"ليس كل من يقول لي يا رب يا رب.."، وتأكيد الخلاص

جون ماكأرثر ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!

متى 7: 21-23

 

أن يقول أحدنا "ياربُ، ياربُ" ثم يعصي بعد ذلك، هو المرادف من الزاوية الأدبية لقُبلة يهوذا. ذلك لأنّ اهتمام الإيمان الحقّ بفعل إرادة الله، لا يقلّ عن اهتمامه بالإقرار بشكل جازم بحقائق العقيدة الصحيحة.

 

نطق يسوع بكلمات متّى 7: 21-23 كتحذير للأشخاص الذين يظنون أنّهم مخلّصون لكنهم لا يعيشون في طاعة الله. فربّنا كان قد عقد العزم على تحطيم الرجاء الكاذب عند جميع الذين طنوا أنفسهم خطأً أنّهم مفديون، وذلك خلافًا لوعّاظ اليوم الذين يحرصون أشدّ الحرص على تجنّب زعزعة الشعور بالاطمئنان على المصير عند أيّ كان. وغالبًا ما كان يتحدّى هؤلاء القوم. ولم يكن ليشجّع قط أيّ من كان مرتابًا في أمر الخلاص، على تجاهل هذه الشكوك. يبرز الاختلاف الواضح بين مضمون رسالته وإنجيل اليوم، والذي يبدو أنّه مصمَّم خصيصًا للتشجيع على بثّ ضمانة كاذبة في القلوب. فالنمط المعتمد والمعهود في إطار التبشير الحديث يقتضي عرض على الناس رسالة ممتعة وسهلة؛ والسير بهم عبر صيغة بسيطة، ومدّهم بصلاة لكي يرفعوها، ودعوتهم إلى التوقيع على بطاقة ما، أو ما شابه ذلك؛ ومن ثَمّ إعلامهم بأنّنهم قد نالوا الخلاص، حتّى إنه لا يجوز لهم أبدًا التشكيك في صحة هذه المسألة. إنّ هكذا أسلوب للشهادة، إنما يحارب فعليًا ضدّ الروح القدس، الذي يعمل دائبًا على تأكيد الخلاص لمعشر الذين نالوا الخلاص فعلاً (رومية 8: 16)، وتبكيت الذين لم يخلصوا بعد (يوحنا 16: 8، 9). الله يعرف الفرق؛ لكننا نحن لا نعرف. فإنه ليس من صلاحياتنا تأكيد خلاص الناس.

 

إنّ تشكيك الفرد في أمر خلاصه بشكل دوري، ليس بالضروري بالأمر المغلوط. إنّ شكوكًا من هذا الصنف، يجب مواجهتها والتعامل معها بإخلاص ومن زاوية كتابية. فالكتاب المقَّدس يحثّنا على إجراء فحص ذاتي لحالتنا الروحية. وفي هذا الإطار، يكتب بولس في كورنثوس 13: 5، "جرّبوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان. امتحنوا أنفسكم. أم لستم تعرفون أنفسكم أنّ يسوع المسيح هو فيكم إن لم تكونوا مرفوضين." هذه المناشدة كثيرًا ما يتمّ تجاهلها، وغالبًا ما تعمل الكنيسة المعاصرة على التقليل من أهميّتها.

 

بات من المالوف جدًا تعليم مَن يدّعون بأنّهم مسيحيّون كونه باستطاعتهم التمتُّع بتأكيد الخلاص، وذلك بمعزل عمّا هي عليه حياتهم. فبما أنّ الخلاص هو هبة معروضة على الناس الذين يؤمنون بحقائق الإنجيل ببساطة، هل يبقى هناك أيّة علاقة للحياة العملية بمسألة التأكيد؟ هذه هي الحجّة التي يتسلّح بها بعضهم. لا يُعد هذا التعليم سوى ضرب من اللاناموسيّة العملية.

 

وهو بشجّع الناس على العيش في الرياء والعصيان والخطيّة من خلال تقديم ضمانة كاذبة لهم. كما أنّه لا يحبّذ إجراء أيّ فحص ذاتي. وفي هذا انتهاك سافر لتعاليم الكتاب المقدَّس. فهو يأمرنا بضرورة امتحان نفوسنا. على الأقل لدى احتفالنا بالعشاء الربّاني (1 كورنثوس 11: 28).

 

إنّ إجراء فحص للذات يكتسب أهميّة خاصة في عصرٍ كعصرنا الحاضر. عندما تشير الإحصاءات إلى كون المسيحيّين في العالم يفوق عددهم على المليار، يترتّب على أحدنا أن يسأل عن الجهة المسؤولة عن وضع مقاييس لذلك. إنّ هذه الأرقام لا تتّفق بالطبع مع ما صرّح به يسوع عن الكثيرين الذين يسلكون الطريق الواسع مقابل القليلين على الطريق الضيّق. عندما تضع علامة ما داخل أحد المُربعات ضمن استمارة، للإشارة إلى أنك مسيحيّ مولود ثانيةّ، هذا غير كفيل بأن يضمن لك مصيرك الأبدي. حتّى الذين ينتمون إلى الكنيسة الصحيحة، قد يُخدعون، بما أنّهم يخلون بالتمام من برّ الله من خلال المسيح.

 

تحتوي الكنيسة على عدّة فئات من الناس المخدوعين. بالطبع، فيها المراؤون، هؤلاء الذين يكتفون فقط بالتظاهر بالتديّن. آخرون هم مسيحيّون بالاسم. أناس سطحيّون، يعتبرون أنفسهم مسيحيّين لأنّهم واظبوا على مدرسة الأحد منذ نعومة أظفارهم، او "اتّخذوا قرارًا" مع المسيح لكنهم غير مهتمّين بأن يدعوا الإيمان يؤثر في نمط حياتهم العملية. هناك أيضًا المنخرطون في العمق في الكنيسة أو في الأنشطة الدينيًة: عندهم حسن اطّلاع على حقائق الإنجيل، لكنهم غير طيعين لكلمة الله. لعلّهم يرتادون الكنيسة بانتظام لكي تتولّد عندهم أحساسيس ومشاعر طيّبة، أو طلبًا للبركات أو الاختبارات أو الشفاءات أو المعجزات او المواهب التي تملأهم نشوة وتغمرهم بالفرح. ربما عندهم ولاء للطائفة وللكنيسة وللمجموعة، ولكن ليس لكلمة الله. قد يستهويهم اللاهوت من قبيل الاهتمام الأكاديمي البحت. ومهما تعدّدت الأسباب، كثيرون (متّى 7: 22) مِن الذين يتعاطفون مع المسيح والمسيحيّة، سيكون الرفض من نصيبهم في يوم الدين.

 

لنلاحظ جيدًا كيف أنّ الكرازة والتنبُّؤ وإخراج الشياطين وصنع العجائب – حتّى تحت ستار الأرثوذكسية واستقامة العقيدة، لا تُعدُّ على الإطلاق براهين على حصول خلاص حقيقيّ. الله بإمكانه العمل بواسطة أناس غير مخلّصين، وقد فعل ذلك غالبًا. لقد استخدم بلعام غير المتجدِّد (العدد 23: 5)، ولم يتردّد في استخدام حتّى حمار بلعام!

 

كما أن قيافا، رئيس الكهنة القذر، تنبّأ عن موت المسيح عن أمّة إسرائيل (يوحنّا 11: 51، 52). كذلك، قد تحصل أعمال خارقة وجبّارة بقوة الشيطان، أو قد تأتي مزيّفة. وهكذا كان بإمكان سحرة مصر تكرار بعض المعجزات التي صنعها موسى. ويحدّثنا أيضًا الفصل التاسع عشر من سفر الأعمال عن إقدام أبناء سكاوى الأشرار على إخراج شياطين. متى 24: 24 يتنبّأ عن ظهور مسحاء كذبة وأنبياء كذبة سيُعطون آيات عظيمة وعجائب. والشيطان بإمكانه القيام بأمور مدهشة، كما أنّه على استعداد للقيام بأي شئ تقريبًا بقصد تضليل غير المؤمن وحمله على الاعتقاد بأنّه مخلَّص.

 

المعجزات والنبؤّات والآيات العظيمة ليست هي نفسها الحياة المقدَّسة. ومن دون القداسة الحقيقية، لا يقدر أحد أن يرى الله (عبرانيين 12: 14). قصدُ الله لنا هو أن نعكس خُلقه: "نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضًا قديسين في كلّ سيرة. لأنّه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس" (1بطرس 1: 15، 16). "فكونوا أنتم كاملين كما أنّ أباكم الذي في السموات هو كامل" (متّى 5: 48). بما أنّ الله قدّوس. يترتّب على الذين سيسكن فيهم أن ينموا بدورهم ويزدادوا في القداسة أكثر فأكثر. وبما أنّ الله كامل، على الذين هم فعلاً أولاده أن يسيروا قُدمًا في اتّجاه بلوغ مقياسه الكامل. فإن كنت تقبع في مكانك، أو تشعر بأنك تنزلق في الاتّجاه المعاكس، يحقُ لك أن تفحص نفسك سيعمد إلى الاعتراف بخطيّته واللجوء إلى الآب ملتمسًا منه الغفران (1 يوحنّا 1: 9). الكمال هو المقياس: أمّا الاتجاه فيحدّده الاختبار. من هنا، إن كانت حياتك لا تشهد نموًا في النعمة والبرّ والقداسة، فعليك في هذه الحال أن تفحص مدى حقيقة إيمانك، حتّى ولو ظننت بأنك قد فعلت أمورًا عظيمة باسم المسيح.

 

جون ماكأرثر

من كتاب: "الإنجيل بحسب يسوع"