني التورط في اللغو (الفارغ). من المحتمل أن تكون النتيجة اعتراف كل المؤسسة، وكل المجتمع، بأنني على حق في كل ما أقوله طالما من الطبيعي أن يفكر كل واحد بأنه الاستثناء. لكن وبالحرف الواحد ليس هناك استثناء؛ ليس هناك وبالحرف الواحد كاهن واحد صادق. دع الشرطة تدقق قليلاً بأمر هذا الشخص الصادق المفترض: الشخص النادر والصادق فوق العادة، وسيرى المرء الذي يريد أن يرى؛ سيرى على الفور، أنه هو أيضًا ليس استثناء، لأنه لا يوجد وبالحرف الواحد فرد واحد صادق.
أولاً، إنه بالتأكيد ليس غبيًا، حتى لا يكون قادر على إدراك أن الطريقة التي يُكافأ بها، هي، مسيحيًا، طريقة مرفوضة إجمالاً، وهي مناقضة تمامًا لتعاليم المسيح؛ كما أن كل حياته كمعادلة تتكون من موظف دولة (مؤسسة مسيحية رسمية) وتابع للمسيح، هي، مسيحيًا، مرفوضة كليًا، ومناقضة لتعاليم المسيح، بكل ما في الكلمة من معنى، وذات وجهين، ولهذا سيصر المرء على أن بذلته تكون ذات لونين لكي تعبر عن: هذا - وذاك (المقصود "الازدواجية"، الجمع ما بين المسيحية والدولة/المؤسسات الرسمية).
ثانيًا، كونه عضوًا في المؤسسة (المسيحية الرسمية)، فهو يُشارك في إثم كل المؤسسة. حينما تكون كل المؤسسة فاسدة، فيمكن التعبير عن الصدق فقط من خلال إلغاء المرء عضويته في هذه المؤسسة؛ وإلا ستكون النتيجة الوحيدة هي (مفترضين أننا نصدق للحظة نزاهته) أن قبول المؤسسة له عضوًا لديها، يعني أن عندها شخصًا ترجع إليه (للتدليل على عدم فسادها بالكلية) وهو تمامًا الأمر الذي ينبغي أن لا يحصل..
ثالثًا، أن هذا الشخص الصادق افتراضًا، ربما يكون على العكس من ذلك، إنه بطريقة مهذبة فقط، حتى أسوأ من الآخرين. فكما هو معروف، إن الأعور يحكم بين العميان (الأعور بين العمي ملك). لو أن أحدً يهدف إلى بلوغ أمر مهم بثمن بخس، فإنها خطة حكيمة أن يدخل في شركة غير قديرة، رديئة وغير نزيهة، بحيث تبدو القليل من نزاهة المرء هنا على العكس رائعة - آه، نعم، إلا إذا كان هذا الاستخدام الذكي للإيضاح هو نوع من التضليل أكثر عمقًا من خداع الآخرين الصريح.
كلا، لا يوجد بالحرف الواحد كاهن واحد صادق. من الجانب الآخر، كل المجتمع، مسيحيًّا، هو من خلال "الكاهن" إلى حد ما منحط، بحيث إنه لن يكون لو أن "الكاهن" لم يكن موجودًا.
من الصباح حتى المساء يُعبّر آلاف بل ملايين من المجتمع عن تصور للحياة يتناقض تمامًا مع تصور المسيحية، كما تتعارض الحياة مع الموت. لا يمكن للمرء تسمية هذا الأمر وضاعة، إنه إنساني (طبيعي). لكن الانحطاط يحل الآن: هنالك 1000 رجل (كهنة موظفين) مقيَّد بالقسَّم على العهد الجديد، وهم أنفسهم يعبرون، مثل بقية المجتمع تمامًا، عن تصور للحياة مناقض كليًا لتصور المسيحية، ولكنهم يطمئنون المجتمع أيضًا إلى أن هذه هي المسيحية. هنا المجتمع وضيع.
أن تكون مسيحيًّا من وجهة نظر العهد الجديد في مرتبة أعلى يختلف تمامًا عن أن تكون إنسانًا، مثلما حين تكون إنسانًا في مرتبة أوطأ يختلف تمامًا عن أن تكون حيوانًا. المسيحي من وجهة نظر العهد الجديد، رغم أنه يقف وسط واقع هذه الحياة متألمًا، إلا أنه مغترب تمامًا عن هذه الحياة. إنه أجنبي وغريب، كما هو مكتوب في الكتاب (1 بط 2: 11)..
وهو نفسه يشعر أنه غريب وكل فرد يشعر، غريزيًا، بأنه غريب عنه.
بيد أن الحقيقة هي أن حياة كهذه تربط نفسها بمسيحية العهد الجديد. ولنتصور الآن بأن شخصًا ما، الذي يعيش بهذه الطريقة يحيا في مجتمع "عالم مسيحي" حيث يوجد طاقم كامل من المعلمين الملزمين بقسم على العهد الجديد (موظفين) بحيث يحل الانحطاط (وقد يتأثر به هذا الشخص). إن هؤلاء المعلمين الحالفين القسم - لا يشعر أغلب الناس في الواقع أنهم غرباء عنهم، ونحو طريقتهم في الحياة؛ إنهم معتادون على هذا الأمر، وهم في الحقيقة اتباعهم: يحيا الربح، يحيا العمل في تجارة مرحبة بطريقة أو أخرى. لكن هؤلاء المعلمين هم في الحقيقة كهنة ومن ثم، فإن عليهم، وبوصفهم ملزمين بقسم على العهد الجديد، أن يعرفوا بلا شك ما هي المسيحية؛ فيقدمون ضمانة إلى الحشد؛ أن هذا الربح وما شابهه هما مسيحية حقيقية. وحين تتم تربية أغلب الناس بهذه الطريقة، ويشعرون بأنهم غرباء عن نوع الحياة الذي تم وصفه أعلاه (المسيحية الحقيقية)، ويميلون لاعتباره جنونًا، سيعتقدون بأن لهم الحق، مسيحيًّا، أن يحكموا بأن مثل هذه الطريقة من الحياة هي نوع من الجنون. هذا انحطاط، وهذا الانحطاط سببه- وجود "الكاهن".
ذات مرة دارت محادثة لي مع رئيس الأساقفة الراحل ماينستر، كما يلي. قلت له: أن على الكهنة أن يكفوا تمامًا عن إلقاء العظات وأن عظاتهم لا أثر لها قطعًا، لأن المؤمنين يفكرون وراء ظهورهم: "حسنًا، إنها مصدر عيشه." أجاب رئيس الأساقفة ماينستر على ذلك بصورة غير متوقعة حقًا، قائلاً: "ما يقولونه فيه بعض الصحة." (ياليت رؤساء أساقفتنا كذلك يعترفون بهذا) لم أكن في الحقيقة متوقعًا هذا الجواب. بالتأكيد قال ذلك في محادثة خاصة بيني وبينه، لكن رئيس الأساقفة ماينستر كان يمتاز كقاعدة بدرجة عالية من الحذر حول هذه النقطة. فيما يتعلق بملاحظتي تلك، فقد غيرت فقط إلى الحد الذي أصبح واضحًا ان الكاهن يترك بمعنى ما تأثيرًا غير محدود، لأن وجوده يغير، مسيحيًّا، كل المجتمع، نحو الانحطاط.

 

عن الاهتمام الذي تلقاه قضيتي
لكن ربما يكون الأمر مشابه مع العديد. الأحد القادم سيذهب المرء كما هي العادة إلى الكنيسة، ويقول: إن ما يكتبه ك، هو في الجوهر حقيقة، ومهم جدًا قراءة ما يُشير إليه بأن كل العبادة الرسمية المقدسة هي استخفاف بالله وسخرية منه، هي كفر-لكن بما إننا تعودنا عليها، فلا يمكننا تحرير أنفسنا من ذلك، لأننا لا نملك طاقات كهذه. ما هو مؤكد، علينا قراءة ما يكتبه بمتعة؛ بحيث يمكن أن يكون المرء فعلاً متلهفًا جدًا للحصول على عدد جديد، والاطلاع أكثر على هذه القضية الإجرامية المهمة إلى حد كبير دون أدنى شك.
مع ذلك فإن هذا الاهتمام ليس مفرحًا حقًا، بل بالأحرى محزن، وهو دليل آخر مؤسف على أن المسيحية ليست غير موجودة وحسب، بل إن الناس في عصرنا هم ليسوا حتى فيما أريد تسميته حالة الدين، بل هم غرباء عن، وغير متعودين مع، نوع العاطفة التي يتطلبها كل دين، والتي بدونها لا يمكن إطلاقًا أن يكون للمرء دين، وخاصة المسيحية.
دعوني استخدم توضيحًا لما أريد قوله. ستخدمه متردد جدًا بمعنى ما، لأنني لا أريد أن أتحدث عن أشياء كهذه. مع ذلك فإنني أختاره واستخدمه باحتراز بالغ؛ نعم؛ أنني أعتبر عدم استخدامه (التوضيح) أمرًا غير مقنع، طالما أن خطورة القضية تقتضي استخدام كل شيء لجعل كل من يحتاجه، يشمئز فعلاً من وضعه، ويستهجن ذاته.
كان هناك رجل تخونه زوجته، كلنه لم يكن يعرف ذلك. أطلعه أحد أصدقائه على الأمر-صنيع صداقة مشكوك بها، ربما يحلو للعديد أن يقول. يرد الرجل: لقد استمعت إليك باهتمام بالغ وأنت تتحدث؛ أنا معجب بدقة الذهن التي عرفت بها أن تتابع خيانة زوجته السرية إلى هذا الحد، التي لا أملك عنها في الواقع أية فكرة. لكن علي لهذا السبب، وقد عرفت الآن أن الأمر كذلك، أن أُطلقها-كلا، لا يمكنني أن أقرر عمل ذلك. فأنا على الرغم من كل شيء، متعود على هذا الروتين البيتي؛ لا يمكنني أن أعيش بدونه. علاوة على ذلك فهي تمتلك ثروة؛ ولا يمكنني أن أفعل ذلك بدون أن يكون عندي مال أيضًا. لكنني مع ذلك لا أنكر إنني أريد الإصغاء باهتمام بالغ لما يمكنك إخباري المزيد به عن هذه العلاقة، لأنها-أنا لا أقول هذا لأمدحك-ولكن لأنها قضية مثيرة جدًا.
ثمة شيء مرعب أن يكون لدى المرء شغف لما هو مثير بهذه الطريقة. وكذلك ثمة شيء مرعب أيضًا: أن يكون المرء مطلعًا على معلومات مهمة تفيد بأن عبادته هي كفر، ومع ذلك يواصلها لأنه، رغم كل شيء، معتاد عليها. ليس الأمر ازدراء المرء لله؛ بقدر ما هو في الجوهر ازدراء لنفسه. يعتبر المرء أن ما تسببه خيانة الزوجة أمر بغيض إلا أنه بنفس الوقت ليس كذلك-إنه أمر مثير للازدراء أن يجد المرء نفسه في هذا الوضع، وأن يبقى فيه. لكن (وهو أمر من غير المحتمل حدوثه لأي شخص دون أن يتحمل نفسه المسؤولية) أن يكون لشخص دين بهذه الطريقة (أن يُعرف بنفسه أن عبادته هي كفر، ومع ذلك يريد الاستمرار بأن عنده دينًا. فهو احتقار كبير للذات.
ولهذا وبغض النظر عمن تكون، وإذا كان هذا هو الحال بطرقة ما معك؛ الخزي لك، الخزي لك، الخزي لك!

من العدد (7)
30 أغسطس 1855

 

سورن كيركجارد
من كتاب "في نقد الدين الجماهيري"
ترجمة: قحطان جاسم
(تم التحرير بواسطة إدارة الموقع)