عن يسوع بقلم جبران - 5

جبران خليل جبران ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

يسوع الكلمة

على لسان "يوحنا التلميذ الحبيب في شيخوخته "

 

ترغبون إلي أن أتكلم عن يسوع، ولكن كيف أخدع أنشودة الوجد الإلهي في الوجود بهذه القصة المجوقة؟
ففي كل مظهر من مظاهر النهار كان يسوع يرى الأب مائلاً أمامه.
فقد رآه في السحب، وفي ظلال الغيوم المارة فوق الأرض، ورأى وجه الأب منعكساً على البرك الهادئة، وآثار وقع قدميه مرتسمة على الرمال، وكثيراً ما كان يغمض عينيه ليتأمل العينين المقدستين.
وكان الليل يخاطبه بصوت الأب، وفي الوحدة كان يسمع ملائكة الرب تناديه. وعندما كان يطلب الراحة في النوم كن يسمع همس السموات في أحلامه.
وكان في الغالب سعيداً في صحبتنا، وكان يدعونا إخوة.
فتأملوا كيف أن الكلمة الأولى عند الأب يدعونا إخوة وما نحن إلا مقاطع حقيرة لم يتلفظ بها إلا في الأمس القريب.
ولعلكم تسألون. لماذا سميته الكلمة الأولى؟
فأصغوا لأجيبكم: في البدء تحرك الله في الفضاء، ومن حركته التي لا قياس لها ولدت الأرض وفصولها.
ثم تحرك الله ثانية، فأنبث الحياة، فصار حنين الحياة ينشد العلو والعمق، ليكون له الأكثر من ذاته.
ثم تكلم الله، فكان الإنسان من كلماته، وكان الإنسان روحاً مولودة من روح الله.
وعندما تكلم الله هكذا كان المسيح كلمته الأولى، وكانت تلك الكلمة كاملة. و عندما جاء يسوع الناصري إلى العالم سمع العالم به الكلمة الأولى الخارجة من فم الله، وصار صوت تلك الكلمة لحماً ودماً.
إن يسوع الممسوح هو الكلمة الأولى التي خاطب بها الله العالم كما لو أن شجرة من التفاح في بستان تزهر وتعقد قبل بقية الأزهار بيوم واحد، وكان في بستان الله في ذلك اليوم عصر كامل.
نحن جميعاً أبناء العلى وبناته، ولكن الممسوح كان ابنه البكر، الذي قطن في جسد يسوع الناصري، وسار بيننا و رأيناه بعيوننا.
كل هذا أقوله لكم لكي تفهموا ليس فقط بالفكر بل بالروح. إن الفكر يزن ويقيس، ولكن الروح تصل إلى قلب الحياة وتعانق أسرارها، وبذرة الروح لا ولن تموت.
إن الريح قد تهب ثم ينقطع هبوبها، والبحر يتمدد ثم يتقلص، ولكن قلب الحياة دائرة هادئة ساكنة والكواكب التي تنيرها ثابتة إلى الأبد.

 

جبران خليل جبران

من كتاب يسوع ابن الإنسان