حصر المسيح في الكنائس

الأب أنتوني م. كونياريس ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

"لقد أخفق الصليب، و تحول العالم إلى طريقة أكثر دهاء للتخلص من يسوع حتى و لو ظهر أنه يعبده. لقد وضعه على مذبحٍ عالٍ بأشكال كثيرة الثمن و بزينته الفاخرة، ثم عمل له سياجاً هناك. لقد قال العالم له : " امكث هناك، هذا هو المكان المناسب لك. امكث هناك. و عندما يأتي يوم الأحد فسوف نعبدك".

و طول الوقت و يسوع لا يكف عن التوسل:" لا تحبسوني في الداخل أنزلوني عن صلبانكم، أطلقوني من داخل مذابحكم، أخرجوني من الجدران الأربعة لكنائسكم ، أدخلوني في أذهانكم و قلوبكم، أدخلوني إلى منازلكم، أدخلوني إلى جماعاتكم و إلى مجامع مديريكم، إنني أريد أن أعود إلى حيثما بدأت أولاً، أمشي في شوارع الناس العامة ، و أتكلم معهم كيف يعيشون معاً".

توجد طرق متعددة مهذبة ل "حبس" المسيح في الداخل. أحياناً نعملها أثناء طقوس خدمة الكنيسة، فتصبح الخدمة قوقعة تنسحب الكنيسة إليها فاقدة كل اتصال بالعالم، نحن نجد المسيح في خدمة طقس الكنيسة و نتركه هناك، نحن لا نأخذه خارجاً معنا إلى العالم. نحن نتمم شريعة المسيح في الكنيسة ، و ما أن نتركها حتى نعود فنتبع قانوننا الخاص. هذا و كأننا نعيش في عالمين مختلفين، كما لو كنا شخصيات مقسمة، نكون نوعاً ما من الشخصية في الكنيسة، و نوعاً آخر من الشخصية خارج الكنيسة، كالعبرانيين القدامى الذين أدانهم النبي عاموس . لقد كانوا ينتظرون بتلهف لينتهي السبت حتى يمكنهم أن يعودوا ثانية إلى غشهم. اسمعه يقول : † " اسمعوا هذا أيها المتهممون (أي الدائسون على) المساكين. قائلين: متى ينقضى السبت، لنعوج موازين الغش، و نبيع نفاية القمح؟" (عا 8 : 4 -6 ).

لقد صرح "نيتشه Nietzche" و أعلن في عام " 1882م" أن الله ميت. هل من دليل؟ فقال : انظر إلى الكنائس ، إنها مقابر الله. يقول يسوع: "إنزلوني من على صلبانكم، أخرجوني خارج أربع حوائط كنائسكم، أخرجوني من أيقوناتكم، أدخلوني إلى عقولكم و قلوبكم".

من المعتاد في بعض مناطق أمريكا الجنوبية أن تجد بعض الهنود و هم يقومون بأسفار طويلة بعيدة عن منازلهم، أن يتوقفوا عند إحدى الكاتدرائيات أو الأضرحة و يتطلعون داخل الكنيسة، و هم يقولون بحزن و نحيب " إيدوس كريستوس! إيدوس كريستوس Adios Christoos ! Adios Christoos " و هم يعنون بذلك: "وداعاً أيها المسيح" إنهم يتركونه الآن داخل الكنيسة، أما يفعل كثر من المسيحيين اليوم كذلك؟ و إلا فبماذا نفسر الهوة الكبيرة بين ما نعلنه و نمارسه في الكنيسة و ما نفعله في المنزل أو الأسواق؟ أن يسوع في التجلي لم يلتفت إلى رجاء بطرس ليظلوا مستمرين في الصلاة على الجبل، و لكنه نزل إلى أسفل الوادي ليكمل شفاء المرضى. إن الغرض من ارتفاعنا من خلال الصلاة و العبادة هو أن نتجلى مع المسيح، ثم ننزل إلى وادي الحياة لنجليه بنعمة المسيح و محبته. يوجد جمال رائع في العبادة، يوجد إبداع في صلواتنا و طقوسنا، يوجد تقليد وكرامة عظيمة في ملابسنا الكهنوتية ، و الأيقونات ، و البخور ، لكن لا الملابس و لا الطقس و لا القداسات و لا الألحان ولا الترانيم و لا الأيقونات و لا البخور تشكل بديلاً لتكريس قلوبنا و تقديس حياتنا. إن لم يملك المسيح على القلب، و إن أخفقت العبادة في أن تؤثر في جميع مناحي حياتنا اليومية فالكل يكون بمثابة إيماءة أو حركة فارغة.

أليس هو الذي قال: "ليس كل من يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات" (متى 7 : 21) . إنها أكذوبة أن نعبد الرب بشفاهنا و ليس بحياتنا. إنها مراءاة، و لم يدن المسيح خطية أكثر من الرياء.

يقول يسوع: "إذا ذهبت إلي الكنيسة و تذكرت هناك فجأة أن لأخيك شيئاً عليك، فاترك الكنيسة في الحال و اذهب أولاً اصطلح مع أخيك، و حينئذ تعال إلى الكنيسة و قدم قربانك أمام المذبح" (مت 5 : 23 – 24 ). خذ المسيح معك و أنت خارج من الكنيسة خلال كل علاقاتك اليومية مع الناس. دعه يصالحك مع أخيك. هذه هي العبادة الحقيقية. إن ما هو أقل من ذلك يعتبر مضحكة و تقليد سافر.

ما هي الديانة؟ يقول القديس يعقوب أخي الرب: "الديانة الطاهرة النقية عند الآب هي هذه: افتقاد اليتامى و الأرامل في ضيقتهم.." (يع 1 : 27) . العبادة التي تبدأ أو تنتهي داخل الكنيسة، العبادة التي "تسيج" المسيح في الكنيسة، و العبادة التي لا تجد تعبيراً لها في أعمال المحبة كافتقاد اليتامى و الأرامل في ضيقتهم، مثل هذه العبادة تكون أكذوبة

يقول اللاهوتي ثيئودور باركر Theodore Parker "الاختبار الحقيقي للتدين هو الحياة. و إذا كنت تريدني أن أعرف من تعبد، دعني أراك في متجرك، في مصنعك، دعني أسمع – عرضاً - مديحاً عنك في عملك، دعني أعرف كيف تؤجر منازلك، كيف تحصل على أموالك، و كيف تحتفظ وتتصرف فيها.. إن الامتحان السرائري لتدينك ليست هي كلمات يسوع التي تكررها، و لكنها هي حياتك اليومية، أعمالك و ليست أقوالك."

الله معنا خارج الكنيسة تماماً كما هو معنا داخلها، نحن نمارس الديانة ليس فقط بما نفعله داخل الكنيسة و لكن أيضاً بما نفعله خارجها؛ كيف نتكلم، بأي طريقة نكسب أموالنا، كيف نعامل زوجاتنا، أزواجنا، أولادنا، و من يعملون تحت إمرتنا. نحن نتقابل مع المسيح في الكنيسة، و لكننا معه أيضاً خارجها، في كل إنسان، في أقل واحد من أخوتنا الأصاغر: المريض، المسجون، العريان، الجائع، المُهمل، المهجور المدوس تحت الأقدام. نحن نذهب إلى الكنيسة لنتناول المسيح في سر الإفخارستيا المقدس، و لكننا نتناوله لكي نأخذه أيضاً خارج الكنيسة إلي العالم، لكي نجدد تشكيل العالم بحسب مبادئ المسيح.

في أحد الآحاد تقابل فرد أتى متأخراً إلى الكنيسة مع شخص آخر يغادرها و سأله: هل انتهت الخدمة؟

فسمع الإجابة التالية: "بحسب ما تعلمناه من كاهننا فإن الخدمة تبدأ عندما نغادر الكنيسة..."

بقلم: الأب أنتوني م. كونياريس

كاهن كنيسة القديسة مريم للروم الأرثوذكس في منيابوليس