مكانك الخاص وسط مجتمعك

الأب هنري نووين ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

إن أسلوب وجودك الخاص في وسط مجتمعك هو الطريقة التي بها يريدك الله أن تكون حاضراً بالنسبة للآخرين. فالناس باختلافهم لهم طرق مختلفة للتعبير عن حضورهم ووجودهم. ولابد لك أن تعرف مكانك الخاص وأن تشغله. لذا فالتمييز هنا هو الأمر الذي له كل الأهمية. فبمجرد أن تعرف داخلياً دعوتك الحقيقية يتكون لديك التوجه الصحيح، الأمر الذي يساعدك على أن تقرر ما يجب أن تقوم به وما يجب أن تتخل عنه، ما يجب أن تقوله وما يجب أن تصمت بشأنه، متى يجب أن تخرج ومتى يجب أن تلزم المنزل، من يجب أن ترافقه ومن يجب أن تتجنبه.

حين تشعر بالإرهاق أو الإحباط أو الإنهاك ولا تستطيع أن تحتمل المزيد، فإنما جسدك يخبرك بأنك تقوم بأشياء ليست من شأنك. فالله لا يطالبك بما يفوق قدراتك، أو بما يقودك بعيداً عنه أو يجعلك مهموماً ومكتئباً. إن الله يريدك أن تحيى للآخرين، وأن تعيش وجودك الخاص جيداً، الأمر الذي قد يحوي المعاناة والإرهاق وحتى لحظات من الألم الجسدي أو النفسي الهائل، إلا أن شيئاً من هذا لا ينبغي أن يزحزحك عن أعماق ذاتك حيث الله ساكن هناك.

إنك إلى الآن لم تجد بالتمام مكانك الخاص وسط مجتمعك. فأسلوب وجودك وحضورك الخاص في مجتمعك قد يتطلب منك أوقاتاً من التغيب أو الصلاة أو التفرغ للكتابة أو الاعتزال. فهذه الأشياء أيضاً تقع ضمن متطلبات وجودك في مجتمعك، فهي تجعلك تقدم نفسك بعمق لمجتمعك وتتكلم بكلمات الله من داخلك. حين يكون من دعوتك أن تقدم للناس الرؤية التي تغذيهم وتجعلهم يستمرون في التقدم فإنه من المهم جداً أن تعطي نفسك الوقت والمساحة التي تجعل هذه الرؤية تنضج بداخلك وتصير جزءاً لا يتجزأ من كيانك.

إن مجتمعك يحتاج إليك ولكن ربما ليس حاضراً معهم في كل الوقت. فمجتمعك قد يحتاج إلى حضورك الذي يعطيهم الشجاعة ويوفر لهم الغذاء الروحي للرحلة ويخلق لهم الأرضية الآمنة التي فيها يمكنهم أن ينموا. نعم قد يحتاجون منك إلى مثل هذا الحضور الذي ينتمي إلى قلب الجماعة، ولكنهم أيضاً يحتاجون إلى غيابك الخلاق.

قد تحتاج إلى أشياء لا يستطيع مجتمعك أن يقدمها لك. مثل هذه الأشياء تحتم عليك أن تبتعد عن الآخرين من وقت إلى آخر. وهذا لا يعني أنك أناني أو غير اجتماعي أو غير سوي بشكل أو بآخر. ولكنه يعني أن أسلوب تواجدك في وسط مجتمعك يحتم عليك الاهتمام بتغذية نفسك داخلياً بطريقة خاصة. فلا تخشى من أن تنهج ذلك النهج، فهو ما يسمح لك بأن تكون أميناً لدعوتك وأن تشعر بالأمان. إن هذا المنهج يمّـكنك من أن تخدم من تريد أن تقدم لهم الرجاء والحضور الذي يمنح الحياة.

من كتاب: "صوت الحب الداخلي"

(الأب: هنري نووين)

(صفحة 67- 69)

ترجمة: مشير سمير
يُسمح بإعادة نشر المحتوى بشرط ذكر المصدر واسم الكاتب والمترجم

 

"ولا شك أن ابتعاد المرء عن بيئته التي اعتادها يساعد على تحقيق تفهم المرء لنفسه، وعلى أن يكون على اتصال مباشر بتلك الأعماق الداخلية لوجوده التي تفوته ملاحظتها في حياة الهرج والمرج التي تطارده كل يوم."

(د. أنطوني ستور – من كتابه: "الاعتكاف عودة إلى الذات")

"خير للإنسان أن يحتجب ويهتم بشؤون نفسه، من أن يصنع الآيات وهو غافل عن نفسه."

(القديس توما الكمبيسي – الاقتداء بالمسيح 1: 20)