التحدي الحالي للمشورة في الكنيسة

هوارد كلاينبل ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

في جزء خطير من الساحل الذي طالما تحطمت عليه سفن، قامت محطة انقاذ كان مبناها بدائياً لم يكن به إلا قارب نجاة واحد. لكن الجماعة القائمة بالعمل كانت مكرسة لعملها، تراقب البحر، وكانوا يبذلون نفوسهم وهم يفتشون عن الغرقى، فأنقذوا كثيرين حتى أصبحت محطتهم البسيطة مشهورة. وأراد بعض الناجين وجيرانهم أن ينضموا إلى خدمة هذه المحطة، وقدموا لها من مالهم ووقتهم ومجهودهم ما ضمن استمرار عملها، فاشتروا قوارب أخرى، ودربوا رجالاً أكثر للقيام بالعمل بها. وهكذا نمت تلك المحطة.

وبعد وقت لم يرض العمال الجدد على بساطة تلك المحطة وقلة معداتها، فأرادوا أن يكون المكان أكثر راحة للذين يُنقذون من الغرق في البحر، فجاءوا بسرائر مريحة وأثاث أفضل. ثم أصبحت محطة الإنقاذ مكاناً يلتقي فيه أعضاؤها، فجمّلوها وصارت تشبه النادي. وقلّ عدد الأعضاء المهتمين بمهمات الإنقاذ. وقد أبقوا المكان الأول كأثر تاريخي مع القارب الأول الوحيد الذي كان موجوداً.

وذات يوم غرقت سفينة كبيرة، وجاء البحارة الأجرَى بقوارب محملة بأجساد باردة مبتلة لأشخاص نصف غرقى، كانوا قذرين ومرضى، وبعضهم قد اسودَّ جلدهم أو اصفرّ لونهم. وسادت الفوضى في النادي وقرر أعضاؤه أن يبنوا مكاناً خارجاً ليغتسل فيه الناجون قبل أن يُدخلوهم إلى المكان الجديد.

وفي اجتماع تال قرر بعض أعضاء النادي أنهم يجب أن يوقفوا هذا العمل غير المفرح لإنقاذ الغرقى، وأن يكتفوا بحياتهم الاجتماعية السعيدة داخل النادي. بينما قال بعض الأعضاء إنهم يجب أن ينقذوا الغرقى، لأن هذا هو الهدف الأول لتلك المحطة.

وانتصر رأي الأولين، وطلبوا من الفريق الثاني أن يغادروا المكان. وإن شاءوا أن يقوموا بإنقاذ الغرقى فعليهم أن يبنوا محطة جديدة في مكان آخر. وهذا ما حدث. وبعد عدة سنوات جازت المحطة الجديدة في هذا الاختبار القديم، فقد تطور حالها إلى أن صارت نادياً. وكان لابد من إنشاء محطة إنقاذ ثالثة، واستمر التاريخ يعيد نفسه. فإذا زرت ذلك الجزء من الشاطئ سترى مجموعة نواد رائعة، وما زالت السفن تغرق في تلك المياه الخطرة، ولو أن أغلب ركابها يموتون غرقى!

هذا المثل الذي رواه ثيودور ودل يرينا المخاطر التي تواجه الكنيسة. أنها غير متصلة بالعالم! وتكون الخطورة شديدة في الأوقات التي يبدو أن الكنيسة فيها ناجحة نجاحاً ظاهرياً. ولكن الكنيسة الناجحة حقاً هي التي تعالج الاحتياجات العميقة لأعضائها عندما يتألمون، ويرجون، ويلعنون، ويصلّون، ويجوعون لمعنى لعلاقاتهم. والمشورة الرعوية وسيلة هامة  تصبح الكنيسة فيها ذات علاقة قوية باحتياجات أعضائها. إنها تترجم الأخبار المفرحة في لغة العلاقات بين الناس، بها يقدم القسيس رسالة شفاء لمن يصارعون مع الاغتراب واليأس. فإذا كان في الكنيسة مشورة صارت كمحطة الإنقاذ وليست نادياً، وأصبحت مستشفى وحديقة للحياة الروحية وليست متحفاً. والمشورة تخدم هذا الجانب من حياتنا الذي نجد فيه الغرق والقلق والإحساس بالذنب ونقص الانتماء.

وعندما يتعاون القسيس مع الأشخاص المدرََّبين لتقديم خدمة الراعي المشير، فإنهم يغيّرون مناخ كنيستهم من مناخ "لا شخصي" إلى مجتمع صحي، فتصبح الكنيسة مكان مصالحة وشفاء ونمو.

 

من الصعب علينا أن نتصل بإنسان ما اتصالاً عميقاً لأن هذا يعني وجودنا بصورة حية في آلامه وإمكانياته، وفراغه وملئه، وآماله وفشله. وأغلب الظن أننا نتقاعس عن أن نفعل هذا بسبب الألم الشديد الذي يصاحب الاتصال العميق، لأنه يكشف الغرفة المظلمة في عالمنا نحن الداخلي. فإن فراغ الشخص الآخر يذكّرنا بالفراغ الكامن فينا، وغضبه وإحساسه بالذنب يجعلنا نتذكر إحساسنا بالذنب. على أننا لا يمكن أن نساعد الآخرين إلا إذا اندمجنا فيهم ومعهم فنساعدهم على ميلاد حياة جديدة في الفرد والكنيسة.

 

هوارد كلانييل

من كتاب "أنماط أساسية من المشورة الرعوية"