القاعة

عماد ميشيل ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

القاعة

 

 

ثمة بقعة من البنزين تفترش الأرض، ثمة أكوام من الفحم تنتشر في مختلف أرجاء المكان، ثمة شموع كثيرة مشتعلة في الأواني، ثمة مشاعل تعلوها ألسنة من لهب في المحاجر، وأنا وحدي في قلب القاعة كثيرة النوافذ، ذات المدخل الواحد والمخرج الواحد. المدخل الوحيد والمتمثل في الدرج الذي صعدته مغلق، والمخرج الوحيد والمتمثل في الدرج الذي سأصعده في القريب مغلق هو الآخر، إذ لم يحن وقت الصعود بعد. وهبت الرياح من نافذة ما، وأشعلت الشموع والمشاعل البنزين والفحم، وجرت النار في محتويات القاعة، وزحفت نحو مركزها حيث أقبع في إصرار وتصميم، وبدا الموت وشيكاً..

ونظرت حولي في القاعات المجاورة التي تعاني من المصير نفسه. هناك من تمدد على فراش الراحة متناولاً عقاقير مخدرة، وقد سكن نفسه عن آلام النار، وغيب عقله عن وجع الإحساس، وهناك من آثر التألم واستعذاب الألم والبقاء إلى وقت يحين أجله في حالة متزايدة من الحروق والآلام والتآكل، وقد تساقط جلده طبقة بعد طبقة، وها عظمه يشتعل بضراوة، وهناك من سرح بعقله وهام بخياله في عوالم أخرى موازية ليس فيها يواجه خطر الحرق في قاعة، بل يرقص في حديقة غناء وسط الطيور..

وسمعت همساً يقول: جهنم الحقيقية هي تلك التي يترك فيها المرء داخل ذاته متمركز حولها.

وصرخت وقد فهمت، وركضت عبر النيران وفي قلب ألسنة اللهب وقرقعة الخشب المتآكل تحت كعب حذائي تثير مع تموج الرؤية أمام عيني مع رائحة اشتعال كل ما ملكته يوماً في قلبي رهبة وتوجس. وأخيراً وصلت للنافذة، بالخارج يد الله تنتظرني لتحتويني وتمنحني أماناً لا يوصف. إنها السعادة الحقيقية.. لطالما أدركت هذا، لكني لم أسلم لله حقاً يوماً ما، لتمسكي بمقتنى من حولي، لخوفي من القفز والتسليم ليده القديرة، لتشبثي بالكيان، لتخوفي من التغيير. لكني الآن وقد جزت في عمق الألم، وأدركت مدى خراب ذاك الكيان، ومدى حماقة أن أعيش لذاتي، لم أعد أخاف شيئاً، وقد صار أمامي خياران الموت حرقاً أم الإيمان بيد الله، حيث لم يكن استعذاب الألم وتناول المسكنات وأحلام اليقظة والزيف من الخيارات المقبولة لي.

ونفخت في النيران لأزيدها اشتعالاً وقد أدركت قوتها وفائدتها. وكسرت الزجاج وقفزت. وتلقفتني يد الله وما عاد الوصف ممكناً.

 

عماد ميشيل

26 يوليو 2010