فلنخرج إليه

وليم ماكدونالد ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

بحثنا في الفصول السابقة موضوع الكنيسة من ناحيتها المسكونية العامة ومن ناحيتها المحلية. وحاولنا أن نجد مبادئ الكنيسة كما يعلمنا إياها العهد الجديد وأن نتعرف على بساطة الاجتماع, وحماسته, وروحانيته كما كانت أيام الرسل.

 

بقى الآن سؤال هو "كيف ينطبق هذا كله على مؤمني القرن العشرين؟"

 

ولكي نجيب عن هذا السؤال علينا أن نلقي نظرة خاطفة على الأحوال السائدة في الكنيسة الأسمية اليوم. فنحن نرى من كل ناحية ارتداداً وفشلاً وخراباً. هناك منظمات كنسية هائلة تجمع بين الثروة والنفوذ السياسي, ولكنها في أغلب الأحيان خالية من كل قوة روحية. كما نجد مذهبية وطائفية تتطلب من تابعيها الولاء والمعاضدة, ولكنها تقدم فكرة خاطئة مشوهة عن الكنيسة. نرى اجتماعات الكنيسة مشغولة بخدمات لا روح فيها وبطقوس ميتة ومميتة تقدم للناس الظلال دون المسيح. نرى أنظمة كهنوتية هوت بالعضو العلماني إلى كاهن أبكم أو قل آلة لسك النقود. نرى كنائس لها قوائم للعضوية تضم المخلًّص وغير المخلًّص, المؤمن الحق وأولئك الذين ليست لهم شركة حية مع المخلص الحي. وأخيراً نجد كنائس قد أفسدها ضمير العصرية وقد استعاضت عن رسالة النعمة والفداء بإنجيل اجتماعي.

 

وإذا ما تساءلنا ماذا يجب أن يفعل المؤمن الذي يجد نفسه في موقف كهذا. قلنا أن هناك جواباً واحداً عن هذا السؤال وهو: اعتزل. اخرج إليه خارج المحلة.

 

فكلمة الله لا تعرف هوادة في التنبير على وجوب اعتزال المؤمين عن كل شبه شر, سواء أكان هذا كنسياً أم تعليمياً أو أخلاقياً.

 

"لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين. لأنه أيه خلطة للبر والإثم. وأيه شركة للنور مع الظلمة؟

 

وأي اتفاق للمسيح مع بليعال. وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟

 

وأيه موافقة لهيكل الله مع الأوثان. فإنكم أنتم هيكل الله الحي كما قال الله إني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً.

 

لذلك أخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجساً فأقبلكم وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء" . (2كو6: 14-18).

 

ومن العبث أن يقول إنسان أن المؤمن يجب أن يبقى في كنيسة فاسدة لكي يكون صوتاً لله فيها, "فليس من بطل من أبطال الإيمان أو قديس لمع اسمه على صفحات الوحي المقدس, قضى حياته في الداخل. لقد رفعوا جميعهم, وبدون استثناء, صيحتهم قائلين "فلنخرج خارج المحلة! إن الذي يدخل إلى العالم ليمهده سيصرعه العالم سريعاً, وإن أقوى مركز وأضمن نقطة هي خارج المحلة. قال أرشميدس أنه يستطيع أن يحرك العالم لو أٌعطي نقطة ارتكاز خارجة. وهكذا يستطيع حفنة من خدام الله أن يؤثروا في زمانهم إذا ما شابهوا إيليا الذي قضى حياته بالكلية خارج أروقة العالم في زمانه". [1]

 

 

 

"وإلى جميع الذين يقولون ببقاء المؤمنين داخل كنيسة يعلمون بفسادها يقدم صموئيل رداً قوياً فعالاً إذ يقول: هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش" [2]

 

على أن السؤال لا يزال باقياً: ماذا يجب على الشخص أن يعمل بعد أن يطيع أمر الكتاب القائل "اخرجوا"؟

 

وجواباً على هذا السؤال نقترح الخطة التالية:

 

أ‌-       اجتمع في بساطة مسيحية مع جماعة من المؤمنين لهم مثل فكرك.

 

ب‌-  اجتمع للمسيح وحده وليكن هو الجاذب الوحيد لك. ومع أن هذه السياسة لا تتمخض عن جماعات كبيرة إلا إنها على الأقل توفر نواة من المؤمنين المخلصين ممن لا تزعزهم التجارب أو المثبطات.

 

ج- أما عن مكان الاجتماع فأي منزل يكفي لذلك تماماً, وله في الكتاب سوابق عدة (رو16: 5 و1كو16: 19 و كو4: 15 و في 2). أما الذين يطلبون بناية فخمة ذات زينات دينية فلم يكتشفوا بعد الكفاية التي لنا في شخص الرب يسوع المسيح, الذي إليه يجتمع شعبه.

 

د- لا ترتبط باسم أو بسياسة من شأنها أن تستعبد أي مؤمن حقيقي من الشركة.

 

هـ- لا ترتبط بأية طائفة وارفض بإصرار أي نفوذ أو تدخل من الخارج من شأنه أن ينال من سلطة الكنيسة المحلية.

 

و- قاوم أي ميل لتركيز الخدمة في شخص واحد. بل اترك المجال للروح القدس حتى يستخدم المواهب المختلفة التي وهبها المسيح للكنيسة وافسح المجال لإظهار كهنوت جميع المؤمنين.

 

ز- داوم على اجتماع الصلاة ودرس الكلمة وكسر الخبز والشركة. ثم اشترك في نشاط الكرازة بالإنجيل فردياً ومع الجماعة.

 

ح- وبالاختصار اجتهد أن تجتمع ككنيسة العهد الجديد أصدق معنى للكلمة بتمثيل جسد المسيح تمثيلاً حقاً وإطاعة وصايا الرب.

 

ومن المسر أن نعرف أن هذا ما يعمله المؤمنون في كل العالم اليوم. ولقد علموا أن هذه المبادئ إلهية, وليس لهم من كتاب يرشدهم سوى الكتاب المقدس, ولقد اتبعوا هذه المبادئ بالرغم مما يلاقونه من تعيير ومذمة. وهم لا يعترفون بأي رأي آخر إلا المسيح, ولا بمقر سوى عرشه هو. وهو يحاولون بتواضع حق أن يشهدوا لوحدة جسد المسيح. وهم في شركتهم يحاولون أن يوفروا مقدساً للمؤمنين الحقيقيين الذين يلاقون الاضطهاد من العصرية وما يتصل بها من مساوئ وشرور. وليس على الأرض دليل بأسماء هذه الكنائس, كما لا يوجد شيء أرضى يربطها الواحدة بالأخرى, بل أن وحدتهم التي لا ثاني لها هي التي هيأها ويحييها الروح القدس, وهم قائمون بها هكذا.

 

وليس من سبب يمنع من أن يكون هناك مثيلات لهذه الشركة يكوّنها رأس الكنيسة العظيم بوساطة نشاط شعبه وتضحياتهم وصلواتهم. وحيثما تشغل هذه الرؤيا قلوب المؤمين ويستعدون لحمل الألم في سبيلها يكافئ الرب نشاطهم وجهودهم ويشبع رغباتهم هذه لمجده.

 

 

 

وهل يمكن, ونحن فعلاً في عشية مجئ الرب ثانية, أن نكون على وشك أن نرى ثورة عظيمة بإرشاد الروح القدس ضد المسيحية المرتدة, وأن نرى حركة جديدة لنعمته, إذ تكون جماعات صغير مستقلة للشركة تضم المؤمنين الذين يحبون الكتاب المقدس.

 

ليت الرب الذي أحب الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها يعمل هذا لمجده.

 

 

 

 

وليم ماكدونالد

 

من كتاب "أحب المسيح الكنيسة"

 

 

 


 

[1] من كتاب "إيليا وسر قوته" لمؤلفه ف. ب. ماير

 

[2] من كتاب "مذكرات في سفر التكوين" لمؤلفه س. هـ. ماكنتوش