" حوار مع النفس "

امجد اسحق ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

اتت لتقيم معي حوارا 
فقالت لي : كيف حالك يا شقي. 
قلت لها : انني بخير و بصحة جيدة. 
فقالت لي : هل تعرف من انا. 
قلت لها : نعم اعرفك جيدا وهل تخفين،  انا سكنك وانا موطنك. 
ضحكت ضحكة عالية مقهقهة هزت كل ارجاء كياني.
وقالت : انت تهذي، وتستهذء بكينونتي،  فبالرغم من انك سكني وموطني، الا انك تعرف القشور القشور عني،  بل وان تجاسرت فبامكاني ان اقول انت لا تفقه شئ عني. 
صدمت جدا، وزهلت من ادعائها،  وقلت لها ما ادلتك واسانيدك علي هذا. 
قالت : منذ متي انا اسكنك . 
قلت لها : منذ وجدت علي هذه البسيطة. 
قالت : نعم هذا صحيح، ولكن هل هذا يعطيك الحق ان تقول وتدعي انك تعرفني. 
اهتز كياني مما قالته واخذت اعمل عقلي بالتفكير لعله ينقذني او لعل اجد ما بداخله دليل او سند بسيط ليضحض ادعائات هذه المتعجرفة السافرة، لم يجبني بشئ. 
اخذت الهث في من حولي واستجديهم واستعطفهم لعلهم يساعدونني في هذه الورطة التي اورطتني فيها هذه المتعجرفة، فلم اجد المناص،  ولم يسعفني احد باي انقاذ. 
ذهبت لها قائلا : لقد بحثت ولكنني..... 
قاطعتني قائلة : ما بالك، وجهك الشاحب يعطي الوان واشكال، مابالك بادعائاتك هذه، هل صدقتني بانك لم تعرفني قط؟ ، هل اقتنعت؟ ، هل جاوبوك الناس؟  ، ام وجدت فيهم راحتك؟، كيف بك ان تدعي بان تقول انك تعرفني؟، تريس وفكر ملية لعلك تصل الي الحقيقة، 
فانا العميقة المخادعة، انا الذي بامكانك ان تقضي عمرك كله لكي تعرفني، انا الرحلة التي تبدا ولا تنتهي، انا الذي ليس بامكانك ان تعرفني الا عندما تعرفه فهو يحتويني ويحتويك وهو الذي وضعني فيك، 
طرحت كثيرين تحت هوا اليائس ولكن هذا ليس بإرادتي لكنهم هم من ابتغوا ذلك، 
يتفكرون في ان معرفتي تتاتي بسهولة او بضغطة علي زر،  او بجلسة،  انني لست بسيئة او بضارة، لكنني عميقة جدا،  ولن يعرفني احد الا عندما ياتي الي اعماقه ليجدني بانتظاره، كاشفة له كل ما بداخله متاملة معه، هادئة محبة له معطية له كل ما احتويه. 
لكن اذا تفكر في انني سهلة ساذجة او انه سيحصل علي بسهولة، فسيظل يبحث لاهسا بائسا فارغا متفرغا يأسا. 
توقفت برهة متفكرا متاملا فيما قالته وشعرت انها لديها الكثير من الحق، فكم من المرات تفكرت في انني قد عرفتها،  وانني تملكت منها، وكم من المرات ادعيت امام الناس  "قائلا الا تعرف من انا " ولكنني حينما اجلس هادئا لم اجد انني اعرفني . 
نظرت لها قائلا : اذا وماذا المطلوب الان و كيف؟  
قالت لي : ينبغي ان تاتي اولا راكعا ساجدا له متوضعا قائلا اريدك ان اعرفك وان اعرف نفسي فهو الذي بامكانه ان يفعل ذلك بل وهو من معه المفتاح، ينبغي ان تقرأ بعمق متاملا في ما تقرائه طالبا بهذا ان يساعدك علي ادراك هوتي العظيمة متلامسا معي.  
قلت في داخلي : ما بهذه المجنونة !  كيف لي ان افعل ما تطلبه؟  في عالم قد غلب عليه الهرج والمرج وساد صوت الخناق والزعق، وكل تفكر بانه يعلم كل شي، وان يعرفها جيدا. انني اقر بان معها جزء كبير من الحق، بل وكل الحق. 
فكم من محاولات فاشلة تبعتها كي اصل لها، ولكن بائت بالتعب والشقاء والبعد وليس القرب.

" صديقي لن تعرف وتقترب من هوا هذه النفس السحيقة الا عندما تاتي لله بتواضع وانكسار، وتأتي لها بعمق وهدوء، ليتحدا الاثنان معا  مكونان مزيجا يسمي العمق، وهو الكفيل بان يصل بك الي بر الامان، ومن هنا تبدا الرحلة التي لا تنتهي، وهي رحلة السعي لاكتشاف النفس والوصول الي اغوارها، ومن ثم النضج الذي به نحقق غاية الوجود .