الدين والتبعية

رولو ماي ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

(ملحوظة للمتصفح: هذه الفكرة طويلة بعض الشيء، ونظراً لأهميتها لم نستطع اختصار أي جزء منها. يمكنك نسخها ولصقها بملف خاص على جهازك لقراءتها في وقت لاحق)

 


"هل يزيد الدين من التبعية ويجمد الإنسان في المرحلة الطفلية؟"
"هل يجلب الدين الصحة النفسية؟"

بالتأكيد بعض أنواع التدين تؤدي لهذا، والبعض الآخر لذاك. كل هذه العبارات الفضفاضة ترفع عنا عبء السؤال الحقيقي الصعب ألا وهو اختراق المعنى الداخلي للسلوكيات الدينية وتقييمها ليس على أساس كونها معتقدات نظرية ولكن بوصفها جوانب وظيفية فعالة من جوانب علاقة الإنسان العضوية بحياته. ومن ثم نحن نقترح الأسئلة التالية: هل يعمل تدين شخص معين على كسر إرادته والجمود عند مرحلة طفولية من النمو ويمنع عنه القلق الناجم عن الحرية والمسئولية الفردية؟ أم يعمل التدين كقاعدة للقبول الشجاع لمحدودية المرء وقلقه السوي ويساعده على تنمية قدراته وطاقاته ومسئوليته وقدرته على الحب؟ وأول أطروحة لابد من معالجتها عند الإجابة على هذه الأسئلة هي العلاقة بين الدين والتبعية (أقصد التبعية المرضية، أي حالة عدم استطاعة الكائن الحياة دون التعلق بكائن آخر).
اتفقت أم وابنتها، علماً بأن الابنة كانت صغيرة، على أن حياة الابنة ستتوجه دائماً من خلال إرادة الله. واتفقا أيضاً على أن إرادة الرب سوف تتكشف للابنة عن طريق صلوات الأم. لابد وأن يرتجف المرء فزعاً من مدى التبعية الذي ستصل إليه هذه الابنة حيث ستنفتح على خضوع تام للأم في كل فعل وفكر ورأي. ماذا يمكن أن يحدث لقدرة الابنة على الاختيار إلا أن تتجمد، وهو الأمر الذي تكتشفه الابنة بألم ومعاناة عندما تقع في مشكلة كبرى لا حل لها حين تصل إلى نهاية العشرينات وتجد أنه ليس بوسعها اتخاذ قرار الزواج في استقلال. قد يبدو هذا المثال متطرفاً حيث أن الأم والابنة تنتميان إلى كنيسة رسولية محافظة لا يتمتع نمطها بالأسباب المنطقية المحكمة، إلا أن المثال يشرح لنا أنه عندما يرى المرء نفسه كمتحدث رسمي وشريك للرب كما فعلت الأم فليس ثمة حدود لإمكانيات إخضاع الآخرين والسيطرة عليهم.

يظهر هذا النوع من التدين عادة بوضوح وجلاء عندما نجد شخص ما أثناء العملية العلاجية يكافح لإقرار بعض الحرية والهرب من السيطرة الأبوية. وعادة عندئذ يحاول الأبوان بدرجات مختلفة من العمق أن يقيما حجتهما الرئيسية على أساس أنه من الواجبات الدينية للشاب أن يظل تحت مظلة قيادة الوالدين، فهذه هي "مشيئة الرب" أن يظل تحت حكم الأبوين. وعادة يتلقى الشاب في هذه المرحلة من المشورة رسائل من والديه يقتبسا فيها أجزاء من العهد القديم مثل "اكرم أباك وأمك" بدلاً من تعاليم المسيح الموجودة في العهد الجديد مثل "وأعداء الإنسان هم أهل بيته" (مت 10: 34 – 39).
وبالطبع سيصر الأباء، أو معظمهم على الأقل، ولو لفظياً على أن كل ما يريدونه هو أن يحقق الابن إمكانياته وقدراته. وهم عادة لا يدركون حاجاتهم اللاشعورية للتعلق بالشخص الأصغر. لكن واقع أنهم يتصرفون عادة كما لو أن تحقق الأبناء لن يتم إلا عبر بقائهم تحت السيطرة يكشف عن شيئاً مختلف تماماً عن ما يعلنوه شعورياً. إن تحرر الأبناء عادة ما يحرك قلقاً عميقاً في الوالد، وهو قلق يكشف مدى الصعوبة في أن يصدق الآباء في مجتمعنا في الإمكانيات الداخلية المتاحة للطفل (ربما لأنه من العسير حقاً عليهم أن يؤمنوا بإمكانياتهم هم أنفسهم)، ويظهر لنا أيضاً مدى النزعة الموجودة في كل سلطة قائمة بأن تحافظ على سلطتها حتى ولو بثمن إخضاع الآخر. وتتعقد الصراعات لأن الشخص الشاب الذي يصارع من أجل التحرر والاستقلال يحمل بداخله إحساساً عميقاً بالدينونة إن لم يطع والديه وينصاع لأوامرهم. وهو عادة ما يكون في هذه اللحظة في حالة صراع شديد مع أحاسيس الذنب والقلق الناجمين عن رغبته في التحرر وعن جهوده في هذا السبيل. وعاده ما يحلم الناس في هذه المرحلة أحلاماً تظهرهم مذنبين وغير مذنبين في آن واحد.
بالطبع تزداد مشكلة أن يخضع المرء لسلطة الآخر تعقداَ من واقع انه يحمل داخله رغبات طفلية تنزع إلى أن تجعله يكبت الرغبة في أن يعتني به أحدهم .ومن ثم فثمة نزعات داخل المرء نحو تسليم ذات المرء للشخص المتحكم. ولذلك فإن الأشخاص ذوى الخلفية المتدينة بالذات هم معرضون لأن يتملكهم سلوكاً نفسياً محدداً وهو ما أطلق عليه اسم "الحق الإلهي في أن يُعتنى بهم". وهذا السلوك هو أحد أكبر معوقات نمو هؤلاء الناس ونضجهم، وهو، علاجياً يمنع تطورهم تماماً كما أيضاً في باقي جوانب الحياة. ومن الصعب بصفة عامه على هؤلاء البشر أن يروا أن طلبهم من الآخرين الاعتناء بهم هو مشكلة لابد من أن تحلل ويتم تجاوزها، وعاده ما يكون رد فعلهم جد عدائي ويحسون بالغدر أو الخيانة عندما لا يحصلون على ما هو "حق" لهم. بالطبع ثمة من أخبرهم "أن الرب سيعتني بك" منذ باكورة أيام نشأتهم عندما كانوا يرتلون في مدارس الأحد، وأيضا لابد وأنهم رأوا العديد من الأفلام التي تعالج هذه الأطروحة بشكل سوقي فج. لكن على مستوى أعمق فأن الرغبة أو الطلب بأن يُعتنى بهم هي معامل لشيء أعمق بكثير. وأعتقد أنها تستمد ديناميتها من حقيقة أن هؤلاء الناس قد أجبروا على التخلي عن الكثير. لقد كان عليهم أن يتخلوا عن حقهم في اتخاذ أحكام أخلاقية خاصة وتركوا هذا لآبائهم، وبالطبع فإن الجزء الآخر من هذا العقد غير المكتوب هو أنه من حقهم الاعتماد على سلطة ورؤية الآباء تماما كما يعتمد العبد على سيده. ومن ثم فقد غُدِرَ بهم إذا لم يعتني بهم الأب عناية خاصة، والأكثر احتمالا إن لم يعتني بهم من يحل محل الأب مثل المعالج أو الرب حتى.
لقد تعلموا أن السعادة والنجاح سيتلوان كونهم أشخاص جيدين أي، حسب تفسيرهم، "أن يكونوا مطيعين". لكن أن يكونوا فقط مطيعين، كما أوضحنا من قبل، هذا يمنع تطور الإدراك الأخلاقي للإنسان ويحجم قوته الداخلية. عندما يخضع المرء للمتطلبات الخارجية طوال أمد طويل من الوقت فإنه يفقد قواه الحقيقية الكامنة في اختياره الأخلاقي المسئول. والغريب عندئذ أن قدرة هؤلاء الناس على تحقيق الخير والاستمتاع بالحياة، وهما الأمران اللذان يحدثان مع الاختيار، تقل. وحيث أن السعادة ليست ثمناً للفضيلة، كما لاحظ سبينوزا، بل أنها الفضيلة ذاتها فإن الشخص الذي يتخلى عن استقلاله الأخلاقي يتخلى في نفس اللحظة عن قدرته على الحصول على السعادة والوصول إلى الفضيلة، ولا غرو عندئذ بأنه يحس بالاستياء والاحتقار. ويمكننا أن نرى بوضوح أكبر ما الذي تخلى عنه هؤلاء الناس حين نلقى نظرة على نظام تفكير مثل "أخلاقيات الطاعة" والتوكيد على "أن المرء يكون طيباً طالما خضع واستسلم لمن هم أقوى وأحكم"، وكيف قد تمركز مثل هذا النظام للتفكير بقوة في ثقافتنا المعاصرة.
وعادة يجلب الإيمان "بالحق الإلهي في أن يُعتنى بالمرء" معه الإحساس بأن من حق الإنسان أن يتسلط على الآخرين أيضاً. بمعنى أنه لو آمن المرء بأن على الناس أن تخضع لقوة الآخرين لن يقوم فقط بتسليم نفسه للأقوى بغرض أن يعتني الأخير به، لكنه سيشعر أيضا أن واجبه أن يعتني بدوره بشخص ما أقل منه وأضعف، أي يمارس التسلط على هذا الشخص. وتظهر هذه النزعة في شكلها الأكثر سادية في عبارة قالها رجل عندما سئل عن تسلطه على آخر أصغر منه لدرجة أنه كان يستولي على مرتبه الأسبوعي ويعطيه مصروفاً أسبوعياً "ألست أنا من يحافظ على أخيه ويعتني به؟!" لن نحاول هنا أن نفسر أسباب حقيقة أن النزعات التسلطية ونزعات الخضوع يسيران معاً جنباً إلى جنب وأن الماسوخية ما هي إلا الوجه الآخر للعملة في السادية. لقد ناقش أريك فروم الفيلسوف والمحلل النفسي الكبير هذه النقاط في روعة وجلاء في عمله الكلاسيكي الهام الهروب من الحرية (مترجم في العربية). كل ما نريده هنا هو أن نشير إلى أن الشخص الذي يطلب أن يرعاه الآخرين يحاول بطرق عميقة مخاتلة أن يتسلط على الآخرين أيضا في نفس الوقت. وقد فسر لنا جوته هذه الحقيقة النفسية كما يلي : "...لأن كل عاجز ضعيف غير قادر على حكم ذاته ونفسه لا يملك إلا أن يحاول في غرور أن يحكم إرادة جاره حتى لو عجز عقله المتغطرس."

أيضاً من النزعات الأخرى التي تتغذى علي الاعتماد الديني هي إحساس المرء بالقيمة والمكانة والسلطة عبر تعيين ذاته في شخص آخر (التقمص). وعادة يحدث هذا التعيين مع شكل مثالي محبوب لقس أو كاهن أو بطرك أو أي كائن كان أعلى درجة في النظام الهرمي للكنيسة. ومرة أخرى هذه النزعة لا تقتصر على الدين فقط وإنما نجدها في عالم المال والأعمال والسياسة وغيرها من جوانب الحياة في المجتمع. وهي ظاهرة معتادة في العلاج النفسي تـُدعى الطرح وتكشف عن نفسها بطرق عديدة من بينها حاجة المريض لتكبير وتعظيم المعالج والحصول على مكانة من واقع أن المعالج شخص معروف. لكن في العلاج تعتبر هذه مشكلة سيتم تجاوزها والعمل من خلالها حين يبدأ الفرد في رؤية المعالج بشخصه الحقيقي ويحصل على أحاسيسه بالمكانة والتقدير من أنشطته وليس من المعالج. ولكن يبدو أن هذه النزعة في العمل الديني ترتكز على مستوى أعمق من المستوى الذي تتواجد فيه في غيره من مناحي الحياة الاجتماعية.
ثمة شي عام في الاستخدام العصابي (المرضي) للدين: فهي وسائل يتجنب عبرها المرء مواجهة قلقه وعزلته ووحدته. يتحول الرب عندئذ إلى البابا الكوني كما قال الشاعر الكبير أودن. وما الدين في هذا الشكل إلا تبرير منطقي لتغطية إدراك أن البشر في أعماق أنفسهم أنهم في وحدة ولا مفر للفرد من اتخاذ قراراته بمفرده وبنفسه، وهو إدراك لعمري يحتوى علي قدر مهول من الرعب لمن يأخذه بجدية. كما قالت أدنا سان فنسنت ميلاي في عملها "سطور من محادثة في منتصف الليل": إنه الرعب الخالص من الوحدة الذي يدفع الإنسان ليخاطب الفراغ قائلاً "أنت".
لكن لو صارت الحاجة للهرب من الرعب والوحدة هي الدافع الرئيسي للتحول إلي الرب لن ينفع الإنسان تدينه ولن يجعله هذا التدين ينضج ويقوى بل سيحرمه من الأمان المنشود على المدى البعيد وقد أكد بول تيليك، وهو يكتب من منطلق ديني أن اليأس والقلق لا يمكن أن يعالجا ويتم التعامل معهما بنجاح طالما لم يواجههما المرء في صراحة ويراهما كواقع واضح تماماً. وهذه حقيقة نفسية لا مراء في ذلك. فالنضج ومن ثم التغلب علي الوحدة يمكنا فقط عندما يقبل المرء في شجاعة وحدته أولاً. وعادة ما أرى أن سبب قدرة فرويد على العمل بشجاعة لا مثيل لها وإصرار شديد طوال الأعوام الأربعين الأخيرة في حياته هو أنه انتصر في معركة القدرة على النمو والعمل بمفرده في تلك الأعوام العشرة الأولى التي علمها بمفرده عندما أنفصل عن بروير واستمر في استكشاف منهج التحليل النفسي دون رفيق ودون شريك ودون مساعد. ويبدو لي أيضا أن تلك هي المعركة التي انتصرت فيها الشخصيات الأخلاقية المبدعة العظمي كيسوع المسيح في البرية، وأن المعني الحقيقي للإغواء الذي تصارع معه يسوع ليس في الرغبة في الخبز والسلطة ولكن في الإغواء الذي وصفته كلمات الشيطان في القصة "أن يلقي نفسه من أعلى الجبل ليثبت أن الرب يحميه". ستحملك الملائكة لأنها مأمورة وستطير بك وتضعك في رفق لئلا تصدم بحجر قدميك. عندما يستطيع المرء أن يقول "لا" للحاجة إلى أن "يُحمل"، أي بمعني آخر عندما يكون المرء قادراً علي عدم المطالبة بأن يُعتنى به عندما تكون لديه الشجاعة الكافية كي يقف بمفرده، عندئذ تكون لدية القدرة علي الكلام من موقع قوة وبسلطان. ألا يعني رفض سبينوزا للهرب من الحرمان من قبل كنيسته والعزل في مجتمعه المحلي، أنه أنتصر في نفس المعركة الداخلية من أجل التكامل وفاز في الصراع من أجل القدرة علي عدم الخوف من الوحدة وهو الأمر الذي بدونه لم نكن لنحظى بالعمل الخالد "الأخلاق؟". ومهما كانت أفكاره في تلك اللحظات فإن سبينوزا يعطيني أعلاناً قوياً يطيح بكل أفكار التبعية في الدين كما تطيح الرياح النظيفة الطازجة بقذارة المستنقعات المريضة "أن من يحب الرب حقاً لا يجب أن يتوقع حباً في المقابل".
بهذه العبارة القوية التي تحطم الترهات والأصنام والتي ينطق بها الإنسان الشجاع – هذا الإنسان الذي يعرف أن الفضيلة هي السعادة وليست مجرد طريق يؤدى إليها، وان حب الرب هو الجائزة التي نسعى إليها وأن الإنسان يحب الجمال والحق لأنهما الخير وكل شي طيب، وليس لأنهما سيعودان على من يحبهما سواء كان فناناً أم عالماً أم فيلسوفاً في شكل مادي. بالطبع لا يعني سبينوزا علي الإطلاق الاتجاه السلوكي الاستشهادي الماسوخى المضحي الذي قد نخطي ونفهم الجملة من خلاله. إنه بالأحرى يطرح في شكل واضح صريح السمة الأساسية للشخص الموضوعي الناضج المبدع (أو بكلماته المبدع السعيد الموهوب)، وهي بالتحديد القدرة علي حب الشيء في ذاته ولذاته وليس لأجل أن يُعتني بمن يحب أو لأجل كسب إحساس أعرج بالسلطة أو المكانة.
بالتأكيد يمكن مواجهة العزلة والحصر بشكل بناء. وبالرغم من أن هذا أمر يصعب حدوثه عبر "العناية الإلهية" للأب الكوني، فمن الممكن تحقيقه عبر أن يواجه الفرد مواجهة مباشرة كل أزمات النمو التي تحدث له ليتحرك من التبعية إلى الحرية الأعظم والتكامل الأكبر عبر تطوير واستخدام قدراته والتعامل مع رفاقه عبر العمل المبدع والحب.
وهذا لا يعني إطلاقا عدم وجود السلطة سواء في الدين أو أي مجال آخر. أنه يعني أن علينا أولاً أن نسأل السؤال الصحيح حول السلطة بأن نقلب التساؤل رأساً علي عقب فنطرحه كسؤال عن المسؤولية الشخصية. فالتسلطية (وهي الشكل العصابي للسلطة) تنمو بشكل طردي مع درجة محاولة الفرد لتجنب المسئولية من خلال مواجهته للمشاكل بنفسه. علي سبيل المثال في العلاج النفسي سنجد أن المريض يحاول تحديداً أن يجعل من المعالج سلطة في اللحظات التي يواجه فيها قلقاً جد شديداً وغلاب بشكل خاص. وتعطينا حقيقة أنه يحاول في هذه اللحظات أن يعين (يوحد) المعالج في الأبوين أو الرب دليلاً آخر علي حجتنا السالفة: أي أنه يحاول أن يبحث عن شخص يسلم نفسه إليه كي يعتني به. ولحسن الحظ فمن اليسير توضيح أن المعالج ليس الرب، وهو يوم جد سعيد في علاج هذا المريض الذي يكتشف هذه الواقعة ولا يرتعب. ومن ثم فمن الأفضل إلا يحاول المرء أن يجادل مع نفسه حول فضائل وحسنات السلطات في أشكالها المتنوعة فالأجدى بالنسبة للمرء أن يواجه نفسه في نقد ذاتي صريح بالسؤال "ما هو القلق الذي يرعبني الآن ويجعلني أود الهرب سريعا على أجنحة سلطة ما، وما هي المشكلة الخاصة بي التي أحاول الهروب منها؟"

ختام هذا النقاش هو أن الدين إيجابي بناء طالما يدعم إحساس المرء بكرامته وقيمته ويعاونه علي الثقة في قدرته على توكيد القيم في الحياة ويساعده علي استخدام وتطوير إدراكه الأخلاقي وحريته ومسئوليته الشخصية. ومن ثم لا يمكن لنا أن نسمي الإيمان الديني أو الممارسات الدينة كالصلاة مثلاً أمر طيب في ذاته أو شيء سيئ . فالسؤال الصحيح هو ما مدى الهروبية التي يمثلها الإيمان أو تمثلها الممارسة بالنسبة للشخص المحدد؟ الهروبية من حريته، وهل هما سبيل للتقليل من شخصيته؟ أو هل هما طريق لتدعيمه في ممارسة مسئوليته وسلطته الأخلاقية؟ إن الشخص الذي مدحه المسيح في موعظته التي أخذت شكل أقصوصة في إنجيل متي، ليس هو الشخص الذي خاف ودفن موهبته لكنه الشخص الذي استخدم مواهبه في شجاعة، وهؤلاء الأشخاص المؤمنون الطيبون هم الذين يحصلون علي مزيد من القوة.

رولو ماي
من كتاب: "بحث الإنسان عن نفسه"