كُن صديقاً حقيقياً

الأب هنري نووين ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

لطالما كانت الصداقة مصدر ألم بالغ لك. لقد رغبتها بشدة حتى أنك كثيراً ما فقدت نفسك في البحث عن صديق حقيقي. مرات كثيرة تحولت إلى اليأس حين لم تتأتى صداقة ما كنت تأمل بها، أو حينما لم تستمر صداقة كانت قد بدأت بتوقعات عظيمة.
كثير من صدقاتك بدأت ونمت من واقع احتياجك إلى الحب والتأييد والدعم العاطفي. ولكنك الآن ينبغي أن تبحث عن أصدقاء يمكنك أن ترتبط بهم من مركزك الداخلي .. من واقع معرفتك بأنك محبوب بعمق. فالصداقة تصبح أكثر إمكاناً حينما تقبل نفسك كشخص محبوب بعمق. حينئذ يمكنك أن تكون مع الآخرين دون الرغبة في امتلاكهم. الأصدقاء الحقيقيون يستطيعوا أن يتلاقوا داخلياً حينما يعرفوا محبة الله في داخلهم. هناك تتلاقى الأرواح وتتحدث القلوب.
الصدقات الحقيقية تدوم لأن الحب الحقيقي أبدي. الصداقة التي بها يتحدث القلب إلى القلب هي هبة من الله، وهبات الله ليست مؤقتة أو عارضة. فكل ما يأتي من الله يحمل الأبدية التي لله. المحبة بين البشر متى أتت من الله فهي أقوى من الموت. وبهذا المعنى فالصدقات الحقيقية تستمر وراء حدود الموت. إن أحببت بعمق، فهذا الحب يزداد قوة حتى بعد رحيل من تحبه. تلك هي الرسالة المركزية للمسيح.
حين رحل المسيح لم تأفل صداقة تلاميذه له، بل على العكس قد نمت. وهذا كان مغزى إرسال الروح القدس. إن روح المسيح قد جعلت صداقته مع تلاميذه تستمر إلى الأبد، أقوى وأكثر حميمية مما كانت قبل موته. وهذا ما اختبره بولس حين قال: "فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ" (غل 2: 20)

يجب أن تثق بأنه لا صداقة حقيقية تنتهي، وأن شركة القديسين تظل قائمة بين من هم أحياء أو من قد رحلوا، من هم حقاً أحبوا الله وبعضهم البعض. وأنت تعلم هذا حقاً عن اختبار. فمن أحببتهم بعمق وقد رحلوا، يستمروا أحياء في داخلك، في حضور حقيقي لا مجرد ذكرى.
تجرأ أن تحب وأن تكون صديقاً حقيقياً. الحب الذي تعطيه وتستقبله هو واقع يقودك لأن تكون أكثر قرباً من الله وممن أعطاك الله أيضاً لتحب.

(الأب: هنري نووين)
من كتاب: "صوت الحب الداخلي"
ص 80، 81

ترجمة: مشير سمير
يُسمح بإعادة نشر المحتوى بشرط ذكر المصدر واسم الكاتب والمترجم