من كتاب "الاقتداء بالمسيح" (النسخة العربية) - (1)

القديس توما الكمبيسي ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

قال بعضهم: كلما عاشرت الناس، عدت أقل أنسنة. وهذا ما نختبره غالباً إذا ما طالت بنا الثرثرة. إنه لأسهل على المرء أن يصمت من أن يتطوح في الحديث. وأسهل عليه أن ينزوي في بيته من أن يحافظ على حسن سيرته بين الناس. فمن ابتغى أن يحيا حياة باطنية روحانية فعليه أن يعتزل الجمع مع يسوع (يو5: 13). ولا يكون في مأمن إذا ظهر بين الناس إلا من سهل عليه الانزواء عنهم. ولا يكون في مأمن إذا تحدث إلا من يسهل عليه الصمت. ولا يكون في مأمن إذا تسلط إلا من يسهل عليه الخضوع. ولا يكون في مأمن إذا أمر إلا من تدرب على الطاعة. وما يكون في مأمن إذا اغتبط إلا من يشهد له ضميره السليم شهادة طيبة.
(السفر الأول 20: 2)
ومن جدّ في العناية بأمر نفسه، سهل عليه الصمت عن أمور غيره. ولن تغدو روحانياً ورعاً، ما لم تعرض عن أمور غيرك وتحدق إلى ذاتك. ولو أنك لا تعني إلا بأمر ذاتك وبأمور الله، لما تأثرت لما تراه حولك. أين أنت ساعة تغيب عن ذاتك وما ينفعك استقصاء ما في الكون إذا غفلت عن ذاتك؟ إن شئت أن تحظى بالسلام، وبالاتحاد بالله اتحاداً حقيقياً، فعليك أن تعرض عن كل شئ، وأن تحدق إلى ذاتك.
(السفر الثاني 5: 2)
روح العبادة ينمو في النفس بالصمت والسكينة، وبهما أيضاً تكشف لها غوامض الكتاب. إنما تجد النفس في الصمت والسكينة مجاري الدموع، التي تغسلها وتطهرها كل ليلة وتقربها إلى خالقها في ألفة عذبة بقدر ما تبتعد عن ضوضاء الدنيا. فمن اعتزل معارفه وأصحابه اقترب منه الله وملائكته. خير للإنسان أن يحتجب ويهتم بشئون نفسه، من أن يصنع الآيات وهو غافل عن نفسه. ويحمد الرجل المتعبد على قلة الخروج من الخلوة، والميل عن النظر إلى الناس وعن الظهور أمامهم.
(السفر الأول 20: 6)

(القديس توما الكمبيسي)
هولندا 1380 - 1471