الفكاهة والإحساس بالذات

رولو ماي ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

إن الفكاهة ينبغي أن تكون مهمتها عادة الحفاظ علي الإحساس بالذات، أنها تعبير عن قدرتنا الإنسانية الفريدة على خبرة أنفسنا بوصفنا ذواتاً لم يلتهمها الموقف الموضوعي الذي يكتنفنا. فالفكاهة والدعابة طريقة صحية تمنحنا الشعور بمقدار المسافة الفاصلة بيننا وبين المشكلة. إنها تمكن المرء من أن يطل من علٍ علي مشكلته من منظوره الذي يختاره لنفسه. فالمرء، وهو غارق في الهموم مثلاً، لا يسعه أن يضحك، لأن القلق متمكن منه وبخاصة في مواقف الهلع، وذلك لأن المرء يكون حينذاك فاقداً التمييز بين نفسه كذات وبين العالم الموضوعي من حوله. وفضلاً عن هذا فإن المرء لن يكون تحت سيطرة القلق أو الخوف إذا كان قادراً علي الضحك في الوقت المناسب، ومن هنا جاء الاعتقاد في المأثور الشعبي الفلكلوري القائل بأنها الشجاعة بادية عليك حينما تقدر أن تضحك في وقت الخطر. وحتى في الحالات شبه الذهانية (شبه المرض العقلي) يكون المرء قد برهن علي مدى صحته العقلية ومعافاته حينما ينتقد ذاته فيقول: "كم كنت مجنوناً!"، أو أن ينظر إلي ذاته فيصفها بقوله: "يا لي من مجنون". ففي كل ذلك علامة صحية، فهو بسخريته هذه يكون قد حافظ علي هويته كذات.
ولكن بعد أن استكشفنا الوظيفة التي يلعبها الضحك عادة بالنسبة للبشر دعونا نتساءل عن ما هي السلوكيات السائدة تجاه الضحك والسخرية في مجتمعنا؟ الحقيقة الواضحة الصادقة التي تواجهنا هي أن الضحك قد صار سلعة. فالضحك بشكل عام في يومنا هذا صار يعني "ضحكات وقهقهات" كمية، ينطبق عليها المصطلح الأكثر تلائماً مع مقتضى الحال، ألا وهو "التنكيت". تستخدم كوميديا "التنكيت" للتنكيت علينا كما قال تورستاين فبلن في ذكاء، فهي تؤدي لانعدام الإحساس وانعدام الإدراك لدى المرء، فهي نكد في الواقع.

ما من شك في أن للضحك وظيفة إدخال السرور على النفس وهو في الوقت نفسه يجدد خلايا الدماغ، كل ذلك من فوائده إذا هو تم في الوقت المناسب علي النحو الملائم. فهناك ثمة فرق كبير بين الضحك كسمة من سمات الإنسان وبين القهقهات الجشة الخشنة التي يراد بها الاستخفاف من الآخرين والتنفيس عن الحقد الحبيس. فهذا النوع الأخير من الضحك يجعل الفرد يشعر بالغربة وبالعزلة عن ذاته. والضحك هنا هو وسيلة نعامية (نسبة إلى النعامة) للهروب من القلق والخواء (الفراغ الداخلي) بإخفاء الرأس في الرمال وليس طريقة للحصول على منظور عميق أكثر شجاعة في مواجهة مشاكل المرء. هذه الضحكات التي يُعبر عنها عادة في شكل نكات ساخرة إنما تؤدي دور الإفراج عن التوتر بشكل بسيط مثلها مثل الكحول أو الجنس، لكنها أيضاً مثل الجنس أو الشراب تؤدي، عندما ننخرط فيها لأسباب هروبية، إلى تركنا وحيدين بلا أي علاقة مع أنفسنا أكثر من ذي قبل. بعض الضحكات هي من النوع المر الانتقامي طبعاً مثل ضحكات التشفي، وأهم علاقاتها أن لا علاقة لها بالبسمة؛ من ثم قد يضحك المرء من جراء غيظه أو توتره. أحياناً أعتقد أن هذا هو نوع التقطبية (التكشيرة) الخالية من الإحساس الإنساني التي كنا نراها على وجه هتلر في تلك الصور التي كان يُـفترض فيها أنه يبتسم. تأتي الضحكة الانتقامية مع رؤية المرء لنفسه منتصراً على ذوات الآخرين. فضحك التشفي وضحك التنكيت يجعلان صاحبهما يحس بأنه حقق انتصاراً علي غيره، بدلا من أن يشعر وكأنه حقق شيئا من ذاته. فالضحك المناسب الذي هو سمه من سمات البشر يجعل المرء يحس بأنه قد خطا خطوة جديدة صوب تحقيق الذات. بينما الضحك الانتقامي وضحك التنكيت الكمي إنما يعكسان ضحك وكوميديا بشر فقدت لدرجة كبيرة إحساسها بالكرامة وبمعنى الأشخاص عندها.

رولو ماي
من كتاب: "بحث الإنسان عن نفسه"