الحرب

عماد ميشيل ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

الحرب

(عن الحماية الذاتية ونضوج الوجود كشخص حر طبيعي)

 

-قاتلني.

-حسناً أردتِ أيتها السلحفاة, لكني أخبركِ أنه لا قبل لكِ بي.

-ماذا؟! هاه!! أنت تمزح. لا يمكنك مهما فعلت اختراق صدفتي القوية التي أختفي تحتها. لا يمكنك حتى أن ترى رأسي وأطرافي. كل ما تراه هو صدفة غير قابلة للكسر.

-لكنكِ عاجزة لا تتحركين, لا تشعرين بالهواء, لا تواجهين الحياة.

-أعيش أكثر منك يا كثير الحركة.

-حياة غير جديرة بأن تعاش.

-أنت تغار.

-أنا أشفق عليكِ.

-لا تشفق عليّ. أنظر على مدى بصرك, ها هو جيش العدو يقترب. لست بحاجة الآن لقتلك. سأقضي عليك دون أن أبذل أي جهد. بمجرد الانتظار.

-اخرجي, واجهي, قاتلي.

-أقاتل من؟ الأسهم ستنهمر على رأسك الآن لتحيلك مصفاة, في حين أنها لن تخدش صدفتي.

وهوت الأسهم على رأسينا, وارتدت عن صدفة السلحفاة في عنف, في حين نظرت أنا للسماء ودعوت الإله وناورت الأسهم, فقفزت وركضت وانبطحت وتدحرجت, إلا أن سهماً أصاب ذراعي الأيسر, وبعد انتهاء انهمار الأسهم, قالت السلحفاة شامتة:

-لقد أصبت, ولم يلمسني أنا أي شيء.

-فقط بسبب جبنك, وخوفك. من الحري لكِ لو لم تولدي, بدلاً من الموت الحي الذي حكمتِ بي على نفسكِ.

-أنا لا أنزف.

-لقد صد إلهي عني ألف سهم, ووصلني واحد فقط, لقد رفعت عيني إليه في ضيقي, ولم تفعلي أنتِ, لقد صمدت وتحملت الألم الحتمي في حياتنا, على حين أصررتِ أنتِ على الهرب تحت صدفتك.

-أخبرني ماذا ستفعل بشأن القطيع المحارب الذي اقترب الآن أيها النزق.

لقد اقترب جيش الأعداء الجرار, ومن جديد توارت السلحفاة داخل صدفتها, وبقيت أنا أحارب, أناور, أَضْرِب, أُجْرَح, وفي النهاية وقعت على الأرض, مصاباً بانزلاق غضروفي.

-لقد وقعت.

-لقد تحركت فقرة من فقرات عمودي الفقري من مكانها.

-أنا سليمة.

-أنتِ لا تملكين عموداً فقرياً يا ذات الصدفة, ليس بإمكانك الحركة الحرة واللف والقفز والدوران والركض. حركتك مقيدة لا تمتاز بالمرونة.

-ما تفخر به قد انكسر أيها الأخرق.

-لا لم ينكسر, لقد تزحزح, سأصلحه, لا دخل لكِ بالأمر, استمري في الحياة داخل صدفتك, أثق أنه معك بالداخل ديدان وحشرات, أثق أنكِ نجسة برصاء متقيحة متقرحة, أثق أنكِ سوداء من داخل, تدارين عن  الكل -وحتى نفسك- قباحتك.

-لقد انكسرت ومازلت تتبجح! يا لك من عنيد!

-كسري سيزيدني قوة, أنا حر للنمو وللحركة وللفهم وللحياة, أما أنتِ فالزمن متوقف بالنسبة لك.

-حاول قتالي, كما اتفقنا منذ البداية. حاول كسر صدفتي.

-لست في حاجة لأفعل, يمكنني أن أدفع رأسك أو مؤخرتك, لتخرجين, وعندها لن تتحملين حتى الهواء, وستموتي.

فزعت وبدأت في الزحف مبتعدة عني, فقلت:

-بصدفتك الثقيلة لن تبتعدي كثيراً, يمكنني لو شئت كسرك وقتما أشاء.

ظهرت عرسة على الساحة تركض في انفعال, وهي تقول:

-ما رأيك فيّ؟ لا صدفة أحتمي فيها, ولا عمود فقري أتحرك به.

-ربما عليكِ أن تطوري عموداً فقرياً.

-سأحاول.

-أسرعي, فالألم دون هدف لن يجعلكِ الكائن المفترض بكِ أن تكونيه.

-لكنه بصدق يكفي كيلا أحتمي وراء شيء.

-لكنكِ في حاجة ماسة لنضوج العمود الفقري.

-سأحصل عليه, ولكن اسمح لي الآن أن أخرج السلحفاة من صدفتها.

-ستتألم.

-الألم ضروري لها.

-إنه التصرف السليم, افعليه. لقد أردت لها أن تنزعه بنفسها لكنها خائفة.

واندفعت العرسة كصاروخ, وأخرجت السلحفاة من صدفتها, وصرخت السلحفاة ونزفت بعد أن انقطعت الزوائد التي ربطتها بالصدفة, وانهمرت دمائها مع دموعها, وهي تنتفض من برودة الطقس وتسعل من تراب الرياح.

وسرنا ثلاثتنا في الطريق الوعر, وقلت لهما:

-تعالا, سنطور لكما عمودين فقريين, وسنصلح خاصتي, هيا بنا, أنا مؤمن أن عمودي سينصلح أثناء مساعدتي في إنشاء خاصتكما.

-هيا بنا.

-الطريق طويل, ومعدل السير بطيء.

 

عماد ميشيل

29 يونيه 2010