البحث عن الله - تابع4

لاري كراب ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

أولاً: كيف نصير أكثر وعياً بما نميل إلى إنكاره ومن ثم نعرف الله أكثر؟ كلما ازدادنا وعياً بحقائق معينة عن ماهية هذه الحياة كلما نصير اكثر التزاما بمعرفة الله ويقل اهتمامنا بحل مشاكلنا الآنية.

دعوني أضع هنا قائمة بخمسة حقائق أجدني أواجههم أكثر وأنا أسعى إلى الله. تلك الحقائق لا يمكنك أن تتعلمها بمجرد القراءة عنها، بل لابد أن تختبرها لكي تتعلمها. لعل الله سيستخدم تلك الحقائق ليجذبك أكثر إليه بينما أنت تواجه حياتك بأمانة أكثر.

1- أن أعمق اشتياقاتنا لا توفىّ في هذا العالم.

2- هناك آخرين تشهد حياتهم عن قيمة المعرفة الأعمق لله.

3- نحن بلا مفر أنانيون.

4- الروح القدس العامل في حياتنا هو شخص.

5- المعاناة أمر محتوم لابد منه.

ثانياً: الثبوت بالرغم من جل مجهوداتنا، لا تأتي الحياة بأفضل من ذلك. مقاييسنا لا تـُشبع أبداً. فحتى أسعد حياة بها جيوب من الألم غير قابلة للعلاج. وحين نواجه هذا الواقع هناك شئ هام يحدث. فإصرارنا على تطويع الحياة يفقد قوته، ونجدنا نبطئ من سرعتنا ونصير اكثر استعداداً لتغيير الاتجاه.

حين نزداد وعياً بألمنا غير القابل للشفاء فإننا نصرخ إلى الله في رغبة عارمة، نتوسل إليه في حزن وأسى: "اشفي أسقامنا!"، "خلصنا من أعدائنا!" ولكن الله بطريقة محبطة لا يستجيب لنا كما نرغب، وفي النهاية نسقط خائرين منهكين فاقدين الطاقة التي نحتاجها للتركيز على حل مشاكلنا.

حينما يجمدنا الإنهاك بلا حراك، وحين نفقد كل شغف بأن نجعل أمورنا تتحسن، حينئذ فقط نتحرر ببطيء تجاه السعي خلف الله. فنحن الآن في إلحاح يائس ليس نحو حلول من الله، بل نحو العلاقة معه هو. إن الوعي بحقيقة ذواتنا، وحقيقة الحياة، وحقيقة الله إنما يخرسنا ويسكتنا، ويجعلنا في اشمئزاز نرى جهودنا لتطويع الحياة على أنها عبث مخجل لا طائل له. فلما هذا العبث؟ الأمر لا يستحق. لا شئ أفعله أبداً سوف يمدني بأكثر ما تتوق إليه نفسي.

عندئذ نجد أنفسنا وقد هدأت في سكون بلا حراك ودون أي نشاط تقف عارية أمام الله. في عجز من أن نحسِّن حياتنا، نجدنا ننحني في تذلل أمام الله مملوءين بالخوف والرهبة إذ قد رفض أن يكون طوع أمرنا، وبدلاً من ذلك يأمرنا بأن نكف ونعلم أنه هو الله (مز64: 10).

وبألم يفوق الدموع، ألم لا يعرفه سوى من يقطن في سكون، نشعر بعظم احتياجنا لأن نذق المسيح، نشعر بشوقنا الملح واليائس لأن يدعنا الله نجده. وبتوق يفوق الكلمات في أنين من شدة رغبتنا لمعرفته ننبطح الآن أرضاً ووجهنا لأسفل، ساجدين تحت السماء الباردة نخشى أن نرفع هامتنا. في لحظة نأمل أن يتركنا الله بمفردنا في بؤسنا خيراً من أن يحطمنا بحضوره، ولحظة أخرى، على العكس، نأمل أن يعلن لنا عن قلب محب ورحيم. وتمضي اللحظات، وأحياناً سنوات، ونحن نبقى ساكنين.

ثالثاً: اليقظة وهكذا تحدث الأمور أحياناً. فنحن نبدأ نستشعر الحق الذي كنا قبلاً نتحدث عنه فقط، أن الله لا يحتقر الروح المنكسرة. ودون أن ندري، وبالتأكيد دون أي مجهود واع، نجدنا نقف على أقدامنا، وببطئ وبطريقة ما نومئ بالموافقة، وعندئذ بلا أي مقاومة نمتلك المقدرة على التنبه (اليقظة) لبعد للحياة يبدو للغرابة مألوفاً. إنه إحساس بالاتحاد الجاري مع شخص لم نلقاه من قبل ولكنا كنا نعرفه طوال الوقت، إحساس يجعلنا نـُوخز بتوقع جياش لا يمكن تحمله.

للحظات قليلة نحيا في رغبة تستنزفنا لمعرفة المسيح، لتذوقه كالوجبة الغنية، وأن نستمتع به كما تتمتع عروس متيمة بعريسها ليلة الزفاف.

ثم، كما يحدث دائما، يخفت الوهج. وننظر حوالينا لندرك أننا لازلنا خارج الجنة. لازالت المواصلات مرهقة، والسيارة تتعطل بنا، ونطلب الميكانيكي الذي لا يأتي أبداً في موعده، وحين يأتي فإنه يحاسبنا ضعف ما ينبغي أن يأخذ. لازالت الحوادث المؤلمة مستمرة، ولازلنا ننوح على موت زوج أو أب أو ابن أو صديق. أجسامنا تنهك من التعب سريعاً، وآلام وأوجاع جديدة تظهر تقريباً كل يوم. مخزون البترول ينفد. شركات الطاقة تفلس. البطالة والتدهور الاقتصادي يتكرر مرة أخرى. المشاكل الجنسية التي كان يبدو أنها اختفت تعاودنا من جديد. وشخص ما يهملنا فنفيض بالكراهية لأنفسنا.

هل كانت تلك اللحظة التي عرفنا فيها الله حقيقية؟ هل كانت مجرد تخيل؟ هل هو فعلاً موجود؟ هل أريد فعلاً أن أعرفه، أم إني فقط أبحث عن طريق أشعر فيه بالتحسن؟ هل هناك أية بهجة في المسيح بخلاف بركة الأبناء المؤمنين والأصدقاء الجيدين والصحة والمال؟ هل يمكنني الحياة به وحده فقط؟

وبلا أي ترتيب محدد، يعاودنا الوعي والانتباه من جديد بذلك الاشتياق الذي لا يوفى، والالتفات إلى رجال الله، وتمركزنا البائس حول أنفسنا، وحقيقة روح الله، ومعاناتنا المحتومة والأمل في يوم أفضل، ومن ثم نجدنا نسكن في ثبوت من جديد. يتوقف من علينا الضغط الشرس بأن نمتلك مجريات الأمور، وننكفئ من جديد في سكون تحت وطأة وعينا بأنفسنا وبالحياة وبالخلود؛ نـُختزَل إلى الرغبة في الله وحده ولا شئ سواه. ويعود وخز التوقع وندرك أن الأمل لم يمت فينا. عندئذ يتكلم الله، مرة أخرى، تنهض قلوبنا وأجسادنا، نرقص ونغني ونبتهج فرحاً. ثم تستأنف الحياة مشوارها، يوم جديد، إحباط جديد ومتعة جديدة. ولكنا الآن ونحن نسير طريق الحياة اليومية شئ ما يختلف. فتركيزنا يـُستقطب بأكثر يسر إلى المسيح. وببطئ نتغير. البعض حتى يخبرون عن وهج وعبير زكي في اختبارهم عبر الطريق.

ثم يوماً ما ننتقل من هذا العالم إلى الآخر. ويستقبلنا سيدنا بأحضان تحملنا، ونهوي أمامه في عجب ووقار، ولكن عناقه يحتفظ بنا قربه. وهو يضحك ويقول: "أنظر خلفك!" فنجد أخونا الذي توفى منذ سنوات اسعد من أي وقت آخر رأيناه فيه، وأيضاً والدينا، وطفلنا الذي تعرض للسقط وهو بعد جنين. وأيضاً نرى لوقا الطبيب، وإيليا، وأخنوخ. الأن نحن نضحك، ولا نستطيع التوقف. ويقول لنا أعذب صوت في الكون كله: "أهلاً بكم في البيت، ها قد وصلتم أخيراً!"

ولكن لازال أمامنا مشوار طويل قبل أن نصل إلى هناك. فرحلتنا الروحية بالكاد قد بدأت.

 

د. لاري كراب

من كتاب "Finding God"

(الفصل الرابع: الرغبة فوق الطبيعية

صفحات من 55 - 66)

ترجمة: مشير سمير
يُسمح بإعادة نشر المحتوى بشرط ذكر المصدر واسم الكاتب والمترجم