سبي أيوب

د. بول ج. كارام ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

 "ورد الرب سبي أيوب" (اقرأ مزمور 126). عندما رد الرب سبي أيوب بدا كما لو أن ذلك الكابوس المزعج قد انتهى، فقد جعل الرب كل الأشياء جديدة. منذ عدة شهور اعتقد أيوب أنه لن يرى خيراً مرة أخرى وأنه سيموت قريباً.

 

لم يشفِ الله أيوب جسدياً فحسب ولكنه شفى كل علاقاته أيضاً، وأتى الله بالمصالحة بين أيوب وزوجته، واستعاد أيوب رضا أصدقائه وأقربائه ومعارفه السابقين، وانتهى كل سوء فهم، وأنعم الله على أيوب بإكرام كثير حتى أنه نال ضعف ما كان لديه قبل تلك التجربة.

"لأنه هو يجرح ويعصب، يسحق ويداه تشفيان" (5: 18). يسمح الله بالصعاب حتى يفعل عمل فداء أبدياً في داخلنا، ثم يشفينا، فكل ما يفعله الله يفعله من رحمته (مزمور 25: 10، مزمور 136). حقاً يستطيع الله أن يجعل كل الأشياء جميلة في وقته (جامعة 3: 11). ولكني أود أن أتوقف لحظة لنفكر فيما يعنيه الكتاب المقدس بكلمة "سبي"، ثم نناقش مسألة ضعفين.

 

ما هو السبي؟

"السبي" مصطلح كتابي لوصف التجارب، وهو فترة للتنقية وهي عادة ظلمة وأسر واضطراب في حياة المرء. والسبي سجن روحي، وهو مجموعة ظروف ومواقف تؤثر علينا، فالتواجد في فلك نوح مدة عام كامل يشبه التواجد في السجن، ولو أن الفلك أنقد ساكنيه! والهدف من السبي هو تنقيتنا وتطهيرنا. يعطينا الله قلباً لنعرفه ونحن في السبي (إرميا 24: 5-7). وبالتالي فإن الهدف من السبي هو بركتنا.

أمر الله شعبه أن يقبلوا السبي (إرميا 27: 12). وكان رسالة إرميا لجيله هي الخضوع للسبي، وقد احتقر معظم شعب الله (بمن فيهم أتباع إرميا) هذه الرسالة، وأرادوا أن يسمعوا رسالة عن الرخاء والسلام، وأن الله يقبلهم كما في القديم وأن كل شئ على ما يرام. على أن هذه الرسالة تخلق أملاً زائفاً (إرميا 5: 31، 6: 18، 8: 11، 30: 10). وفي السبي يجب أن نواجه أنفسنا بأمانة وننظر إلى المشكلات الحقيقية في حياتنا، ولكن كثيرين يفضلون تجنب هذا الأمر. (إرميا 24: 5-7) يملأ التعالي والكبرياء الناس، فقصد الله أن يرسل شعبه إلى بابل للأسر ليحررهم من خطاياهم راجع (ميخا 4: 10). وقال الله للذين سيخضعون للسبي والتنقية: "سأعطيكم قلباً يعرفني". ووعد أن يردهم إلى مدنهم. ففي السبي (الظروف الصعبة والغريبة) يعطينا الله قلباً يعرفه. وقد نال أيوب قلباً جديداً في سبيه.

 

موآب لم يتغير منذ شبابه

هناك بعض الرجال والنساء الذين لا يتغيرون أبداً، ويوضح (إرميا 48: 11) السبب: إنهم لم يدخلا السبي، فاستمرت فيهم سيطرة الخطايا والعادات التي ظهرت عليهم منذ صباهم حتى الآن.

"مستريح موآب منذ صباه وهو مستقر على دُرديه، ولم يفرغ من إناءٍ إلى إناءٍ، ولم يذهب إلى السبي، لذلك بقي طعمه فيه ورائحته لم تتغير". يُشبه الرب موآب بالخمر التي لم تُنقل من وعاء لآخر، فيكون مذاقها مُراً بسبب تجمع الشوائب في قاع الإناء. ولكي تتحول تلك الخمر لتكون حلوة يجب أن تُسكب من وعاء لآخر، وفي كل مرة تفرغ من وعاء لآخر يتم فصل بعض الشوائب منها، وبعدما يتم سكبها وتفريغها عدة مرات تتخلص تلك الخمر من كل الشوائب. وينطبق نفس هذا التوضيح على كل مؤمن.

نحن مثل الخمر، وهناك عناصر مذاقها سيئ في حياتنا يجب أن نفصلها عنا. كانت الشوائب الخاصة الظاهرة في موآب هي الكبرياء والتعالي وارتفاع القلب (راجع إرميا 48: 29-30). والوسيلة الوحيدة لإزالة كل تلك الشوائب من حياتنا هي أن "يتم تفريغها من وعاء لآخر". وهذا معناه الانسكاب من خبرة لأخرى، (عندما يتم سكب أي سائل في وعاء فإنه يتخذ شكل الوعاء، وهذا يمثل القدرة على التكيف مع أي موقف). ففي كل مرة ننسكب فيها إلى خبرة جديدة نترك شيئاً من الحياة القديمة خلفنا. ولكن عندما يرفض الناس أن يُسكبوا ويرفضون السبي، تظل نفس تلك العناصر المتعبة موجودة مثل الغضب والكبرياء والعناد. وعندما يرتكب شخصٌ عرف المسيح منذ فترة طويلة نفس الخطايا والعادات التي عانى منها في شبابه يمكنك أن تتأكد أنه لم يذهب إلى السبي. تعلم إرميا نفسه أن "يحمل نيره في صباه" (مراثي إرميا 3: 25-28). فقد تحول إرميا إلى رسالة، فتمكن من أن يبشر بالسبي بسلطان.

 

السبب وراء فشل الإنسان: لم يدخلوا في السبي

عادة ما يتحطم الرجال والنساء بعدما يستخدمهم الله، يكون السبب الرئيسي وراء كل سقوط هو الأساس الضعيف، فلم يجتز الناس في الأسر في حياتهم الشخصية، ولم تنقش على قلوبهم عمل النعمة والاتضاع العميق. لم يختبر الملك سليمان السبي، فقد صعد إلى الحكم سريعاً ولم يدفع ثمن الحقائق التي يبشر بها. هل اختبر الملك سليمان أبداً أي تأخيرات مؤلمة في حياته؟ هل حرم نفسه أبداً من أي شئ؟ لا! (جامعة 2: 10). وفي مرحلة متأخرة من حياته انهار انهياراً عظيماً. لم يدخل الملك شاول في السبي أيضاً وكانت نهايته كئيبة، ولكن الرجال المذكورين في الكتاب المقدس الذين نجحوا في اجتياز تلك المرحلة هم الذين خضعوا للسبي. تدرب موسى في البرية عدة سنوات، وكذلك داود، يوحنا المعمدان، ويوسف، والرسول بولس.

السبي هي وقت المشكلات العميقة، فيبدو أن كل شئ لا يسير على ما يرام، ثم تستمر التجربة لمدة طويلة، وأثناءه نُحرم من أمورٍ كثيرة عزيزة على قلوبنا. ولكن شيئاً ما يحدث، فالحديد يدخل إلى النفس (راجع مزمور 105: 18). وفي السبي يشكل الله أعظم الرجال والنساء، فهنا ينمو القلب الذي يعرف الله.

 

يوسف في السبي

ربما توضح حياة يوسف حقيقة السبي، ففي سن السابعة عشرة أعطاه الله رؤية كشفت له في حلم خطة حياته، وبعد ذلك الحلم بفترة قصيرة وجد يوسف نفسه في حفرة، ثم بيع عبداً وأتى إلى مصر. كان يوسف سجيناً في أرض غريبة، وفيما هو في مصر تعرض مرة أخرى للخيانة وبقي في السجن سبع سنوات.

(مزمور 105: 18-19) "آذوا بالقيد رجليه. في الحديد دخلت نفسه، إلى وقت مجئ كلمته. قول الرب امتحنه".

في الأصل العبري نجد أن بناء آية 18 يستخدم التضاد، فبدلاً من أن يقول إن يوسف وُضع في الحديد قيل أن الحديد وُضع في يوسف! ففيما هو مقيد في السجن مرت السنوات ببطء، وحرم يوسف من كل الأشياء التي يعتز بها، فظل "ساكناً" سنة تلو الأخرى. ولكن شيئاً ما حدث في قلبه، إذ دخل الحديد إلى نفسه. فالتأخيرات الطويلة والإنكار المؤلم ينمي في الداخل قوة هائلة وتهذيباً في النفس. وأخيراً في سن الثلاثين أُطلق من السبي، بعد أن عمل الله عملاً هائلاً في قلبه أثناء سنوات السبي. واستخدم الله يوسف بطرق غير عادية. ولم يفسد يوسف بسبب النجاح الذي حققه.

 

فترة التدريب: وقت السبي

إن اتضعنا تحت يد الله القوية وسمحنا له أن يفعل أعماله في حياتنا فسيرفعنا في حينه (1بطرس 5: 6). فبإمكان الله أن يستخدم طرقاً غير عادية، ولكن المشكلة التي يعاني منها البعض هي أنهم يستسلمون عندما تستمر الصعوبات في حياتهم لفترة طويلة (عبرانيين 10: 36).

في (عبرانيين 12: 5-8) يحث بولس الرسول المؤمنين على تحمل فترة التدريب، فكثيرون يُدعون ولكن قليلين يُختارون. يحصل بعض المؤمنين على دعوة محددة من الله ولكن يجب أن يتدربوا ويختبروا ليكونونا مؤهلين لتلك الدعوة. وبالتالي نمر بفترة تدريب في (عبرانيين 12: 5-8)، وعادة ما تكون فترة صعبة، فهذا هو وقت السبي، فنحن في قبضة الله.

"وقد نسيتم الوعظ الذي يُخاطبكم كبنين: يا ابني لا تحتقر تأديب الرب، ولا تخر إذا وبخك. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين. فأي ابنٍ لا يؤدبه أبوه؟ ولكن إن كنتم بلا تأديبٍ، قد صار الجميع شركاء فيه، فانتم نغولٌ (أبناء غير شرعيين) لا بنون" (عبرانيين 12: 5-8)

لاحظ ما يلي:

  • رد الفعل الشائع لفترة التدريب هو احتقارها، ولكن رسالة العبرانيين تحثنا ألا نفعل هذا.
  • كثيراً ما يخر الناس عندما يؤدبهم الله ويوبخهم، فيصابون باليأس. ولكن يجب ألا نفعل هذا!
  • محبة الله عي التي تأتي لنا بالتأديب، فهو يجلد كل ابن يقبله، وهو لايريد أن تنتقل أخطاؤنا الآخرين، وبالتالي فهو يزيل تلك الأخطاء قبلما تثمر.
  • إن احتملت التأديب، وإن اجتزت فترة التدريب ستحصل على امتيازات الابن الناضج كاملة، وهذه هي فكرة الابن الذي يوكله أبوه على ماله.
  • إن رفضنا تدريب الآب ورفضنا تأديبه وتوبيخه فنحن نغول (أبناء غير شرعيين) ولن نحمل شبهه، ولن نشبهه أو نمثله.

وهناك كثيرون في الخدمة اليوم "نغول"، فلديهم اسمهم الخاص بهم وقضيتهم ورؤيتهم وهو يبنون ملكوتهم ليمجدوا أنفسهم. رفض هؤلاء فترة التدريب واختاروا الطريق المختصر من أجل ميراثهم، وعادة ما تكون نهايتهم سيئة.

 

النصيب المضاعف

(42: 12) "وبارك الله الرب آخرة آيوب أكثر من أولاه" (راجع 42: 10). النتيجة النهائية هي الشئ الذي يجب أن نتذكره في كل تجربة. كافأ الله أيوب بنصيب مضاعف من كل ما فقده (راجع يعقوب 5: 11). والنصيب المضاعف هو بركة الابن البكر (تثنية 21: 15-17). وفي الكنيسة هناك أبكار بين إخوتهم. وسنناقش هذا الأمر بالتفصيل في نهاية هذا الكتاب.

 

تفريغ أعظم قبل الملء الجديد

يجب أن يفرغنا الله أولاً من الكثير من القاذورات ليملأنا أكثر بالروح (2 تيموثاوس 2: 20-22). وأيضاً يرغب الله في زيادة قدرتنا، فيجب أن تتنقى آنيتنا من كل ما يشير بإصبع الاتهام نحو خالقنا أو يعارضه أو يقاومه. هناك مناطق في قلوبنا تعارض الله وتقاومه دون أن نعرف (ملاخي 3: 13). ويجب أيضاً ألا نراعي إثماً فنحتاج إلى مزيد من الوقت أكثر مما يجب.

 

جمال للرماد

(42: 13-15) "وكان له سبعة بنين، وثلاث بناتٍ..ولم تُوجد نساءٌ جميلاتٌ كبنات أيوب في كل الأرض. وأعطاهن أبوهن ميراثاً بين إخوتهن". وهنا نرى أيضاً حقيقة أخرى جميلة في حياة أيوب، فقد حصل على جمال عوضاً عن الرماد (انظر إشعياء 61: 3).

نزل أيوب إلى الرماد ولكنه خرج منه بجمال استثنائي. كانت بناته أجمل نساء الأرض بسبب النعمة الخاصة التي حصل عليها أثناء تجربته، وهذه حقيقة معروفة أننا ننجب أولاداً على شبهنا، فكل نصرة نحققها في حياتنا الشخصية هي نصرة لأولادنا أيضاً، سواء كانوا أولادنا الطبيعيين أو أولادنا الروحيين. ومن الأسهل أن نجتاز النيران عندما نفهم أن الصعاب ليست من أجل تنقيتنا فحسب، ولكن من أجل الناس الذين يأتمننا الله على العناية بهم في المستقبل.

يتحدث الرماد عن الموت، وعن موت الذات بصفة خاصة في سفر أيوب. فعندما نجلس في الرماد سنُعطى جمال المسيح. أصبح أيوب مثل الذهب المنقى أثناء تجربته (إشعياء 13: 12). يخشى كثيرون أن يسلموا حياتهم بالكامل للمسيح لأنهم لا يؤمنون فعلياً بالقيامة، فهو لا يؤمنون أن الله يستطيع أن يحييهم بعدما يهوي بطموحاتهم وخططهم ورغباتهم للرماد. دعونا نضع حياتنا في يد الخالق الأمين، ونتذكر ما فعله لأيوب، فقد حصل أيوب على جمال من الرماد.

 

ما يهم هو النهاية

(42: 16، 17) "وعاش أيوب بعد هذا مئة وأربعين سنة، ورأى بنيه وبني بنيه إلى أربعة أجيالٍ. ثم مات أيوب شيخاً وشبعان الأيام". كانت آخرة أيوب رائعة، والعبرة دائماً هي بالنهاية، فالأسلوب الذي نبدأ به لا يهم، والمكان الذي أتينا منه لا يهم! ولكن المكان الذي ننتهي إليه هو فعلاً ما يهم. فالنتيجة النهائية للعبة الحياة هي الأهم.

أثناء التجربة فكر أيوب أنه لن يشعر بالسعادة مرة أخرى، وأنه سينزل سريعاً إلى قبره، ولكن الله جهز له نصيباً مضاعفاً، و140 سنة أخرى من حياة مثمرة. خرج أيوب من تجربته وقد حصل على عشرة أولاد آخرين، وعاش لفترة طويلة ليرى أحفاد أحفاده. فقد جعل الله كل شئ يحدث لأجل خير أيوب، وحوَّل له كل لعنة إلى بركة.

يجب أن تكون (رومية 8: 28) بمثابة إعلان لنا جيمعاً، وليست مجرد جزء جميل من الكتاب المقدس نحفظه: تأمل أول كلمتين "ونحن نعلم". هل ترى ذلك؟ يجب أن يكون هذا إعلاناً لقلوبنا. "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده". انظر (إشعياء 54: 17). فإن آجلاً أو عاجلاً يدافع الرب عن كل خادم بار له.

 

الإله القدير يتحكم في كل الأمور

(42: 11) "فجاء إليه كل إخوته وكل أخواته وكل معارفه من قبل وأكلوا معه خبزاً في بيته، ورثوا له وعزوه عن كل الشر الذي جلبه الرب عليه، وأعطاه كل منهم قسيطةً واحدةً، وكل واحد قُرطاً من ذهبٍ".

خلق الله الليل والنهار، وهو الذي يتحكم في الأزمنة وبإمكانه أن يغير أزمنة حياتنا في أي وقت يرضيه. ويمكنه أن يرفعنا أو يحط من قيمتنا (انظر 1 صموئيل 2: 1-8، مزمور 75: 6-7). فمهما كان ما يفعله الله فإنه يفعله بصورة جيدة ولا يمكن أن يقول له الإنسان: "ماذا تفعل؟" (دانيال 4: 35).

غيَّر الله يوم أيوب إلى ليل، وزمان رخائه المادي إلى زمن العوز. ولكن هذا كان لفترة محدودة، فقد كانت التجربة ضرورية لتتمم شيئاً أبدياً في أيوب. ثم رد الله سبيه، وغيَّر كل شئ تماماً من أجل أيوب في النهاية. رد قلوب كل معارفه السابقين نحوه مرة أخرى، وعزوه عن كل الشر الذي جلبه الرب عليه. هل كان الله مسؤولاً عن تجربة أيوب؟ نعم! الله هو الذي بدأ التجربة ولكن الأفضل من كل شئ هو أنه هو الذي تممها أيضاً (انظر عبرانيين 12: 2).

 

أين أخطأ أيوب البار؟

استعراض للموضوع

شهادة الله عن أيوب كانت رائعة "ليس مثله في الأرض" (1: 8). فحتى عندما جاز المأساة: "في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه". ولكن عندما طالت تلك التجربة لشهور تأكد أيوب أن الله غير عادل وأنه غير مهتم. وتكشف الآيات التالية ما وصل إليه مقام الله في قلب أيوب، وهو ما يجب أن ننتبه له في حياتنا أيضاً!

 

مشكلة أيوب – مشكلتنا!

مشكلة أيوب هي مشكلة كل إنسان. إنها مشكلتي أنا! نجد الحقائق المتعلقة بصراع أيوب في كل كلمة الله، وفيما يلي بعض الآيات الكتابية الأخرى التي تعمقنا في دراسة هذا الموضوع:

(إشعياء 45: 9) "ويل لمن يُخاصم جابله. خزفٌ بين أخزاف الأرض. هل يقول الطين لجابله: ماذا تصنع؟ أو يقول: عملك ليس له يدان؟". هذا هو توبيخ الله للإنسان على انتقاده لله على الأسلوب الذي شكله به الله. بعض الناس لا يعجبهم شكلهم، فيرغبون أن يكونوا مثل شكل آخرين، ولكن "انتقاد التصميم يعني أنك تنتقد المصمم". لقد خلقنا الله بهذا الشكل لسبب هام، وهكذا يجب أن نشكره عليه. يستخدم الله العيوب الجسدية لينمي في داخلنا صفات روحية.

(حزقيال 18: 25) "وأنتم تقولون: ليست طريق الرب مستويةً. فاسمعوا الآن يا بيت إسرائيل. أطريقي هي غير مستوية أليست طرقكم غير مستوية؟". (انظر حزقيال 33: 17، 20)، وهنا مرة أخرى نجد الإنسان يعارض الله. عندما لا يتفق الناس مع الآيات الكتابية فهم لا يتفقون مع الله ويقولون: "يا الله، أنا على صواب، وأنت مخطئ". ولكن الله لا ينحاز نحو تفكيرنا، يجب أن نعدل تفكيرنا بحسب تفكيره (إشعياء 55: 8).

(رومية 11: 34) "لأن من عرف فكر الرب؟ أو من صار له مشيراً؟". لا يحتاج فكر الله إلى تصحيح. يجب ألا يحاول الإنسان أن يوجه الله أبداً! فالله لا تختلط عليه الأمور! ولكن الإنسان تختلط عليه الأمور "ليكن الله صادقاً وكل إنسانٍ كاذباً" (رومية 3: 4).

(دانيال 4: 1-37) يسجل هذا الأصحاح أحد أعظم المحادثات على مر العصور، فقد رفع نبوخذ نصر من شأن نفسه أمام وجه الله، وأمر الجميع أن يوجهوا كل العبادة له، فأذله الله وحوله إلى حيوان مدة سبع سنوات. وفيما بعد تاب الملك ورجع إلى صوابه ونشر شهادة تهتز لها الأرض في كل المملكة، وتعلم أثناء فترة اتضاعه أنه "لا يوجد من يمنع يده أو يقول له: ماذا تفعل؟" (4: 35). تعلم الملك هذا الدرس جيداً: لا يمكن لأحد أن يترفع على الله أو يتحداه أو يسأله.

 

استعراض للموضوع

الموضوع: (4: 17) "أالإنسان أبر من الله، أم الرجل أطهر من خالقه؟". أتى هذا الإعلان لأليفاز في حلم أُعطي له بالروح. وهذه الرؤية الليلية صائبة وهي موضوع سفر أيوب، الذي يهدف إلى تعليم الإنسان أن الله عادل بغض النظر عن المأساة التي قد تتعرض لها حياته، ولا يمكن أن نصفه بأنه أخطأ في أي وقت. فعندما نتهم الله بأنه أخطأ أو بأنه غير مسؤول فهذه خطية تتساوى مع الازدراء بحكمة الله ومحبته! يحتفظ يهوه بحقه في فعل ما يريد في حياتنا (مزمور 135: 6)، ولكن كل ما يتخذه من أفعال تجاه الإنسان يتسم بالحكمة والرحمة والمحبة.

يعد سفر أيوب من أقدم الأسفار على وجه الأرض، فقد سعى الله لينقل رسالة أيوب إلى البشر لآلاف السنين، فعندما تتهم الله بأنه غير مهتم فهذه واحدة من أعظم أخطاء الإنسان، وبالتالي ليس عبثاً أن يكون سفر أيوب أقدم الأسفار على وجه الأرض، فرسالة أيوب ضرورية منذ بداية الزمان.

تابع: "أهداف وفوائد المحن" لنفس الكاتب

في موعدنا التالي أول الشهر القادم

 

د. بول ج. كارام

من كتاب: "تحويل اللعنة إلى بركة"

 

 

أيضاً للمزيد عن "قضية أيوب، والألم"، إقرأ :

"أيوب.. وخيبة الأمل بالله" (ثلاثة أجزاء متتالية) لفيليب يانسي 

"روح المطالبة" للاري كراب