الغثيان ومفهوم "سوء الطوية" عند سارتر

موريس كرانستون ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

يمكنك تقييم هذا الخاطر بالسطر السابق: ضع تقديرك له من 1 - 5 درجات ثم اضغط على Rate . أيضاً يسرنا تلقي تعليقاتك الخاصة بنهاية الصفحة

إن سارتر يعتقد أن الغثيان (الإحساس بأن العالم الخارجي لا يُطاق) والقلق هما جزء من تجربتنا جميعاً. الغثيان هو الشعور الطبيعي الذي يظهر لأي واحد يواجهه التشوش المتدفق اللزج الغامض الذي يكوِّن عالم المظهر المحسوس. والقلق هو الشعور الطبيعي الذي ينتج من مواجهه الانفتاح على مستقبلنا. إنه العدم متمركز في قلب ما نحياه.


وربما يحتج بعض القراء بأنهم لا يشعرون بمثل هذا الغثيان أو بمثل هذا القلق. ولدى سارتر رد قصير عليهم. فالناس الذين يقولون إنه ليس لديهم مثل هذا الشعور إنما يهربون من غثيانهم وقلقهم، إنهم يحمون أنفسهم وراء خداع الذات. لقد مارسوا ما أسماه سارتر "سوء الطوية" (أن يسلك الإنسان في الظاهر بخلاف ما تنطوي عليه نفسه في الداخل، في نوع من الخداع لذاته). وأنا نفسي لا أدري أن كانت فكرة "سوء الطوية" هي فكرة مقنعة أم لا، لكنني سأحاول أن أشرح  ما الذي يقصده سارتر. أساساً إن الأمر يأخذ شكل إغراء الإنسان بأنه ليس ما هو عليه حقاً، أو أن الإنسان إنما يعمل ما ليس يعمله فعلاً. ويضرب سارتر المثل بامرأة شابة تذهب إلى مطعم للمرة الأولى مع صديقها الذي يتناول يدها في المساء. إنها تتظاهر بأنها لم تأخذ بالها، فتترك يدها ببساطة في يده (وكأنها لا تشعر)، حيث أن عقلها "منشغل" بالأمور السامية التي يتحدث عنها صديقها (من رواية "الغثيان"). وضرب سارتر مثلاً أخر بنادل المقهى الذي "يؤدي دوره" وإننا نتطلع إلى النادل":

"إن حركته سريعة وإلى الأمام، محكمة نوعاً ما، سريعة نوعاً ما. وهو يتجه إلى الزبائن بخطوة سريعة نوعاً ما. فينحني بأدب قليل، وإن صوته وعيونه تعبر عن اهتمام فيه بعض الاضطراب لطلب الزبون، وإن سلوكه كله يبدو لنا لعبة... ولكن ماذا يلعب؟ ولا نحتاج إلى أن نتأمله طويلاً لنتمكن من توضيح الأمر؛ إنه يلعب دور "كونه نادلاً في مقهى." (من كتاب "الوجود و العدم")


إن كلا من الفتاة بيدها المدلاة والنادل المهتم إنما (يتظاهران) لنفسيهما. إنهما يقومان بدورين ذاتيين لهما طبيعتان محددتان ثابتتان، إنهما يهربان من واقع الشيء في ذاته.


إن سارتر يعتقد أن "سوء الطوية" من هذا النوع قد تم تشجيعه في العالم من جانب تعاليم فرويد. إنه يعتقد أن فرويد يقدم للناس وسائل الهرب من المسئولية إلى خرافة كوننا مخلوقات تحددها القوى اللاشعورية.

إنه يعارض فكرة فرويد في الرغبات اللاشعورية التي تـُكبت لا شعورياً، إنه يتحدث عن زيف الناس في إنكار - فيما لو كانوا صرحاء مع أنفسهم- ما "يعرفون" أنهم يريدونه أو أرادوا مرة أن يفعلوه.


يبدو لي أن المشكلة في هذه النظرية عن "سوء الطوية" هي بكل بساطة إنه لا يوجد أمكانية لمناقشة ما تستحقه. إن جزءاً من تعاليم علم النفس الفرويدي هو أن اكتشافها (أي اكتشاف حقيقة كبت الغرائز) سيلقى مقاومة حتى أن المقاومة ذاتها ستكون بمثابة تأكيد على حقيقة هذا الكبت. والأمر كذلك أكثر صدقاً بالنسبة لنظرية سارتر في "سوء الطوية"، إذا أنكرها ناقد فلن يؤخذ الإنكار إلا على أنه دليل على "سوء الطوية" لدى الناقد. ولقد كتبت السيدة وارنوك عن هذه النقطة كتابة رائعة في مقال ممتاز غير متعاطف بالمرة عن علم الأخلاق عند سارتر:


"لنفرض أن أحدهم أنكر – كما أعتقد- أن الغثيان هو ما يمارسه الإنسان عندما يتأمل في العالم الخارجي. فلنفرض أن أحدهم أنكر أن غموض الأشياء له أي تأثير خاص على الإنسان على الإطلاق، فلنفرض أن أحدهم قال إن الغموض هو مقولة ذات أهمية للمادة فقط ولم يكن هو إلا عصابياً. أفلا تكون كل هذه الإنكارات هي بكل بساطة أمثلة على "سوء الطوية"؟ من المحتمل، إذا كان تحديد "سوء الطوية" تحديداً صريحاً على أنه (رفض مواجهة الحقائق المؤلمة) إذن فإن إنكارات المرء يمكن أن تـُُعتبر دائماً بشأن هذا الرفض. وكلما كانت اعتراضات المرء قوية بأن هذا ليس خداعاً للذات وإنما ما يعترض عليه هو مجرد الزيف أو المبالغة، لزاد ذلك من الاتهام بوجود "سوء الطوية".

 

موريس كرانستون

من كتاب "سارتر"