الموت في المشورة

عماد ميشيل ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

الموت في المشورة

 

 

 

 

 

"اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ. (يوحنا 12: 24)"

 

تلك الآية المحورية من آيات الكتاب الموجودة في الانجيل اللاهوتي في الاصحاح الـ12 الرقم ذي المدلول، رقم 24 ضعف الرقم 12، تتحدث عن أهمية الموت في حياة المسيحي، والذي سيتبع بقيامة، ولكنني لا أود أن أتحدث عن القيامة بل عن الموت.. نعيش نتحرك ونتنفس، لنا اسم أننا أحياء لكننا ميتون..

 

"وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي سَارْدِسَ: هذَا يَقُولُهُ الَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ وَالسَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ. (رؤيا 3: 1)"

 

نقوم بأعمال، رحمة ونعطي نصائح، نعقد صداقات وعلاقات، نخدم، نبتسم، نعمل... كل هذا جميل، لكننا ميتون! والأعجب أن لنا اسم أننا أحياء!! لذا فالله يرانا محتاجين إلى التوبة "...لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ. (رؤيا 3: 2)"

 

المشورة تهبط بنا إلى القبر حيث الموت؛ عن طريق إبطال الحيل الدفاعية ونزع أقنعة الزيف, عن طريق إنعاش التقيحات والإساءات والجروح القديمة التي دفعتنا لصنع تلك الحيل والأقنعة، عن طريق إحياء ألم لا قبل لنا به، هو موت، قد يدفعنا إلى المزيد والمزيد من الإنكار الذي لا يبدو خياراً عاقلاً لمن يعقل، أو إلى المزيد والمزيد من الفجور الذي يبدو قطاراً سريعاً للجحيم، أو إلى حضن المسيح الذي يبدو قطعاً الخيار السليم..

 

المشورة تضع ذلك الميت الحي في القبر؛ تضع الأمور في نصابها الصحيح، وتمنع الإنسان من أن يعيش حياة تخيلية من تأليفه تختلف عن الحياة التي خلقها الله، والتي أدخل الإنسان عليها الألم بتعديه على الله.. إنها تبقي الإنسان في القبر إلى أن يسمع همساً من السيد "يا صبية لك أقول قومي" أو يشعر برجفة لمسة النعش أو ربما تخترق أذنه صرخة "هلم خارجاً".. الله لم يدع أبراراً للتوبة، الله يحتاجنا كما نحن.. المشورة تساعد الإنسان أن يكون نفسه، حتى لو كان يكره تلك النفس، ثم تحاول مصالحته عليها.

 

ثمة صورتين إحداهما نفسية والثانية روحية.. الأولى لميت يتسكع في الطرقات يتخذ قراراً خطيراً بالهبوط إلى أعماق القبر، والثانية ليد القدير التي تمتد لأعماق القبر وتخرج الإنسان الميت للحياة. الصورة الأولى يجب أن تسبق الثانية.

 

المشورة هي المولود الشرعي لعلم النفس، ولروح الحياة المسيحية.. أخشى أن أتجاسر عندما أقول –لكن هذا هو ما أشعر به الآن– أنها يوحنا المعمدان لهذا العصر، الذي ينادي بالاستعداد للرب.. الآن الكل يعرف أو يسمع عن المسيح، لكن الأغلبية اختارت أن تصم آذانها، إنكار للواقع، إغراق في لذة يقدمها العالم، تمحور رهيب متمركز حول الذات.. وجدت المشورة لتحارب تلك التقنيات.. الآن، الله يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر، لكنه اختار ألا يدخل البيت دون دعوة، إنه يحترم خصوصيتنا، وينتظر قرارنا، الذي نتخذه بملء إنسانيتنا، والتي مع الأسف قد لا نتملكها الآن، إذ قد تكون أسيرة لأب أو أم أو مجتمع أو فئة معينة من بشر.. الله يحارب تلك الأنظمة الدفاعية في الإنسان ليسترده إليه، وهو يمتلك كل الطرق من الهمس للصراخ للعصا.. الله يستخدم المشورة ليعيد الإنسان على الأرض الصلبة ليصل للاختيار المطلق والحرج والأهم في حياته ألا وهو قبول المسيح وتبعيته وصليبه أم التنحي.

 

 

 

14-4-2012

 

عماد ميشيل