أشهر 50 خرافة في علم النفس

أشهر 50 خرافة في علم النفس
  • اسم المؤلف سكوت ليلينفيلد -ستنيفين جاى لين -جون روشيو- باري يايرستاين
  • الناشر كلمات عربية للترجمة والنشر
  • التصنيف مشورة وعلم نفس
  • كود الاستعارة 153/2

 


الخرافة رقم 7: المراهقة هي حتمًا مرحلة اضطراب نفسي
منذ وقت قريب كتبت إحدى الأمهات الساخطات إلى هاب ليكرون (2007)– محرر عمود للاستشارات بإحدى الصحف الأسبوعية – طالبة منه أن يفسر لها ما الذي ألم بابنتها البالغة من العمر في ذلك الوقت 11 عامًا التي كانت إلى وقت قريب طفلة مرحة هادئة. كتبت الأم تقول إن ابنتها تكره الأشياء التي يعجب بها بقية أفراد الأسرة، وإنها لا تود مرافقتهم إلى أي مكان، ولا تكون ردودها عليهم في الغالب مهذبة، والأكثر من ذلك أنها تواجه صعوبة بالغة في إقناعها بأن تحافظ على غرفتها مرتبة أو أن ترتدي ثيابًا مهندمة، فالردود الوقحة أصبحت هي الردود المعتادة منها. وتساءلت الأم: "ماذا يحدث بحق الجحيم؟" أجابها ليكرون باقتضاب: "يطلق بعض الآباء على هذ التجربة التي تمرّين بها داء المراهقة."
لا تعد وجهة النظر التي ترى أن المراهقة هي دائمًا أو في الأغلب مرحلة اضطراب شعوري وجهة نظر حديثة. فعالم النفس جي ستانلي هول (1904)، وهو أول رئيس للجمعية الأمريكية لعلم النفس، كان هو أول من تحدث عن المراهقة بوصفها فترة "عواصف وتوترات". استعار هول هذا المصطلح من الاسم الذي أطلق على حركة في الموسيقى والفن والأدب نشأت في ألمانيا بنفس الاسم بالقرن الثامن عشر أكدت على التعبير عن المشاعر العميقة والمؤلمة في الغالب. ثم قدمت بعد ذلك آنا فرويد (1958)– ابنة سيجموند فرويد التي حفرت بجهدها مكانتها كواحدة من المحللين النفسيين البارزين – شرحًا مبسطًا لوجهة النظر التي ترى أن الاضطراب الشعوري الذي يمر به المراهقون هو أمر سائد (دكتورز، 2000). كتبت (آنا فرويد، 1958، ص 275) تقول: "أن يكون المرء طبيعيًا خلال فترة المراهقة أمر غير طبيعي في حد ذاته." (ص 267)، وأن "المراهقة بطبيعتها فاصل يقطع عملية النمو الهادئة." (ص 275) تعتبر آنا فرويد المراهقين الذين لا يمرون بكثير من الاضطرابات مرضى معرضين بدرجة كبيرة لخطورة الإصابة بالمشكلات النفسية في سن الرشد.
عزز أخصائيو علم النفس الشعبي الحاليون المفهوم القائل إن سنوات المراهقة هي في الأغلب سنوات من الدراما العائلية المثيرة. وأحد الأمثلة على ذلك ما ورد في النسخة الدعائية من كتاب "الاستعداد لمرحلة المراهقة" للخبير التربوي د.جيمس دوبسون (2005) عن أن هذا الكتاب سوف "يساعد المراهقين على اجتياز السنوات الصعبة لهذه المرحلة"، وسوف "يساعد الآباء الذين يرغبون في أن يعرفوا ماذا يقولون للطفل الذي يقف على أعتاب سنوات المراهقة المليئة بالتقلبات." ووجه برنامج تليفزيوني ظهر به "د.فيل" (فيل ماكجرو) تحذيرًا للمشاهدين من أن "سنوات المراهقة قد تكون هي أسوأ كابوس يعيشه الأب والأم"، ووعد بمناقشة "الطرق التي يمكن أن يعبر بها الآباء والأبناء المراهقون مرحلة المراهقة بسلام".
هذه الصورة النمطية لسنوات المراهقة كمرحلة "بشعة" تكرر ظهورها في الكثير من وسائل الإعلام الترفيهية؛ فهناك عشرات الأفلام تركز على مأساة المراهقين الذين يحيون وسط المشكلات. ومن بين هذه الأفلام: "متمرد بلا سبب" (1955)، "أشخاص عاديون" (1980)، "الأبناء" (1995)، و"فتاة في ورطة" (1999)، و"في الثالثة عشرة" (2002)، أما عنوان المسلسل التليفزيوني البريطاني "المراهقة: عقد من الاضطرابات" فيتحدث عن نفسه. وبالإضافة إلى ذلك، تصور بعض الروايات الأكثر مبيعًا – مثل رواية "الحارس في حقل الشوفان" للكاتب جيه دي سالينجر – الألم والاضطراب اللذين يصاحبان سنوات المراهقة.
ولأن الكتب والأفلام تركز على حكايات المراهقين المضطربين أكثر بكثير من تركيزها على المراهقين الأسوياء – إذ إنه من غير المحتمل أن يصنع فيلم من أفلام هوليوود يتحدث عن مراهق سوي تمامًا قصة مشوقة، ناهيك عن أن يحقق إيرادات ضخمة – فلا تخلو نماذج المراهقين التي تعرض على الجمهور باستمرار من موقف انحيازي (هولمبيك وهيل، 1988؛ أوفر، أوستروف، وهاورد، 1981).
ربما ليس من العجيب أن يعتقد الكثير من العامة أن مرحلة المراهقة هي مرحلة عواصف وتوترات. يقول عالم النفس ألبرت باندورا (1964): "إذن نزلنا إلى الشارع وأوقفنا رجلاً عاديًّا وعرضنا على مسامعه كلمة "مراهقة" فمن المحتمل جدًّا ... أن تتضمن الأفكار المقترنة في ذهنه بههذه الكلمة إشارات إلى العواصف، والتوتر، والانزعاج، والتمرد، والصراعات سعيًا وراء الحصول على الاستقلالية، والامتثال لجماعات الأقران، والسترات الجلدية السوداء، وما شابه." (ص 224).
أبدت استطلاعات الرأي التي شملت طلبة الجامعات تلك الملحوظات غير الرسمية التي ذكرها باندورا. وجد جرايسون هولمبيك وجون هيل (1988) أن الطلبة المسجلين في دورة دراسية جامعية عن مرحلة المراهقة حصلوا على متوسط درجات قدره 5,2 (من 7 نقاط) في البند الذي يحمل اسم "فترة المراهقة فترة مليئة بالعواصف والتوترات". وتعد هذه هي أيضًا نفس آراء الآباء والمدرسين (هاينز وبولسون، 2006). وينتشر هذا الموقف أيضًا حتى بين العاملين في مجال الصحة؛ إذ أظهر استطلاع للرأي شمل طاقم العمل بمستشفى للأطفال أن 62% من الأطباء المقيمين (الذين يتلقون تدريبًا طبيًا) و58% من الممرضات اتفقوا على أن "الغالبية العظمى من المراهقين يظهرون سلوكيات عصابية ومضادة للمجتمع في فترة ما من فترات مرحلة المراهقة". وبالإضافة إلى ذلك اتفق 54% من الأطباء المقيمين و75% من الممرضات على أن "الأطباء والممرضات يجب أن يهتموا بتقويم المراهقين الذين لا يثيرون أي مشكلات ولا يعانون أي اضطرابات". ويتفق ذلك مع وجهة نظر آنا فرويد إن المراهق "السوي" هو في الحقيقة شخص غير سوي (لافين، 1977).
وحتى نُقيّم الادعاءات بأن مرحلة المراهقة هي فترة عواصف وتوترات، نحتاج إلى دراسة ثلاثة من محاور سلوك المراهقين: (1) الصراعات مع الآباء، (2) التقلبات المزاجية، (3) السلوك الخطر (أرنيت، 1999). تُظهر الأبحاث أن الادعاء القائل إن مرحلة المراهقة هي فترة عواصف وتوترات يشتمل – مثله مثل العديد من الخرافات الأخرى المذكورة في هذا الكتاب – على جزء صغير من الحقيقة هي في الأغلب أحد الأسباب التي تقف وراء شهرته. إن المراهقين معرضون بدرجة مرتفعة إلى حد ما لخطورة مواجهة صعاب تتعلق بمحاور السلوك الثلاثة السابقة، هذا على الأقل في المجتمع الأمريكي (أرنيت، 1999؛ إبستاين، 2007)، إذ تتزايد الصراعات مع الآباء خلال سنوات المراهقة، (لورسين، وكوي، وكولينز، 1998) ويتعرض المراهقون لتقلبات مزاجية وحالات مزاجية متطرفة أكثر من غيرهم (بيوكانان، وإكلز، وبيكر، 1992؛ لارسون وريتشاردز، 1994) ويقدمون على المخاطر البدنية أكثر من غيرهم (ريينا وفارلي، 1006؛ ستاينبيرج، 2007) لذا من الصحيح أن فترة المراهقة قد تشهد صراعات نفسية محتدمة لدى "بعض" المراهقين.
ولكن لاحظ أن كلمة "بعض" وُضعت بين علامتي تنصيص، فهذه البيانات نفسها تظهر أن كل واحدة من هذه الصعوبات مقصورة على قلة قليلة من المراهقين؛ إذ تشير معظم الدراسات إلى أن 20% فقط من المراهقين هم من يمرون باضطرابات ملحوظة، لكن الغالبية العظمى يتمتعون بحالات مزاجية إيجابية وعلاقات متوائمة مع آبائهم وأقرانهم (أوفر وشونرت رايتشل، 1992)، بالإضافة إلى ذلك، فإن الاضطرابات الشعورية الملحوظة والصراعات مع الآباء تقتصر بدرجة كبيرة على المراهقين الذين يعانون مشكلات نفسية واضحة مثل الاكتئاب واضطراب السلوك (راتر، جراهام، تشادويك، ويول، 1976)، هذا بالإضافة إلى المراهقين الآتين من خلفيات أسرية ممزقة (أوفر، كايز، أوستروف، وألبرت، 2003). إذن لا توجد أسس قوية تؤيد الادعاء القائل إن القلق الذي يصحب مرحلة المراهقة هو أمر تقليدي أو حتمي (إيبستاين، 2007)، بل على العكس، حدوث ذلك هو الاستثناء وليس القاعدة. علاوة على ذلك، لم تجد دراسة تتبعت 72 مراهقًا من الذكور على مدار 34 عامًا أي دليل ولو ضعيف على أن المراهقين الذين يتكيفون بسهولة مع هذه الفترة يكونون معرضين لخطورة الإصابة بالمشكلات النفسية فيما بعد (أفر وآخرون، 2002). هذه النتائج تثبت خطأ ما زعمته آنا فرويد من أن المراهقين الذين يبدون أسوياء هم في الحقيقة غير أسوياء ومعرضون حتمًا للإصابة بمشكلات نفسية في سن الرشد.
تتعارض أيضًا المعلومات الآتية من الثقافات الأخرى، التي تظهر أن مرحلة المراهقة هي فترة هدوء وسلام نسبي في العديد من المجتمعات التقليدية غير الغربية، مع الآراء التي تعتبر أن مرحلة المراهقة هي مرحلة مليئة بالعواصف والتوترات (أرنيت، 1999؛ دازن، 2000)، فسنوات المراهقة تمر في اليابان والصين على سبيل المثال دون أي منغصات. ففي اليابان يصف 80 إلى 90% من المراهقين حياتهم الأسرية بأنها "مرحة" أو "محببة" ويقولون إنهم يتمتعون بعلاقات إيجابية مع آبائهم. ولم تُسجل أي اضطرابات خطيرة بمرحلة المراهقة في الهند، والبلدان الواقعة جنوب الصحراء الأفريقية، وجنوب شرق آسيا، والعديد من بلدان العالم العربي (إيبستاين، 2007). وعلاوة على ذلك، هناك دلائل تشير إلى أن ازدياد تطبيق العادات والأفكار الغربية في هذه الأماكن يرتبط بازدياد الاضطرابات المصاحبة لمرحلة المراهقة (دازن، 2000). نحن لا نعلم سبب شيوع اضطرابات مرحلة المراهقة في الثقافات الغربية أكثر منها فيما عداها. يشير بعض الكتاب إلى أنه على عكس ما يفعله الآباء في معظم الثقافات الأخرى، يميل الآباء في الغرب إلى معاملة أولادهم في مرحلة المراهقة على أنهم أطفال وليسوا أشخاصًا بالغين في طور النضج لهم ما للبالغين من حقوق وعليهم ما عليهم من واجبات، ولذا قد يتمردون على القيود التي يضعها آباؤهم ويتصرفون بطريقة معادية للمجتمع (إيبستاين، 2007).
هل المعتقدات الخاطئة بشأن حتمية مرور المراهقين بحالة من الاضطراب يمكن أن تحدث أي أضرار؟ ربما؛ فتجاهل بعض المشكلات الحقيقية التي يمر بها المراهقون بوصفها تمثل "مرحلة عابرة" أو تعبر عن فترة طبيعية من الاضطراب قد يسبب حالة من الانزعاج الشديد للمراهقين الذين لا يتلقون مساعدة نفسية هم في أشد الحاجة إليها (أوفر وشونرت رايتشل، 1992). صحيح أن بعض صيحات المراهقين طلبًا للمساعدة تكون حيلة ماكرة للفت الانتباه، ولكن هناك صيحات أخرى عديدة تطلقها أرواح شابة بائسة تجاهل الآخرون ما تعانيه.


 


الخرافة رقم 8: يمر معظم الناس بأزمة منتصف العمر في الأربعينيات أو في أوائل الخمسينيات من عمرهم


يشتري الرجل في الخامسة والأربعين من عمره السيارة البورش التي كان يحلم بها منذ سنوات، ويغير من شكل ذقنه، ويجري عملية لزراعة الشعر، ويترك زوجته من أجل فتاة في الثالثة والعشرين من عمرها، ويقتطع مبلغًا كبيرًا من حساب التوفير الخاص بخطة تقاعده حتى يسافر إلى جبال الهيمالايا ويدرس على يد المعلم الروحي الأشهر في ذلك الوقت. قد يرجع الكثير من الناس في مجتمعنا هذه التصرفات غير المعهودة لهذا الرجل لـ"أزمة منتصف العمر". وهي فترة من سن الأربعين إلى الستين تشهد حلاة مثيرة من الاضطراب ومراجعة الذات، إذ يواجه المرء في تلك السن احتمالات الوفاة، وتراجع اللياقة البدنية، والأحلام والآمال التي لم يستطع أن يحققها.
لا تعد فكرة أن الكثير من الناس يواجهون مرحلة انتقالية صعبة عندما يقفون تقريبًا في منتصف الطريق ما بين الميلاد والموت شيئًا جديدًا. السطور الأولى من قصيدة دانتي أليجيري الملحمية "الكوميديا الإلهية" التي كتبها في القرن الرابع عشر استدعت هذه الفكرة:
في منتصف رحلة حياتي وجدت نفسي
في غابة مظلمة،
واختفى من أمامي الطريق القويم.
ولكن لم يظهر مصطلح "أزمة منتصف العمر" إلا عام 1965 حينما صاغه إليوت جاك ليصف المحاولات القهرية التي لاحظ أن الفنانين والملحنين يقومون بها في منتصف العمر من أجل البقاء في مرحلة الشباب وتحدي حقيقة الموت.
قدم جاك هذه العبارة المثيرة إلى العامة وإلى الأوسط العلمية ليصف بها أي فترة انتقالية غير مستقرة من الحياة يمر بها الأشخاص في منتصف العمر. وبعد عشر سنوات، نشر جايل شيهي كتابه الأكثر مبيعًا "السبل: الأزمات المتوقعة في سنوات النضج" (1976) الذي رسخ فكرة أزمة منتصف العمر في خيال العامة. وعام 1994 أظهر استطلاع للرأي شمل مجموعة من الشباب أن 86% منهم يعتقدون في أزمة منتصف العمر (لاشمان، لوكوويكز، ماركوس، وببينج، 1994).
استغلت صناعة السينما فكرة المرور بمرحلة من عدم الاستقرار في منتصف العمر وقدمت نماذج لأشخاص حمقى في منتصف العمر يعانون اضطرابًا شعوريًا – ولكنها مع ذلك كانت نماذج محببة - ويعيدون النظر في مغزى حياتهم وقيمتها، وكان أبطال هذه الأفلام معظمهم من الرجال. يعرض فيلم "محتالو المدينة" (1991) قصة ثلاثة رجال (لعب أدوارهم بيلي كريستال، ودانيال ستيرن، وبرونو كيربي) يعانون أزمة منتصف العمر فيقررون أن يستريحوا مدة أسبوعين من حياتهم الرتيبة ويذهبون في رحلة لقيادة قطعان الماشية من نيو مكسيكو إلى كلورادو. وعام 2007 عرض فيلم آخر يتناول نفس الفكرة هو فيلم "الخنازير البرية" الذي يصور المغامرات التي يقوم بها أربعة رجال في منتصف العمر يقررون القيام برحلة بالدراجات البخارية حتى يشعلوا وهج الإثارة المرتبطة بفترة شبابهم داخل نفوسهم مرة أخرى. ويعد فيلم "يوم جرذ الأرض" (1993) هو أفضل ما صور حياة النزوات التي يزعم الكثيرون أنها تميز منتصف العمر، ويقوم الفنان الكوميدي بيل موراي بدور البطل فيل كونرز وهو خبير أرصاد جوية متقوقع على ذاته يفرط في لاشراب، ولا يجد أمامه سوى أن يكرر كل ما يفعله كل يوم حتى "يفهم" في النهاية أن حياته لن تصبح ذات معنى إلا إذا أصبح هو شخصًا أفضل. ويقومو كيفن كوستنر في فيلم "بول دورام" بدور لاعب البيسبول كراش ديفيز الذي يُهمش بانتقاله إلى الدوري الفرعي ليُدرب لاعب شاب موهوب، ويدرك كراش أن شبابه يتسرب من بين يديه مثله مثل قدرته على التزحلق بأمان نحو القاعدة الأساسية، ولكنه في النهاية يعثر على الحب والشعور بالرضا مع واحدة من مشجعات لعبة البيسبول وهي آني سافوي (التي تقوم بدورها سوزان ساراندون). وفي فيلم "الجمال الأمريكي" (1999) الحاصل على جائزة الأوسكار يُجسد ليستر برونام (الذي يقوم بدوره كيفن سباسي) الصفات الأساسية التقليدية لأزمة منتصف العمر التي يعانيها الرجال، إذ يترك وظيفته التي تفرض عليه ضغوطًا كبيرة ويعمل طاهيًا في أحد محال الهامبورجر، ويبدأ في تعاطي العقاقير وممارسة تمارين اللياقة، ويشتري سيارة رياضية، ويقع في غرام صديقة ابنته التي لا تزال مراهقة.
وتقدم الكتب ومواقع الإنترنت النصائح التي تساعد الرجل ليس على تخطي أزمة منتصف العمل التي يمر هو فقط بها، بل تلك التي تعيشها شريكة حياته أيضًا. هذا صحيح، فالنساء عرضة أيضًا للمرور بأزمة منتصف العمر. يطالعنا هذا التحذير على صفحة موقع "منتدى منتصف العمر" (http://midlifeclub.com): "سواء أكنت أنت من تعاني أزمة منتصف العمر، أم كان من يمر بها هو شخص تحبه، وسواء أكنت رجلاً أم امرأة، فأنت تقف على أعتاب طريق وعر!" يروج المنتدى لكتب تدور عن رجال ونساء "تخطوا هذه الأزمة" يحكون للآخرين قصصهم والدروس المستفادة منها والاستراتيجيات التي استخدموها.
يمكنك أيضًا أن تحصل على برنامج "زورق النجاة" من معهد هودسون بمدينة سانتا باربرا (http://www.hudsoninstitute.com) مقابل 2500 دولار، ومقابل هذا السعر الباهظ يمكنك أن تحصل على تدريب مكثف يرشدك لاجتياز أزمة منتصف العمر ممدًّا إياك بـ"الرؤية، والتوجيه، والتخطيط المدروس" بينما "تفكر في كل ما ستجلبه إلى المرحلة القادمة من حياتك". ويمكنك أن تشتري أيضًا برنامج "تغلب على أزمة منتصف العمر" من موقع "هيبنوسيس داونلودوز" “HypnosisDownloads” بسعر مغاير تمامًا لهذا السعر الباهظ، إذ يبلغ ثمنه 12,95 دولارًا فقط ومعه ضمان يمكّنك من استرجاع نقودك كاملة خلال 90 يومصا (دون أن تضطر إلى الإجابة عن أي أسئلة) ويتعهد الموقع بأنك "ستتخلص من تلك الأحساسيس المصاحبة لأزمة منتصف العمر وتعود مجددًا لتمسك بزمام حياتك" (http://www.hypnosisdownloads.com/stress-management/midlife-crisis).
ظل عالم النفس إيان جوتليب يتابع العناوين والمقالات الرئيسية بصفحة الفنون المعاصرة بجريدة نيويورك تايمز مدة 15 شهرًا، (جوتليب وويتون، 2006). واكتشف أن متوسط استخدام المحررين لعبارة "أزمة منتصف العمر" في عناوين المقالات النقدية للكتب والأفلام والبرامج التليفزيونية بلغ مرتين في الشهر.
التغطية الإعلامية وشبكة الإنترنت ليسا هما السببين الوحيدين لبقاء مفهوم أزمة منتصف العمر عالقًا في الأذهان، فهناك سبب آخر هو أن هذا المفهوم مبني على جزء صغير من الحقيقة. لاحظ عالم النفس إريك إريكسون (1967) أن معظم الأشخاص عندما يبلغون منتصف العمر يدخلون في صراع من أجل تحديد اتجاهات حياتهم ومعانيها وأهدافها، ويبذلون كل ما في وسعهم من أجل أن يعرفوا هل هم بحاجة لتصحيح المسار وهم في منتصف الطريق. سنلاحظ أن إريكسون يبالغ بقوله أن المرور بأزمة في منتصف العمر هو أمر سائد، ولكنه كان على حق في أن بعض الأشخاص يمرون بحالة واضحة من افتقار الثقة في أنفسهم في سنوات منتصف العمر. ولكن المرء يعيد تقييم أهدافه وأولوياته ويمر بالأزمات في كل عقد من عقود عمره، والدليل على ذلك مرحلة الاضطراب الشعوري التي يمر بها بعض المراهقين، ولكن ليس كلهم بأي حال من الأحوال (انظر الخرافة رقم 7). هذا بالإضافة إلى أن التجارب الواقعة تحت مظلة "أزمة منتصف العمر" متعددة – ومنها مثلاً تغيير الوظيفة، والطلاق، وشراء السيارات الرياضية – وهلامية، ولذا قد يعد المرء أي اضطراب للحياة أو تغير فيها دليلاً دامغًا على المرور بمرحلة انهيار في منتصف العمر.
بعض "أعراض" أزمة منتصف العمر، مثل الطلاق، تكون احتمالات حدوثها أكبر في الواقع من المرحلة التي تسبق هذه الفترة. ففي الولايات المتحدة يقع الطلاق الأول، في المتوسط، خلال خمس سنوات من الزواج، حيث يكون الرجال في الثالثة والثلاثين والنساء في الواحدة والثلاثين (كلارك، 1995). بالإضافة إلى ذلك، فإن شراء السيارات الرياضية الفارهة في الأربعينيات قد لا يكون على الإطلاق محاولة لاستغلال الأزمة، ولكن التفسير الأقرب قد يكون هو أن الأشخاص في ذلك العمر يصبح بمقدورهم أخيرًا أن يدفعوا ثمن السيارات التي حلموا بها وهم في طور المراهقة.
لم تتوصل الدراسات التي أجريت في ثقافات متعددة إلى أن شئ يدعم الفكرة القائلة إن فترة منتصف العمر تكون مرحلة متوترة وصعبة بصورة خاصة.
أجرى دانيال شيك (1996) دراسة شملت 1501 من الأزواج والزوجات الصينيين تراوحت أعمارهم بين 30 إلى60 عامًا، ولكنه فشل في أن يسجل أي مستويات عالية من التذمر الذي يسبق حدوث "أزمة" لدى غالبية الرجال والنساء في منتصف العمر. أعد الباحثون الذين تمولهم مؤسسة ماكارثر دراسة شملت 7195 رجلاً وامرأة تقريبًا تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 74 عامًا، وأجريت مقابلات مع 3032 منهم فيما يعد أضخم دراسة على الرجال والنساء في منتصف العمر (بريم، رايف، وكيسلر، 2004)، وعلى عكس الصورة التقليدية المعروفة سجل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين الأربعين والستين شعورًا بأنهم يملكون زمام أمور حياتهم بصورة أفضل، وأعربوا عن أن حياتهم أصبحت أكثر سعادة ورفاهية مما كانت عليه في العقد الماضي من أعمارهم. وبالإضافة إلى ذلك، تراوحت التقديرات التي أعطاها أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين لمستوى علاقاتهم مع الآخرين ما بين جيد إلى ممتاز. وتتساوى احتمالات أن يُصاب الرجال والنساء على حد سواء بما يعدونه أزمة منتصف العمر. وقد اكتشف الباحثون أن المخاوف بشأن المرور بأزمة منتصف العمر شائعة أكثر من المرور بالأزمة نفسها.
وهناك العديد من النتائج الأخرى التي تؤكد أن أزمة منتصف العمر ليست إلا خرافة. فقد أظهرت الدراسات المختلفة أن نسبة الأشخاص الذين أعربوا عن مرورهم بأزمة منتصف العمر (بحسب تعريف العلماء لها) تتراوح بين 10 إلى 26% فقط (بريم، 1992؛ ويثينجتون، 2000). هذا بالإضافة إلى أن فترة منتصف العمر يمكن أن تشهد ذروة الأداء النفسي السليم (لاشمان، 2003). من الواضح إذن أن أزمة منتصف العمر ليست احتمالاً مؤكدًا للجميع، بل ليست حدثًا من المرجح أن يقع. ولذا إذا كنت ترغب في إحداث تغييرات جذرية في حياتك، وتشتري سيارة رياضية حمراء أو دراجة بخارية "شبابية" فلا تشعر في أي وقت أن هذه خطوة مبكرة للغاية، أو متأخرة للغاية.


متلازمة العش الخالي


بعد مدة قصيرة من رحيل الابن للمرة الأولى للالتحاق بالجامعة، تدلف الأم إلى غرفة نوم ابنها وتشتم قميصه. ومن خلال الموقع الإلكتروني http://www.netdoctor.co.uk/womenhealth/features/ens.htmlالذي أورد هذا السلوك الغريب، نعرف أن هذا يعد عرضًا طبيعيًا لـ"متلازمة العش الخالي"، وهو مصطلح يشير إلى الاعتقاد الشائع بأن معظم النساء يعانين نوبات مزعجة من الاكتئاب عندما يترك أبناؤهن المنزل أو يتزوجون. تتضمن السلسلة الشهيرة من كتب مساعدة الذات "شوربة دجاج للروح" كتابًا مخصصًا بالكامل لمساعدة "قاطني الأعشاش الخالية" على التكيف مع التوتر المصاحب لههذ الفترة الانتقالية التي يمرون بها (كانفيلد، هانسن، ماكادو، وإيفانز، 2008).
والحقيقة أنه لا توجد أدلة علمية كثيرة تؤيد الاعتقاد الشائع بأن النساء يعانين حالة مماثلة لأزمة منتصف العمر التي يمر بها الرجال عندما يرحل أبناؤهن فجأة تاركين المنزل – الذي تشير إليه العبارة بالعش – خاليًا. أجرت كريستين برولاكس وهيثر هيلمز عام 2008 مقابلات مع 142 مجموعة من الآباء والأمهات بعدما غادر أكبر أبنائهم المنزل، وأظهرت هذه المقابلات أن معظم الآباء والأمهات نجحوا نجاحًا ممتازًا في التكيف مع الوضع، ورأوا أن خطوة انتقال أبنائهم خارج المنزل كانت إيجابية، وزاد ارتباطهم بأبنائهم كأقران لهم عندما اكتسب الأبناء قدرًا أكبر من الاستقلالية. علاوة على ذلك فإن معظم ساكني الأعشاش الخالية يشعرون بدرجة أكبر من الرضا عن حياتهم، إذ تصبح أكثر مرونة وحرية عما كانت عليه (بلاك وهيل، 1984). وتشير الأدلة الحديثة الناشئة عن تعقب العلاقات الزوجية فترة بلغت 18 عامًا إلى زيادة الشعور بالرضا عن هذه العلاقات أيضًا (جورتشوف، جون، وهيلسون، 2008).
ربما يتطلب التحول الذي يطرأ على الأدوار المنزلية، والزيادة المفاجئة في وقت الفراغ، قدرًا من التكيف من جانب كل أفراد الأسرة. الأشخاص الذين يضعون أنفسهم إلى حد بعيد داخل الإطار الذي يفرضه عليهم دورهم كآباء، والذين يفكرون بطريقة تقليدية بشأن دور المرأة في المجتمع والأسرة، والذين لا يعملون خارج المنزل، قد يكونون أكثر عرضة بكثير لمتلازمة العش الخالي (هاركينز، 1978). ولكن "انتقال" أحد الأبناء من المنزل لا يعد تجربة مأساوية للآباء كما تصورها وسائل الإعلام في الأغلب (والش، 1999)، بل ربما يعد نجاح الأبناء في الانتقال إلى بدايات الرشد والنضج، وحصول الآباء على ثمار ما بذلوه من مجهود طوال السنوات التي كرسوها لتربية أبنائهم، مناسبة للاحتفال.



الخرافة رقم 30: التعبير عن الغضب أفضل من كتمانه
أُشيع على نحو غير مؤكد أن الشهرة الكبيرة التي يتمتع بها باتريك هنري شيريل ترجع إلى أنه الشخص الذي تسبب في نحت عبارة "جن جنونه" في اللغة الإنجليزية، وذلك لارتكابه واحدة من أسوأ جرائم القتل الجماعي في تاريخ الولايات المتحدة.
في 20 أغسطس/آب عام 1986 بعد أن استشاط شيريل غضبًا بسبب إقالته من وظيفة ساعي البريد التي كان يشغلها، أفرغ رصاص مسدسين خبأهما في حقيبة البريد الخاصة به ليقتل 14 موظفًا ويجرح ستة آخرين قبل أن يقتل نفسه في مكتب بريد أوكلاهوما في إدموند. يستخدم أناس كثيرون الآن في اللغة الإنجليزية عبارة "جن جنونه" لوصف تحول شخص إلى الغضب والعنف الشديدين اللذين لا يمكن التحكم فيهما. ويمكن أن يكون مصطلح "غضب الطريق" الذي تستخدمه العامة للإشارة إلى ثورات الغضب الجم التي تنتاب البعض على الطرق مصطلحًا مميتًا بالمثل. ففي 16 أبريل/نيسان عام 2007، بعد أن أرسل جيسون رينولدز بعض الومضات الضوئية من المصابيح الأمامية في سيارته، وبعد أن كان سائرًا بسيارته خلف سيارة كيفين نورمان، قطع رينولدز الطريق أمام نورمان ودفع سيارته بقوة. وعندما انحرف نورمان بسيارته ليتجنب وقوع تصادم تدحرجت سيارته صوب الجزيرة الوسطى في الطريق لتستقر في النهاية فوق سيارة أخرى وتتسبب في قتل نورمان والسائق الآخر (واشنطن تايمز، 2007).
أكان بمقدور شيريل ورينولدز ان يتفاديا هاتين الثورتين القاتلتين من العنف لو نفثا عن مشاعرها المكبوتة في المنزل عن طريق لكم الوسادة أو استخدام مضرب بلاستيكي للتخلص من غضبهما إلى غير رجعة؟ إن كنت كالغالبية العظمى من الأشخاص فأنت إذن تظن أن التعبير عن الغضب أفيد صحيًّا من كتمانه. في إحدى الدراسات اتفق 66% من طلاب الجامعة على أن التعبير عن الغضب 







نبذة مختصرة عن الكتاب:
عنوان الكتاب يعكس بسهولة ومباشرة موضوعه. ففقد اشترك أكثر من أخصائي لمواجهة بعض المعتقدات السيكولوجية إما الخاطئة أو تلك التي تغير الاعتقاد بشأنها بعد المزيد من الأبحاث الحديثة، أو تلك التي تم إساءة تفسيرها أو فهمها من خلال ما يُسمى بعلم النفس الشعبي.
وأفضل تناول لنا هنا في هذا الكتاب هو تقديم بعض من أفكاره مباشرة. البعض هنا في هذا الاستعراض للكتاب، والبعض الآخر سنوالي نشره في قسم "أفكار ومقتطفات" تحت بند الخواطر الدورية