جذور الجنسية المثلية

مقتبسة من الإنترنت ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٢

مترجمة من الإنترنت

 

هل يولد البعض هكذا؟ هل يختاروا أن يكونوا "مثليين"؟ ما الذي يتسبب في الجنسية المثلية؟

يقول البعض إن التوجه المثلي محدد بيولوجيا عبر عوامل جينية (وراثية) أو عن طريق الهرمونات تماماً كما هو الحال بالنسبة للون العينين أو الشعر.  وقد استخدم  هذا القول للدفع بالحجة التي مفادها أنه طالما أن الجنسية المثلية واقع وليست اختياراً فليس بالإمكان وصفها بالأخلاقية، بل هي أمر طبيعي وصحي. ساعدت تلك الحجة في تشجيع الأطفال والمراهقين الذين يجتازون مشكلات تتعلق بتطورهم الجنسي على القبول بأنه لا توجد مشكلة وكل ما في الأمر أنهم مثليون وعليهم أن يقبلوا الجنسية المثلية بصدر رحب خلال النمو والنضج.

 

صحيح أن العوامل الوراثية قد تساهم في السلوكيات المختلفة، لكننا لا يجب أن ننساق تماماً وراء الأبحاث التي تزعم أن الجنسية المثلية هي أمر وراثي بحت. الواقع هو أن جذور الجنسية المثلية مازالت غير مفهومة بالكامل ومازال يدور جدل شديد حول هذا الموضوع وكثير من النظريات والنتائج تعارض بعضها البعض.

 

لقد تجاوزت التقارير الإعلامية في الغرب بكثير ما يمكن للعلم القبول به. المقارنة بين الجنسية المثلية ولون العينين مثلاً (وهذا أمر محدد وراثياً بالكامل) ليست مقارنة جيدة.

ربما كان من الأفضل المقارنة مثلا بين الجنسية المثلية وتدخين السجائر. العوامل الوراثية يمكن أن تحدد أنماط شخصية أو طبائع تجعل من التدخين أكثر إثارة أو التخلص منه أكثر صعوبة من شخص لآخر. كذلك بعض العوامل الوراثية في الشخصية قد تجعل الخبرات المتعلقة بالانجذاب الجنسي المثلي أكثر إثارة لشخص ما في ظروف معينة.

أي أن المحتمل أن بعض الأشخاص لديهم من الخصائص الشخصية المعتمدة على جينات ما يجعلهم أكثر عرضة بشكل مسبق للجنسية المثلية، وإن كان لا يمكن اعتبار ذلك "سبب" للجنسية المثلية.

الشخص الذي لديه عامل وراثي (جين) لون العينين الأزرق لابد أن تكون عيناه زرقاوان ولا يمكن تغيير ذلك. بعض العوامل الوراثية أيضاً قد تحدد نوع شخصية ما وتكون هذه الشخصية معرضة للجنسية المثلية أكثر من غيرها ولكن لم تكتشف بعد جينات تؤدي مباشرة للجنسية المثلية مثلما تؤدي جينات لون العينين إلى ظهور هذا اللون بشكل حتمي منذ الولادة.

أيضاً يمكننا القول إن الشخص لا يختار أن يكون مثلياً، إذ لا يصحو أحد يوما ما وهو في الخامسة عشرة أو العشرين أو الخمسين ويقول: "لقد كنت غيرياً (عكس مثلياً) كل حياتي، واليوم أختار أن أكون مثلياً". في الواقع إن ما يقصه معظم هؤلاء الناس هو أنهم شعروا منذ سن مبكرة للغاية بأنهم مختلفون. وأكثر من ذلك أنهم لم يرغبوا في تلك المشاعر وظلوا يصارعون معها لسنين طويلة.

فإذا لم يكن الناس يولدون مثليين وكذلك لا يختارون أن يكونوا كذلك، فما الأمر إذاً؟ لقد تبقى أمر أخر، إذ ظل العلم يبحث في الجوانب السيكولوجية النفسية للجنسية المثلية، والواقع أنه تم التوصل إلى افتراضات في المجال النفسي أكثر ثباتاً من الافتراض البيولوجية والوراثية.

لكن لم يعد مفضلاً في الغرب عموماً التحدث عن الجوانب النفسية للجنسية المثلية وأصبح الميل العام وفي وسائل الإعلام اعتباره أمراً بيولوجياً ووراثياً.

هناك عوامل نفسية مختلفة مثل التأثيرات التي تحدث في الطفولة المبكرة (مثل العلاقة بالوالدين والتعرض للانتهاك الجنسي أثناء الطفولة) وعوامل بيئية (مثل ضغط الأقران والتجارب المبكرة للجنسية المثلية مع الأقران وبخاصة إذا كانت متكررة).

هناك أيضاً عوامل  تتعلق بالاختيار الفردي (مثل اشتراك الأشخاص البالغين بشكل واع ومقصود في تجارب جنسية متحررة من كل القيود داخل جماعات معينة أو تحت تأثير المخدرات ربما رغبة في التمرد على كل ما هو مألوف ومعتاد).

كل هذه الأمور تسهم بدرجات مختلفة في تطور الجنسية المثلية. ربما هناك مجموعة متنوعة من العوامل التي تمثل دفعة في اتجاه الجنسية المثلية غير أنه ليس ثمة دليل على أن تلك "الدفعة" تلغي اختيار الفرد إلغاء تماماً.

أخيراً، ليس في العلم الذي توصل إليه الإنسان حتى الآن ما يشير إلى أن الأشخاص المثليين أشخاص مسيرين ومدفوعين بقوة لا تقاوم أو أنهم كائنات دون بشرية ليس بوسعها اتخاذ قرارات واختيارات حقيقة تتعلق بسلوكياتهم.

إذا قام شخص باغتصاب طفل، أو مارس الجنس قبل الزواج أو خارج إطاره، ثم دافع عن نفسه قائلاً: "جيناتي دفعتني أن أفعل ذلك؟" هل سيكون دفاعه هذا مقبولاً من الناس؟

أعتقد أنه لن يكون مقبولاً. نفس الأمر ينطبق على سلوكيات الجنسية المثلية فليس المثلي أقل قدرة من أحد على التحكم في سلوكياته.

 

كيف تتطور أشكال الانجذاب المثلية؟

إذا كان البشر لا يولدون مثليين ولا هم يختارون أن يكونوا كذلك، فكيف إذا تتطور أشكال الانجذاب المثلية؟

قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال، من المهم الإشارة إلى أنه لا يوجد شخصان تتطور لديهما أشكال الانجذاب المثلي بنفس الطريقة، لكن القصص التي يرويها المثليين تكشف عن بعض الأنماط المشتركة التي ربما تؤدي للانجذاب المثلي. هذه الأنماط تدور حول العلاقة مع الوالدين ومع الزملاء والأقران، كما أن التعرض للانتهاك الجنسي من الأمور الهامة في هذه القصص.

ليس المقصود بهذا أن كل تلك الأشياء تتواجد أو تطرأ لدى كل شخص بنفس القدر، أو أنها العناصر الوحيدة التي تسهم في الانجذاب الجنسي. ومع ذلك يبدو أنها تمثل المؤثرات الرئيسية التي تصب في هذا التوجه.

 كما قلنا مسبقاً أن العوامل الوراثية والهورمونية قد تسبب في أن يولد البعض بخصائص جسمية تسهل من تطور الانجذاب المثلي لديهم غير أن هذه العوامل ليست عوامل مباشرة.

علي سبيل المثال الشخص الطويل من الممكن أن ينجح أكثر من غيره في رياضة كرة السلة ولكن ليس كل الطوال لاعبي سلة مهرة ولا كل لاعبي السلة المهرة لابد أن يكونوا طوال القامة بشكل كبير (فصانع الألعاب، وهو أحد الأدوار في فريق كرة السلة، مثلاً لا يحتاج لأن يكون طويل القامة).

 

الطفولة المبكرة والعلاقة بين الطفل والوالدين

من المقبول بشكل عام أن التطور الذي يحدث لنا في سن الطفولة المبكرة يلعب دوراً رئيسياً في الشكل الذي سنكون عليه كبالغين. وأغلب الناس يدركون هذا المبدأ العام ويقبلونه، غير أن الكثيرين لا يدركون كيف ينطبق هذا المبدأ على الهوية والطبيعة الجنسية للإنسان. لا يوجد وعي لدى أغلب الناس أن الطبيعة الجنسية والهوية تتطور. صحيح أن النوع يتحدد حتى من قبل الولادة ولكن الهوية الجنسية والانجذاب الجنسي أمور تتطور خلال سنين التكوين.

الكثيرون يدركون أن علاقة الوالدين بالأهل يمكن أن تؤدي لنفع عظيم أو ضرر كبير، لذلك عندما نبحث عن جذور وأسباب الجنسية المثلية، يجب أن نتنبه إلى حقيقة أن الكثيرين ممن يصارعون مع الانجذاب المثلي يقولون كيف أن علاقتهم أثناء الطفولة مع أحد الوالدين من نفس الجنس أو مع الوالد من الجنس الآخر كانت مبعث إحباط ورفض شديد.

 

مع الوالد من نفس الجنس

يتوق كافة الأطفال إلى الاتصال عاطفياً بوالديهم، خاصة بالوالد/الوالدة الذي من نفس جنس الطفل (الابن مع أبيه والبنت مع أمها). وتُعّد تلك العلاقة جزءًا حيوياً من عملية النمو والشعور بالاكتمال والأمان كذكور أو إناث. ويعني تعبير أنها جزء حيوي أن الطفل يحتاج إلى الحب من الوالد من نفس الجنس والتوكيد منه والقبول من جانبه والشعور بالتماثل معه وتكوين رابطة من نوع خاص معه. تلك الاحتياجات تسدد طبيعياً وبشكل صحيح من جانب الوالد من نفس الجنس أو من جانب نموذج لهذا الوالد في السنوات الأولى القليلة من الطفولة.

و يبدأ إحساس الطفل بهويته كذكر أو أنثى في التطور في السنة الثانية من عمرة، و يتطلب النمو النفسي الصحيح أن يكون بإمكان صبي صغير أن يدرك أن هناك جنسين و أنه ولد "ذكر" و مثل بقية الأولاد، وسوف ينمو إلى أن يصبح رجلاً مثل أبيه وربما يصبح أباً لأطفال ولكنه لن يصبح امرأة أو أماً. كما يحتاج الطفل بالإضافة إلى ذلك أن يشعر بقبول وارتياح لكونه صبياً وأنه سيصبح رجلا. و يحتاج أن يعتقد أن أمه وأبيه سعيدان بكونه صبياً و يتوقعان أن يصبح رجلا، وعادة ما يفي الأب بالنسبة للصبي والأم بالنسبة للصبية بتلك الاحتياجات عن طريق تواصل الطفل مع الوالد من نفس الجنس.

وبينما يحتاج الأطفال، ويشتاقون بشدة، إلى التواصل مع الوالد من نفس الجنس، فإن بعض الأطفال يشعرون أن تلك العلاقة تجلب الرفض والأذي. و لمنع مزيد من الأذى، قد يتباعد الطفل عن والده، وهذا النوع من حماية الذات يشار إليه عادة بلفظ "التباعد الدفاعي". وهو هنا إما يحمي نفسه من الأذى أو من الإحباط الناتج من غياب الأب أو الأم.

وبدلاً من التعبير عن رغبتهم في التواصل والقبول، يخفي الأطفال هذه الرغبة و بدلاً من البقاء منفتحين لعلاقة قريبة مع الوالد من نفس الجنس، فإنهم يصبحون غاضبين ويفتقدون الثقة في هذا الوالد. وبالنسبة للكثيرين يصبح ذلك بداية لرؤية العلاقات المقربة مع أفراد من نفس الجنس عبر حاجز (مرشح) من الغضب والارتياب.

 

ولكن حينما يكبر الطفل وهو يشعر بانفصال عاطفي عن الوالد من نفس الجنس، سواء كان هذا الانفصال حقيقياً أو متخيلاً، فإن هذا يعترض عميلة تطور الهوية الجنسية (كذكر أو كأنثي)، أي إن عميلة تطور الهوية الجنسية تتوقف وتظل حاجته للحب من نفس الجنس من جانب الولدين غير مسددة. وإذا استمرت تلك المسافة، فإن تلك العملية لا تُستأنف من جديد، بما يترك الطفل وهو يشعر برفض و فراغ وافتقار إلى الشعور بالأمان كصبي أو فتاة. وفي أعماقه/أعماقها، يشعر الطفل بأن شيئًا بالغ الأهمية مفقود، وهو ما يجعل الطفل يتشكك بشكل خطير في هويته كصبي أو هويتها كفتاة.

 

يمكن أن تحدث أمور مختلفة تعيق العلاقة بالوالد من نفس الجنس ولكن الأمر المحوري هنا هو كيفية تجاوب الطفل مع الأمر وأخطر تجاوب هو هذا "التباعد الدفاعي" الذي يجعل الطفل غير قادر علي الاستقبال من الوالد أو من غيره من الأشخاص من نفس الجنس وبالتالي يزداد جوعه وعطشه العاطفي.

و حين يتباعد الطفل فإنه بلا وعي "يقرر" انه لن يسمح فيما بعد لهذا الوالد أن يلبي تلك الاحتياجات، وهذا يودي لأن يتعرض الطفل لحالة الالتباس والارتباك في العلاقة مع نفس الجنس، إذ يختبر الطفل صراعاً بين التجنب والتقرب في الوقت نفسه، ويصطدم الانجذاب الذي مبعثه الحاجة للتواصل مع النفور الذي ينطوي علية التباعد الدفاعي. ولا تذهب الحاجة للتواصل مطلقاً، بل تستمر موجودة حتى يتم تسديدها.

 

و تمر سنوات والطفل يكبر- بدنياً وعقلياً و نفسياً، ولكن بعض من "الصغر" يبقي بداخله لأن غياب الوالد أو قسوته والأكثر من ذلك "التباعد الدفاعي" الذي يقوم به الطفل نفسه يمنع تسديد تلك الاحتياجات العاطفية وهذا يعيق نموه النفسي بشكل كامل.

نسمع كثيرا عن أب ترك أولاده في السن الحرج وهو السنوات الخمس الأولي للعمل (في البلاد العربية) مثلاً ثم عاد عندما أصبحوا في سن المراهقة ليجدهم يرفضونه ولا يطيقون وجوده ويفرحون لعودته للعمل في البلد التي يعمل فيها. قد يجد الآباء صعوبة في فهم ذلك لأنهم لا يفهمون ديناميكية "التباعد الدفاعي". لكي يتعايش هؤلاء الأطفال مع حقيقة غياب الأب قاموا بإلغائه من خيالهم وابتعدوا عنه ابتعاداً دفاعياً يحميهم من مواجهة إحباط هذا الاحتياج غير المسدد فأصبحوا غير قابلين على الاستقبال منه فيما بعد حتى عندما يعود. والأسوأ هو أنهم قد يصبحوا غير قادرين على استقبال الحب من أي شخص آخر. وربما يستعيضوا عن الحب بالجنس أو العلاقات التي ليس بها التزام وبالتالي ليس بها هجر لخوفهم من الهجر والترك.

تتذكر امرأة كيف أنها لم تشعر أبدًا بأن أمها قامت على رعايتها وتقول "كنت ألعب الكرة الطائرة، ولم تكن تأتي أبداً لمشاهدتي في أي مرة من المرات التي كنت ألعب فيها. لقد ضحكت حينما بدأت أول دورة شهرية، ولم تكن تريد أن ألبس صدرية حينما كانت كافة الفتيات في فصلي يلبسنها. باختصار لم أشعر أبداً بالتشجيع أو الدعم للجوانب التي تغذي أنوثتي". ويذكر رجل كيف أنه انسحب بعيداً عن أبيه "نفسياً" الذي كان يقلل من شانه ولا يشجعه قبل وقت طويل من ترك الأب للأسرة فعلياً.

أي أن غياب الحنان والتشجيع من الوالدين يجعل الوالدين يتركون الأسرة حتى قبل أن يتركونها أو يجعل الأطفال يبادرون بتركهم ويوقفوا توقعاتهم منهم لكيلا يحبطوا. وصفت امرأة أخرى علاقتها بأمها بهذه العبارة: "لقد نزعت أمي من قلبي تماماً سواء من ناحية العلاقة الفعلية أو حتى من ناحية المشاعر."

 

العلاقة مع الوالد من الجنس الآخر

ليست العلاقة مع الوالد من الجنس الآخر بنفس الأهمية بالنسبة لتطور الميول المثلية، ولكن في الكثير من الحالات تزيد هذه العلاقة من صعوبة المشكلة التي خُلقت أساسًا بسبب البعد في العلاقة مع الوالد من نفس الجنس، أو بسبب التعرض لتهجم أو اعتداء من جانبه.

 

مثلا يمكن أن يؤدي الوالد من الجنس الآخر إلى زيادة المسافة والعداوة بين الطفل والوالد من نفس الجنس عن طريق التحدث إلى الطفل عن مشكلات زوجية عديدة، وهو الأمر غير السليم. مثلا أن تكون الأم شديدة الحماية ولا تسمح لابنها بأن يجاهر أبدا بالتعبير عن نفسه كذكر عن طريق اتخاذ أي مبادرات قوية، أو ربما تـُسخِّف باستمرار من كفاءته وتجعله يشعر بأنه في غير المكان الصحيح كذكر أو بعدم الأمان في رجولته. أو أن يكون هناك أب كان يريد بشدة أن يرزق بابن حتى أنه يعامل ابنته كأنها ولد، متجاهلا أنوثتها بالكامل.

 

وحينما يكون هناك طفل يشعر بالفعل أن الصلة مقطوعة بينه وبين الوالد من نفس الجنس، وفي نفس الوقت يجد أن الوالد من الجنس الآخر لا يشجع تعبيره عن ذكورته (أو أنوثتها) بل ينتقده ويستغله أو يتجاهل تلك الذكورة فيه، فإن هذا يخصب التربة التي يمكن أن تنمو فيها الميول المثلية.

 

بعض الآباء يشعرون أكثر من غيرهم بالأسف على الطرق التي أخفقوا فيها في تربية أولادهم أو أضروا بأولادهم من خلالها، ومع ذلك من الخطأ تحميل اللوم كله للوالدين، فالأمر الأهم يتعلق بالطريقة التي يدرك بها الطفل تلك المعاملة ويتجاوب معها. بعض الأطفال يشعرون بالجرح من والديهم فيتباعدون عنهم حتى يحموا أنفسهم. وبهذه الطريقة يمنعون أنفسهم، دون أن يدركوا، من تلقي أحجار البناء الأولى في هويتهم الجنسية (كرجال أو نساء).

 

عبرت خبيرة في علم النفس تدعى إليزابيث موبرلي Elizabeth Moberly عن العلاقة بين خبرات الطفولة والجنسية المثلية بالقول:

"إن الجنسية المثلية هي عجز في قدرة الطفل على التواصل مع الوالد من نفس الجنس وينتقل هذا العجز (فيما بعد) إلى التعامل مع البالغين من نفس الجنس عموما. ويمكن القول إن المشكلة ليست أن الشخص المثلي البالغ يريد حبًا من نفس الجنس، بل أن حاجات الطفولة لديه المتعلقة بتلقي الحب من الوالد من نفس الجنس لم تـُسدد، ولذلك يحاول هذا الشخص إشباع تلك الحاجات الآن عن طريق علاقات مع بالغين آخرين من نفس الجنس تشمل أنشطة جنسية كطريقة خاطئة لتلقي الحب."

 

التفاعلات مع الأقران

ما بين سن الرابعة والخامسة ينتقل الأطفال من اللعب إلى جانب الأطفال الآخرين، إلى اللعب مع الأطفال الآخرين. ويبدأ الأطفال التعلم كيف يكون لهم أصدقاء. وقد قصد الله أن تضيف تلك الصداقات المبكرة إلى الهوية الجنسية للطفل، فالأطفال يحتاجون لحب وقبول الأطفال الآخرين من أقرانهم في نفس السن، خاصة من الأطفال من نفس الجنس، والصداقات من نفس الجنس تلعب دورا هاما في عملية بناء الهوية الجنسية Gender Identity.

 

ولكن الأطفال المتخبطين في علاقاتهم مع الوالد من نفس الجنس قد يختبرون أيضا درجة مماثلة من البعد والرفض في العلاقة مع أقرانهم من نفس الجنس، بما يضيف إلى حالة التشويش وعدم الأمان التي يشعرون بها. وفي بعض الحالات يتوقع الأطفال أن يلقوا نفس المعاملة من أقرانهم كتلك التي يلقونها من الوالد من نفس الجنس.

 

ربما يشعر ولد صغير أنه غير متوافق تمامًا مع أقرانه الذكور، مثلما يشعر تمامًا تجاه والده. وربما تشعر طفلة صغيرة أنها لا تنتمي إلى البنات من نفس عمرها مثلما تشعر تماماً تجاه أمها. غير أن الرغبة في الانتماء والقبول تظل صارخة تطلب الإشباع، وإذا لم يندمج الأطفال أو المراهقون مع أقرانهم من نفس الجنس فربما ينجذبون للوقوع في علاقات غير صحية تبدو وكأنها ستسدد الاحتياج للقبول.

 

الاعتداء الجنسي

من المأساوي أنه بالنسبة للكثير من الرجال والنساء، تكون هناك جذور للانجذاب المثلي في أحداث تتعلق بماض من الانتهاك الجنسي. الاعتداء الجنسي يشمل أي اتصال أو تفاعل يستخدم من خلاله شخص أكبر، أو أقوى، أو أكثر تأثيراً طفلاً أو مراهقاً عرضة للخطر من أجل الحصول على إثارة جنسية.

 

الدراسات تظهر أن حالات الاعتداء الجنسي تشيع في طفولة المثليين البالغين. أظهرت دراسة رئيسية أن نحو 80% من الرجال المثليين الذين شملتهم الدراسة قالوا إنهم تعرضوا لاعتداء جنسي على أيدي شخص بالغ بينما كانوا أطفالاً – أغلبهم قبل أن يبلغوا العاشرة من عمرهم. إن الذين يعملون مع أفراد بالغين يطلبون المساعدة من الصراعات المثلية كثيراً ما يستمعون إلى روايات عن تعرض أولاد للتحرش الجنسي، غالباً من جانب مراهقين أكبر سناً أو رجال. وكذلك يستمعون لقصص عن تعرض بنات للانتهاك الجنسي، وفي أغلب الأحيان يكون ذلك على أيدي فرد ذكر من أفراد الأسرة المقربين، أو صديق مقرب للأسرة أو أحد رموز السلطة.

 

وكما هو الحال مع أي من العوامل التي نبحثها، فإن الاعتداء الجنسي لا يُنتج تلقائياً الانجذاب الجنسي. غير أنه بالنسبة للبعض قد يمثل جزءاً كبيرا من سياق يساعد على تكون الانجذاب الجنسي. وعادة ما تختلف الطريقة التي يؤدي بها الاعتداء الجنسي للتأثير على تطور تلك الميول ما بين الرجال والنساء.

 

الضرر الذي يحدثه الاعتداء الجنسي على الرجال

يمكن أن تكون المشاعر المختلطة القوية التي يشعر بها الفرد الذي تعرض لاعتداء بعد أحداث الاعتداء الجنسي جزءاً مما يشكل الميول المثلية. التخبط أو التشوش في هذه الحالة يمكن تعريفه بأنه "الشعور بشعورين متناقضين في الوقت نفسه". وتكون النتيجة إحساس غامر بالخزي والحيرة. فالأمر المحير بالنسبة للولد الصغير هو أنه برغم الموقف البشع الذي تعرض له، فقد شعر ببعض اللذة، وهو ما يجعله يشعر بإحساس قوي بالعار. لقد حدث اتصال علاقاتي وتلامس جسدي، من طبيعته إثارة شعور باللذة العاطفية والجنسية، ولكن هذا الاتصال ذاته كان في نفس الوقت فظيعًا!

 

من الصعب أن يقبل الصبي الصغير أو المراهق أنه قد استمتع بقدر من اللذة الجنسية مع رجل أو ولد أكبر. وتزيد حالة التخبط والشعور بالعار حينما يكون الاعتداء الجنسي هو السياق الوحيد الذي بدا فيه لهذا الصبي أن عطشه للحب الذكوري والاتصال مع رجل قد ارتوى. ويترك هذا انطباعاً خادعاً بأن الجنس والحب أمران متلازمان دائماً.

 

إن الشعور بالعار وحالة الالتباس هذه يؤديان إلى إثارة أفكار ملحة ومتعبة مثل: "يا ترى ده معناه إن أنا إيه؟!" "يمكن أنا شاذ"، وبناء على ذلك يمكن أن يؤدي الضرر الذي تحدثه تلك المشاعر المختلطة إلى جعل الأولاد الصغار المشوشين يعتقدون أنهم شيء ليسوا هم عليه.

 

عن منظمة "إكسدوس" الدولية (قبل انحلالها)

لمزيد من المعلومات:

http://en.wikipedia.org/wiki/Exodus_International