فقدان المركز

أكثر من كاتب ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

ترى .. ما هو مركز الحياة في الجنة؟
في المركز، في وسط الجنة، توجد "شجرة الحياة". وكذلك شجرة "معرفة الخير والشر" (تك 2:9). ولكي تكون الشجرة في الوسط؛ لا يمكن للإنسان نفسه أن يكون في الوسط. ولذا فإن حرية حياة الإنسان قد حدَها نـَهى واحد (تك 17:2).
وعبارة "الخير والشر" ربما تعنى "كل شئ". فالشجرة هي شجرة معرفة كل شئ، أي معرفة من نوع المعرفة التي لله، وهى تقوم، كرمز للحياة التي أعطاها الله. ولكن الإنسان ليس هو الله، ولا يمكن أن تكون له مثل هذه المعرفة "كالله" (تك3: 5). ولا ينبغي أن يحاول الإنسان أن يكون الله، ويجب أن يبتعد عن المركز.
وحينما نتخطى الحدود التي رسمها الله، ونسعى لكي نقتحم مناطق خاصة بالله وحده، يأتي إلينا القول: "لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت" (تك 17:2).
وحين يحاول الناس أن يكونوا آلهة، وأن يتخذوا بأنفسهم قرارات هي من اختصاص الله وحده، فإننا بذلك نستسلم للشيطان، ولسوف تصدر كلمة دينونة الله ضدنا.
لقد قُصد بهذا الأمر أن يحكم كل نواحي الحياة في الجنة، التي ينتمي المركز فيها لا للإنسان، بل إلى "كلمة الله"، وأنه لا يمكن أن نجد تحقيق مقاصد الله الصالحة بالنسبة للإنسان في التأكيد على استقلاليته، ولا في السعي وراء المعرفة والخبرة خارج الحدود التي عينها الله. فالإنسان لا يجد تحقيق ذاته، إلا من خلال نمو علاقته مع الله، والعناية بجنته على أساس طاعة كلمته، وليس له أن يلمس الشجرة التي في وسط الجنة (المركز).

"ديفيد أتكنسون"
من كتاب: "سفر التكوين – الجزء الأول"
سلسلة تفسير "الكتاب المقدس يتحدث اليوم"

"لقد كسر الإنسان بعمله هذا (احتلال المركز) العلاقة التي كانت قائمة بحكم الطبيعة بين الله وبين المخلوق الذي عمله، وإستبعد الله كأساس الوجود وأجلس الإنسان وحيداً إلي نفسه (في المركز)."

"أ . و . تورز"
من كتاب: "معرفة القدوس"

"هكذا أراد البشر الأوائل أن يصيروا بمفردهم (بأنفسهم - "في المركز")، وأن يصيروا المسئولين عن مستقبلهم، أن يقوم الإنسان بالتخطيط للمتع ولوسائل الأمان بنفسه. لقد اختاروا أن يكون لهم شئ ملكهم يستقطعون منه بلا شك جزء معقول كهدية أو جزية لله تظهر في صورة وقت واهتمام وحب، ولكنه ملكية خاصة لهم وليس لله! وكما نقول أحياناً، فقد أرادوا أن تصبح أنفسهم ملكاً لهم. ولكن هذا يعني أن يعيش الإنسان كذبة لأنه في الحقيقة أنفسنا ليست ملكاً لنا."

"سي. أس. لويس"
من كتاب: "قضية الألم"

نلاحظ أيضاً أن هذا الأمر السلبي الوحيد (الابتعاد عن المركز)، قد جاء في سياق عناية الله ورعايته. وهو لا يشكل قيداً قاسياً، بل هو بالأحرى، رمز لحقيقة أن عبور الحدود التي عينها الله يقلل بالأحرى من خير الإنسان ولا يعززه. وهو يعطى الحدود التي تتوفر الحرية في إطارها.
وهنا ، يعرض لنا الكتاب إحدى متناقضات حياة الإنسان. فالحرية دون حدود، يمكنها أن تتحول بسرعة إلى رخصة هدَّامة، تقيد بدلاً من أن تحرر. فالحرية الحقة، لا توجد إلا في إطار من الحدود. فالسمكة الذهبية إذا تحررت من مائها؛ فلن تعيش طويلاَ في الحرية التي وجدتها حديثاً. وحريتها في أن تكون سمكة ذهبية، تتوقف على احترامها للبيئة المناسبة لحياتها.
وهكذا الحال بالنسبة للبشر، لذلك فإن هذا الأمر الذي يبدو في الظاهر أمراً مقيداً: "عش فقط في إطار حدود كلمة الله"، لا يعدو في واقع الأمر سوى أن يكون الأساس الوحيد الذي يمكن أن تقوم عليه الحرية الشخصية ." فخدمة الله هي الحرية الكاملة، وشريعته هي التي تضمن حريتنا". إنه قانون الله، الذي يضمن حريتنا.
ويمكن إيضاح القضية بطريقة أخرى، وذلك بملاحظة أن الله ليس في الجنة. بل يأتي لجولة مسائية (أو من الممكن أن يكون ذلك في الصباح الباكر) "عند هبوب ريح النهار"، أي في هواء النهار العليل (تك 8:3) ، غير أنه بالنسبة لمعظم الوقت، فإن كل ما يجب أن يسير عليه الإنسان هو كلمة الله، وهذا هو ما يقوم عليه الإيمان: الحياة بكلمة الله، حين يكون الله غائباً عن الجنة، وتعلمنا أن نثق في الله، حتى في حالة عدم رؤيتنا أو فهمنا بشكل كامل، والابتعاد عن الشجرة، لا لشيء سوى أن الله يريد ذلك، على الرغم من أننا قد نجد أسباباً كثيرة وجيهة لعدم تنفيذ ذلك. وقبولنا بأنه تـُوجد لنا حدود، مهما كان عدم وضوحها، يجعلنا نؤمن بأنها لم تأت اعتباطاً. والنمو يتأتى نتيجة تعلمنا أن نعيش حياة الالتزام والطاعة والثقة، على أساس كلمة الله.

"هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه بالسماء. ونصنع لأنفسنا اسماً." (تك 4:11)
كما سبق أن عرفنا من (تك 1- 11)، إن امتياز "صناعة اسم" أمر يتفرد به الله (انظر أش 63). كما لاحظنا عدة مرات أن "السماء" هي مكان الله، وليست مكان الإنسان. وهنا، وللمرة الثانية، ، كما كان الحال في جنة عدن، وكما كان أيضاً بالنسبة لقايين ولامك، وزواج "أبناء الله" من بنات الناس، انتـُهكت الحدود التي وضعها الله، إذ يحاول الناس الحصول على ما لا يخصهم، ويؤكدون بأنهم ليسوا ملتزمين بالحدود التي وضعها الله. وهنا، نلمس رفضاً من قبل الجماعة، لضرورة الفصل ما بين ما هو سماوي وما هو أرضى . وخطيتنا - نحن البشر- هي أننا أخفقنا في إدراك أن الله هو الله، وإننا نحاول - سواء على المستوى الفردي أو الجماعي- أن نأخذ مكان الله.
وما أيسر السقوط في تجربة محاولة الحصول على ما هو لله، فالتمرد هو أصل الخطية. كما أن التمرد على ربوبية الله، هو تشديد على استقلالية الإنسان بمعزل عن الله، ورفض الحياة في ظل الاتكال على الخالق، الذي هو الرب إله العهد (يهوه).
وحين يعود المسيح، ثانية، إلى المركز؛ سيكون هناك شفاء للفرد وللمجتمعات، وحول شجرة الحياة سيكون هناك شفاء للأمم ( رؤ 2:22).

"ديفيد أتكنسون"
من كتاب: "سفر التكوين – الجزء الأول"
سلسلة تفسير "الكتاب المقدس يتحدث اليوم"

"إن أكثر الصعوبات التي نجدها كمؤمنين في بحثنا عن الله تنبع من عدم استعدادنا لأن نأخذ الله كما هو وأن نضبط حياتنا حسباً لذلك، فنحن نصر على أن نـُعّدل الله ونجعله أكثر توافقاً مع تصوراتنا الخاصة."

"أ . و . تورز"
من كتاب " The Pursuit of God"