من اعترافات القديس أغسطينوس - "الترجمة العربية" (1)

القديس أغسطينوس ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

إني اليوم في الثلاثين من عمري لا أزال أتخبط في الحمأة عينها وأميل بقوة إلى الاستمتاع بالحاضر الذي يهرب دوماً من وجهي ويشتتني وأنا أقول مردداً: سوف أجد مطلبي وسوف يتضح لي الأمر فأحتفظ به.
أود أن أركز قدميَّ حيث وضعني أبواي طفلاً، حتى أجد الحقيقة صافية، خالصة من كل كدرة. ولكن أين أجدها؟ وكيف أبحث عنها؟ أمبروسيوس (القديس الذي كان له التأثير على تحول أغسطينوس)، ينقصه الوقت؛ وأنا، أيضاً بحاجة إليه للمطالعة. وفضلاً عن ذلك؛ من أين لي الكتب؟ أين أحصل عليها؟ ومتى؟ ممَّن أستعيرها؟ لنوزع أوقاتنا ولنقسّم ساعاتنا من أجل خلاص نفسنا! ها إن رجاءً عظيماً يطلع علينا: لم يعلّم الإيمان الكاثوليكي البتة ما كنت أعتقد به؛ وأنا قد اتهمته زوراً.
ترددنا قبل أن نقرع الباب، باب الحقائق وخصصت ساعات الصباح بتلاميذي. فكيف أشغل شقيقاتها الباقيات (باقي ساعات اليوم بعد عمله)؟ ولم لا أستخدمها في هذا البحث؟ ومتى نزور ذوي النفوذ من أصدقائنا ونحن بحاجة إلى مساعدتهم؟ والبضاعة التي يبتاعها طلابنا، متى نعدّها؟ وقواي، متى أجددها؟ والراحة الضرورية، متى أوفرها لعقلي الذي أضنكته الهموم؟
الدمار! الدمار لهذه كلها! لندع تلك الترهات! لنـَقِف أنفسنا على البحث عن الحقيقة! شقاء هي الحياة ومجهول هو يوم الموت. إن فاجأني، فكيف أغادر هذا العالم؟ وأين أتعلم ما قصَّرت عنه في هذه الحياة؟ ألا يعقب إهمالي هذا عقاب صارم؟ أيقضي الموت على الهم؟ أم يضع له حداً؟ على أن أدرك هذا الأمر.
حاشا أن يكون الأمر كما ظننت! للإيمان الكاثوليكي نفوذ قويُّ في العالم بأسره يزيد في أهميته ومكانته. لو انتهت حياة الإنسان بالموت الطبيعي لما خلق الله لنا الجمالات بهذا الحد والمقدار؛ ولماذا أتردد في الكفر بالعالم وأباطيله ولا أقف ذاتي بكليتها على البحث عن الله والحياة السعيدة؟
مهلاً! مهلاً! لخيرات الأرض رونق وبهاء، وتحطيم ميولي إليها ليس بالأمر الهين؛ والعود إليها من جديد أمر مخجل! كدت أنال بكفاءتي مرتبة شريفة وهل لي أن أتمنى ما هو أفضل منها في هذا المضمار؟ كثرة الأصدقاء المتنفذين (ذوي النفوذ والمنصب) تساعدني للحصول على رئاسة محكمة، هذا إن قنعت بها في الوقت الحاضر؛ سوف أتزوج من ثرية تخفيفاً لمشاكلي وأقنع بما نلت. كم من رجال عظام مثاليين انكبوا بعد زواجهم على تحصيل الحكمة!
بينما كنت أتكلم بهذا كان قلبي في مهب رياح مضادة؛ الوقت ينقضي؛ وأنا متقاعس عن الرجوع إلى الرب مرجئاً من يوم إلى آخر حياتي بك لا موتي في ذاتي. أحببت السعادة لا حيث هي؛ ورحت أبحث عنها. كنت أظنني شقياً إن حُرِمت من تقبيل امرأة. ما فكرت بالعلاج الذي قدمته لنا أيها الرؤوف لمداواة ضعفي وما خبرته قط في حياتي؛ اعتقدت أن العفة متعلقة بقوانا الذاتية وما شعرت بها فيَّ. أإلى هذا الحد أوصلني حمقي حتى جهلت قول الكتاب: "لا أحد يستطيع أن يكون عفيفاً إلا بك". لو أني قرعت أذنيك بإيمان قوي وألقيت بهمي عليك، بقلبٍ شاكٍ، لكنت وهبتني إياها!

الاعترافات
ص 113 – 115

كان من واجبي أن أطلب الفرج والشفاء لدنك أيها الرب إلهي لكنني رفضت وما استطعت لأنك لم تكن، بنظري، ثابتاً؛ ولكن الإله الذي عبدته هو سراب ووهم؛ وحين أحاول أن ألقي بنفسي عليه لتستريح، كانت تزل بها القدم إلى الفراغ فتهوي من جديد علىَّ؛ وبقيت شقاءً لنفسي فهي لم تتعوده وأنا لم أبتعد عنه! وكيف لقلبي أن يهرب من قلبي؟ كيف لي أن أتحرر من ذاتي؟ أم كيف لي أن أنجو من ملاحقة نفسي لنفسي؟

الاعترافات
ص 65- 66