داخل قلب المعادلة المشورية

كارل روجرز ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢
يمكنك تقييم هذا الخاطر بالسطر السابق: ضع تقديرك له من 1 - 5 درجات ثم اضغط على Rate . أيضاً يسرنا تلقي تعليقاتك الخاصة بنهاية الصفحة

 

تكلمت عن عملية المشورة بشكل موضوعي مؤكداً ما نعرفه ووضعت كل هذا في معادلة أخيرة نرى فيها ولو بشكل مراوغ المصطلحات المعنية. ودعوني الآن أحاول الاقتراب من الداخل وبدون تجاهل هذه المعرفة الواقعية، لأقدم هذه المعادلة كما تظهر بشكل ذاتي عند المشير والمستشير. أريد أن أفعل هذا لأن المشورة عملية شخصية ذاتية للغاية وهي خبرة مختلفة تماما.

خبرة المشير:
يرى المشير أنها مغامرة جديدة في طريق إقامة علاقات. ويحس الآتي "ها هو الأخر مستشيري. أخاف منه بعض الشيء ... أخاف من أعماقه ... كما أخاف من أعماقي. لكن مع كلامه أبدأ في الإحساس بالاحترام تجاهه و أحس باقترابي منه. وأحس بمدى ما يثيره عالمه من رعب فيه. وكيف يحاول جاهدا التماسك والتمسك بموضعه. أحب أن أحس بأحاسيسه، أود لو أحس هو بأني افهم أحاسيسه وأود لو أحس أني معه في عالمه الضيق الصغير المحصور وأن بوسعي النظر إليه بتخوف أقل نسبياً. ربما استطعت أن أجعل هذا العالم أكثر أمنا بالنسبة له. أود أن تصير أحاسيسي في هذه العلاقة شفافة رائقة بقدر الإمكان بحيث تكون وقائع محددة بالنسبة له يمكن أن يعاود الرجوع إليها مراراً وتكراراً. وأود أن أذهب معه في رحلته المخيفة بداخله مقتحماً المخاوف المدفونة و الأحقاد الكامنة والحب الذي لم يدعه قط ينطلق ويتدفق. وإدراك أن هذه عملية متأنية جداً وغير متوقعة بالنسبة لي وله وأنني قد أتضاءل داخل نفسي حتى دون أن أدري من هول بعض ما قد أكتشفه. وأعرف أني سأكون محدوداً في قدرتي على مساعدته. وأدرك أحياناً أن مخاوفه قد تجعله يحس بي كشخص لا مبال غير مهتم رافض أو دخيل أو شخص لا يفهم وأود أن أقبل هذه المشاعر تماماً وأمل أن مشاعري الحقيقية ستسطع بوضوح فيمكنه رؤيتها و إدراكها. أهم شئ أوده أن يقابل شخصاً حقيقياً فيَّ. لا أود أن أحس بعدم الراحة لكون مشاعري ليست مشورية. ما أنا عليه وما أحسه يكفيان ليكونا قاعدة للمشورة لو كان بوسعي أن أكون أنا بشكل شفاف وأطرح ما أحسه في علاقة معه فعندئذ ربما يكون هو ما هو وبدون خوف."

خبرة المستشير:
ويمر المستشير بدوره بتوالي أكثر تعقيداً يمكننا فقط أن نخمنه. ربما يكون مثلما يلي. "أخاف منه. أريد مساعدته ولكن ... لكن لا أعرف هل يمكنني أن أثق به؟؟ قد يرى أشياء لا أعرفها في نفسي. عناصر مرعبة وسيئة. يبدو أنه لا يحكم عليً، لكني متأكد أنه يحكم علي. لا يمكنني أن أقول له عن بعض التجارب القديمة التي لها علاقة بما يهمني. يبدو وكأنه يفهم هذه الأشياء. ربما يمكنني أن أكشف أكثر عن نفسي.
"لكن لابد أنه يحتقرني بعد أن شاركته في هذا الجانب السيء مني. أنا متأكد من هذا. لكن الغريب أني لا أجد أي دليل على هذا! هل يعني هذا أن ما قلته له ليس بهذا السوء؟؟؟ أمن الممكن أن أعتبره جزءاً لا يخجلني مني؟؟؟ لم أعد أحس بأنه يحتقرني. أحس أني أريد أن أغوص أكثر وأستكشف نفسي ربما أعبر أكثر عن نفسي. أجد فيه رفقة وأنا أفعل هذا يبدو وأنه يفهم حقاً. لكن ها أنذا أخاف ثانية وهذه المرة خوفاً عميقاً لم أكن أدرك أن استكشاف المناطق الأكثر عمقا في نفسي سيجعلني أحس بأحاسيس لم أشعر بها قط. إنها أحاسيس عجيبة لأنه بطريقة ما هي غير جديدة. أحس أنها كانت هناك دائماً. لكن بدت لي جريئة حتى أنني لم أرد قط ولم أجرؤ قط على تركها تخرج مني. والآن وأنا أعيش هذه الأحاسيس في الساعات التي أمضيها معه أحس بانزعاج وكأن زلزالاً مدمراً قد ألمَ بعالمي. كان عالماً صلداً متماسكاً. هو الآن متساقط منهار ومفتوح معرض للخطر. ليس من الجميل الإحساس بأشياء كنت أخاف منها من قبل. إنها غلطته. لكن المدهش أني مازلت أود أن أراه وأحس بالأمان أكثر في وجوده."
" لم أعد أعرف نفسي.. ومن أنا ولكن أحياناً عندما أحس نفسي أتصرف بطريقة غير تلك التي أحسها، أفكر بطريقة، وأحس بطريقة أخرى. أمر غير متناغم على الإطلاق. أيضا يبدو شديد المغامرة ومذهل أن أحاول اكتشاف من أنا وأحيانا تجدني أحس أن الشخص الذي هو أنا يستحق أن يكون مهما كان. بدأت أجد هذا فعلاً مُرضي ومُشبع بالرغم من أنه مؤلم أحياناً أي أن أشارك في أحاسيس آنية. أتعرف أنه من المفيد حقاً أن أحاول الإصغاء لذاتي وأسمع ما يحدث بداخلي. لم أعد مرعوباً حقاً مما يحدث بداخلي. يبدو أنه أمر يستحق الثقة فعلا. أمضي بعض ساعات اليوم معه لأحفر بعمق في نفسي ولأعرف بماذا أحس. إنه عمل مرعب .. لكن أريد أن أعرف. وأنا أثق فيه معظم الوقت. وهذا يساعد. أحس بأني معرض للخطر وخام لكني أعرف أنه لا يريد إيذائي وجرحي وأعتقد حتى أنه يريد أن يساعدني ومهتم بي وتبين لي هذا و أنا أحاول أن أغوص أعمق وأعمق في داخليات نفسي. ربما يمكنني أن أدرك وأحس بما يجري في داخلي وأحدس معناه. سأعرف من أنا وسأعرف أيضاً ماذا علي أن أفعل. أحس بهذه المعرفة معه أحياناً على الأقل.
ربما يمكنني حتى أن أخبره بماذا أحس نحوه في أي لحظة وبدلاً من أن يؤدي هذا إلى قتل العلاقة كما كنت أخاف يبدو أنه يعمقها. هل يمكنني أن أكون أحاسيس مع غيره من البشر أيضاً ربما لن يكون هذا خطراً أيضاً؟ أتعرف بدأت أحس كما لو أني أطفو مع تيار الحياة في مغامرة حلوة وأكون أنا. أغطس أحيانا وأجرح أحيانا أخرى. لكني أتعلم أن هذه تجارب لا تقتل. أنا لا أعرف حقاً من أنا لكن بوسعي الإحساس بردود أفعالي في أي لحظة ويبدو أنها تعمل في أية لحظة بوصفها أساساً لسلوكي الآني. ربما هذا ما تعنيه حقيقة أن أكون أنا. لكن أستطيع فعل هذا لأني أحس بالأمان في علاقتي مع المشير. هل يمكن أن أكون أنا خارج هذه العلاقة أيضاً؟ ربما.. ربما، ربما يمكنني".
لا يحدث ما قدمته في التو واللحظة. قد يستغرق أعواماً. وقد لا يحدث على الإطلاق لأسباب لا ندري كنهها حتى الآن، لكن على الأقل قد يعطيني هذا صورة داخلية للواقع الذي حاولت تقديمه لعملية المشورة كما تحدث في كل من المشير والمستشير.
 

كارل روجرز

من كتاب "أن تصير إنساناً"