ولماذا تكون إنساناً...؟

عبد الله القصيمي ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

إن أشمل وأدوم الآلام هي الآلام الفكرية. إن الآلام الفكرية هي آلام بلا حدود، بلا مقاييس. إن آلامك الفكرية لا تساوي آلامك.. إنها تساوى معنى كونك إنساناً.. تساوى كونك مفكراً ومبصراً، ومتخيلاً ومتوقعاً، ومتجاوزاً لكل ما وُجِد ولكل ما سوف يوجد.. متجاوزاً لكل ذاتك ولكل عالمك بلا حدود ولا مقاييس. لهذا كانت الآلام الفكرية هي أشمل وأدوم وأقسى الآلام.. لهذا كان الإنسان هو أشمل وأدوم وأقسى الكائنات آلاماً.

إنه هو وحده الكائن الذي يتألم بالفكر.. إنه هو وحده الكائن الذي يتألم بلا حدود.. الذي يتألم بأكثر من الآمه، بأكثر من كل الآلام الموجودة.

ولكن هل يمكن أن تكون إنساناً..؟

ولماذا تكون إنساناً..؟

إنك طبيعة.. إنك وحدة من وحدات الطبيعة. لهذا أنت تمارس ذاتك ووجودك، كما تفعل الطبيعة بلا رفض، وبلا احتجاج، بلا حيرة، بلا عذاب، مهما عشت العذاب، مهما عاشك العذاب.

إنك لو كنت إنساناً لتحولت إلى آلام كونية. وهل تطيق أو تريد أن تكون آلاماً كونية..؟

إنك لو كنت إنساناً لتألمت بكل آلام الكون، وبالآم ليست في الكون. إن آلام الإنسان أوسع من آلام الكون لأن شروطه أكبر من كل ما في الكون، لأن شروطه فوق كل مستوى كوني.

إني أبارك لك أن تظل طبيعة، ألا تتحول إلى مستوى إنسان.

إني لا أبارك لك أن تصبح إنساناً، تتعذب بكل ما في ذاتك وأعضائك وجوعك، وممارستك واحتمالاتك، بكل ما في الكون، بكل ما في الناس، بكل ما في المذاهب والنظم، والأديان والمعتقدات، بكل ما في التاريخ، بكل ما في الزعماء والمعلمين.. تتعذب بكل ما في ذلك من عبث وغباء، وتلوث ومظالم، وحقارات وأحزان، ومن بدايات ونهايات أليمة وعقيمة، متماثلة في حوافزها وغاياتها، في منطقها وتفاسيرها.

إني لا أبارك لك أن تصبح إنساناً حاد الحساب والعذاب والقصاص..

إني لا أبارك لك أن تصبح إنساناً يذهب يحاكم السحاب على ذنوبه وسفاهاته، وعلى كرمه الذي لا يعني في حوافزه ونهاياته أفضل مما تعنيه ذنوبه وسفاهاته.

إني لا أبارك لك أن تصبح إنساناً، إني أبارك لك أن تظل طبيعة.

 

عبد الله  القصيمي

من كتاب "صحراء بلا أبعاد"