بين "المشورة المسيحية" … و"الشفاء الداخلي"

مشير سمير ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٢

(مع ملحق خاص عن الأساليب التقنية للشفاء الداخلي)

يمكنك تقييم هذا الموضوع بالسطر السابق: ضع تقديرك له من 1 - 5 درجات ثم اضغط على Rate . أيضاً يسرنا تلقي تعليقاتك الخاصة بنهاية الصفحة

 

بعد بضعة سنوات من محاولة التعامل مع "الشفاء الداخلي" كمنهاج علاجي في المشورة المسيحية، توقفت لأسأل نفسي هذا السؤال: لماذا لا يدوم التغيير الذي يحدثه الشفاء الداخلي في حياة الأفراد، أو هل كان هناك حقاً ثمة تغيير قد حدث؟! وهو الأمر الذي كنت أتحقق منه يوماً من بعد يوم في الجلسات الفردية في حجرة المشورة.

لقد كان الأفراد يظهرون حماس جاد وتعاون ليس بقليل في الصلاة والتسبيح وحضور الفقرات التعليمية في مؤتمرات الشفاء الداخلي، ويمتلئون بالأشواق الروحية الجميلة والنوايا الحسنة المتسامحة. ولكن كان يبدو أن كل ذلك لم يكن كافياً ليحدث التغيير الذي يستمر بعد أن تطأ أقدامهم أرض الواقع. فقد كان الكثيرون يعودون إلى نفس أنماط الحياة الفكرية والسلوكية السابقة تماماً كما لو أن شيئاً لم يحدث معهم هنا أو هناك. كنت أشعر دائماً بأن هناك شيئاً ما خطأ، أو على أفضل تقدير أن هناك شيئاً ما أساسياً مفقوداً في فلسفة "الشفاء الداخلي" مما يجعل التأثير المغير في حياة الأفراد غير فعال. وكأننا، حسب تشبيه حجي النبي، نجمع إلى كيس منقوب. وهذه المشاهدات وتلك كان من شأنها أن قادتني إلى بحث شخصي عميق في جدوى فلسفة "الشفاء الداخلي" بوضعياتها وافتراضاتها المعروفة لنا من خلال الكُتّاب والوعاظ رواد هذه المدرسة، إن كانت تربو إلى مرتبة المدرسة.

في البدء بذلت مجهودات فكرية كثيرة بداخلي في محاولات الصلح والتوفيق في هذا التضارب الذي كان قد بدأ يتضح لي ويزداد شيئاً فشيئاً بين أسس وأفكار "الشفاء الداخلي" وبين المبادئ والفروض العلمية والكتابية في أحيان كثيرة، والتي يأخذ بها أي شخص يعمل في مجال المشورة، محاولاً إيجاد معادلة أو صياغة جديدة للشفاء الداخلي تُرضي اقتناعاتي العلمية والكتابية. ولكن يبدو أني كنت في ذلك شديد التفاؤل، فالبون أصبح شاسعاً بين ما تعلمته واكتشفته وبين "الشفاء الداخلي" بطريقة لا تحتمل التوفيق، حتى وصلت أخيراً إلى قرار التخلي عن "الشفاء الداخلي" كفلسفة ومنهج لتفكيري ولخدمتي.

وهنا أود أن أستعرض النقاط الستة التي خلُصت إليها بعد سنوات البحث والتجربة، والتي شكلت تفكيري نحو الشفاء الداخلي، وهم كالآتي:

أولاً: أن الشفاء الداخلي يهدف إلى شفاء المشاعر المتألمة (المجروحة) في حد ذاتها، بينما نحن ندرك علمياً وكتابياً أن المشاعر هي وليدة الأفكار ولا يمكن أن توجد من تلقاء نفسها، وإن معاناة الإنسان بالدرجة الأولى هي معاناة فكرية، وأن المشاعر لا تتغير ولا تتبدل إلا بتغيير الأفكار المسببة لها.

 

ثانياً: بالتالي لا يمكن أن يحدث الشفاء (التغير) داخلياً في خبرة لحظية، الأمر الذي ينادي به الشفاء الداخلي، مهما إن بلغت هذه الخبرة من عظمة ومن روحانية، لأن تغيير الأفكار يعتمد على تغيير الاتجاهات الداخلية ونظم القيم والمعتقدات الأساسية لدى الإنسان وهو الأمر الذي يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد من الإنسان. كذلك من المستحيل أن يحدث الشفاء (التغيير) كلياً دفعة واحدة بطريقة تامة في اختبار واحد محدد مهما بلغت عظمته - كما ذكرت سابقاً - لذات السبب.

 

ثالثاً: الشفاء الداخلي يهدف إلى إنهاء مشاعر الألم لدى الإنسان وقيادته إلى الشعور بالسعادة، بينما، وبخلاف أن هذا الهدف غير قابل للتحقيق، يعلمنا الكتاب المقدس أن الإنسان يستطيع أن يحصل على السعادة أو بالأحرى الشبع والسلام بالرغم من وجود الألم، بل أن الألم كثيراً ما يكون ضرورة إلهية لتغيير العالم الفكري للإنسان وإعادة تشكيله، وبالتالي تغيير مشاعره وتصرفاته.

 

رابعاً: الشفاء الداخلي ينادي بأن يختبر الإنسان شفاء معيناً داخله بناء على اختبارٍ ما خارجياً يحدث للإنسان في الصلاة سواء بمفرده أو تحت قيادة الشخص الذي يقوم بهذه الخدمة. ومن الجدير هنا بالذكر أن الكثير من رائدي "الشفاء الداخلي" أمثال فرانسيس ماك نات McNutt والثنائي بيتي وإيد تابسكوت Betty & Ed Tapscott يضعون تكنيك محدد للعلاج والذي يسمى "شفاء الذكريات" (انظر الملحق أسفل المقال) والذي فيه يطلب الشخص من المسيح الرجوع معه بذاكراته إلى الوراء إلى حيث موقع الإساءة أو الصدمة (الجرح) ومن ثم يقوم المسيح بطريقة ما بلمس هذه المنطقة المصابة لدى الشخص بلمسة شافية. وأي إن كانت الكيفية والأسلوب الذي يحدث به هذا الاختبار فإن ذلك يعني أن الإنسان عليه أن ينتظر شيئاً ما خارجياً يحدث له لكي ما يتغير، وهذا ما يتنافى مع المعتقدات العلمية والكتابية في أن الإنسان حر ومسئول بالكامل عن نفسه، وإلا ما طالبه بولس الرسول بالتغير في قوله "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو12: 2)، ولذا فلكي يتغير الإنسان فعليه أن يقوم هو باتخاذ بعض القرارات والاختيارات التي من شأنها أن تنتج تغييراً فكرياً ينعكس على تصرفاته ومشاعره بالتبعية.

 

خامساً: الشفاء الداخلي يقول بأن مشاكل ومعاناة الإنسان البالغ ترجع إلى الإساءات والصدمات التي تعرض لها الطفل في طفولته حين كان غير مسئولاً عن ما حدث له، وهو الأمر الصحيح علمياً. ولكن القول بأن تغير الإنسان عن سلوكياته المضطربة والمنحرفة وليدة هذه الإساءات والصدمات أمر يتوقف على حدوث شفاء لذكريات هذه الخبرات - الأمر الذي يخرج خارج نطاق مسئولية الإنسان - فإن هذا يجعل الإنسان في هذه الحالة، وحتى يحدث له هذا "الشفاء"، غير مسئولاً عن بعض تصرفاته واختياراته وليدة جروح الطفولة بل أن المسئولية هنا تقع على الماضي والآخرين وربما على الله أيضاً الذي لم يقم بشفاء هذه الذكريات، وبالطبع هذا لا يتفق علمياً أو كتابياً مع ما نؤمن به حيث أن الإنسان البالغ والكامل الأهلية مسئول أمام الله وأمام نفسه وأمام الجميع عن أفكاره وتصرفاته جميعها بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى تكوينها، وإلا فإن الله يكون غير عادل في أن يحاسب الإنسان على كل أفكاره واختياراته وتصرفاته دون استثناء، "فإذاً كل واحدٍ منا سيعطي عن نفسه حساباً لله"

(رو14: 12).

 

سادساً:إن الشفاء الداخلي في تركيزه على علاج آلام الإنسان إنما، ولو بطريقة غير واعية، يضع الإنسان في بؤرة الاهتمام بدلاً من الله وذلك حين يضع تركيز الإنسان على أن يجد حلاً لمشكلاته عوضاً عن أن يجد الله من خلال مشكلاته. وهنا يجدر بي أن أقتبس مقولة عالم النفس الأميركي المسيحي المعاصر لاري كراب Larry Crabb من كتابه "البحث عن الله Finding God"، إذ يقول:

"لقد صرنا مكرسين لعلاج الآلام التي تقع خلف مشاكلنا أكثر من استخدام ألمنا لكي نناضل بحماس أكثر مع شخصية الله وأغراضه منا. إن الشعور بالتحسن صار أكثر أهمية لدينا من أن نجد الله."

 

مشير سمير

2002

 

 

ملحق: "الشفاء الداخلي"

(من موسوعة بيكرBaker المسيحية لعلم النفس)

 

الشفاء الداخلي: هو أحد الأشكال المعاصرة للشفاء الروحي ويصفه المؤيدون له بأنه عملية يرد فيها الروح القدس الشفاء والصحة لأعمق جوانب الحياة وذلك عن طريق التعامل مع أصل أسباب الأذى والألم. وبصفة أساسية تشتمل هذه العملية على شقين وفيها 1) تُكسر قوى الشر ويُسترد ميراث الكمال المخصص للمؤمنين و2) تُشفى ذكريات الماضي عن طريق الصلاة.

 

أنواع الشفاء: بالنسبة لماك نات McNutt (1974)، وهو واحد من الشخصيات القيادية في هذا المجال، يعتبر الشفاء الداخلي واحد من أربع أنواع للشفاء ويوجه بصورة أساسية نحو شفاء الذكريات. ويختم قوله بأن هناك ثلاثة أنواع رئيسية من المرض وهي: أمراض روحية تسببها الخطية الشخصية؛ وأمراض عاطفية تسببها جراح نفسية من الماضي وأمراض جسدية تحدث نتيجة لإصابة بمرض أو حادث. وفي صلاة التوبة يطلب الإنسان غفران الخطايا بينما تهدف الصلاة من أجل الشفاء الجسدي إلى شفاء الجسد. أما صلاة الشفاء الداخلي فتهتم بشفاء آثار الذكريات المؤلمة. وهناك نوع رابع من الصلاة يذكره ماك نات وهو الصلاة من أجل التحرير من الأرواح الشريرة وتأثيرات الأحجبة وفيها تظهر أعراض لكل من الأمراض الثلاثة السابق ذكرها.

بالرغم من وجود تشابه كبير في الأسلوب لدى الذين يمارسون هذا النوع من أنواع الشفاء، إلا أنه يوجد بعض الاختلافات. لذلك سنفحص الأساليب الثلاثة الأساسية وهي تابسكوت Tapscott وفرانسيس ماك نات FrancisMcNutt وروث كارتر ستابلتون RuthCarterStapleton.

 

الثنائي بيتي وإيد تابسكوتBetty & Ed Tapscott:

 

يشعر الثنائي تابسكوت بأن الذكريات يمكن أن تُشفى بواسطة الشخص ذاته أو بواسطة خدمة شخص آخر يمتلك القدرة على الشفاء. وينصحان الشخص أن يبدأ بالصلاة لأجل مغفرة الخطايا والتأكد من أن يسوع هو مخلصه الشخصي. ويقترحان بعد ذلك أن يبدأ الشخص في انتهار كل قوات الشر أو إبليس الذي أصبح جزء من حياته طالباً من الروح القدس أن يعلن له عن هذه القوات. وفي هذا الوقت، على الشخص أن يثق بأن الروح القدس سيحضر إلى ذهنه صور وذكريات مؤلمة. وبالرغم من أن التحرير لا يكون ظاهراً، إلا أن الشخص ينتهر علانية قوة هذه الذكريات والصور. وبعد ذلك عليه أن يطلب من يسوع أن يملئ الفراغ الذي تركته تلك الذكريات وأن يمنحه سلامه وفرحه ومحبته. من المهم أن نلاحظ أنه حتى هذه النقطة، لا يختبر الإنسان أي نوع من الشفاء ولكنه يعلن إيمانه طالباً قوة الله في حياته. بعد ذلك يُطلب منه أن يتخيل يسوع يمشي ممسكاً بيده مجتازاً معه كل دقيقة في الماضي. وبينما يرفع الروح القدس كل ذكرى لحادث غير سار، على الشخص أن يأخذ يسوع معه في هذه الأحداث، وعندئذ يفتدي يسوع الذكريات المؤلمة ويحرر الشخص منها شافياً ماضيه. وهنا يشكر الشخص الرب مقدَماً على المعجزة التي ستحدث في حياته من خلال الشفاء الداخلي.

 

يقدم الثنائي تابسكوت صلوات مطبوعة يمكن استخدامها في كل مرحلة من مراحل الشفاء. وبالرغم من أنهم لا يقولون ذلك، إلا أنهم يتركون الإنطباع بأنها أحداث لا تتكرر ولكنهم يدركون إمكانية أن يفقد الشخص بريق اختبار التحرر ولذلك يصفون مجموعة من الأعمال التي من شأنها الحفاظ على شفاء الإنسان الذي نال الشفاء الداخلي وتشمل الصلاة اليومية وقراءة الكتاب المقدس والتسبيح الواعي والتكريس المستمر للرب وتكريس البيت لله والصمود أمام إبليس والبحث عن شريك في الصلاة والغفران المستمر للآخرين.

 

فرانسيس ماك ناتFrancis McNutt: يبدأ ماك نات بافتراض أن الاحتياج الأساسي في الحياة هو إلى الحب، فإن حُرمنا منه في أي وقت في الحياة، تأثرت إلى حد كبير قدرتنا على محبة الآخرين والثقة فيهم. والجراح الناتجة عن فقدان الحب تفسدنا وتعوقنا. الخطوة الأولى نحو الشفاء الداخلي تكمن في شفاء يسوع لهذه الجروح والخطوة الثانية هي أن يمنحنا يسوع الحب الذي نريده وبالتالي يملئ الفراغات بمجرد شفائها وتصفيتها من سموم آلام ورفض الماضي. وعندما يدرك الشخص ويعي المخاوف والقلق والرفض والكراهية والإساءة، فذلك هو الوقت الذي يجب أن يبحث فيه عن الشفاء الداخلي.

 

وقبل الصلاة من أجل الشفاء، يتم اكتشاف الإجابة على سؤالين الأول "متى كانت المرة الأولى التي شعرت فيها هكذا (بفقدان الحب)؟ والثاني "ماذا حدث حتى أنك تشعر بهذه المشاعر؟" فإن لم يتذكر الشخص حادثة بعينها، يطلب من الله أن يعلنها له. وبعد أن يتعرف الشخص على زمن ومكان هذه الجراح، تُرفع صلاة من أجل الشفاء منها. وبطريقة تخيلية وببراءة الأطفال، يطلب الشخص الذي يقدم خدمة الشفاء من يسوع أن يرافق الشخص أثناء اجتيازه هذه التجربة ليشفي الجروح التي نتجت عنها. يقول ماك نات: "يسوع وهو رب الأزمان، قادر أن يفعل ما نعجز نحن عن فعله فأقصى ما استطعت أن أفعله كمشير هو أن أعين الشخص أن يستحضر بعقل واع ما قد دُفن في الماضي وذلك حتى يتسنى له التكيف الواعي معها في الحاضر. والآن بدأت اكتشف أن الله يستطيع أن يشفي هذه الجروح .. ويستطيع أن يتوج جلسات المشورة بالشفاء الداخلي (1974 ص 187).

 

بعد أن يتم شفاء الذكريات، يصلي الشخص إلى الله حتى يملأ الفراغ الموجود في حياته بمحبته. وبسبب الاحتياج الشديد إلى الحب، لا يحدث شفاءً كاملاً حتى يُعطى الشخص ما قد حُرم منه وهو الحب. وينوه ماك نات بأن هذا الجزء من الشفاء الداخلي هو أصعب في معظم الأحيان من الشفاء من ذكريات الماضي وذلك لأن الشخص يكون قد اعتاد العيش بدون محبة لدرجة أنه لا يعرف كيف يقبل الحب. فإن قال الشخص أنه لا يشعر بمحبة الله، عليه أن يطلب من يسوع أن يتحدث إلى عمق نفسه وأن يدعوه باسمه. وبما أن طبيعة الجروح أصبحت معلومة للشخص الذي يقدم خدمة الشفاء، فعليه أن يطلب من الله أن يُمنح هذا الإنسان نوع المحبة التي قد حُرم منها. مرة أخرى تكون الصلاة هنا تخيلية وببراءة الأطفال.

 

روث كارتر ستيبلتونRuth Carter Stapleton:

من الجدير بالذكر أن ستيبلتون تؤكد على أن الشفاء الداخلي هو عملية وليست حدث يقع مرة واحدة وحسب ذلك تأتي أمثلتها مفعمة بالعلاقة طويلة الأجل بين الشخص ومن يقدم خدمة الشفاء حيث تتكرر زيارته مرة بعد الأخرى. وفي بعض الحالات القليلة جداً تذكر حدوث نتائج فورية. أيضاً تؤكد حقيقة أن الشفاء الداخلي هو أكثر من مجرد تعليم منطقي أو عقلاني أو حتى تحليل للأحداث المأساوية، وتقترح أن عدد كبير من الناس يتصرفون وكأنهم في حاجة إلى المساعدة في حين أنهم لا يريدون فعلياً أن يتغيروا.

 

وتقترح ستابيلتون أن الرغبة في الكمال تولد عادة في الشخص نتيجة لبعض الخبرات المُلهمة مع واحد من المبشرين أو الذين يقدمون خدمة الشفاء. بعد ذلك يتغير الدافع للشفاء ليصبح أساساً لحدوث الشفاء الداخلي. وتفترض وجود طفل يعيش داخل معظم الناس لديه احتياج لا يُشبع للقبول وللحب. هذا الطفل الداخلي يجب أن "يُستعلن ويشفى". وبالرغم من أنها تتفق مع معظم الذين يقدمون خدمة الشفاء في وجود مآسي حقيقية يجب مواجهتها والشفاء منها، إلا أنها تقول أنه يوجد داخل عدد كبير من الناس جراح وهمية متأصلة في الطفل الموجود في داخلنا. ولذلك يبدو أن لديها نموذج ضمني للشر الذي يجب مواجهته أو الإفصاح عنه أثناء عملية الشفاء. وأخيراً فهي تركز على خبرات جماعية للشفاء الداخلي أكثر من الآخرين حيث يلعب بعض أعضاء المجموعة دور البعض الآخر وهنا يحدث تبادل في وجهات النظر.

 

وتطلق ستيبلتون مصطلح "العلاج بالإيمان التخيلي" على عملية الشفاء الداخلي، وفي هذه العملية تنصح الشخص بتخيل يسوع بأوضح صورة ممكنة وهو يجتاز معه التجارب التي تم التعرف عليها على أنها أصل المشكلة وعندها يتم تشجيعه على السماح ليسوع بالتجاوب مع الموقف ليتغلب على سلوكهم. وتضيف بأن الغفران هو جوهر وأساس كل أنواع الشفاء الداخلي ولذلك تشجع الشخص أن يستغل كل موقف وكأنه فرصة جديدة للغفران والبناء. وبينما يسود يسوع على هذه الرؤيا التخيلية، يتم تشجيع الشخص أن يسمح لنفسه بأن يتطور حتى يصبح الشخص الذي قصده الله أن يكون.

وبالرغم من أن ستابليتون تعتمد بشدة على الاستنارات الحدسية التي يعطيها لها الروح القدس، إلا أنها تترك مهمة ملء هذه الرؤى بالتفاصيل للشخص نفسه. وفي أثناء عملية الإيمان التخيلي الذي يكون يسوع هو مركزه، يحدث الشفاء داخل أعماق الشخص. والخطوة الأخيرة من هذه العملية هي عندما يتخلى الشخص عن الكبرياء والاعتداد بالذات ويبدأ في أحد أنواع خدمة الآخرين. وبالنسبة لستابليتون، تتطلب هذه العملية اتصال مطول يمتد لفترة زمنية طويلة.

 

علاقة الشفاء الداخلي بالخيال الموجَه:

إن الأسلوب المتبع في العلاج النفسي (أو المشورة) والذي يشبه إلى حد كبير المنهاج المتبع في الشفاء الداخلي هو أسلوب الخيال الموجَه (لونر 1969). تتفق ستابليتون مع عدد كبير من الممارسين لهذا الأسلوب في تأكيدها على أن الإيمان التخيلي هو أحد الوسائل التي من شأنها إحداث تغيرات إيجابية عميقة داخل الذهن. بالنسبة للونر، يهدف الخيال الموجَه إلى إحلال عادات أكثر نضجاً وتكيفاً محل العادات الذهنية الارتدادية والدفاعية. والطريقة المحورية في كل من الخيال الموجه والإيمان التخيلي تكمن في تقديم الاقتراحات. وهنا يجب ملاحظة عدة جوانب في هاتين العمليتين.

 

يكون الدور الأساسي للشخص المعالج أو الذي يقدم الشفاء هو دور نشط بكل تأكيد. فبالرغم من أن الشخص الذي يقدم خدمة الشفاء الداخلي يستمع لفترة طويلة بتعاطف شديد (كما يفعل كثير من المعالجين النفسيين الذين يستخدمون أسلوب الخيال الموجَه) إلا أنه يصبح نشط بدرجة كبيرة عندما يبدأ في أسلوبه في معالجة الشخص. كما أن أيضاً مذهبه أو أسلوبه لا يتسم بالتمركز حول المريض (العميل/ المستشير) أو حول افتراضاته المسبقة كما أنه يتصرف بناء على حدسه الخاص ولذلك وبمجرد أن يتوصل إلى طريقة فعالة، يبدأ على الفور في قيادة الشخص إلى تخيلات من شأنها (حسب تصور الشفاء الداخلي) إحداث الشفاء في حياة الشخص.

 

المقالات النقدية: هناك عدد من المقالات التي تنقد الشفاء الداخلي وأحدثها مقالة السدرف ومالوني (1980) والتي حللت عدد من الافتراضات التي وردت في كتابات ستابيلتون. وبالرغم من اختلاف القائمين على الشفاء الداخلي في بعض الطرق الهامة، إلا أن مقالة السدرف ومالوني تبدو أنها تنطبق على الكل بصورة عامة.

وأول كل شيء تُتهم ستابيلتون بأنها تقوم بممارسة أحد أنواع العلاج النفسي المبسط في الوقت الذي تنكر فيه ذلك. وفي الواقع هي تدعي بأن مذهبها ليس هو المشورة بالمفهوم المستخدم لدى المتخصصين في الصحة العقلية. وفي نفس الوقت يكون من الصعب أن ننكر عدم اشتراكها في العلاج النفسي خاصة عندما نمتحن الأمثلة الواردة في كتاباتها. فقد تقابلت مع أشخاص في جلسات دورية استمرت لفترات طويلة كما قادت اجتماعات لمجموعات اشتملت على المشاركة وتمثيل الأدوار والخيال الموجه وأيضاً التنفيس عن المشاعر عن طريق التفاعل بين الأشخاص. وبالرغم من إنكارها إلا أنها تبرهن على اتكالها على ديناميكية نفسية جادة للعلاج وعلى اتكالها الزائد عن الحد على بعض الكتاب المشهورين إلى حد ما مثل ميسيلدين Missildine.

لقد سمح لها افتراضها بأن يسوع قادر على الشفاء السريع والعميق على توقع معجزات، إلا أنها استخدمت طرق علاجية نفسية قياسية دون أن تعرف. هذا بالإضافة إلى أنها بدت بكل سذاجة متحررة من بعض المحاذير التي تطرق لها معظم علماء النفس وهم بصدد التعامل مع بعض المشكلات في حين أنها أدركت وجود صعوبات كبيرة متأصلة في التعامل مع البعض. ومرة أخرى نجد أن قبولها لنموذج واحد فقط وهو ميسيلدين، جعلها تتخيل الذكرى المصورة للماضي كأحد المسلمات، كما أنها جسدت الشيء المعنوي وهو الطفل الباطنthe inner child، حتى جعلته هيكل مادي ملموس، الأمر الذي يجده معظم أصحاب النظريات محل جدل ونقاش.

وربما المشكلة الأساسية هي أن ستابيلتون قدمت علاجاً نفسياً مكثفاً إلى حد ما في حين أنها على ما يبدو لم تعرف الأسلوب الذي أستطاع من خلاله طلبة علم النفس أن يفهموا هذه الأمور. إن إنكار هذه الحقيقة يعني أن يصبح المرء في حِل من النقد الذاتي في الوقت الذي يقلل فيه من شأن الذين يعرفون أفضل منه. وهذا لا يعني أن إيمانها (وإيمان كل الذين يقدمون خدمة الشفاء الداخلي) بقوة يسوع في الشفاء يجب أن يكون موضوع نقد وتحليل النظريات العلمانية. إن الأمر لا يعني هذا البتة ولكنه يعني أن هذا التقليد في الشفاء يمكن أن يُدعم ويُقوى إن كان القائمون على خدمة الشفاء الداخلي يعرفون كيف يتصرف البشر وما هي الأشياء التي تجعلهم يصبحون على الحال الذي يكونون عليه.

وهناك مقالة نقدية أخرى تناقش كتابات ستابيلتون أكثر من أي شخص آخر يقدم خدمة الشفاء الداخلي، وفيها تُتهم ستابيلتون بأنها كانت تفتقر إلى تعليم شامل عن الخطية. وفي بعض الكتابات التي وُجهت إلى مجموعة علمانية من المعالجين، بدا وكأنها كانت على استعداد لأن تربط مذهبها بكل بساطة بمذهب holistichealers(أصحاب أعمال الشفاء من الشرق الأقصى) الذين يعملون خاضعين للديانات الشرقية التي لا تنطوي على النزعة نحو الشر. ولذلك، وبينما تستخدم المصطلحات المسيحية يبدو أنها تستخدم ضمناً المعتقدات الأساسية الشبيهة بالنظريات العلمانية التي تقول أن البشر لديهم الإمكانية لشفاء ذواتهم. وهنا يجب أن نلاحظ أن ماك نات والثنائي تابسكوت يؤكدون بشدة على أهمية غفران الخطايا في طريقتهم في العلاج، بينما تنكر ستابيلتون حذفها لهذه الأمور عند مواجهتها بهذه المقالات النقدية. هذا وتُكذب كلماتها في بعض المواقف هذا الإنكار بل وتظهر اتكالها الفطري على الأسلوب الذي يتجاهل حاجة الفرد لمواجهة الشر الشخصي كمحاولة للتأكيد على قوة يسوع في شفاء الجروح الناتجة عن أحداث الماضي الأليمة.

ترجمة: إيمان أسعد

 

المراجع

 

ج. م. السدراف وهـ. ن. أ. مالوني - مقالة نقدية عن خدمة روث كارتر ستابيلتون للشفاء الداخلي "صحيفة علم النفس واللاهوت عام 1980 (8-3) الصفحات من 173-184.

 

هـ. لونر - الخيال الموجه "الصحيفة الأمريكية للعلاج النفسي عام 1969 الصفحات من 4-22 ف. ماك نات - الشفاء - نوتردام، مطبعة آف ماريا عام 1974.

 

و. هـ. ميسيلدين "الطفل الداخلي الذي من الماضي" نيويورك: سيمسون وشاستر عام 1963.

 

ر. ك. ستابيلتون - عطية الشفاء الداخلي. واكو، تيكساس. Word Books عام 1976.

 

ب. تابسكوت - الشفاء الداخلي من خلال شفاء الذكريات. هوستون: تابسكوت عام 1975.