الاستيقاظ المبكر

وتشمان ني ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

الخلوة الشخصية: عودة للقواعد الأولى

 

 

"لنبكرن إلى الكروم لننظر هل أزهر الكرم هل تفتح القعال هل نور الرمان هناك أعطيك حبي" (نشيد الأنشاد 7: 12).

"استيقظ يا مجدي. استيقظي يا رباب ويا عود. أنا أستيقظ سحراً. أحمدك بين الشعوب يا رب. أرنم لك بين الأمم" (مزمور 57: 8، 9)، (مزمور 108: 2، 3).

"استيقظي أيتها الرباب والعود أنا أستيقظ سحراً".

"وكانوا يلتقطونه صباحاً فصباحاً كل واحد على حسب أكله. وإذا حميت الشمس كان يذوب" (خروج 16: 21).

"يا الله إلهي أنت. إليك أبكر. عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء" (مزمور 63: 1).

"إذ قتلهم طلبوه ورجعوا وبكروا إلى الله" (مز 78: 34).

"أشبعنا بالغداة (باكر) من رحمتك فنبتهج ونفرح كل أيامنا" (مزمور 90: 14).

 

لماذا يجب أن نستيقظ مبكراً؟

إن هذا الأمر الذي نرغب في أن نضعه الآن أمام المؤمنين الجدد، لهو بسيط إلى حد بعيد: يجب أن نستيقظ مبكراً من فراشنا كل يوم.

لقد صرحت إحداهن بأن الاختيار الأول الذي يدل على حب الإنسان للرب هو الاختيار بين الفراش وبين الرب. فإذا اختار أحد أن يحب فراشه أكثر، فهو ينام أكثر، ولكن إذا اختار أن يحب الرب أكثر، فسوف يقوم مبكراً قليلاً. لقد سمعت هذه الكلمات في سنة 1921، ولكنني مازلت أحس بجدتها حتى اليوم. نعم، فعلى الإنسان أن يختار بين الفراش وبين الرب.

فإذا كنت تحب فراشك أكثر، نم وقتاً أطول، ولكن إذا كنت تحب الرب أكثر، فيجب أن تقوم مبكراً أكثر.

لماذا يجب أن نقوم مبكرين؟ لأن الصباح الباكر هو أفضل وقت لمقابلة الرب. ما عدا أولئك القلائل الذين عندهم أمراض عضوية في الجسد، فكل الأخوة والأخوات يجب أن يتشجعوا لأن يستيقظوا مبكرين. ومعظمنا ليس عنده أمراض عضوية ولكننا مرضى فقط من جراء محبتنا لأنفسنا كثيراً! أما إذا كان الأطباء يقررون بأننا نعاني بعض الأمراض العضوية مثل ذات الرئة أو تعب في القلب، عندئذ لا يجب أن نستيقظ مبكراً. نحن لا نريد أن نسلك مسلكاً متطرفاً، فنحن نقنع المرضى بأن يستريحوا أكثر. ولكن على الباقين أن يقوموا مبكرين بقدر ما يمكنهم، فالفجر هو أفضل وقت لمقابلة الرب، وأفضل فرصة للشركة معه.

إن كثيرين من خدام الله، في الكتاب المقدس، كانت عندهم عادة الاستيقاظ المبكر. فالمن كان يجب أن يُجمع قبل أن يشرق الشمس. وأي شخص يرغب في أي يأكل الطعام الذي وعد به الله، كان عليه أن يستيقظ مبكراً. فعندما تحمى الشمس يذوب المن، وعندئذ لا يكون هناك شئ. وكل مؤمن حديثاً يحتاج أن يعرف أنه لكي ينال تغذية روحية أمام الله، ويحصل على الطعام الروحي، ولكي يكون مرفوعاً روحياً، ومتمتعاً بالشركة الروحية، فعليه أن يستيقظ مبكراً قليلاً. إن الحياة المسيحية السقيمة التي تسود بين أولاد الله اليوم، لا تعزي إلى أية مشكلة روحية خطيرة بقدر ما إلى الاستيقاظ المتأخر في الصباح – فلا تحسب هذا الأمر إذاً أمراً بسيطاً. إن المشكلة الروحية للكثيرين تكمن حقيقة في فشلهم في أن يستيقظوا مبكرين في الصباح.

والرب – كما لو كان في الصباح الباكر (قبل أو حالما يطلع الفجر)، يوزع مؤونته من الطعام الروحي والشركة المقدسة على أولاده. وكل من يستيقظ متأخراً فسوف يقوته. إن كثيرين من أولاد الله لا ينقصهم شئ من التكريس، أو الحماسة أو المحبة، ومع ذلك فهم يفشلون في أن يكونوا مسيحيين صالحين بسبب استيقاظهم متأخرين. فالقيام مبكراً له تأثير كبير في الحياة الروحية. إنني لم أر مصارعاً في الصلاة يصحو متأخراً، ولا عرفت واحداً قريباً من الرب يستيقظ متأخراً. إن كل الذين يعرفون الله، فعلى الأقل يأتون إلى الله في الصباح الباكر.

"الباب يدور على صائره والكسلان على فراشه" (أمثال 26: 14). فكيف يعمل الكسلان على فراشه؟ إنه يشبه الباب الذي يدور على مفصلاته. الشخص الكسلان يدور في فراشه، لكنه لا يتركه. وهو يدور في هذا الاتجاه وفي ذلك ومع هذا يبقى في الفراش. إن كثيرين من الناس يلتصقون بفراشهم تماماً. وإذ يدورون إلى جانب الواحد، يجدون الفراش ممتعاً، وإذ يدورون إلى الجانب الآخر، يجدونه لا يزال ممتعاً! إنهم يحبون أن يناموا، أن يناموا أكثر، أن يلزموا الفراش لأطول وقت. فليلاحظ الأخوة والأخوات، أنهم إذا كانوا يرغبون في أن يخدموا الله فعليهم أن يستيقظوا مبكرين كل يوم.

وكل من يعزم أمام الله أن يستيقظ مبكراً فسوف يختبر حالاً نفعاً روحياً مضاعفاً. إن الصلاة في أوقات أخرى من النهار لا يمكن أن تقارن بالصلاة الصباحية المبكرة. ودراسة الكتاب في ساعات أخرى لا تعادل تلك التي تكون في ساعة الصباح، والشركة مع الرب لا تكون حلوة في فترات أخرى بقدر ما تكون عند مطلع النهار. ينبغي أن نقدم أفضل أوقاتنا لله، لا للناس ولا لشئون العالم. ما أتعس الإنسان الذي يقضي كل يومه في العالم، وفي المساء، عندما يكون متعباً جداً، يركع ليصلي ويقرأ الكتاب المقدس قبل أن يلتف بالفراش. فلا عجب أن تكون صلاته، ودراسته الكتابية وشركته مع الرب ناقصة! إن مشكلته مشكلة الذي يقوم متأخراً جداً في الصباح.

 

أمثلة على الاستيقاظ المبكر في الكتاب المقدس

إن خدام الله في الكتاب المقدس كانوا جميعاً يقومون مبكراً، لنذكر بعضهم:

1- إبراهيم:

وبكر إبراهيم في الغد....     (تكوين 19: 27)

فبكر إبراهيم صباحاً..... (تكوين 22: 3)

2- يعقوب:

وبكر يعقوب في الصباح... (تكوين 28: 18)

3- موسى:

ثم قال الرب لموسى بكر في الصباح وقف أمام فرعون...     (خروج 8: 20)

ثم قال الرب لموسى بكر في الصباح...                           (خروج 9: 13)

فكتب موسى جميع أقوال الرب وبكر في الصباح....  (خروج 24: 4)

... وبكر موسى في الصباح وصعد إلى جبل سيناء... (خروج 34: 4)

4- يشوع:

فبكر يشوع في الغد...        (يشوع 2: 1)

فبكر يشوع في الغد...        (يشوع 6: 12)

فبكر يشوع في الغد...        (يشوع 7: 61)

فبكر يشوع في الغد ...       (يشوع 8: 01)

5- جدعون:

وكان كذلك فبكر في الغد...            (قضاة 6: 28)

6- حنة:

وبكروا في الصباح وسجدوا أمام الرب...     (صموئيل الأول 1: 39)

7- صموئيل:

فبكر صموئيل للقاء شاول صباحاً... (صموئيل الأول 15: 12)

8- داود:

فبكر داود صباحاً...           (صموئيل الأول 17: 20)

9- أيوب:

... أيوب أرسل فقدسهم وبكر في الغد وأصعد محرقات. (أيوب 1: 5)

10- الرسل:

... دخلوا الهيكل نحو الصبح.         (أعمال 5: 21)

10- مريم:

بل بعض النساء منا حيرتنا إذ كن باكراً عند القبر... (لوقا 24: 22)

وبعدما قام باكراً في أول الأسبوع ظهر أولا لمريم المجدلية.   (مرقس 16: 9)

وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً.       (يوحنا 20: 1)

12- الرب يسوع:

وفي الصباح باكراً جداً قام وخرج ومضي إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك. (مرقس 1: 35)

 

إن كل هذه الآيات الكتابية تتحدث عن الاستيقاظ المبكر، نفي هذا الوقت كانت تؤدي الأشياء التي لها علاقة بعمل الله والتكريس. وأفضل خدام الله في العهدين القديم والجديد، كانوا يقومون مبكراً. وكلهم كانت لهم عادة الشركة مع الله، والتعامل معه والعمل من أجله في الصباح الباكر. وبالرغم من أننا لا نجد في الكتاب المقدس أية وصية مباشرة من الله تأمر بالقيام المبكر، إلا أنه عندنا أمثلة كافية عن خدام الله الأمناء الكثيرين الذين كانوا يقومون مبكراً.

لذلك فعلى الأخوة والأخوات الجدد الذين يرغبون في أن يتبعوا الرب ألا يسألوا بازدراء، وما هو الفرق بين الساعة المبكرة والمتأخرة؟ وعندنا اختبارات كافية لتقنعنا أن التأخر ساعة واحدة لابد أن يفسد دراستنا الكتابية، والتأخر ساعتين سوف ينهي صلاتنا. وأنا شخصياً أستطيع أن أشهد أنه رغم أنني أقضي وقتاً أطول في قراءة الكتاب، إلا أن ساعة مبكرة تنتج أكثر جداً من ساعة متأخرة. وفي هذه الساعة المبكرة تكون دراستنا الكتابية وصلاتنا مختلفة عنها في الساعات المتأخرة.

إن القيام مبكراً بركة عظيمة. ونحن نتمنى لكل مؤمن حديث ألا تفوته هذه البركة من القيام المبكر. ففي أثناء الثلاث سنوات الأولى من حياتي المسيحية، سُئِلت عدة مرات: متى تستيقظ؟ إنها بركة عظيمة جداً كانوا لا يريدونني أن أفوتها. ربما لا يرى العالم أي فرق بين الاستيقاظ ساعتين مبكراً أو ساعتين متأخراً، فمثل هذه الأشياء ربما لا تؤثر في أمور العالم. ولكن دعني أخبرك بأنها، في الأمور الروحية، تعمل فرقاً عظيماً فعلاً.

والرب يسوع نفسه كان يقوم مبكراً. فلقد قبل الفجر ليصلي، ودعا الأثنى عشر تلميذاً باكراً في النهار. فإذا كنا لا نقوم مبكرين بالقدر الكافي، فلا شك أننا سوف نصبح ضعفاء روحياً إلى أبعد حد.

وإلى جانب الأثنى عشر مثالاً كتابياً التي ذكرتها سابقاً، نستطيع أن نذكر عدداً كبيراً من خدام الله عبر القرون الذي كانوا يستيقظون مبكراً.

وكل الذين عرفتهم أو قرأت عنهم ممن استخدمهم الرب. كانوا يعيرون أمر الاستيقاظ المبكر هذا التفاتاً. وهم يسمونه ترقب الصبح. هل سمعت عن أناس يرقبون الصبح بعد ما ترتفع الشمس؟ فمراقبة الصبح يجب أن تكون مبكراً جداً، وإلا لما كانت مراقبة.

إن مراقبة الصبح هي ميراثنا المسيحي، وأولاد الله يجب ألا يهملوها. وكما مارست الكنيسة "مراقبة الصبح" هذه لسنوات كثيرة جداً، يجب أن نحفظها نحن وننقلها إلى الأجيال التالية. وسوف نحتفظ بالاسم، ونسميه مراقبة الصبح، ونحض الجيل الأصغر أن يقوم مبكراً في الصباح ليقابل الله.

لقد عرفت بعض المرسلين الذين استخدمهم الرب كثيراً، ممن جربوا الاستيقاظ المبكر مثل مس باربر Miss M.E.Barber  ومس جروفز Miss Grover. كانت مس جروفز تستيقظ دائماً قبل الخامسة في الصباح ومس باربر بين الرابعة والخامسة في الصباح.

وجورج مولر كان يقوم مبكراً، وهكذا فعل جون وسلي. وخدام الله الكثيرون المشهورون كانوا يستيقظون مبكرين. ونحن نتوقع أيضاً من الشباب أن يستيقظوا مبكرين ولا يسمحوا للوقت أن ينقضي في النوم.

 

ماذا تعمل بعد الاستيقاظ المبكر

إن هدفنا ليس مجرد أن نوقظ الناس من الفراش في الصباح الباكر. ولكننا نطلب قيمة روحية وكفاية روحية. ففيما يلي أشياء قليلة يجب أن يعملها الناس بعد قيامهم:

1- تحادث مع الله

إن الناس يقومون مبكرين في الصباح لكي يتحادثوا مع الرب. "لنبكرن إلى الكروم...هنالك أعطيك حبي" (نشيد الأنشاد 7: 12). فلأن الصباح الباكر هو أفضل وقت في النهار. فيجيب أن يُقضّى في شركة مع الله، بالانتظار في هدوء أمام الله، وبالتأمل في محضر الله، وباستقبال الإرشاد والتأثير عن الله، وبالسماح لله أن يتحدث إلينا، ونفوسنا متفتحة له.

والشركة معناها أن تكون نفس الإنسان متفتحة لله. وكما أن النفس تتفتح لله كذلك يتفتح فكر الإنسان لله. وهذا يعطي الله فرصة لمنحنا نوراً، ويمدنا بكلمة، ويهبنا تأثيراً، ويلمسنا لمسة فعالة، هذا أيضاً يعطي للنفس امتياز معرفة كيف نلمس الله، ونتأمل ونفكر، ونقترب في القلب من الله.

وهذه بالاختصار هي الشركة مع الله.

2- رنم وسبح

إن ساعة الصباح هي أفضل ساعة لترنيم تسابيح للرب. ويمكن لنا أن نطلق أحلى تسبيحاتنا في ساعة الصباح.

3- اطلب الطعام أمام الله

إنه وقت لأن نجمع المن. ما هو المن؟ إن المن يشير إلى المسيح، لكننا نشير به هنا. إلى كلمة الله التي نستمتع بها يومياً والتي ننال من خلالها قوة لنسير في البرية. فالمن هو طعام في البرية ويجب أن يجمع في الصباح الباكر. فكيف يمكن لأحد أن يشبع ويتغذى إذا كان يقضي الصباح الباكر في الاهتمام بشؤون أخرى؟

 

قد ذكرنا قبلاً أن كل شخص يجب أن يكون عنده كتابان: واحد نقرأه وقت الفراغ بعد الظهر، ومن خلال قراءته يمكن أن نسجل أشياء كثيرة، وآخر يستعمل في الصباح لا لتسجيل شئ بالمرة فهو مخصص لجمع المن. في الصباح لا تقرأ أجزاء طويلة، بل بالأحرى افتح فقرة قصيرة من الكتاب المقدس أمام الله وامزج الصلاة بالكلمة، والترنيم بالقراءة، والشركة بالكتاب المقدس.

يقيناً أننا نستيقظ مبكرين للشركة، ولكن ليس معنى هذا أن الشركة هي الخطو ة الأولى، والترنيم هي الخطوة الثانية وقراءة الكتاب الخطوة الثالثة، والصلاة الخطوة الرابعة. وإنما الشركة هي ربط كل هذه، ومزجها معاً أمام الله. ويمكن أن تظهر في محضر الله وكلمته مفتوحة أمامك بحسب ما جاء في ملاخي "اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام" (ملاخي 4: 4). تستطيع أن تربط صلاتك بقراءة الكلمة، أو تعترف بخطاياك بعد قراءة كلمة الله، أو تشكر الله من أجل نعمة خاصة نلتها، او تقدم طلبة خاصة بحسب الكلمة التي قرأتها، أو تقول للرب أن هذا الشئ الخاص المذكور في الكتاب المقدس هو ما ينقصك فعلاً. فبالنسبة إلى أقوال كثيرة، يمكنك أن تقول: "يا رب أنا أؤمن"، وبالنسبة إلى مواعيد كثيرة يمكنك أن تتجاوب بـ"يا رب أنا أقبل". أحياناً تشعر بأنك تريد أن تشكر الرب، لأن وعده عظيم جداً، وأحياناً تكون مضطراً أن تصلي من أجل أخوتك وأخواتك ومن أجل نفسك لأنك تجد حالتهم وحالتك مناقضة لما جاء في الكتاب المقدس. لا تنتقد أو تتهم أحداً أمام الله، ولكن اسأل الله أن يحقق كلمته فيك وفي أخوتك. وبذلك، تقدم اعترافاً بخطيتك الخاصة وخطايا أخوتك. وتصلي من أجل نفسك ومن أجل الآخرين، تثق في الرب لمنفعتك ولمنفعة الآخرين.

ولذلك، فالقراءة الكتابية في الصباح الباكر لا يجب أن تغطي قسماً طويلاً أكثر مما ينبغي. فإن ثلاث إلى خمس آيات تكفي لساعة من الصلاة والشركة. صل وتحادث مع الله أكثر من أي شئ آخر. وتوجد أمثلة طيبة لهذا في نحميا وداود، كيف عرفوا الله وكيف يتحادثون معه.

وفي مزامير داود، نجده يغير أحياناً كثيرة في الأشخاص الذين يخاطبهم من "أنت" إلى "هو". ففي لحظة تجده يتكلم مع الناس، وفي لحظة أخرى يحول الحديث إلى صلاة لله. وفي نفس المزمور بما يتكلم كلمات قليلة أمام الناس ثم يوجه كلماته التالية إلى الله. فإذا كنا لا نعرف كيف نقرأ المزامير، فسوف نقع في حيرة حتى نعرف ماذا يقصد. ولكن هذه المزامير ذاتها تثبت أن داود كانت له شركة مع الله. وعن نفسي أنا فلا استطيع أن أكلم الأخوة وأكلم الله في نفس الوقت، إلا أن مزامير داود تحتوي على هذين الاتجاهين مختلطين.

وهكذا كان نحميا أيضاً فقد مزج إدارة الشؤون الأرضية بالصلاة. وبينما كان مشغولاً بعمله، كان يقول كلمات قليلة ويقدم صلاة قصيرة. حتى لما كان يجاوب الملك كان يتحدث مع الرب وفي الوقت يكلم الملك.

ونجد صورة مماثلة في رسائل بولس. وعلى سبيل المثال، الرسالة إلى أهل رومية معنونة إلى المؤمنين في رومية، ومع هذا فمرة بعد أخرى نجد كلمات بولس تتجه إلى الرب كما لو كان قد نسى أنه يخاطب أهل رومية.

ربما قرأ كثيرون من القراء حياة مدام جويون. إن قصة حياتها لها صورة مميزة خاصة، فبينما معظم قصص الحياة تكتب للناس ليقرأوها، فإن قصتها كتبت لله وللناس. ففي لحظة نجدها تتحدث إلى لاكومLa combe  (لأن لاكوم هو الذي أمرها بكتابة قصة حياتها) وفي لحظة أخرى تتحدث إلى الرب. وهذا هو ما نسميه بالشركة. لا تستطيع أن تحدد أين تبدأ ولا أين تنتهي. فحالما تستيقظ روح إنسان فإنه يتقدم ليقابل الله. وليس ضرورياً أن تلقي بشؤون العالم جانباً حتى نصلي، ولا أن تفكر فيها بعد الصلاة فقط.

حقاً إن الصباح الباكر هو أفضل وقت لجمع المن. تعلم أن تمزج الصلاة والتسبيح والشركة بكلمة الله. ففي لحظة تكون على الأرض وفي اللحظة التالية تكون في السماء، تكون مع ذاتك في ثانية ثم تنتقل إلى محضر الله في اللحظة التالية. وبقضاء وقتك هكذا كل صباح أمام الله، فسوف تكون راضياً يومياً، لأنك قد تغذيت بكلمة المسيح، لأن المسيح هو كلمة الله. وسمحت أن تسكن فيك كلمة المسيح بغنى. وقراءة كلمة الله بهذه الطريقة، والتغذي على المن، لا غنى عنها. ولنسأل الكثيرين من الأخوة والأخوات الضعفاء المترنحين في البرية ما إذا كانوا قد أكلوا، إنهم لا يقدرون أن يركضوا لأن ما أكلوه ليس كافياً لتغذيتهم. فالمن يجب أن يجمع في الصباح الباكر، لذلك استيقظ مبكراً قليلاً لئلا يفوتك الطعام.

لتكن لك شركة، وتسبيح، ومن، وصلاة في الصباح الباكر. "يا الله إلهي أنت. إليك أبكر" (مزمور 63: 1). "...ورجعوا وبكروا إلى الله" (مزمور 78: 34). وفي المزمورين نجد كلمة "يبكر". فالصباح الباكر هو وقت الصلاة. بعد أن يكون الإنسان قد تحادث مع الله وتغذى بالمن، فإنه ينال قوة ليضع كل الأشياء أمام الله ويصلي باهتمام من أجلها. إن الأمر يستلزم قوة للصلاة، فالضعيف لا يمكنه أن يصلي – وبالقوة الجديدة المأخوذة من الشركة ومن التغذي على المن يستطيع الإنسان أن يصلي – لأجل نفسه، ولأجل الكنيسة ولأجل كل العالم. لذلك فكل مؤمن جديد يحتاج أن يعرف الأشياء الأربعة التي ينبغي أن يعملها بانتباه أمام الله كل صباح: الشركة، التسبيح، قراءة الكتاب، والصلاة. وإذا أهمل هذه الأربعة فسيرى النتيجة في حياته اليومية. ويعترف جورج مولر بأنه كان يعرف إن كان قد تغذى تماماً أمام الله في الصباح أم لا، وذلك من حالته الروحية لليوم كله. فصباحه المبكر ينبئ بأحداث اليوم. وكثيراً من المسيحيين يجدون أيامهم صعبة لأنهم قضوا صباحهم بطريقة سيئة. ونحن ندعو المؤمنين الجدد إلى الاستيقاظ  المبكر، لأنهم إذا أهملوا هذا فسوف يهملون في كل شئ. ما أعظم ما تحدث فترة الشركة في حياة الإنسان اليومية وما أكبر الفرق بين من أخذ تغذية في الصباح أو راح جوعاناً.

أتذكر عازف بيانو مشهور قال مرة: "إذا كنت لا أتمرن يوماً واحداً، فأنا ألاحظ شيئاً غير صحيح، وإذا كنت لا أتمرن لمدة يومين، فزوجتي تلاحظ شيئاً غير صحيح، وإذا كنت لا أتمرن ثلاثة أيام، فالعالم كله يلاحظ شيئاً غير صحيح."

فلا ننسى أننا إذا كنا نفشل في أن يكون لنا صباح طيب مع الرب، فلسنا نحن فقط أو زوجاتنا ولكن العالم كله سوف يعرف بالتأكيد. لماذا؟ لأننا فشلنا في الوصول إلى منبع حياتنا الروحية. فينبغي أن يعامل المؤمنون الأحداث نفوسهم بحزم، ويقوموا مبكرين في الصباح ليمارسوا الشركة، والتسبيح، والقراءة الكتابية والصلاة أمام الله حتى يمكنهم أن يتغذوا جيداً.

 

أشياء يجب أن تُلاحظ في الاستيقاظ المبكر

أخيراً نود أن نذكر أشياء قليلة تتصل بممارسة الاستيقاظ المبكر:

1-  لكي يستيقظ الإنسان مبكراً فيلزمه أن ينام مبكراً. فكل من يقومون مبكرين، عندهم عادة النوم مبكراً. فلا يتوقع ممن يأوي إلى الفراش متأخراً، أن يصحو مبكراً، فهذا شبيه بإضاءة الشمعة من طرفيها.

2-  لا تضع مقياساً عالياً للاستيقاظ مبكراً. فالبعض يقررون أن يقوموا في الثالثة أو الرابعة في الصباح. وهم يجربون هذا لمدة أيام قليلة ويتوقفون. فمحاولة القيام مبكراً أكثر مما ينبغي سوف تنتهي بالفشل. فلنأخذ بالأحرى سبيلاً وسطاً – وليكن، بين الخامسة والسادسة قبيل أو عند طلوع الفجر. وإذا كان الوقت الموضوع مبكراً أكثر مما ينبغي، فسوف يصعب علينا الاستمرار. ووضع مقياس عالٍ أكثر مما ينبغي، سيؤدي إلى ضمير ملوم. ونحن يهمنا أن نحفظ الضمير بدون عثرة. ولذلك لا نؤيد التطرف. دعنا ندرس الأمر بعناية أمام الله، آخذين في الاعتبار الأمور الجسدية والبيئية في حياتنا، ثم عندئذ نضع مقياساً لأنفسنا للميعاد المناسب لنا للاستيقاظ.

3-  ثم عادة الاستيقاظ المبكر. إنه من المحتم أن يواجه أحدنا بعض الصعوبات في الأيام القليلة الأولى للاستيقاظ المبكر. فسوف يحب فراشه ويجد صعوبة في أن يغادره. والأمر يتطلب وقت لتكوين عادة. وفي البداية يحتاج الواحد أن يضغط على نفسه ليقوم، ولكن بعد قليل يستطيع أن يقوم مبكراً بدون جهد.

إن الأعصاب البشرية مثل الشجرة على قمة التل تميل في اتجاه الريح، فإذا كانت تهب في اتجاه واحد، فهي تنمي عادة الميل في ذلك الاتجاه. فلنفرض أن عندك عادة الاستيقاظ متأخراً. يكون هذا مثل ميل أعصابك في اتجاه الشمال. ولكن بعد أن تحاول أن تستيقظ مبكراً مرات كثيرة تبدأ أعصابك في التحول إلى اتجاه الجنوب. وعندئذ بعد أن كان الأمر صعباً أن تقوم مبكراً، سوف تراه صعباً أن تقوم متأخراً لأنك لا تستطيع أن تنام أكثر من ذلك! فإلي أن تتكون تلك العادة، اسأل الله أن يعطيك نعمة حتى تتأصل فيك عادة الاستيقاظ المبكر. حاول مرات كثيرة، وافعل هذا مرة ومرات. تعلم يومياً أن تهجر فراشك وتقوم مبكراً حتى تكون لديك عادة الاستيقاظ المبكر، لتنعم بنعمة الشركة الصباحية مع الله.

4-  يجب ألا يزيد نومنا عن ثماني ساعات. وسامحوني لتخطي الأطباء في الحديث الموجه إلى المؤمنين الجدد. أنا أظن أن قليلين من الناس يحتاجون إلى أكثر من ثماني ساعات من النوم. فلا تحسب نفسك من هؤلاء المستثنين. ما لم يقرر طبيبك راحة أكثر بسبب بعض الأمراض العضوية، فثماني ساعات كافية جداً للشخص العادي. ولا تقلق على صحتك للاستيقاظ المبكر. فكثيرون يحبون أنفسهم كثيراً ويقلقون على أنفسهم إلى درجة اعتلال الصحة. إن متوسط الحاجة للنوم للشخص العادي هي من ست إلى ثماني ساعات. وطالما أنت تحافظ على هذا المتوسط فسوف تكون لك راحة كافية.

5-  الكسلان يحتاج إلى دفعة صغيرة. نحن الآن في الكنيسة، كأعضاء في جسد المسيح. فكيف إذاً يمكن أن نكون غير مبالين؟ والكسلان بيننا يحتاج إلى دفعة صغيرة، وجذبة صغيرة، وهزة قليلة. الذين ينامون ثلاث أو أربع ساعات فقط يحتاجون تصحيحاً قليلاً أيضاً، لأن نقص الراحة قد يصبح سبباً للمرض. المتوسط هو ثماني ساعات، والكثير الزائد غير ضروري، والقليل أكثر مما ينبغي غير كاف.

 

قدم مساعدة للمؤمنين الأحداث

إنني أرجو أن أولئك المتقدمين في الإيمان ولهم وزنهم أمام الله يضطلعون بمسؤولية تدعيم التمرن على مراقبة الصبح في الكنيسة. وهم أنفسهم عليهم أن يستيقظوا مبكرين ويساعدوا الأحداث لممارسة هذه العادة المباركة. وحينما تكون هناك فرصة عليهم يسألوا الأحداث: "أخي، في أي ساعة تستيقظ في هذه الأيام؟" كثيرون يقومون في الثامنة ويتناولون الإفطار في خمس دقائق فلا يكون لديهم إلا خمس دقائق لكي يقرؤوا الكتاب المقدس بسرعة. إنهم يقضون وقتاً طويلاً جداً في الفراش.

وتذكر أن الاستيقاظ المبكر هو العادة الأولى التي ينبغي أن يكونها المسيحي. كما أن الاجتماع معاً في يوم الرب هو أيضاً عادة. وينبغي أن يكون للأحداث هاتين العادتين. ولكن مسؤولية مساعدتهم تقع على المؤمنين الكبار. فكم من كثيرين لم يتمتعوا ببركة الاستيقاظ المبكر.

فإذا كانت الكنيسة تحرز تقدماً في هذا التدريب، وإذا تعلم كثير من الإخوة والأخوات أن يستيقظوا مبكراً، وإذا كان كل واحد يأتي إلى الله ويقبل نوراً أكثر قليلاً كل يوم، فكم تصبح الكنيسة غنية، وكم تكون مليئة بالنور!! أما إذا كانت الكنيسة ضعيفة فما ذلك إلا لأن قليلين جداً هم الذين يأخذون شيئاً من رأسنا (المسيح). فلو كنا نتعلم أن نأخذ من الرأس، حتى ولو كان كل واحد يأخذ قليلاً، فالنتيجة أن الكنيسة سوف تصبح غنية إلى أبعد حد.

ليست خطتنا أن يكون لدينا عشرة أو مائة عامل متفرغين أو خدام ليعملوا بيننا، إننا نتوقع أن كل أعضاء الجسد يستيقظون أمام الله ليأخذوا الغنى والنعمة. فإذا كان كل الأخوة والأخوات يسيرون في هذا الطريق فسوف نكون أغنياء بدون حدود. وأعتقد أن ما نقدمه للأخوة أقل بكثير مما يستطيع الله أن يعطيه. وكل ما يأخذه العضو من الرأس هو لنفع الجسد كله. ليت عندنا الكثير من هذه الأواني المنفتحة أمام الله، كل منها ينال نصيبه الصغير ليشاركه كل الجسد. فلذلك دعنا لا نحتقر الاستيقاظ المبكر كشئ بسيط. ودعنا كلنا نحافظ على مراقبة الصبح، وعندئذ سوف نتقدم كلنا معاً خطوة إلى الأمام.

 

 

وتشمان ني

من كتاب "الذبيحة الحية"

 

"وفي الصبح باكراً جداً قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء،

وكان يصلي هناك." (مر1: 35)

"إن قام يسوع بذلك في الصباح فكم يكون ذلك أكثر أهمية بالنسبة لنا، قبل أن يتملك العالم على أفكارنا ويملئنا إبليس بمشاعر غير مقدسة، حينما نقوم من فراش النوم في حالة صحوة والعالم من حولنا لازال ساكناً! هكذا أيضاً صلى داود (مز 5 :3 / 119: 147).

من يريد أن يتمتع بالحياة الدينية يطلب موضع الصلاة السرية في الصباح. فإن أهُمِلَ ذلك تذبل تقوانا ويضيع كل شئ آخر، يملأ العالم أفكارنا وتقوى التجربة علينا. وخلال النهار، نجد من المستحيل علينا أن نرفع مشاعرنا لمستوى التكريس اللائق. فسوف نكتشف، على مستوى العالم بأسره، أن التمتع بالحياة الدينية عبر اليوم يتوقف على حالة القلب في الصباح، ولذا يمكننا قياس هذا التمتع بالحياة الدينية من خلال أمانتنا في الصلاة السرية باكراً.

كم كان أيضاً مسلك المخلص هذا مختلفاً عن هؤلاء الذين يقضون ساعات الصباح الثمينة في النوم! فقد عرف قيمة ساعات الصباح، وقام بينما العالم بعد ساكناً، ورأى النور وهو ينتشر عبر المشرق حاملاً علامات جديدة لحضور الأب السماوي، واشترك مع كل خلائق الكون في تقديم السبح لله الحال في كل مكان."

 

من تعليق ألبرت بارنز على (مر1: 35)