الولوج لبرنامج الحياة

عماد ميشيل ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

الولوج لبرنامج الحياة

Logging in to life

"عن احتراف الحماية الذاتية"

من وحي لاري كراب (كتاب: "التغيير من الداخل")

 

 

استيقظت من نومي بوجهي الحقيقي, نظرت في مرآتي وطرقت على مفاتيحها: الدخول لبرنامج الحياة. وقرأت شروط الموافقة: أقر بأنني سأدخل عالم الحياة الوهمي الذي لن يلمس ذاتي الحقيقية القابعة تحت جلدي, وأنني سأرتدي ملامح مزيفة أواجه بها مسرح العالم الخارجي وبأنني الواقع وكل ما هو خارج هو حلم أقرب إلى الكابوس, وإن كنت أشك أحياناً في حقيقة كوني واقع ولكن ليس أمامي خيار طالما أنني أتنفس حتى الآن. أوافق, لا أوافق, ادخل. اخترت أوافق, ونقرت ادخل, وعندها تحولت ملامحي الكئيبة لأخرى بهيجة, وتقوم إنحنائي, ولمعت عيني المنطفئة, وغزت تجهمي بسمة, وخرجت من المنزل..

سيطرتُ على من هم دوني, وقسوت على الضعفاء, انحنيت أمام رياح الأقوياء, وخضعت لمن هم أعلى, حنوت على من يستحقون, وأقمت المجروحين, وكسرت المتعجرفين. وعشت كما يتفق مع كل موقف إنسان مختلف.

جذبت أصدقاء ليساعدوني على تحمل الحياة في وهمها, وليسندوني إذ أنا كائن ضعيف لا يقوى على التواجد بمفرده, وأكملوا دائرة الوهم, فشعرت بتلك الحياة التي اخترعتها كمحاكاة ضعيفة للعالم الحقيقي, وكأنني ولجت لعالم موازي كل ما فيه لا يمسني فعلياً.

عدت لمنزلي, ونظرت لمرآتي, ورأيت ذاتي المزيفة وصدقتها. لم أخرج من البرنامج, وتابعت خداع نفسي..

وأتى اليوم الذي اضطررت فيه لارتداء الكثير من الأقنعة, لأجذب وليفتي لاستكمال الشكل الاجتماعي المطلوب وجذبتها بعد أن أفلحت معها حيل الزيف, ولكن مهلاً..

إنها حقيقية!! وتتعامل مع العالم الحقيقي!! إنها مجنونة ولا شك. سيتوجب عليّ تركها قبل أن تؤذيني, سأبحث عن أخرى مزيفة, لنكمل معاً فيلم الخداع الذي بدأت التمثيل فيه من صغري, لن يمكنني الآن أن أعيش حياة حقيقية.

ماذا تفعلين يا فتاتي الحقيقية بقتالك عالم مزيف؟ لقد كنت حقيقياً في وقت ما, لكن الألم قادني لحماية نفسي بالزيف, ووجدت أن العالم كله قد صار مزيفاً. ماذا تخالك رابحة بمحاربة كل هذا الزيف؟! لن تفعلي شيئاً. ماذا تقولين؟! كفاك شرف المحاولة, وأنك ستربحين نفسك حتى لو فشلتِ.. حسناً جداً.. انعمي بنفسك الحقيقية وبالشرف.

تابعت الحياة كما كنت وكما كانت, وسط مجتمعي المزيف, أهرب من نفسي ومن ذاتي للعالم الخارجي أنهل من كل ما يعطيه, ألّف وسط دوامة الخيال طوال الوقت.. حتى أتى الوقت الذي تزلزلت فيه الأرض فمادت تحت قدمي, ووقعت فيه الأحجار فوق رأسي, ووقعت فيه على أنفي فانكسر, وانهارت فيه مرآتي تاركة مسمارها لتتحطم على الأرض ألف قطعة, وطارت شظاياها في أنحاء الأرض كلها.

هززت رأسي كمن يحاول القيام من حلم مزعج, كالواقع تحت تأثير مخدر قوي, كالسكران المخمور, وذهبت باحثاً عنها, فلم أجدها, إنني أتعامل الآن مع شخص لا أعرفه, هو أنا. من أنا؟ هل أنا من كنته أم ما تمنيته أم ما أكونه؟ هل يمكنني أن أنطلق من هنا لأقابل نفسي القديمة؟ هل سأستطيع؟

سمعت عندها همساً يأتي من ثقب لم أره من قبل مكانه خلف المرآة المحطمة: الحب الحقيقي دون حماية بقليل من حسم بقليل من حدود قادر على وصل الحقيقة بالزيف وبإنارة ظلام الخداع بنور الواقع.

واتجهت إلى حيث الثقب وبدأت في استكشافه, نظفت ما حوله, وأمعنت النظر داخله, نظفته وحملقت فيه.. إنه ألمي الذي أخفيته منذ الصغر, نفسي القديمة مقيدة ومشبوكة في حبائل ألم هذا الثقب, يجب أن أفك قيودها, لأحررها, لتخرج وتعود داخلي مرة أخرى, سيكون الأمر مؤلماً ولكن النتيجة مغرية.. النتيجة أنني سأجد نفسي.. وفي عمقها سأتقن التعاملات مع البشر وسأجد الله.

 

عماد ميشيل

19يونيه 2010