الشفاء من الصدمات

الشفاء من الصدمات
  • اسم المؤلف كارولين يودر
  • الناشر دار الثقافة
  • التصنيف مشكلات شائعة
  • كود الاستعارة 77/3

نترككم إذاً، للعرض التالي من نص الكتاب ذاته، والذي يبدأ بتوصيف معنى "الأحداث الصادمة"، كالتالي:


-         أحداث تحمل تهديداً للحياة أو للجسد.


-         ينتج عنها رعب وشعور بالعجز.


-         تغمر الفرد أو المجموعة فتؤثر على قدرته الأشخاص على الاستجابة للتهديد وتدبر الأمر.


-         تقود إلى إحساس بفقدان السيطرة.


-         تتحدى إحساس الفرد أو المجموعة بوجود معنى ونظام للحياة.


تُُضعف الأحداث والمواقف الصادمة من قدرتنا المعتادة على الاستجابة للتهديدات والتعامل معها. وفيما يلي أكثر الضغوط والأحداث الصادمة شيوعاً:


-         الاعتداءات وإساءة المعاملة جسدياً، عاطفياً، جنسياً (والاغتصاب).


-         الحوادث.


-         إيذاء الآخرين بطريقة مقصودة من المجرمون والمعذبون ومسيئو المعاملة، والإرهابيون بما ذلك الإرهاب التي تجيزه الدولة أو ترعاه، وسوء استعمال السلطة.


-         إيذاء الآخرين أثناء أداء الواجب، تنفيذ القانون، ومنفذو أحكام الإعدام، وموظفو العسكرية.


-         السياسات الاقتصادية، والفقر.


-         التشرد، اللجوء.


-         الكوارث التي يتسبب بها الإنسان: الملوثات الكيمائية، انهيار أرصفة الموانئ والسدود.


-         العيش في ظل احتلال، أو في ظل ظروف استعباد أو أشغال شاقة.


-         العنف الجماعي: الهجمات، المذابح، الإبادات الجماعية، الحروب.


-         الكوارث الطبيعية، والبراكين، الزلازل، الأعاصير، تسونامي.


-         تجاهل أولئك الذين لا يستطيعون رعاية أنفسهم.


-         الأمراض الخطيرة، الأوبئة والأمراض المتفشية مثل الإيدز، والإرهاب البيولوجي.


-         العنف البنيوي: الأساس والبناء الاجتماعي الذي يحرم الناس من حقوقهم ومن قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية.


-         الفقدان المفاجئ لأحباء، لمكانة، لهوية، لممتلكات، لموطن، أو لأرض.


-         التغيير المفاجئ للقوانين، والتوقعات، والأشياء المألوفة، الثورات الاجتماعية.


-         العمليات الطبية والجراحية وعمليات الأسنان وكذلك عمليات الولادات المتعثرة.


-         التعذيب.


-         مشاهدة وفاة أو إصابة.


بالاختصار، يوجد العديد من انواع ومسببات الصدمات، والآن نتحول إلى أشكال استجابتنا كأفراد ومجتمعات للأحداث الصادمة.


[ملحوظة من الموقع: للمزيد عن تفاصيل أعراض الصدمة على الأفراد (لا الجماعات) وكيفية التعامل معها، يمكنك قراءة المحاضرة التالية:]


 التعامل مع الأزمات والصدمات


 


الصدمات المستمرة ذات الطابع البنيوي


ليست جميع الصدمات ناتجة عن أحداث درامية فردية خارج النطاق الطبيعي لخبرة البشر، مثل إعصار أو حادث أو حتى موت شخص في تفجير مركز التجارة العالمي في "11 سبتمبر". قد تنتج الصدمة عن العيش في ظل ظروف قاسية أو غير آمنة مستمرة طويلة الأجل. هذا هو الحال مع الحروب الأهلية أو مع الصراع للبقاء في ظروف مهلكة، الظروف التي كانت في الماضي نادرة، مثل الهجمات والاغتصاب، وأعمال العصابات، هي الآن أمور عادية تحدث في مناطق كثيرة حول العالم.


الاحتمال المستمر لحدوث وفاة أو أذى في مناطق الصراعات، أو حيث تعيش كثافات سكانية في ظل ظروف احتلال أو في خوف من الإرهاب، لا يقلل من قدر الصدمة. العنف المستمر للفقر والأنظمة التي تعوق الناس عن تسديد احتياجاتهم الأساسية، مثل الرعاية الصحية، يطلق عليها العنف البنيوي ويعد أحد مسببات الصدمات. وغالباً ما يكون حدوث هذا النوع من الصدمات غير ملحوظ إلى أن يحدث شئ مثل إعصار كاترينا ويكشف ما كان موجوداً منذ البداية.


في الكتابات التي تتناول الصدمات لا يوجد مصطلح ثابت يصف تجربة العيش بالصدمة المستمرة، لقد أُطلق عليها "الصدمات المتراكمة"، "الصدمات المستمرة"، "الصدمات المزمنة"، "الصدمات المتتالية، المتعددة أو الجامعة". قد تكون "مارثا كابريرا" التي كانت تعمل ببرامج الشفاء من الصدمات بنيكاراجوا، أفضل من وصف تلك الصدمات عندما أشارت إلى مجتمعها بأنه مُضاعف الجرح، ومُضاعف الأذى، ومُضاعف الحزن بعد تعرضه للصراعات لعدة عقود. وتكون الآثار النفسية، والروحية، والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية لمثل هذه الصراعات الشاقة المستمرة عميقة جداً، ليس فقط بالنسبة للأفراد بل للمجتمع ككل.


 


 


الصدمات الجماعية أو المجتمعية


عندما يؤثر حدث أو سلسلة من الأحداث الصادمة على أعداد كبيرة من الناس، فنحن إذن نتحدث عن صدمة جماعية أو مجتمعية. قد تُختبر الصدمات بصورة مباشرة، ولكنها قد تحدث أيضاً عند مجرد مشاهدة (عبر التليفزيون) الأحداث المروعة أو السمع عنها، وتعرض مجموعةٍ ما لصدمة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، قد يمثل بداية رحلة ممتدة من الخوف، والرعب، والعجز، والغضب. مثل هذه الأحداث ليست مجرد تجارب خاصة بل لها تأثير على المستويات الإقليمية والقومية، وينتج عنها صدمات مجتمعية.


بعض هذه الصدمات تختص بثقافة معينة أو مجتمع بذاته، فعلى سبيل المثال نجد "11 سبتمبر" يستدعي في الحال لدى المواطنين الأمريكيين وآخرين أيضاً صور هجمات عام 2001 على مدينة نيويورك وواشنطن، بينما يمثل "11 سبتمبر" بالنسبة لشعب تشيلي صدمة 11 سبتمبر 1973 السقوط المؤيد من قبل الولايات المتحدة لحكومة "سلفادور ألاند" المنتخبة من قِبَل الشعب. كما يُذَكر 11 سبتمبر 1990 العديد من سكان وسط أمريكا بحادث طعن عالم الإنسان الجواتيمالي "ميرنا ماك" الذي كان يعمل على توثيق الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان.


في إطار المجتمع الواحد ، فإن جماعات الثقافات الفرعية قد تختبر الأحداث بشكل مختلف، وذلك بناءً على مدى اقترابها من الخطر أو بناءً على طبيعة صلتهم بضحايا هذه الأحداث.


 


 


الصدمات التاريخية تنتقل عبر الأجيال


الصدمة التاريخية هي "الجرح النفسي والعاطفي المتراكم على مدى الحياة وعبر الأجيال والمنبعث من صدمة الجماهير". العبودية، والاستعمار، والاضطهاد أو الإبادة الجماعية لحزب أو مجموعة دينية، هي بمثابة  أمثلة لتلك الصدمات، إذ أن "الحدث" أو أساسه كان في الماضي، ولكن آثاره متراكمة وتظهر في اتجاهات وسلوك الأفراد والمجموعات في الأجيال اللاحقة. قد يحدث النقل عبر الأجيال لهذه الصدمات عندما لا يعرف الجيل التالي بقصة الصدمة، أو عندما يعرف الخطوط العريضة فقط لها. كما أن "الاتفاق على كتمان الأمور" يحيط بالأحداث التي لم تشهد حزناً أو نوحاً.


تحدث الصدمات الحضارية عندما تكون هناك محاولات لاستئصال جزء أو كل من الحضارة أو الشعب، مثلما حدث مع العديد من المجموعات الأهلية والقومية في العالم.


 


 


الصدمات الثانوية


الصدمات الثانوية أو صدمات الإنابة تشير إلى التأثيرات التي يعاني منها عاملو الإنقاذ ومانحو الرعاية، وآخرون ممن يستجيبون للكوارث ويتعاملون مع ضحاياها بشكل مباشر. وقد حدث هذا النوع من الصدمة مع العديد من الصحفيين، الذين كان عليهم تغطية شهادات الضحايا بلجنة الحق والتصالح بجنوب أفريقيا، بنقل ردود فعل ما بعد الصدمات والتي كانت مليئة بالضغوط، بالرغم من تعليمهم مسبقاً كيفية تجنب إصابتهم شخصياً بالصدمات، وتشبه تأثيرات الصدمات الثانوية تلك التي يمر بها الضحايا والناجون أنفسهم.


 


 


صدمات المشاركة


سبب آخر من أسباب الصدمات، والذي نادراً ما يُذكر، هو كون الشخص مشاركاً فعالاً في إلحاق الأذى بالآخرين أو صدمهم، سواء كان ذلك واجب عليه تأديته أو هو فعل خارج عن القانون. وتشير عالمة النفس "راتشيل ماكنير" إلى أن النتائج الصادمة التي تترتب على الإيذاء المتعمد أو غير المتعمد للآخرين قد تكون بنفس قدر قسوة ما يتعرض له الضحايا والناجون من الصدمة، بل وأكثر. والقضايا التي تناولتها "ماكنير" لها أهميتها بالنسبة للمجموعات والمجتمعات والشعوب؛ ما هي المعاني العاطفية والروحية للمجموعات أو الشعوب وراء أحداث المذابح، أو الإبادات الجماعية، أو العمليات الانتحارية، أو الاغتيالات التي تدعمها الدول أو الحروب الوقائية؟


 


لتعقب وفهم العلاقة المتبادلة بين الصدمة والعنف والأمان، سوف نستخدم ثلاثة أشكال توضيحية من شأنها تشكيل النموذج الذي نُطلق عليه "رحلة الشفاء من الصدمات" محطمين دائرة العنف والضحايا. أول هذه الأشكال، دائرة الناجي/الضحية، والتي تصف الاستجابات الطبيعية الشائعة للصدمات عندما يُحطم العنف شعورنا بالأمان. لاحظ أنه بالرغم من أن الاستجابات في هذه الدورة مرقمة إلا أنه في واقع الحياة قد لا تحدث هذه الاستجابات تلو الأخرى، أو بهذا الترتيب الدقيق.


 




 


الصدمات المستمرة


في البيئات التي توجد بها صدمات مستمرة، نجد أن السمات التي تظهر عقب كل حادث صادم، والتي نعدها سمات غير صحية، قد تكون علامات للتكيف الضروري للبقاء، بعد حدوث الصدمات المستمرة أو المضاعفة. فنجد مثلاً أن الحذر المفرط يساعد الناس على البقاء على قيد الحياة في حي تكثر به الجريمة، أو عند العيش في ظل احتلال عسكري، أو عند الوقوف في دورية حراسة في منطقة حرب. كذلك يساعد التخدير العاطفي ورفض الحادث الصادم على ترك اليأس، فيتمكن البالغون من الذهاب إلى أعمالهم والأطفال إلى مدارسهم في ظل الظروف القاسية.


مثل هذه التكيفات قد تكون "طبيعية" ولكن هذا لا يعني كونها صحية طوال الوقت، فالاستجابات طويلة الأجل التي تتصف بالضغط والإجهاد تتضمن تغييراً في الأسلوب الذي نفكر به في أنفسنا، والأسلوب الذي نرى به أولئك الذي قاموا بإيذائنا، وعلاقاتنا بالآخرين، وقدرتنا على ضبط عواطفنا، ومفهومنا عن المعنى.


تقول "جوديث لويس هيرمان" إن الذين يختبرون صدمات مفردة يشعرون في معظم الأحيان بأنهم قد يفقدون صوابهم، أما أولئك الذين يتعرضون لصدمات طويلة الأجل يشعرون بأنهم قد خسروا أنفسهم. ولهذا الأمر مدلولاته الجادة على صحة الناس، ومرونة النسيج الاجتماعي للمجتمع، ونجاح خطط التنمية، ورجاء الأجيال القادمة.


في بعض مواقف الصدمات المستمرة، ينمو إحساس قوي بالمجتمع إذ يتحد الجميع معاً لمساعدة بعضهم البعض. ووفقاً لما يوجزه الجزء التالي، فالنقيض أيضاً قد يحدث: قد تنهار الثقة بين الناس في ظل تهديد عدم الاستقرار الاقتصادي، أو السياسي، أو الاجتماعي. وقد يملأ الناس الشك أو العداء تجاه الآخرين، خاصة أولئك الذين يختلفون عنهم. وفي بعض الأحيان قد يخلق رجال السياسة عن عمد مواقف من شأنها أن تهدم الثقة. ومع زيادة الشعور بعدم الأمان وتهديد الهويات، قد يعود الناس إلى عشائرهم أو مجتمعاتهم الدينية، أو العرقية، أو النسبية.


 


 


صدمات المجموعات الكبيرة


صدمات المجموعات الكبيرة التي تؤثر بشكل مباشر على مجموعات بأكملها أو على المجتمع ككل تتضمن الكوارث الطبيعية، والحوادث التي يتسبب فيها البشر، وأفعال الإيذاء المتعمد – أو مزيج من هذه كلها. (مثال على ذلك إعصار كاترينا وتسونامي عام 2004). لقد قضي "فاميك فولكان" عدة عقود في العمل مع الصراعات الاجتماعية السياسية الخاصة بالمجموعات الكبيرة، وكان يدرس آثار صدمة المجموعة الكبيرة على المجتمعات الحاضرة والمستقبلة في مختلف أنحاء العالم.


ووفقاً لفولكان، فإن أصعب الصدمات هي التي يتسبب بها الآخرون عن عمد. فقسوة الأذى المتعمد تؤثر فيها بشدة. وفي الكثير من الأحيان يقود هذا إلى سلسلة متوقعة من ردود الفعل التي تبدأ دائرة العنف، فنستجيب بالخوف، والغضب، واليأس، والذل بهوية متزايدة للمجموعة، ورغبة في الإنصاف، يكون لدينا احتياج للعدالة، وعندما يتم تجاهل هذا الاحتياج، قد نرغب في الانتقام. فبدون اختيار العدالة، تصبح أعمال الإيذاء المتعمدة "صدمات مختارة"، وهي حادث صادم مشترك يتم "اختياره" ليظل حياً عبر الأجيال وليصبح جزءاً متمماً لهوية المجموعة، ويصاحب "الصدمات المختارة" إحساس متملك بظلم "الآخر" وإحساس بالقوة.


هذه الآثار المترتبة على الصدمة تذهب بنا إلى الفصل بعنوان: "دائرة الصدمة غير المشفية".


 


 


الاستمرار في الدوائر: صدمة غير مشفية


"الألم الذي لا يتحول، ينتقل" (ريتشارد رور)


 


عندما يزعزع عنف الصدمة – سواء إرهاب أو إعصار – أمننا، فإننا نقف في مفترق طرق. غير أنه من الممكن أن نبدأ في تحويل المعاناة إلى شئ ذي معنى يساعد على الشفاء، كهبة للعالم، وهذا هو محور الفصل الخامس (من هذا الكتاب).


أما الآن، فسوف نتأمل الطريق الآخر الذي يكثر الارتحال به، حيث تتخذ استجابات الصدمات الطبيعية شكل دوائر مدمرة من العنف والضحايا. ونتائج هذا الاختيار تتجلى يومياً في وسائل الإعلام وفي القصص التي يرويها الأفراد أو المجموعات عن المرض أو الوفاة. أو الخسارة، أو الخيانة، أو المعارك أو الحرب. والموضوع هي المعاناة، الظلم، الخوف، اليأس، العجز، الخزي، الذل، الغضب، الانتقام والكراهية.


يطلق "فريد لاسكن" على هذه القصص المتكررة اسم "قصص المظالم". والأفراد أو المجموعات الذين لا تتغير "قصصهم" الحزينة هم في مأزق. فالاستجابات الطبيعية الشائعة للصدمات تبقى وتتخذ شكل دوائر مدمرة من العنف والضحايا.


سنستخدم دائرة العدو/المعتدي لنتأمل الدوائر الخاصة بالصدمات غير المشفية للأفراد والمجموعات، بما في ذلك بعض العوامل المعقدة المساهمة. سوف نرى كيف ينقاد الأشخاص الذي تعرضوا لمعاناةٍ إلى الدوائر المميتة التي تتسم بعنف "الثأر" والتي تمتد نتائجها على مدى شهور وسنين بل وقرون. ولكن دعونا أولاً نتحدث عن إطار العمل الشائع استخدامه لفهم الصدمات غير المشفية: "اضطراب ما بعد الصدمات".


 


 


حدود تعريف الصدمة غير المشفية في إطار "اضطراب ما بعد الصدمة".


اضطراب ما بعد الصدمة هو تشخيص يُقدم لأفراد بواسطة متخصصين في مجال الصحة العقلية وفيه نجد استجابات وأعراض قاسية للصدمات تستمر لأكثر من شهر. وتتضمن هذه الأعراض إعادة الاختبار المستمر للحادث الصادم، وتجنب مستمر للمثيرات المرتبطة بالحادث، وتخدير لسرعة الاستجابة العامة، وأعراض مستمرة لليقظة المتزايدة.


هناك مناقشات مستمرة حول مدى فائدة هذا التشخيص واستخدامه، خاصة في الأحداث الواسعة النطاق، والصدمات المستمرة، ومع المجتمعات غير الغربية. ومن المُتفق عليه أن نسبة قليلة فقط من الناس هي التي تكون استجاباتها قاسية وتحتاج إلى رعاية لصحتها العقلية. لكن البعض يرى أن استخدام هذا التشخيص بشكل واسع هو استجابة طبيعية للمواقف الصادمة.


ولكن هناك أيضاً خطراً في التقليل من شأن استجابات الناس للصدمات إن كان "اضطراب ما بعد الصدمة" هو المعيار الذي تقاس به الصدمات. وكما فهمنا، فإن الصدمات تؤثر على الجسد، والعقل، والروح. وأثناء الصدمات المستمرة أو عقب حادث صادم، قد يظهر الأفراد أو المجموعات هادئين أو "طبيعيين" ولا يظهرون من استجابات ما بعد الصدمات إلا القليل جداً أو لا شئ على الإطلاق.


يتسم البشر بمرونة هائلة والكثير من الناس يتدبرون أمرهم جيداً. ولكن إن لم يتم التعامل مع الصدمة، أو إن كانت مستمرة، فالعديد من الناس سيختبرون إما حالة التخدير والتجمد (الضيق) أو الاستثارة الداخلية بشكل زائد، أو التأرجح بين الحالتين. "فالمهم" ليس غياب استجابات ما بعد الصدمات، ولا في القدرة على القيام بالوظائف الأساسية (مثل استمرار الذهاب إلى المدرسة أو العمل)، ولكن في مدى جودة العلاقات وفي سلوك الأفراد، والجماعات، والمجتمعات في الشهور والسنين، والقرون اللاحقة. نحتاج أن نتأمل في كيفية تأثير الصدمات على تغيير سلوك الأفراد والمجموعات والمجتمعات حتى نستطيع أن نفهم التأثير الكامل للأحداث أو الأوقات الصادمة.


 


 


إعادة التمثيل واستثارة الأحداث


سلوك إعادة التمثيل – أولئك الذين يحولون طاقة الصدمة غير المشفية ضد أنفسهم (إلى الداخل) أو ضد آخرين (إلى الخارج) – يدل على الضيق وعدم الشفاء من الصدمة. (انظر الشكل اللاحق). وعلامات القلق هذه عادةً ما تُكثف (بغير وعي) عند اقتراب الذكرى السنوية للحادثة الصادمة. وعلى النقيض، نجد أن إعادة التمثيل يمثل أحياناً محاولة للتخلص من آثار الصدمة. وسلوك إعادة التمثيل يعد من أهم قضايا الصحة العامة ويشير إلى أن الناس أو المجموعات بحاجة إلى مساعدة نفسية وروحية.


وعادةً ما تظهر آثار الصدمات غير المشفية عندما تتسبب حادثة صغيرة – كرائحة، أو إشارة، أو نبرة صوت، أو نشاط مجموعة، أو رمز -  في إحداث رد فعل عدواني. أو عندما تدفعنا ذكرى واعية أو غير واعية للقيام برد فعل دماغي متدني. وكلما تم تجاهل الصدمة، كلما زادت عصبيتنا وأصبحت هي الوسيلة المعتادة لاستجابتنا. ومع استمرار حالة اليقظة الزائدة لدنيا والتي تنتج عن الصدمات غير المشفية، قد يصبح دماغنا العقلي غير منطقي ويشير إلى وجود "تهديد" حتى مع الأفعال الحميدة للآخرين، سواء كانوا أفراداً أو مجموعات.


 


 


الحزن غير المكتمل


الحزن أو الأسى الصحي هو مفتاح الشفاء من الصدمات، سواء كان بسبب خسارة فردية، أو آثار إرهاب، أو كوارث طبيعية. فالحزن يساعدنا على اختراق السكون، أو حالة التخدير، أو الكبت الذي حمانا في بادئ الأمر من الألم غير المحتمل.


الحزن والأسى يكسران جمود جسدنا وعقلنا وروحنا حتى نتمكن من التفكير بأسلوب خلاق، وتكون لدينا مشاعر، ونتقدم للأمام ثانية. ولكن كثيراً ما يقاوم الأشخاص الحزن لعدة أسباب، أولاً، لأننا نجد أن المشاعر عند ترك حالة التخدير أو الرفض قد تكون قوية، كالموت. وتتأرجح المشاعر بين الذل، والغضب، الخوف، واليأس. فتظل الصدمة مكبوتة بينما نحاول أن نكون أقوياء: "لنتغلب عليها ونستمر في الحياة". ولكن كثيراً ما يختنق الغضب في الداخل. وتُظهر دراسات الدماغ أن الغضب والهياج يعوقان القدرة على الشعور بالحزن، وبهذا تتعقد عملية الحزن.


ثانياً، لن نستطيع أن نحزن على ما لا نعترف به. قد نكون "خسرنا" أو فقدنا اعتبارنا. وقد نكون "ربحنا" ولكننا نخاف من أن نحزن على خسارتنا لأن ذلك يعني أن "الآخر" قد تغلب علينا في شئ. في بعض الأحيان يبدو أن معرفة حقيقة ما حدث تدمر آخر بارقة أمل لنا.


ثالثاً، الإقرار، هو تدريب على قول الحق، ولذلك فهو يهدد النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما تحاول العائلات التقليل من شأن مشكلات سوء استغلال المادة (الإدمان) أو تنقلب ضد من قام بعرض المشكلة خوفاً من أن ذلك سيزعج عالمهم. وعلى المستوى القومي، أولئك الذين يفضحون أمر الأفعال الشنيعة والسياسات الرهيبة يمكن تصنيفهم بأنهم "غير وطنيين" بل وقد يصل الأمر إلى تشويه سمعتهم وإسكاتهم، أو حتى قتلهم.


رابعاً، في بعض الظروف يستحيل معرفة ما حدث، كما هو الحال مع الجرائم التي لم تُحَل، والجنود الذين تم أسرهم أو فقدهم في ميدان القتال، وحالات الانتحار، والأشخاص المحتجزين من قبل الشرطة بصفة غير رسمية. مثل هذه المواقف تخلق ما أطلقت عليه "بولين بوص" (Pouline Boss) اسم "الحزن الغامض" أو "الكآبة المتجمدة" للأحباء وللمجتمع كله. وحتى إذا رغب الناجون في معرفة الحقيقة فلن يستطيعوا إلا على مراحل، إذ أن المعلومات تكون غير متاحة.


خامساً، يمكن مقاومة الحزن أيضاً إذا كانت الأحداث الصادمة قاسية ومستمرة، كما هو الحال في بعض مناطق الشرق الأوسط أو غرب إفريقيا. حيث يكون محور التركيز هو البقاء على قيد الحياة، إذ أن الاهتمام بأمان اليوم يفوق جميع الاهتمامات الأخرى.


سادساً، يزداد الحزن أيضاً بعد إيجاد جثة الشخص المتوفي المحبوب لدينا، او برؤية فرد من العائلة يُدفن ضمن دفناً جماعياً، كما حدث عام 2004 بعد تسونامي، بدون الطقوس الدينية والثقافية المعتادة.


بغض النظر عن أسباب الحزن غير المكتمل، فإن الحزن المتجمد الناتج عن ذلك يقاوم الشفاء ويجعل الناس تتصرف وفقاً لحالات الدماغ المتدنية لديهم.


قد يتحول الخوف الطبيعي إلى ذعر وارتعاب، والألم إلى يأس، والغضب إلى ثورة، والذل والعار إلى شعور متملك بالرغبة في الإنصاف. قد يختلط البحث عن العدالة المتزنة بالانتقام والثأر. وتزداد قوة هذه النماذج والإحباطات عندما لا يُسدد الاحتياج للعدالة (كما نرى في الفصل الثالث). ومما يخيف أكثر أننا قد نميل إلى اختلاق القصص التي تحولنا من كوننا ضحايا/ناجين إلى معتدين.


 


 


دائرة العدو/المعتدي


عندما تأتي الصدمات إلى عالمنا، نبدأ في البحث عن سبل لتفسير ما حدث. نروي القصص والحكايات التي قد تعطي معنى للأحداث. عندما نتعرض لتهديد الخوف، أو الحزن، أو الاحتياج غير المسدد، فإننا، وبغير وعي، نأتي عادةً بقصص مألوفة ونتبعها بدون تفكير. وفيما يلي نموذجان لقصص اعتدنا أن نسترجعها في هذه المواقف (الروايات الشائعة):


- الخير مقابل الشر.


- العنف التعويضي.


في حينها، كانت تلك القصص تبدو منطقية بل ونبيلة. على كلٍ، هي بمثابة مجازات عصبية مألوفة! ولكن الجزء الثاني للنموذج، دائرة العدو/المعتدي، تعرض لنا كيف أن كتابات المعاني المختلفة قد تقود إلى دوائر العنف المميتة التي يمكن أن تؤثر على العائلات، والمجتمعات والشعوب لعدة أجيال.


 



هذا الجزء من النموذج يعد استجابة ضد الآخرين. بينما تبدو من النظرة الأولى أكثر ارتباطاً بمواقف مثل الهجمات الإرهاب. والأنشطة المشابهة تحدث مع أولئك الذين يتعرضون لكوارث طبيعية أو عنف بنيوي.


وعلى الرغم من أن دائرة العدو/المعتدي تتقدم أكثر من دائرة الضحية/الناجي، غير أن بعض المواقف القليلة لا تشهد ذلك. وكانت المفاهيم في الأصل مُطبقة على صراعات المجموعات الكبيرة، وهذا هو محور التركيز في دراسة لاحقة في هذا الكتاب. ولكن قد تطبق تلك المفاهيم أيضاً على الأفراد، كما هو الحال في صراع الطلاق المرير.


دائرة العدو/المعتدي ليست استجابة حتمية للأحداث الصادمة ولكنها أصبحت شائعة جداً. يصف "فولكان" هذه الاستجابات على أنها "طقوس نفسية خاصة بالمجموعات الكبيرة" التي يكون لها تأثير أثناء الصراعات العرقية، أو القومية، أو الدينية، أو الخصومات، أو الحروب. تبدأ هذه الدائرة في العمل إذا لم يحدث شفاء ويعتبر أعضاء المجموعة أنفسهم ضحايا مظلومين. قد يكون الإحساس بالظلم ناتج عن الأحداث التاريخية، مثل صدمة حادة، أو من أزمة حديثة مثلما يحدث عندما يتم خرق هوية وكبرياء مجموعة سبق وأن كانت تشعر بالأمان بواسطة تهديد أو هجوم مفاجئ.


وبغض النظر عن أصول النشأة كلما تهدد أمن الجماعة، زاد تشبث الأعضاء بهوية مجموعتهم. ويبدأ إحساس "نحن ضدهم" في الظهور والتعمق ويُعبر عنه من خلال الرموز الوطنية أو الرموز الداخلية للمجموعة مثل الأعلام، الأناشيد، الملابس، الغذاء أو عادات أخرى.


 


 


روايات الخير مقابل الشر


في ظل مناخ مفرط في التوتر، تتبنى المجموعات بدون تفكير روايات الخير مقابل الشر لتفسير ما يحدث وليكون لديهم الشعور بالتبرئة. فهي تسمح للجانب "الصالح" بأن يعكس صفاته غير المستحبة على شخصية العدو الذي تم تجريده من الصلاح البشري. وتسليط الضوء على الشر الذي فيه أمام الفرق الأخرى يحول التركيز بعيداً عن نقصات الجانب "الصالح" ودورهم في الصراع، واختلال وظائفهم، أو أمراضهم المجتمعية الداخلية. وفي الواقع، يصبح "الآخر" بمثابة كبش الفداء.


يستطيع كلٍ من القادة، ووسائل الإعلام، والمواطنين غير المفكرين، تعزيز روايات الخير مقابل الشر إلى أن تصادفهم تجربة خاصة. فمثل هذه الروايات قد تصبح صدمة مختارة تستخدمها مجموعةٍ ما لتؤسس عليها هويتها الجماعية. وما أن تدخل في نطاق ثقافة مجتمع، يصبح من الصعب إزالة رواية الصدمة المختارة. في ظل هذا الجو تصبح الحقيقة هي المشكلة الأساسية. إذ يتم تحريف الحقائق، وتجميل الدوافع، وخلق الأبطال والأنذال،. وأي تحدي لتلك الروايات يعد بمثابة خيانة.


إذا اعتقدت مجموعة أو أمة في رواية الخير مقابل الشر، فإن تصوير "الآخر" كشيطان ومحاولة تجريده من الإنسانية يحدثان بسهولة. وتبدأ أسماء مثل "الإرهابي" أو "محور الشر" أو "الكافر" بالامتزاج مع أوصاف مثل "لا إنساني"، و"جنوني"، و"حيواني"، و"همجي". وحيث يكون "الآخر" شريراً وبلا إنسانية لا يتم تطبيق المعايير الأخلاقية لقداسة الحياة عليه. وهكذا، فإن تحليل مبسط مع حل بنفس قدر البساطة تكون له قوته: إن كان الأشرار هم سبب المشكلة، فالحل هو الانفصال عنهم، أي التخلص منهم، أو حتى قتلهم.


 


 


روايات العنف التعويضي


ثاني نموذج للروايات الشائعة هو رواية العنف التعويضي القديمة: ضرورة استخدام العنف ضد العنف. فيبدو وكأن العنف هو الذي له القدرة على جعلنا نشعر بالأمان والحرية، ويعيد لنا الشعور بالكرامة والافتخار. ففي قصة "لام" (تم ذكر قصة الصدمة التي تعرض لها بلده قبلاً في سياق الكتاب) نجده يقول:


"غمر الشعور "بالصدمة المختارة" مجتمعات وقبائل بأكملها. فنراهم يبررون أفعال الثأر لضحاياهم ويُعرفون المواطنين المماثلين لهم بأنهم "الآخر" الذي يستحق معاناتهم. فنجد، على سبيل المثال، إن معظم الناس يشعرون بأنه يسوغ لهم استخدام الوسيلة العسكرية التي تُعرف "بسياسة الأرض المحروقة" لأنهم هم أيضاً تعرضوا للمعاناة. كان معظم الشماليين يتم تصنيفهم بأنهم "قتلة" ويستحقون القتل. وقُتِل بالفعل العديد من الأبرياء بأكثر الأساليب وحشية، إذ كان يتم حرقهم بعد وضع إطارات السيارات حول أعناقهم."


وكما ذكر "جيل بيلي" وآخرون، فإن العنف المتبادل يمكن تطبيقه على المستقبل، لتبرير العنف ضد "الآخر". كما يمكن تطبيقه أيضاً على الماضي، لتبرير وتفسير الحاضر.


 


 


دور القادة


يعد التهديد والأمان من القضايا الهامة التي تحتاج إلى المناقشة من قِبَل المجموعات والشعوب. ولكن متى بالغ القادة والمواطنون في الحذر عندئذٍ يصعب تحديد القدر الحقيقي للتهديد. بالغرم من أن هذا قد يحدث دون قصد أو وعي، ولكن "القادة الحاقدين" كما يدعوهم "فولكان" يزيدون من حدة القلق والخوف بواسطة:


- التهويل من شأن الخطر.


- تشويش الحقيقة والوهم.


- يهاجمون العامة بتذكيرهم المستمر باحتمال وقوع مصائب، وتهديدات محتملة غير محددة.


- خداعهم بواسطة حجب، أو تشويه، أو إساءة تقديم الحقائق، والأهداف والمواقف.


- إشراكهم في إهانة الآخرين.


- تصنيف الآراء المعارضة على أنها خائنة ومخالفة للوطنية.


- تجريد الآخر من الصفات الأساسية باستخدام المصطلحات الفاصلة مثل "نحن/هم" و"الخير/الشر".


وفي ظل ظروف الصدمة، نجد أن "إدراك الحقيقة" له نفس أهمية "الحقيقة" ذاتها. خاصة عندما يتعلق الأمر بالاستجابة الجماعية والرغبة في اتِّباع مثل هؤلاء القادة. وكلما زاد الإدراك بالتهديد، كلما زاد شعور المجموعة بوطنيتها وكلما زاد الاعتقاد بأن إمكانية موت الإنسان من أجل قضيته أو قضية وطنه أفضل من ضياع الهوية. وكلما زاد إدراك التهديد كلما زاد "الشعور بأنانية الضحية" – أي أن الآلام التي نشعر بها تعمينا عن رؤية الآلام التي نتسبب للآخرين بها.


أما "لويس دياموند" المؤسس الشريك لجمعية الدبلوماسية المتعددة الوسائل"، فيصف قائلاً:


"لقد شاهدت القادة السياسيين في كل مكان في العالم وهم يستخدمون الخوف للتلاعب بالناس. وهذا من الأساليب الشائعة التي تضمن لمن هم في موقع سلطة الحفاظ على مواقعهم. فهي تعزف على أدنى درجات الإدراك عند البشر. إذ عندما يقع الإنسان فريسة للخوف ويكون في حالة شبيهة بالتنويم المغناطيسي، يكون في حالة عجز، وبذلك تُقوَض الديمقراطية ولا يحدث تطور بالمجتمع البشري أو بالنفس البشرية."


ويستمر الأفراد، أو المجموعات، أو الشعوب الذين تعرضوا لصدمات في هذه الروايات القديمة كما لو كانوا منوَمين مغناطيسياً غير مدركين للأحداث الأسطورية التي تنطوي عليها. وبغض النظر عن الاسم الذي نطلقه على هذه الظاهرة، سواء "الحياة بلا وعي" أو "انخفاض العمل الوظيفي للدماغ" أو "الإنكار الجماعي" أو "الطبيعة المتدنية" أو "إعادة تمثيل الصدمات، أو الخطايا، أو الأفكار" فإن النتيجة النهائية واحدة ألا وهي: إن مهاجمة "الآخر" يبررها الدفاع عن النفس، والعدالة، والأمان، والشرف، والحرية.


ولكن الأمان الذي نتوق إليه، ونحارب من أجله حتى الموت نادراً ما يكون من النتائج الطويلة الأجل. أما العنف حتى وإن كان في ظل حرب عادلة أو مقدسة، فيخلف وراءه أشخاص ومجتمعات مصدومين، ومذلولين، ومفرطي الحذر، ومرتعبين، وحزانى. فهو يخلق المزيد من المجموعات ذات الإحساس المضاعف بالهوية، والذين لهم رواياتهم الخاصة عن "الخير مقابل الشر" ولديهم احتياجات للعدالة والإنصاف. كما أن العنف يساعد على قيام المزيد من دوائر "الناجي/الضحية" التي قد تأخذ شكل دائرة "العدو/المعتدي" للعنف. وهكذا فإن قصة أخرى للثأر، مثل القصص التي تملأ صحفنا كل يوم، تبدأ من جديد. كما يقول "لام": "تأسس العنف كاستجابة للقضايا السياسية التي كانت تتطلب الحوار والتفاهم. والرغبة في الثأر هي التي ساعدت على استمراره."


 


تحطيم الدوائر: الرحلة إلى الشفاء والأمان


"إن حدث لك أو لشخص تحبه شئ رهيب، فالاستجابة الطبيعية والمفهومة لذلك هي الكراهية، والشعور بالمرارة، وطلب الثأر. ولكن المشكلة تكمن في أن الكراهية لا تدمر أعدائنا بل تدمرنا نحن. لذلك علينا أن نجد السبل لإدراك مكمن السم والابتعاد عنه وتلك هي الرحلة التي علينا أن نذهب فيها."


(الأب مايكل لابسلي)


الجزء الثالث من تحطيم نموذج الدوائر يختص بالوصول إلى الأمان من خلال الشفاء من الصدمات وتحويل العلاقات. وهو مؤسس على مفارقة ثورية: أننا نصبح أكثر أماناً عندما نرفع من أمان جيراننا، من الأصدقاء أو الأعداء على السواء. والأفكار المقدمة هنا ليست كاملة ولا مكتملة، بل هي ببساطة جزء من البحث لإيجاد أسلوب للاستجابة للعنف والصدمات مع البقاء على الحياة.


التخلي عن الصراع، أو الهرب، أو التجمد كاستجابة للصدمات يتطلب اهتماماً بشفاء الجسد والذهن والروح. تصف "مارثا كابريرا" الاحتياج "لإعادة البناء الروحي" للأفراد، والجماعات، والمجتمعات التي تعرضت للعنف. ويتحدث "بيتر ليفين" عن روح التعاون، والإبداع، والمرونة، والشعور بالانتصار الذي يختبره أولئك المشفيين. تُشير "باولا جاتلاف" وآخرون إلى أهمية الشفاء النفسي:


أنشطة الدعم الاجتماعي والنفسي التي تساعد المجتمعات على أداء وظائفها بشكل ثابت وصحي عقب الصراعات.


في برنامجنا "STAR" (برنامج الجهة الراعية للكتاب) نرى جوعاً شديداً للاستجابة للتهديدات بأسلوب لا يعتمد على مهاجمة المجموعات الأخرى. ونحن نؤمن بأننا سنشعر جميعاً بالأمان إن استطاعت نسبة صغيرة فقط من المصادر المالية والفكرية، والتي تنشغل الآن بالإعداد للدفاع عن أنفسنا بواسطة الحرب، أن تكرس نفسها لشفاء المجتمع من الصدمات وتدريب عامة الشعب والحكومات على كيفية الاستجابة للخطر بأساليب سلمية.


 


العناصر الرئيسية في تحطيم الدائرة


1-    الشعور بالأمان له أهميته، عندما يستحيل تحقيق الأمان الجسدي، فإن هناك عوامل أخرى تأخذ مكانه، منها:


-   قرار بالسلوك الحسن بالرغم من التهديد.


-   أساس روحي ونفسي.


-   مساندة الآخرين.


-   القادة المستنيرون.


 


2-    الإقرار يمكن أن يضع الأساس لنمو ما بعد الصدمات


الإقرار الموجه نحو أنفسنا يتضمن:


-                     الحزن والأسى.


-                     رواية القصة.


-                     تدريبات "لإعادة التفاوض" مع الطاقة الصادمة.


-                     تحديد المخاوف.


-                     التعبير عن الخزي وعن الكرامة، عن نقاط القوة وعن نقاط الضعف.


 


الإقرار الموجه نحو الآخرين يتضمن:


-         طلب فهم الأسباب (إجابة سؤال "لماذا هم؟").


-         محاولة رؤية أنفسنا كما يرانا الآخر.


-         مقاومة حافز تجريد الآخر من الإنسانية وتصويره كشيطان.


 


3-     بذل الجهود لإعادة الاتصال بأنفسنا وبالآخرين، ومنها:


-         شعور بارتباط الجميع معاً في علاقة تبادلية.


-         رغبة في المجازفة بالاتصال مع "الآخر".


-         إمكانية الغفران (المسامحة).


-         بحث عن عدالة تشفي وتُعوض.


-         رغبة في التصالح النهائي.


 


ينتهي بخطة عمل علاجية رائعة إن أمكن تحقيقها، وإلا فقد تكون مجرد رؤية رومانسية حالمة مفرطة في التفاؤل.


نبذة مختصرة عن الكتاب


 


 


كتاب صدر منذ 4 سنوات، لكنه شرح ما حدث العام الماضي وما يحدث وما يمكن أن يحدث في مصر وربيعنا العربي أيضاً. فهذا الكتاب لا يتناول فقط الصدمات التي يتعرض لها الفرد سيكولوجياً، بل أيضاً يتناول الصدمات العامة والمستمرة التي قد تتعرض لها جماعات من البشر وشعوب ربما بأكملها لأشهر قد تمتد لسنوات.


الطريف جداً، أيضاً في هذا الكتاب، هو أنه ضمن سلسلة تُسمى: سلسلة "الكتاب المختصر"، أي أنه كتاب مركز وصغير الحجم، وهو الأمر غير المألوف أن تقدم الكتب المختصرة شيئاً أصيلاً وعميقاً جدير بالقراءة.