اللهث خلف الله

أكثر من كاتب ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

"لأننا إذ نكون مشتاقين لرؤية الله، نراه وعندما نراه نزداد اشتياقاً إليه. هكذا نرى الله"
(الأسقف جريجوري الكبير – اقتباس رقم 225)

"ألهج الليل والنهار، أُفتش عن الله حتى أجده لكي لا أؤمن فقط بل أراه؟؟ وها أنا لا أرى إلا الأشياء التي قد صنعها بقدرته أما هو فلم أره بعد…
يبحث عقلنا عن الله ويفتش عن الحق الذي لا يتغير أو يتبدل وعن الشيء الذي لا يسقط أبداً. ولكن العقل ذاته ليس من هذه الطبيعة، فكيف يدرك ما هو فوق طبيعته؟ فالعقل يتغير من تقدم إلى تأخر ومن معرفة إلى جهل ومن ذاكرة إلى نسيان… إن عقلاً يكون من طبيعته هذا التقلب لا يستطيع أن يتوافق قط مع طبيعة الله…
أبحثُ عن الله في المنظورات والمخلوقات فأجد آثاره ولا أجده، أعود إلى نفسي عسى ألمس طبيعته فيًّ فلا أجده، فإلهي شيء أعلى من نفسي… إذن ، فلكي أصل إليه، عليًّ أن أذكر هذا كله وأنطلق بنفسي فوق ذاتي: "ذكرتُ هذا فاستفاضت عليَّ روحي" (إي خرجًت مني) (مز 4:42). وهل أستطيع أن أصل إلى ما هو فوق نفسي إذا لم أتحرر أولاً من ذاتي؟ … إذا استراحت نفسي فيًّ قانعة براحتها فلن تنعم برؤية ما هو فوقها "متى أجيء وأنظر وجه الله"؟ (مز 2:42) لأن في اكتفائها برؤيتها لذاتها امتناعاً أكيداً لرؤية الله.
يصرخ أعدائي"أين إلهك"؟ بلى دعهم يقولون، فطالما أنا لا أراه فسعادتي معطلة "صارت لي دموعي خبزاً نهاراً وليلاً." (مز 3:42)
أعود أطلب إلهي في كل ذي طبيعة جسدية، أرضية كانت أو سماوية، فلا أجده… ثم أعود أبحث عن طبيعته فيَّ فلا أجده… ولكن بينما أنا في حيرتي أبحث عن الله وعن أموره غير المنظورة المدّركة في المخلوقات… "ذكرتُ هذا فاستفاضت عليًّ روحي" (إي فاضت وخرجت مني)، فلم أعد أدرك من ذاتي شيئاً سوى الله: هناك من فوق نفسي حيث يتطلع إليَّ ويراني، هناك حيث يدبرني ويهيئني، من هناك يحبني ويدعوني ويقودني في الطريق إليه حتى النهاية."
(القديس أغسطينوس، من تأملاته في مزمور 42 – اقتباس رقم 118، نص 7،8)

"يوجد في التأمل جهد كبير على العقل حينما يهم رافعاً ذاته نحو الأشياء السماوية حينما ينحصر انتباهه كليةًّ في الأمور الروحية جاهداً لمحاولة العبور فوق كل المنظورات، مستضيقاً في ذاته ليصل إلي السعة المطلقة… و أحيانا يغلب حقا و يعلو فوق الظلمة العتيدة التي تغشاه فيدرك النور الحق بعض الإدراك كمن يسرقه خلسةًّ بقلة و ندرة، و لكن سرعان ما يرتد إلى نفسه مغلوبا من ذلك النور و يعود لاهثاً إلى ظلمة غشاوته الأولي متنهداً."
(الأسقف جريجوري الكبير – اقتباس رقم 148)

"علينا أن نعرف أنه طالما نحن نحيا في هذا الجسد القابل للموت، لا يستطيع أحد أن يتقدم في قوة التأمل بالدرجة التي فيها يملأ عينيه و يتفرس مليّاً في ذلك النور غير المفحوص. لأن الله القادر علي كل شيء لم ُيَر بعد بذلك الوضوح. إنما كل ما تقدر عليه الروح هو أن تستطلع ما يحيط به، فتنتعش و تنمو لتدرك مجد منظره.
و حتى حينما يتقدم العقل في التأمل، لا يستطيع أن يتأمل الله كما هو و لكن فيما هو دونه، غير أن مثل هذا التأمل يقود إلى اختبار تذوُّق الهدوء الداخلي جزئياً- علي حد القول- و ليس كاملاً، كما هو مكتوب بالحق في سفر الرؤيا "و كان هدوء في السماء نحو نصف ساعة"، لأن السماء هي النفس البارة، و بتذوُق التأمل العقلي يصير فيها هدوء إذ تكون ضوضاء الإنشغالات الأرضية قد تلاشت، و قد تحرر الفكر من ارتباكها، ولكن بسبب أن هدوء العقل لا يمكن أن يكون كاملاً في هذه الحياة، لم يقل إنه صار هدوء في السماء ساعة كاملة، و لكن نحو نصف ساعة! لأنه في حال ما يرتفع العقل و يغشاه الهدوء الداخلي شيئا فشيئا،لا يستقر هناك كثيرا بسبب إلحاح الأفكار التي تدركه بشغبها فيختل هدوء العقل من ذاته، و بوقوعه في مثل هذا الارتباك تغشاه الظلمة مرة أخري فيعمى."
(الأسقف جريجوري الكبير – اقتباس رقم 151)

"ماذا أحب فيك يا رب حينما أحبك؟ إنه نور وضياء. هذا هو ما أحب! وهو نغم شجي، وعبيق عطر، وعناق ملتهب! هذا هو ما أحب حينما أقول إني أحبك يا ربي!! إنه إنساني الداخلي الذي يسعد بذاك النور وذاك العبيق وذاك العناق!
يشرق في نفسي إشراقاً لا يحتويه فضاء مهما اتسع ..
ويوقع في داخلي نغماً لا يقوى أن يمحوه الزمن ..
ويفيح أريجاً عطراً لا تزحزحه الريح ..
ويذيقني حلاوة لا تؤول في إلى نقصان ..
ويلتصق بي ملياً في عناق لا يفرقه شبع ..
هذا هو ما أحب، حينما أقول إني أحبك يا ربي."
(القديس أغسطينوس– اقتباس رقم 145)

(اقتباسات من كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية" للأب متى المسكين)

"إن ثبُت لك أنك سوف تملك خيرات العالم بأسرها إلى الأبد، وقال الله لك: "لن ترى وجهي"، فهل تفرح بما لديك من خيرات؟"
"ربي إني أرفض كل ما أعطيتني،إن لم تعطني ذاتك."
(القديس أغسطينوس
من كتاب:
"خواطر فيلسوف في الحياة الروحية"
ص 386، 387)