المسيحية والصحة النفسية

المسيحية والصحة النفسية
  • اسم المؤلف فايز فارس
  • الناشر دار الجيل للطباعة
  • التصنيف مشورة وعلم نفس
  • كود الاستعارة 22/ 2
الإنسان يتكون من جسد ونفس وروح ويمكن أن يكون صحيحاً أو سقيماً، وأمراض الجسد متعددة، والصحة الجسدية هي خلو الجسد من الأمراض. ومرض الروح هو الخطية التي تعزل الإنسان عن الله فيصير ميتاً روحياً، والصحة الروحية هي نوال الحياة الجديدة بعمل روح الله في قلب الإنسان، والحياة والشركة مع المسيح، والسير في منهج القداسة والنمو الروحي. أما الصحة النفسية فهي شئ يختلف عن هذا وذاك. فقد يكون الإنسان صحيح البدن، خالياً من الأمراض، لكننا نراه قلقاً مضطرباً دون سبب ظاهر – وقد يكون الفرد متجدداً مؤمناً، لكننا نراه يعاني من إحساسه بالنقص، أو منطوياً على ذاته بعيداً عن المجتمعات.....
فالصحة النفسية أمر ضروري لنضوج شخصية الإنسان وسعادته وتكيفه مع المجتمع الذي يحيا فيه، والرسائل يقدمها في هذا الكتاب تشرح كيف أن المسيحية لا تكتفي بأن تعطي للإنسان الصحة الروحية فحسب، لكنها طريق إلى الصحة النفسية، بل والصحة الجسدية.
فالمسيحية تعاون الفرد أن تكون له نظرة واقعية إلى الحياة، ويكون له تقدير لذاته دون غرور، وتعليل صحيح للأحداث والتصرفات، وتجاوب معتدل مع المؤثرات المختلفة، وضبط للنفس، والتضحية باللذة الوقتية في سبيل لذة أكثر دواماً، واحتمال ألم وقتي في سبيل تجنب ألم أكثر دواماً – وكل هذه من مظاهر الصحة النفسية.
نحن نحيا في عصر تظهر فيه الحاجة الماسة للصحة النفسية .... فهذا العصر هو عصر الأعصاب وذلك راجع إلى تعقد الحياة والمشاكل والأزمات النفسية والمنافسة والغيرة، فكل هذا يجعل حياة الناس في توتر دائم.
وبعض الناس لا يؤيدون البحث في هذا الموضوع، لأنهم ينادون أن نترك الدين في مجاله الروحي فقط، وندع لعلم النفس وسائر العلوم مجالاتها. وهم بذلك يحرمون المسيحية من طبيعتها الشاملة لكل نواحي الحياة، وكأنما المسيح في نظرهم مختص بالروحيات فقط، لكننا، يقول الكاتب، نختلف مع هذا الرأي. فالرب يسوع في حياته على الأرض اهتم بجميع حاجات البشر جسداً ونفساً و روحاً.
فلكل من الجسد والنفس والروح حاجات ضرورية تشتاق إليها ولا تستريح إلا في وجودها ونوالها...
فللجسد حاجاته المتنوعة، كالطعام والشراب والكساء والنوم وإذا لم تسدد حاجاته لن يستريح، وللروح أيضاً حاجاته فهو يحتاج للغذاء الروحي وللشركة مع الله ولقد قال القديس أوغسطينوس " يا الله لقد خلقتنا لنفسك، ونفوسنا لن تجد راحة إلا عندك". و كذلك للإنسان حاجات نفسية مثل الحاجة إلى الأمن، والتقدير، والمحبة، والحرية، والانتماء إلى جماعة معينة، ووجود سلطة ضابطة وموجهة...

وفي فصل طباعك وكيف تقومها، يتكلم الكاتب على أن لكل إنسان طباع خاصة به، ومزاج يغلب على حياته، وهذه الطباع أو الأمزجة تحدد نوع سلوكه واستجابته لمختلف المؤثرات التي قد يتعرض لها. وإن صعب تغيير هذه الطباع وكان من غير الممكن تغيير تكوين الإنسان النفسي، فمن واجب الإنسان أن يحاول تهذيب هذه الطباع وتوجيهها توجيهاً صحيحاً نحو الخير والفضيلة، فشخصية الإنسان هي مزيج من عدة عوامل بعضها مكتسب من البيئة التي عاش فيها والاختبارات التي اجتازها، وبعضها راجع إلى عوامل جسدية بيولوجية وفسيولوجية موروثة ليس للإنسان قدرة على الحكم فيها. ويقدم الكاتب هنا أنواع الأمزجة الأربعة النمطية (القديمة) التي نراها في الشخصية الإنسانية، وهم كالآتي:
1- المزاج الدموي: وصاحب هذا المزاج يكون عادة ممتلئاً من الحيوية والنشاط والأمل والتفاؤل وهو سريع التأثر بالمؤثرات الخارجية ويترجم هذه المؤثرات إلى أفعال وحركات وقرارات سريعة. وصاحب هذا المزاج أو الطبع يرحب بكل الأحداث السارة التي تأتيه، ولا يقلق نفسه كثيراً لأجل هموم الغد. وهو عادة محب للأخريين محبوب منهم لطيف المعشر.
2- المزاج البلغمي: وصاحب هذا المزاج يكون عادة بطيئاً في حركاته، هادئاً رزيناً، لا يتأثر بسرعة، وقد يصفه البعض بالبرود. وهو يحب الاحتفاظ بالتقاليد القديمة أطول مدة ممكنة ولا يميل إلى التغيير والتبديل والتطوير. وهو يميل إلى الكسل قليلاً وكثرة الطعام، ولا مانع عنده أن يؤدي له الآخرون بعض الأعمال الخاصة به، لذلك فمن السهل لمثل هذا الشخص أن يقع تحت تأثير إرادة قوية. وأصحاب هذا المزاج عادة يتميزون بالبساطة .
3- المزاج الصفراوي: واسم المزاج مشتق من الصفراء التي تفرز مادة تزيد من الانفعال وصاحب هذا المزاج يكون في بعض الأمور شبيهاً بالمزاج الدموي، لكن بينما يكون صاحب المزاج الدموي سريع التأثر بالآخرين فإن صاحب المزاج الصفراوي يكون عادة قوي الإرادة، عنيد الفكر، شديد التأثير على الآخرين، مليئاً بالعاطفة والحيوية، له خيال ثائر، وإرادة قوية وصاحب هذا المزاج يميل إلى الزعامة، ويضع لنفسه هدفاً يسير نحوه متخطياً كل صعوبة وعقبة مضحياً بكل شئ في سبيل تحقيق هذا الهدف.
4- المزاج السوداوي: وصاحب هذا المزاج عميق التفكير، كثير التأمل، كثير الانطواء على ذاته، مخبئاً شعوره واحساساته .... وقد يكون قوى العاطفة لكنه لا يظهرها إلا
بقدر ضئيل. وهو يميل إلى المحافظة على التراث القديم، وبينما يرى صاحب المزاج الصفراوي أهدافه قريبة منه فيسعى لينالها، فإن صاحب المزاج السوداوي يرى هذه الأهداف بعيدة المنال صعبة التحقيق. وهذا المزاج موجود عند كثيرين من الشعراء والفنانين والفلاسفة والمفكرين.
والإنسان لا يمكن أن يحتوي على مزاج واحد كامل من هذه الأمزجة بدون بضع آثار من الأمزجة الأخرى، بل وإن بعض هذه الأمزجة قد تتغلب على الشخص في سن معينة وتحت ظروف معينة، ولكن عادة يكون أحد هذه الأمزجة بارزاً عند الشخص. وهذه الطباع والأمزجة عندما توضع في يد المسيح، يمكن أن يقومها ويهذبها لتصير خيراً للإنسان ولغيره.

ثم يختم الكتاب بفصل "نحو شخصية ناضجة" ويتكلم عن الطريق إلى الشخصية الناضجة
وذلك عن طريق :
(1) القدرة على ضبط النفس: ومعناه التضحية بلذة وقتية في سبيل سعادة أكثر دواماً وتحمل ألم وقتي في سبيل تجنب ألم أكثر دواماً.
(2) تغليب النظرة الواقعية على الخيالية: الإنسان لكي يكون ناضجاً ينبغي أن تتغلب نظرته الواقعية على الخيالية
* فلا ينسحب من المجتمعات لمجرد أنها لا ترضيه.
* لا يحاول أن يلوم غيره على أخطائه الشخصية.
* لا يكثر من أحلام اليقظة.
* يستخدم أوقات فراغه استخداماً طيباً.
(3) النظر إلى الأمور نظرة موضوعية وليس نظرة ذاتية: فالنظرة الموضوعية نظرة خالية من التعصب والتي لا يكون التفكير بها في الذات.
(4) الشعور بالارتياح في العطاء أكثر من الأخذ: المسيحية تعلمنا أن ندرب أنفسنا وأولادنا على السرور عند العطاء، والسعادة عند إسعاد الآخرين .. وسر شقاء الكثيرين هو نظرتهم النفعية في الحياة، فهم دائماً يقولون "ماذا نستفيد من هذا الأمر؟" بدل القول "كيف نفيد الآخرين من هذا الأمر؟"
(5) التحرر من المخاوف والقلق والتوتر النفسي وهذا يأتي عن طريق:
(أ) التعليل الصحيح للأحداث – فإن كثير من الخرافات التي تخيفنا غير صحيحة قال المسيح "تعرفون الحق والحق يحرركم" . هذا تحرير أيضاً من الجهل.
(ب) موازنة الصراع النفسي – فعندما يحيا الإنسان في جو المسيح تتكون لديه المبادئ السامية والشخصية الواعية فيكون انتصاره في صراعه النفسي سريعاً ... فكلما كان الأساس الخلقي متيناً كلما كان الانتصار أسرع.
(6) الخروج من الدائرة الضيقة التي يعيش فيها – لمحاولة تحسين المجتمع الذي يعيش فيه – ووجود هدف في حياته خارج الإنسان ذاته.
كل هذه العوامل تحتاج إلى تدريب .... أنها لا تأتي عفواً – بل تحتاج إلى مجهود ....
وينتهي الكتاب باقتباس قاله الدكتور هنري لنك في كتابه (العودة إلى الدين) يقول "إن الشخصية هي القدر الذي يستطيع به الإنسان أن يكيف مجهوداته لينتج أعمالاً أو عادات لها تأثير طيب على الآخرين".

- الرسالة الأول: المسيح رب الحياة كلها
- الرسالة الثانية: لماذا تهرب من الواقع
- الرسالة الثالثة: المسيحية وإشباع الحاجات النفسية
- الرسالة الرابعة: لماذا الخوف والقلق
- الرسالة الخامسة: الشعور بالذنب: مظاهره وعلاجه
- الرسالة السادسة: التحرر من الانطواء
- الرسالة السابعة: من الشك إلى الإيمان
- الرسالة الثامنة: طباعك وكيف تقومها
- الرسالة التاسعة: كيف تتغلب على شعورك بالنقص
- الرسالة العاشرة: هل تعتقد في الخرافات
- الرسالة الحادية عشر: الأرواح الشريرة وسلطانها على البشر
- الرسالة الثانية عشر: نحو شخصية ناضجة