المدينة

عماد ميشيل ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

المدينة

 

 

المشهد الأول

الشخصيات: الحاكم, قائد الحرس, الحكيم

-يجب أن يخرج الفلاحين ليزرعوا أرضنا, ينبغي لنا أن نأكل.

-حسناً قلت يا سيدي الحكيم, يا قائد الحراس, اخرج الفلاحين إلى العمل.

-أوامرك يا سيدي الحاكم.

-ما آخر أخبار الصناع يا سيدي الحكيم؟

-لم يصنعوا أي سلعة أو خدمة جديدة لأي مدينة مجاورة. في الواقع لم يتحركوا من مكمنهم قط.

-لماذا؟

-لا ندري يا سيدي الحاكم. في الحقيقة لقد كنت نائماً لفترة طويلة, وقد تحينت فرصة استيقاظكم لأنبهك بأننا نتضور جوعاً دون زراعة.

-ودون صناعة أيضاً. الأمر لا يحتمل.

 

المشهد الثاني

الشخصيات: قائد الجيش, قائد المشاة, قائد راكبي الخيل, قائد رماة الأسهم

-يا سيدي قائد الجيش, المدينة على مرمى البصر أمامنا تحت سفح ذلك الجبل الواقفون عليه. إنها المدينة الوحيدة المتاحة أمامنا للغزو, وهي تبدو سهلة الاقتحام.

-وليكن يا قائد لواء المشاة, سنغزوها, لا تنسى أن جواسيسنا بالداخل أخبرونا أنها في متناول اليد الكليلة, كما أننا نتحرك بإذن من مؤرخها العجوز.

-لماذا التمهل إذن؟ هيا فلنفعلها.

-قائد راكبي الخيل, قائد رماة الأسهم, قائد المشاة, لا أريد رحمة. سنلتف حول المدينة, سيغزو المشاة المدينة, ويسجن كل قاطنيها في السجون, في الوقت الذي سيتأهب فيه راكبو الخيل لقمع أي نهضة محتملة من المقاومة, على حين سيفرض رماة الأسهم حصاراً على شكل جدار ناري من الأسهم الملتهبة لصرع كل من تخول له نفسه الهرب من المشاة وراكبي الخيل.

-فلنفعلها يا سيدي, المدينة لنا.

 

المشهد الثالث

الشخصيات: الحاكم, قائد الحرس, الحكيم, الناصح, المؤرخ, المهرج, الساقي

-لقد خدعنا يا سيدي الحاكم.

-ماذا هنالك يا قائد الحرس؟

-لقد احتللنا.

-ومن الذي فعلها؟

-إنه جيشنا يا سيدي.

-ماذا؟!

-نعم, إنه هو. لقد أتى اليوم الذي وقف فيه قائد الجيش في وجهي.

-إنها خيانة. إنقلاب. لكن كيف حدث هذا؟! إن قائد الجيش بمثابة أخيك, لقد ولدتما في نفس المكان وفي نفس الوقت, وطوال عمركما لم تفترقا.

-لم يبد أنه يعرفني يا سيدي, في الواقع لا يبدو أنه يعرف ماذا يفعل.

-ما الذي حدث إذن؟!

-إنه مؤرخنا, أقدم شيخ في مدينتنا, هو صاحب فكرة الإنقلاب.

-ادع مجلس المدينة إذن, اجمع الجميع.

-سيدي, الجميع مشغول, المدينة تتراوح بين مسجون وسجان.

-أيها الساقي, آتني بكأس من خمر.

-سيدي الحاكم لو تسمح.

-ماذا هنالك يا قائد الحرس؟

-هروبك لشرب الخمر لن يزيد الأمر سوى سوءاً, سيعتاد المسجونون في مملكتك السجن, وسيعتاد السجانون الحراسة, وستزداد صعوبة إحلال السلام في المدينة, بغياب عقلها الواعي.

-غلبتني يا إرادتي الحسنة, يا قائد الحرس, حسناً استدع مؤرخنا, ذاك الذي خط تاريخنا دون فهم, بالكثير من الأمانة, حصيلة إدراكنا الباطني.

-سمعاً وطاعة يا سيدي.

-الآن وقد ذهب قائد الحرس. أيها المهرج, تعال قدم لنا فقرة مسلية.

-أوامر مولاي الحاكم.

(صوت جلبة, صوت موسيقى, صوت ضحكات)

-أنت بديع جداً أيها المهرج.

-سيدي الحاكم لقد وصل المؤرخ, لقد أحضرته كما أمرت.

-اجلسه في مكان ما, ريثما تنتهي تلك الفقرة.

-سمعاً وطاعة يا سيدي.

-لو سمح لي سيدي بالتكلم.

-ماذا تريد أيها الحكيم.

-لقد أعقت حركة قائد الحرس جوارك, وكتفت المؤرخ, وحالة المدينة ليست على ما يرام, وأنت تجلس وتلهو. أنا لست ضد اللهو, إلا أن الظروف الحالية لا تشجع على هذا الأمر, ولو أراد سيدي رأيي, فأنت تهرب من مواجهة الإنقلاب بهذه الطريقة.

-وأنت أيها الناصح ماذا ترى؟

-رأيي لا يختلف عن رأي الحكيم, أولويات الحكم وضرورة الوجود بصحة تحتم عليك أن تفكر في المصلحة أولاً.

-صحيح يا صوت ضميري الناصح, سأستمع إليك أنت وعقلي الحكيم, انصرف أيها المهرج الآن.

-أحسنت صنعاً يا سيدي الحاكم.

-والآن أيها المؤرخ, لماذا خنتنا وفعلت ما اقترفت؟!

-لم أفعل سوى ما أملاه عليّ تاريخ أمتنا, لا تلمني, ليس لي عقل, لماذا لم تتدخل أنت في سجلي وتعدل من المكتوب, أو تضيف عليه أفكاراً وبنوداً ومواداً تلغي آثاره أو تعادلها على الأقل.

-هل يمكنك أن تصرف قائد الجيش؟

-يمكنني, ولكن ليس وحدي.

-ومن تريده معك؟

-أنت.

-وليكن أنا معك.

-في البداية سنحتاج لكل مساعدة ممكنة من رجالنا الأمناء الحكيم والناصح وقائد الحرس, وكل من يستطيه تقديم يد العون, بعدها سنطلب مساعدات خارجية من معاونين أجانب؛ لأننا وحدنا فشلنا, ولو حاولنا الإصلاح بنفس طريقتنا التي فشلت من قبل لن يؤدي الأمر إلا للمزيد من الفشل.

-اعتبر ما تطلبه حدث.

-حسناً, هيا بنا نغوص في مادتي المكتوبة على مر عمر المدينة, عسانا نكتشف الأمر الذي أدى لتكتيفنا مدينتنا بأيدينا, ولنعكس الإشارة.

 

المشهد الرابع

الشخصيات: قائد الجيش, قائد المشاة

-ما هذا؟ ماذا نفعل؟!

-إننا نحاصر مدينة يا قائد الجيش.

-لكنها مدينتنا تلك التي نحاصرها!

-إنها أوامرك التي ننفذها!

-وأوامري أخذتها من قادتي. يا له من أمر محير! لقد كنا نحارب أنفسنا طيلة الوقت!

-لا تلم نفسك يا سيدي. إنها الأوامر.

-ماذا لو كانت الأوامر خاطئة؟ يا للعنة! لقد ظننت أنني على صواب طيلة الوقت, في الوقت الذي كنت أحارب فيه إخوتي وأصدقائي ونفسي.

-ماذا الآن؟!

-اسحبوا كل القوات, ودعوا الفلاحين يزرعون للمدينة, والعمال يعملون للمدن المجاورة, ودعو الحياة تتدفق من جديد في المدينة, لنصير حقاً مثمرين.

-سمعاً وطاعة يا سيدي.

 

 

عماد ميشيل

6 يونيه 2010