شعب مصر أكتر شعب متدين في العالم

بنت إسمها ... ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

في كذا ظاهرة لاحظتها في بلدنا و حبيت أقارنها بجملة "شعب مصر أكتر شعب متدين في العالم" اللي طول عمري بسمعها و أرددها من غير ما أفهمها زي جملة "مصر هي أمي" كدا بالظبط :D

لما اركب تاكسي و اقول للسواق عايزة أروح شارع كذا في المكان الفلاني و اسأله اذا كان عارف الشارع، يقوم يرد عليا و يقول لي "إن شاء الله"، ده اسمه ايه بالذمة؟! أنا متوقعة إجابة من اتنين، يا "آه" يا "لأ" لكن "إن شاء الله" دي بين البينين ولّا معناها إيه يعني؟! بس المفروض إن أنا لما أسمع الجملة دي بقى أتبسط عشان أنا راكبة مع راجل متدين، مش مهم بقى يعرف الشارع ولّا ﻷ.. 

برضو مش بفهم ليه لما بقول ﻷي حد "مساء الخير" يقوم يرد عليا بزعيق و غلاسة و يقول لي"و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته".. و نعمة بالله يعني ماقلناش حاجة بس لو قلت "مساء النور" هتدخل النار؟! ولا انت أصلاً رضيت السلام و انت بترد بمنتهى الغلاسة و الكبرياء كدة؟! و بعدين أنا بقول "مساء الخير يعنى" لغة عربية فصحى برضو، أُمال لو كنت قلت "هاي" كنت بقيت من الكفار؟!  

السواقين معظمهم بعد الظُهر بيبقوا عصبيين و بيشتموا في بعض و مش طايقين نفسهم يا عيني من الزحمة، بس كلهم -يا سبحان الله- بيبتدوا يومهم مع ربنا، كلهم في عربيتهم يا بيشغلوا قداس و ترانيم لو مسيحيين، يا إما الشيخ شعراوي أو قرآن لو مسلمين.. مثلاً بالنسبة للقداس، ده لازم تحضره مش بفهم لما بتشغله بتستفيد إيه؟! و الشيخ الشعراوى دون عن كل المعلمين كل التاكسيات بتشغله، بصراحة مش بصدق إن كل الناس متفقة على شخص واحد بيعلمها، لأن إحنا مختلفين و طبيعي إني أحب أسمع حد غير اللي جمبي بيسمعه، بس تفسيري الوحيد للي بيعمل ده هو إن مين قال أصلاً انه عايز يتعلم حاجة ولا إنه مركز مع اللي هو سامعه أساساً؟ هو ده اللي بيبقى شغال على الراديو الصبح أو متسجل على فلاشة عنده و بيشغله عشان يستفتح يومه بكلمة عن ربنا اللي هو ملهوش اي صلة حقيقية بيه.. أنا مش بقول ان كل الناس اللي بتعمل كدة مش بتحب ربنا، لأ، اكيد في ناس (قليلين) منهم بتحب ربنا فعلاً و بتستمتع باللي بتسمعه و بتبقى مركزة و بتتعلم منه مش مشغلينه خلفية صوتية و خلاص، بس أنا بتكلم عن النسبة الكبيرة اوي منهم اللي بتعمل ده بس عشان يبقى اسمهم متدينين، أنا ممكن أصدق إنهم بيحبوا دينهم اوي و مخلصين ليه و يمكن بيمارسوا كل طقوسه بدون اي كسل، بس مش هقدر أصدق إنهم بيحبوا ربنا أو إن ليهم صلة حقيقية بيه، لأن لو كان ده الحال كنا لقينا البلد حالها مختلف خالص، كان اكيد الناس دي كلها سلوكها هيبقى مختلف باقي اليوم عن الي بنشوفه كل يوم..

لما ابقى في المترو و اسمع راجل كبير بيقول لواحد جمبه "أنا عندي فيلم تايتنك الأصلي اللي الواد فيه بيرسم البنت وهي عريانة، هجيبهولك ؛)" و بعدها بدقيقة، شاب عمل موقف مع حد كبير معجبش الأستاذ ده، راح الأستاذ بتاع فيلم التايتنك الأصلي ده :D مسك الولد الشاب ده غسله و هزأه و قعد يديه خطبة عن إحترام الكبير و الدين بيقول إيه و إلخ.. و أنا هموت و أقوله "طب بالنسبة لفيلم التايتنك و فخرك بالست العريانة ده عادي يا حج؟!" بس طبعاً معملتش كدة لأنه راجل كبير و لازم احترمه.. هما الكبار كدة مهما عملوا هما دايماً صح و ممنوع نقدهم..  و برضو نستنتج من القصة دي إن احنا شعب متدين بيعرف يتكلم عن الدين و هو بيعمل عكسه عادي..

من و أنا صغيرة و أنا بسمع جملة ان "شعب مصر أكتر شعب متدين في العالم" و كنت بفرح بالجملة دي جداً، بس لما كبرت عرفت ان دي أكبر خدعة اتخدعت بيها في حياتي، أصل انا برضو اعتقدت في وقت من الأوقات إن ممارسة الطقوس و إني استفتح يومي كدة بحاجة دينية هو ده التدين، بس مع الوقت عرفت ان ده اسمه مُسكن للضمير..

ربنا مش استفتاحة، ولا هتلاقيه في خطبة و لا في وعظة، ربنا مش شوية طقوس بتخلص اللي عليك منها كل يوم عشان ضميرك يستريح، ربنا مش موجود في الجامع و الكنيسة، ربنا في كل مكان و متحدهوش حيطان.. الدين و طقوسه المفروض انهم يكونوا الوسيلة اللي توصلك لربنا مش الهدف.. مجرد ممارسة الدين ملهاش معنى بدون البحث الجاد عن ربنا و عن ان يكون ليك صلة حقيقية بيه.

ارجوكم كفاية ترديد لجملة "اننا أكتر شعب متدين"، ممكن نحط بدالها جملة "اننا أكتر شعب بيمارس الدين من غير ما يعيشه" أو "إننا أكتر شعب بيخدع نفسه" بيصوم رمضان و يشتم و يعاكس البنات بعد المدفع ما يضرب عادي!

يصوم الصيام الكبير و يقول إنه بيتحكم في شهواته و هو عمّال يعد في الأيام و يشتكي من طول الصيام و يحلم باللحمة يوم العيد عادي!

يمسك كيس الشيبسي و يتأكد إن مافيهوش لبن عشان ميكسرش صيامه بس يأكل لانشون صيامي عادي!  

بلد الحرامي فيها بيقول "ربنا يستر" قبل مايسرق و يعتبروا إن ده دليل ملهوش مثيل على التدين.. إحنا بنضحق على مين؟ على بعض؟ ولا على نفسنا؟ ولا على ربنا؟ صدق اللي قال ان الدين أفيون الشعوب..

أنا نفسي كل الناس تعمل ثورة على فكرة الحياة بإزدواجية دي، نفسي نقرر نعيش بوش واحد، نعيش بوش واحد وحش احسن ما نمثل إننا حلوين و نقول اننا أحسن من بلاد كتير وشهم وحش.. البلاد التانية الوحشة دي أشجع مننا، مش عايشين الصراعات اللي احنا عايشينها، مش محبوسين في كدبة سخيفة زي اللي إحنا بنكدبها على بعض و على نفسنا و على ربنا.. هما قادرين يواجهوا حقيقتهم، و مافيش حاجة بتحرر الإنسان غير الحقيقية، الثورة اللي اقصدها مش معناها ان كل واحد يخترع دين جديد على مزاجه و مقتنع بيه و يمشي عليه، ﻷ، الثورة اللي أقصدها هي إننا نفكر.. نفكر بنعمل اي حاجة متعودين نعملها ليه؟ لو عمرنا ما فكرنا ليه بنعمل اي حاجة يبقى ايه لزمة مُخنا؟ إنه يحفظ و مايفهمش؟ طب يبقى ايه الفرق بيني و بين الحمار -على سبيل المثال و ليس الإهانة- انا عمري ما شفت حمار سأل صاحبه نروح هناك ليه و لا سأله أصلاً احنا رايحين  فين، هو دايماً حافظ الطريق! 

أتمنى أكون قدرت أوّصل قصدي و قصد شباب كتير في سني بيعاني من مجادلة جيل سبقه حافظ و بيردد اللي حافظه من غير تفكير، و يأسف على شباب في جيله اتعود إنه لازم يحفظ عشان ينجح.. مافيش وقت يفهم و معندوش استعداد يبحث، هو بيفرح لما تديله 10 ورقات فيهم خلاصة المنهج، و في الآخر بينجح و يتصور ان نظام الحياة زي نظام التعليم المصري، فبيفضل يحفظ من غير ما يفكر ولا يفهم و يتصور انه كدة تمام و ناجح إن شاء الله! 

لما تيجي تعمل أي حاجة تعتقد انك بتعملها لربنا ارجوك اقف و أسأل نفسك كام سؤال مش هياخد منك اكتر من دقايق تفكير بس احتمال كبير يغيروا حياتك في كل مرة تسألهم لنفسك و تجاوبها بكل صراحة، أسأل نفسك  أنا بعمل كدة ليه؟ بعمل كدة عن اقتناع ولّا عشان كل الناس بتعمل كدة؟ ؟ خايف الناس تلومني لو عرفت اني مش صايم؟ ولا مقتنع بالصيام؟ و لو صايم عشان احس بالفقراء أو عشان ازهد في الدنيا أو عشان اتحكم في شهواتي، طيب فطاري بقى شكله ايه، يا ترى ليه نفس الهدف؟ بروح بيت ربنا ليه، عشان أظهر للناس اني مؤمن؟ ولّا عشان اسّكت ضميري اللي على طول حاسس بالتقصير تجاه الطقوس؟ طيب ضميري وقف ماحسش بعدها اني اللي بسمعه لازم احوله لسلوك والا يبقى ضاع في الهوا ولّا اكتفى بأني اسمع بس؟ أنا بصلي بس عشان خايف أروح النار، ولّا أنا بحب ربنا و بحب اتكلم معاه؟ و لو أنا بس خايف من النار، هفضل طول عمري كدة، مش هحاول احب أتكلم معاه؟ الهدوم اللي ضاقت عليك هتديها للفقراء عشان انت عايز تساعد الفقراء؟ ولّا عشان بتحب ربنا و بالتالي بتسعده لما بتعمل كدة؟ ولا انت عايز تخلص منهم و تفضّي مكان في الدولاب؟  

من الآخر كدة دوّر على دوافعك، و على منطقك من كل حاجة بتعملها.. لو مقتنع بيهم تبقى انت تمام، و لو مش مقتنع تبقى على الاقل صارحت نفسك و اتصالحت معاها، تقدر تدوّر ازاي تقتنع بالحاجة دي، او ترفضها و تبطل تعملها، او حتى تعترف لنفسك و للناس انك بتعملها و انت مش مقتنع بيها، و إلا هتبقى عايش بشخصيتين عكس بعض، بتؤمن بفكرة و عايش بعكسها و ده صراع فظيع، مستحيل إنك تمشي عكس اللي انت بتؤمن بيه، عشان كدة غالباً إنت بتمارس عن غير اقتناع، فتبدو ظاهرياً مقتنع بما تفعله و لكنك أبعد ما تكون عن هذا الاقتناع.

لما تصارح نفسك بيبقى في على الأقل في إحتمال إنك تحاول تتغير، لكن إنك تعيش طول عمرك في خدعة إنك تمام، فهتحاول تتغير ليه مادام انت تمام؟!

أنا عارفة إن كلامي غالباً مش هيعجب ناس كتير، و غالباً برضو الناس اللي إتكلمت عليهم مش هيشوفوا الكلام ده أصلاً، بس برضو قلت أكتبه لسببين: أولاً لإني بصراحة متغاظة جداً من الناس اللي مُصّرة تتدخل في علاقة كل إنسان بربنا و تحكم عليه بحجة الإطمئنان عليه زي أسئلة "إنت مش صايم ليه؟" و "بتصلي كام مرة؟" و إلخ.. و السبب التاني إن يمكن يكون في حد زيي كان محتاج للكلمتين دول يتقالوا ليه بالغلاسة دي عشان يفوق و يفكر..