ضد الحشد (الجموع)

سورين كيركجارد ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

نحن نحذر الشباب من الذهاب إلى أوكار الشر، حتى من باب الفضول، لأنه لا أحد يعلم ما الذي يمكن أن يحدث، ومع ذلك فالذهاب مع الجمع أو الحشد، يُعد أكثر خطورة من ذلك. في الحقيقة، لا يوجد أي مكان آخر - بفساد مكرس جداً للشهوة وكسر الوصايا، حيث بسهولة يفسد الإنسان- أكثر من وسط الحشود والجموع الغفيرة.

 

حتى ولو كان كل فرد يمتلك الحق، فالحق – لدى الجمع - يصبح غير حق، حيث عندما يجتمع الفرد مع الجموع يكون اللا حق أو الضلال هو الذي يملئ المشهد. وهذا يُنتج التمادي واللامسئولية أو اللامبالاة، أو أنه يضعف الشعور بالمسئولية الفردية، بوضعه للحق في فئة مهمشة.

 

على سبيل المثال ، تخيل فرد ما تقدم إلى المسيح وبصق عليه. لا يوجد إطلاقاً أي إنسان سيكون من الشجاعة أو الجرأة على القيام بذلك. لكن كجزء من الحشود، و بطريقة ما سيكون لديهم "الشجاعة" للقيام بذلك التجديف الشنيع!

 

الحشد بلا شك هو بيئة لنمو الكذب أو اللا حق (الضلال). لقد صُلِبَ المسيح لأنه لا علاقة له مع الجماهير (على الرغم من أنه أعلن نفسه للجميع). لم يكن يريد تشكيل حزب، أو مجموعة ذات مصالح مشتركة، أو حركة جماهيرية، ولكنه كان يريد أن يكون كما هو؛ الحق الذي يرتبط به الفرد. لذلك فكل من بأصالة يخدم الحق هو بالحقيقة شهيد.

 

 

 

إن كسب الجماهير ليس فناً أو ضرباً مستحيلاً ، اللا حق (الضلال) هو كل المطلوب لتحقيق ذلك، مع اللامعقولية وقليل من المعرفة بالرغبات البشرية. لكن لا يوجد شاهد للحق يجرؤ على الانخراط مع الجماهير. إن الشاهد للحق يعمل على الاندماج مع جميع الناس، على قدر الإمكان، ولكنه دائماً بطريقة فردية، يتكلم مع كل شخص في الطرقات والشوارع – ليصنع انقسام أو انفصال. إنه يتجنب الحشد، وخصوصاً عندما يُعامَل الحشد باعتبار أنه ذو رأي فاصل بخصوص الحق، ويُمدح ويُهمَس و يُنتَخب ضمنياً عُرفاً كقاضي أو حكم. إنه يتجنب الجماهير ذات عقلية القطيع أكثر من تجنب شابة مهذبة حانات الميناء.

 

 

 

إن أولئك الذين يتحدثون إلى الحشد، طمعاً في موافقته وتعضيده، من ينحنوا مبجلين ومتملقين، يجب أن يُعتبروا سواء مع الداعرين أو البغايا. هم أدوات للكذب. لهذا السبب أبكي بل حتى أموت حينما أفكر في الجموع، مع صحافتها اليومية مجهولة الهوية، مسببة الجنون الشديد. هذا الشخص المجهول، من خلال الصحافة، يوماً بعد يوم، يقول ما يريد أن يقول، وربما لا يملك الشجاعة لقوله وجها لوجه كفردٍ لفردٍ آخر، ويمكنه الحصول على الآلاف لإشاعته وتكراره لما يقول. هذا لا يقل عن أن يكون جريمة – ولا أحد يتحمل المسئولية! يا له من ضلال! هذه هي طريقة الحشد أو الغوغاء (جموع العامة)، حتى وإن كانت محترمة!

 

 

 

 

سورين كيركجارد

 

نشرها أول مرة بجريدته "اللحظة The Instant" عام 1855