خبايا العقل

خبايا العقل
  • اسم المؤلف جيرالد هوتر
  • الناشر نهضة مصر للنشر والتوزيع
  • التصنيف موضوعات متنوعة
  • كود الاستعارة 7/8

من مقدمة المؤلف


من المؤكد أنك تقود سيارة، وأنك تغسل ملابسك في غسالة كهربائية، كما أنك تتحدث في الهاتف الجوال، وتبحر بين صفحات الإنترنت، وتصور لقطات الفيديو الخاصة أثناء إجازتك، وتشاهد التليفزيون، وتستمع إلى المقطوعات الصوتية المسجلة على الأسطوانات. ولا أدري ما الأجهزة الأخرى المفيدة أو غير المفيدة التي اشتريتها على مدى حياتك، ولكنني أعرف شيئًا واحدًا مؤكدًا، وهو أنه كلما كانت هذه الأجهزة التي تستخدمها أكثر تعقيدًا وأغلى سعرًا، قضيت أنت وقتًا أكثر في دراسة دليل الاستخدام أو الكتالوج المرفق معها الذي يشرح كيفية استخدامها، وما الأمور التي ينبغي عليك الانتباه إليها إذا كنت ترغب في الحفاظ عليها والاستمتاع بها لأطول فترة ممكنة.
وفي الوقت نفسه فإن لديك عقلاً، وأنك تستخدمه أكثر مما تتصور، وفي جميع الأحوال فأنت تستخدمه أكثر من كل هذه الأجهزة والآلات مجتمعة، وذلك حتى يمكنك التعامل مع المواقف المختلفة في الحياة، ولتحقق لنفسك بعض أسباب السعادة من وقت لآخر على أقل تقدير. ولكنك رغم هذا لم يتح لك الاطلاع حتى الآن مطلقًا على دليل يتيح لك معرفة خبايا مخك وأسرار التركيب الإلهي لهذا المخ. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا لم تفعل هذا؟
هل اعتقدت أن عقلك يعمل من تلقاء نفسه بالطريقة الصحيحة التي من المفترض أن يعمل بها؟ دعني إذن أُخبرك أن هذه الفكرة خاطئة. فالعقل يتم العمل فهي وفقًا للتركيب الإلهي الذي أودعه الخالق فيه، ويتم ذلك بمساعدة دوائر التحكم التي تكونت فيه. أما ما دوائر التحكم التي تكونت فيه، والتي يمكن استخدامها لحل المشكلات، فإن ذلك يتوقف على كيفية استخدامك لهذا العقل، وعلى الأهداف التي استخدمت عقلك من أجل فيما مضى. وربما كان عليك أن تسال نفسك ما الطريقة أو الكيفية التي تستخدم بها عقلك وتجعله في بعض الأحيان غير صالح تقريبًا للقيام بمهام معينة فيما بعد؟
أم أنك كنت تعتبر أن المرء ليس في حاجة لأن يشغل باله بشئ لم يتكلف مبلغًا كبيرًا للحصول عليه، بل وجد نفسه ببساطة يمتلكه منذ أمد بعيد. فهذه أيضًا فكرة أخرى خاطئة؛ فكل ما يحصل عليه المرء كهدية –تُمنح له مرة واحدة فقط- يحتاج لاهتمام خاص للغاية ولرعاية فائقة، مادام ليس جمادًا، بل هو أمر يتعلق بالحياة وقابل للتطور –مثله مثل أي طفل، ومثل أية علاقة بشخص آخر، وأيضًا مثل الكلب الذي تقتنيه أو حديقة الخضراوات التي تزرعها. وكل ما ذكرناه ينطبق على عقلك.
وربما تكون قد فكرت لو أن الخالق القدير قد شكَّل أو ركَّب جينات مخك بما يجعلك قادرًا باستمرار على أن تشق طريقك في هذا العالم بشكل مثالي يجعل مخك لا يحتاج لأي تغيير فيه. وهذا بالطبع تصور مريح؛ بمعنى ألا تكون أنت نفسك مسؤولاً بأي حال من الأحوال عما يصدر عن مخك، وهذا الاعتقاد هو أيضًا خطأ آخر. فصحيح أن كل إنسان يمتلك عقلاً خاصًّا به وحده، يتسم من البداية بنقاط ضعف محددة وأيضًا بمواهب محددة، ولكن التطور الذي يحدث على مدى الأيام لهذه "التركيبة" سواء بتلافي نقاط الضعف أو بزيادتها، أو بإطلاق العنان لمواهب محددة أو كبتها، كل هذا يتوقف على الطريقة التي يستخدم بها الإنسان عقله.
ورغم أن هذا كله قد يبدو غير مريح للبعض، فإن قيام المرء بدفن رأسه في الرمال أمام هذه الحقائق لن يُغير شيئًا في جميع الأحوال. ففي وقت ما ستعيد التفكير مرة أخرى، وستجد نفسك أمام حقيقة مؤكدة؛ وهي أن كل هذه التبريرات ليست أسبابًا حقيقية، بل هي حجج للهروب من المسؤولية. وواقع الأمر أن هناك مبررًا واحدًا يمكنك ذكره وأنت مستريح الضمير وهو ما منعك من التفكير في كيفية استخدامك لعقلك، حيث لم يسبق أو أوضح لك أحد ما العوامل التي تحكم هذا الأمر. ولهذا السبب تحديدًا شرعت في تأليف هذا الكتاب الذي يعد خير دليل لاستخدام عقلك، ويسعدني أنك قد وصلت إليه.
ومن المعروف أن كل علم من العلوم يمر خلال تطوره بمراحل محددة. وأثناء كل مرحلة من هذه المراحل يصل إلى مجموعة معينة من المعارف المتعلقة بالظواهر التي يختص هذا العلم بدراستها. واستنادًا إلى العناصر التي تم فهمها حتى ذلك الحين، واستنادًا إلى المعرفة التراكمية حتى ذلك الحين يتأسس بناء نظري معين يحكم هذه المعارف. وهذا البناء يكون في البداية هشًّا؛ ولذلك يتم العمل على ترسيخ هذا البناء من خلال البحث الموجه نحو عناصر معينة للوصول إلى أساسات ثابتة. ويتم تأكيد هذه الأسس بواسطة إجراءات تنظيمية مختلفة، يتم العمل على حمايتها قدر الإمكان من تأثيرات الأفكار والتصورات المدمرة. ولكن الشئ الذي لا يمكن منعه أبدًا هو الاستمرار في الوصول إلى المزيد من العلم، وهو ما يحدث بشكل حتمي عندما تتم دراسة المزيد من التساؤلات بمزيد من التفاصيل، وعندما يتم التفكير في الروابط التي تجمع بين المسائل المختلفة، ويتم البحث عن حلول لها. وهذه المعرفة الجديدة يجب أن يتم دمجها بشكل ما في المنظومة الفكرية القديمة، وإذا أمكن القيام بهذا بنجاح تكون جميع الأمور على ما يرام، ويظل هذا البناء مستقرًا، على الرغم من أنه بمرور الوقت يبدأ تدريجيًا في أخذ شكل أكثر تباينًا نتيجة ظهور بعض الامتدادات والتفرعات والأبراج والمخازن. ولكن في مرحلة معينة يُصبح البناء بالكامل غير مترابط ويُصبح غير مناسب للبيئة المحيطة به إلى درجة تجعل إجراء تعديلات كبيرة أو حتى القيام بتصميم جديد للبناء النظري الضخم التراكمي بكامله ضرورة لا مفر منها.
وتمثل هذه الحالات مراحل تحول، وفي هذه المراحل يتم الاستبدال بالأساس القديم الذي كان يُعتبر حتى حينها العقيدة الصحيحة نموذجًا جديدًا يُتيح استخدام المعارف التي تجمعت حتى ذلك الحين بشكل صحيح، ولكنه يقوم بتنظيم هذه المعارف في بناء فكري جديد يتسع لهذه المعارف الجديدة؛ لأنه ببساطة أوسع وأشمل أو لأنه أكبر من النموذج القديم. وهذه المراحل التحولية هي أكثر المراحل إثارة في تاريخ تطور أي منظومة علمية، ويكون الشعور بهذه الإثارة بالنسبة لمن يجدون راحتهم في المنظومة القديمة أقل، بعكس أولئك الذين أصبحوا يرون أن البيت القديم قد أُصبح ضيقًا وعتيقًا للغاية ومربكًا بشدة.
وقد مرت العلوم الطبيعية التقليدية (علم الفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء) من قبل بهذا النوع من المراحل الانتقالية. وقد مرت جميعها بمرحلة معينة تم فيها أولاً تجميع الظواهر التي يمكن دراستها ويتم شرحها وتصنيفها. وبعد ذلك تم تقسيم الموضوعات إلى أجزاء كثيرة مستقلة ويتم دراسة خصائص هذه الأجزاء بأكبر قدر ممكن من الدقة كلما أمكن ذلك. وبعد مرور فترة –يظن المرء أنها كافية- من محاولة فهم الموضوع ككل بناء على ما تم استخلاصه من دراسة الأجزاء والتي تزداد تعمقًا باستمرار، يكون قد تم الوصول إلى مستوى يقوم فيه بعض الأفراد الآخرين أيضًا بالبحث عن القوى والأبعاد الخفية التي تكمن خلف الظواهر الموضوعية القابلة للمشاهدة والقياس. وقد ترك علماء مثل كوبرنيكوس وكيبلر وشرودينجر، وأينشتاين، وبور وهايزنبرج وبلانك بصماتهم على نقاط التحول هذه في فهمنا للعالم فيما يتعلق بالعلوم الطبيعية التقليدية؟ ولكن نظرًا لأن معظم الناس لا تهمهم حقيقة أن قوانين نيوتن تكون صحيحة في حدود معينة فقط، وأن هناك مساحات بيضاوية الشكل، وأن الوقت نسبي فقط، وأن الموجات والجزئيات يمكن أن تتداخل معًا؛ لذلك لم يكن لأساليب التفكير المستحدثة هذه تأثير بالغ على حياتنا وعلى فهمنا لذاتنا.
ولكن الأمر يختلف فيما يتعلق بعلم الأحياء، أو حتى مع أبحاث دراسة المخ، اللذان يبدآن حاليًا في المرور بهذه المرحلة الانتقالية. وحاليًا لا يزال علم الأحياء من العلوم الطبيعية التي تمر بمرحلة الشباب النسبي، كما أن الموضوع الذي يتناوله، وهو الحياة على تنوع أشكالها، يتسم بالتعقيد الشديد إلى درجة أن علماء الأحياء لا يزالون في مرحلة الجمع والشرح والتصنيف في كثير من المجالات. وقد وصلوا في بعض المجالات بالفعل إلى مرحلة التقسيم إلى أجزاء صغيرة وبدأوا في دراسة خصائص الأجزاء المستقلة بأكبر قدر ممكن من الدقة. وقد بلغوا في هذا الصدد مستوى دراسة الجزئيات الدقيقة، ونجحوا في فك شفرة الجينات واكتشفوا الكثير من الإشارات الحيوية والمواد المستخدمة في هذه الصدد مستوى دراسة الجزئيات الدقيقة، ونجحوا في فك شفرة الجينات واكتشفوا الكثير من الإشارات الحيوية والمواد المستخدمة في هذه الإشارات والمستقبلات الخاصة بها، والتي يتم من خلالها تبادل المعلومات داخل الخلايا وبين الخلايا والأعضاء وأيضًا بين الكائنات وبعضها. ويمكن لهؤلاء العلماء أن يشرحوا كيف تطورت أنواع معينة من أشكال الحياة منذ تاريخ نشأتها، وكيف تم نقل المعلومات اللازمة لهذا التطور من جيل لآخر، وكيف يمكن استخدام هذه المعلومات لتشكيل صفات جسدية معينة أثناء تطور الأفراد في الكائنات المختلفة.
ويمثل كل هذا معلومات مهمة ساهمت بشكل أساسي في وصولنا إلى درجة غير مسبوقة من فهم إلى أى مدى يبدو الاختلاف بسيطًا بين الخلايا البشرية وخلايا الكائنات الأخرى، وبين الأعضاء البشرية وأعضاء الثدييات الأخرى، وبين سلوكيات البشر وسلوكيات أشباهنا من الحيوانات. لذلك أطلق ديسموند موري على البشر اسم "القرود العارية" وأظهر لنا بوضوح ما كان داروين قد أشار إليه من قبل، وما نحاول نحن أن نتقبله على مضض: وهو أننا مجرد جزء -بل ومن وجهة نظر معينة جزء تنقصه قدرات كثيرة- من الطبيعة، ولسنا مخلوقًا خارق القدرات، وبكل تأكيد لسنا محور العالم، بل نحن، مثلنا مثل باقي الكائنات، جزء من الطبيعة مرتبط بها ويتطور معها.
وهذا هو الذي يميز المعارف المكتسبة في علم الأحياء ودراسة العقل عن معارف العلوم الطبيعية. فهذان العلمان لا يقدمان لنا فقط معارف جديدة عملية ومتجددة دائمًا تساعدنا على فهم العالم من حولنا وعلى تشكيله وفقًا لتصوراتنا، مثلها في ذلك جميع العلوم الطبيعية الأخرى، بل ينتج عنهما أيضًا بشكل مستمر المزيد من المعلومات فيما يتعلق بنا نحن، وهو ما يساعدنا على التعامل بشكل صحيح مع أنفسنا وعلى فهم وضعنا وأيضًا دورنا في الطبيعة.
ومثلي مثل الكثير من علماء الأحياء وعلماء دراسة المخ، فقد ظللت لفترة طويلة أتحرك في إطار البناء النظري المأخوذ من العلوم الطبيعية التقليدية. وفي هذا الإطار لم يكن مسموحًا إلا بطرح سؤال واحد، ألا وهو: ما تكوين المخ، وكيف يعمل؟
ولكن عندما نعرف أن بنية المخ، وبالتالي أيضًا طريقة عمله، تتوقف قطعًا على كيفية استخدامنا لعقلنا وفيم نستخدمه وكيف استخدمناه حتى الآن، ألا يكون السؤال المهم حينئذ هو كيف وفيم ينبغي علينا أن نستخدمه حتى يمكننا أن نطلق العنان بالكامل للقدرات الكامنة في عقلنا؟ وهذا هو السؤال الذي أحاول أن أُجيب عنه في هذا الكتاب. وللوصول إلى هذا الغرض، فإنني أعتمد على معلومات مستمدة من مجال دراسة المخ لم يتم التوصل إليها إلا في السنوات الأخيرة، وقد ساهمت هذه المعلومات الجديدة في معرفة أنه قد أصبح بوسعنا اليوم تقدير العوامل المؤثرة في استخدام مخنا بشكل غير مسبوق.
فلعشرات السنوات ساد اعتقاد أن دوائر التحكم العصبية والناقلات العصبية التي تكونت أثناء بناء المخ غير قابل للتغيير. ولكننا اليوم أصبحنا نعرف أن العقل يظل قادرًا طوال العمر على القيام بتغيرات للتواؤم مع المستجدات وعلى إعادة تنظيم الدوائر التي سبق أن تكونت فيه من قبل، وأن نشأة وترسخ هذه الدوائر يرتبطان بشكل جذري بكيفية ومحال استخدام أمخاخنا.
فقبل عدة سنوات لم يكن أي من الباحثين في دراسة المخ يتصور أن التجارب التي نمر بها يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تُغير بنية المخ، أما اليوم فقد أصبح معظمنا على اقتناع أن الخبرات التي نتعرض لها في حياتنا تترسخ فعليًّا في بنية المخ نفسها.
وحتى ذلك الوقت كان المرء يعتقد أنه من البديهي امتلاك الإنسان لهذا المخ الكبير ليقوم بالتفكير، ولكن نتائج أبحاث دراسة المخ التي أُجريت في السنوات الأخيرة، أظهرت بوضوح أن تكوين ووظيفة العقل البشري لهما سمات متطورة معدة خصيصًا للقيام بمهام معينة نجمعها نحن تحت مفهوم يسمى "الكفاءة النفسية الاجتماعية". ووفقًا لهذه النتائج فعقلنا يعمل كعضو اجتماعي أكثر مما يعمل كعضو للتفكير.
وحتى سنوات قليلة مضت، كان علماء العقل يرون أن كل ما له علاقة بالمشاعر لا يزال غير مؤكد، ثم بدأوا حاليًّا يفهمون أهمية المشاعر، ليس فقط في توجيه عمليات الإدراك والتفكير، بل أيضًا في ترسيخ ا لخبرات التي نمر بها في مراحل مبكرة من حياتنا في عقولنا، وكيف أنها تحكم أيضًا تصرفاتنا الأساسية وقناعاتنا العقلية.
ومنذ نحو قرن كامل ظل الجدل دائرًا حول ما إذا كان الذي يحكم التفكير والمشاعر والتصرفات هو برامج للسلوك موجودة بداخلنا مسبقًا أم هي الخبرات التي نكتسبها خلال حياتنا. أما اليوم فتتعمق وجهة النظر القائلة بأن شعور الإنسان وتفكيره يستندان إلى أساس مادي؛ أي عصبي بيولوجي، في صفوف المدافعين عن نظرية طغيان تأثير العوامل النفسية والنفسية الاجتماعية على سلوك الإنسان تدريجيًا. وعلى الجانب الآخر فإن أتباع مبدأ طغيان تأثير الأسس البيولوجية الموروثة قد وجدوا أنفسهم مضطرين للاعتراف بأن التعامل النفسي مع الظواهر الاجتماعية لدى الإنسان له أهمية كبيرة، وخاصة فيما يتعلق باستقرار صفات عناصر جينية معينة موجودة لدى شعب معين، وكذلك لتكوين نموذج معين من دوائر التحكم العصبية والناقلات العصبية في المخ.
تخصصًا مثل الأطباء والمعالجين النفسيين والتربويين دون أن تلفت انتباهم كثيرًا. كما أن هذه العلومات لم تجد صدى في وسائل الإعلام، وغالبًا ستمضى سنوات أخرى قبل أن يتم إدخالها في الكتب المدرسية. إن قراءة كتاب عن خبايا العقل البشري وكذلك تأليفه، يصبحان عملاً صعبًا وخطيرًا خاصة عندما يكون هناك الكثير من البشر الذين لا يعرفون شيئًا أو يعرفون القليل عما يدور في رؤوسهم ورؤوس من حولهم. ولقد حاولت قدر الإمكان أن أكتب هذا النص بحيث يحتوي على أكثر الأمور تعقيدًا في البداية؛ أي في هذه المقدمة، فإذا كنت ق وصلت إلى هذه السطور، فسيكون الباقي سهلاً وكأنه لعب أطفال.
ولكن احترس: فقد ينقلب هذا اللعب إلى جد لا هزل فيه، فمن الممكن أن يتغير كل شئ بعد قراءتك هذا الكتاب، بما في ذلك عقلك.


 


نظرة سريعة


هذا الكتاب لا يصلح للأشخاص الذين يخافون التغيير.
فهناك الكثيرون ممن وضعوا أمامهم على مدار حياتهم حجبًا كثيفة، قلت أو كثرت، وارتدوا كذلك نظارات ذات ألوان قاتمة مختلفة. وبهذه الطريقة ينجحون في كثير من الأحيان في ألا يلاحظوا أن هناك شيئًا ما يحدث حولهم يحتم عليهم ضرورة تغيير أنفسهم. وهذه النظارات النفسية والحجب الشعورية تكون غالبًا إجراءات أمن ضرورية ووسائل للحماية، لكنها يتوجب دائمًا إزالتها إذا صحَّت رغبة المرء في استخدام عقله بحرية. ولذلك فإنه من الضروري أن يتخلص المرء من هذه الوسائل على الأقل أثناء قراءة هذا الكتاب. ونظرًا لأن هذا الأمر غير مألوف، بالإضافة إلى كون الاعتياد عليه صعبًا في البداية، فإنه يتم في الفصل الأول شرح السبيل إلى أن يُحرر المرء عقله لفترة قصيرة من كل ما يمكن أن يعكر صفو رؤيته الموضوعية. وبعد أن تنتهي من قراءة بقية الفصول فمن المؤكد أن رغبتك في أن تواصل حياتك بإرادتك مرتديًا النظارة والحجب الكثيفة مرة أخرى ستزول.
وتتوقف الأشياء التي يمكن استخدام العقل للقيام بها بشكل كبير على الكيفية التي تكوَّن بها هذا العقل، والتي تتوقف بدورها على الأهداف التي تم استخدام هذا العقل من أجلها حتى الآن. ولا يتم ذلك فقط من جانب صاحب هذا العقل بل كذلك من أسلافه الذين سبق لهم أن قاموا بتجربة نفس المخططات البنيوية في صورة تكوينات جينية معينة وتمكنوا من نقل هذه الخبرات –فيما لو نجحت- إلى الأجيال التالية. ولكن مثل هذا المخطط البنيوي لا يزال بحاجة إلى الكثير حتى يُصبح عقلاً كاملاً.
وحتى يتحول إلى عقل قادر على العمل يجب أن ينقل الجيل المعني من الآباء إلى أبنائهم كل ما هو لازم لتحويل هذا المخطط البنيوي إلى واقع حقيقي. وفي حالة النماذج البسيطة التي تتحكم فيها برامج معينة، والتي تشمل الديدان والقواقع والحشرات، فإن المطلوب نقله في هذه الحالة ليس بالكثير. فكل المطلوب هو نقل البيض المزود بالأساسيات اللازمة إلى مكان مناسب لنشأة الجيل التالي، وكل ما بعد ذلك يتم بشكل تلقائي.
أما معظم الحيوانات الفقارية فتمتلك بنيات يمكن برمجتها بشكل مبدئي؛ أي أمخاخًا يمكن في البداية تشكيلها بقدر معين من خلال الخبرات الشخصية المكتسبة. ويتطلب هذا النوع من الأمخاخ أيضًا أن يقوم الوالدان أثناء فترة نمو العقل بتوفير الظروف المناسبة لأبنائهما والحفاظ عليها حتى يستطيع الأبناء تعلم كل ما تحتاج إليه في حياتها فيما بعد. وهذه النوعية من التعلم أكثر صعوبة بالطبع، إلا أنها تتم عادة بلا مشاكل، ما لم تطرأ تغييرات جذرية على الظروف التي تعيش فيها الأبناء. وكذلك لا يختلف الأمر كثيرًا في حالة المخططات البنيوية الجينية التي تتيح تكوين عقل يمكن برمجته طوال عمره، وبالتالي يمكنه مواصلة التعلم طوال العمر. وهذا النوع من العقول لا يمتلكه سوى البشر، وذلك منذ حوالي 100,000 سنة، فمنذ نحو 4000 جيل متعاقب لم تحدث تغييرات جذرية في قدرات أنظمتنا الجينية على بناء مخ تتحد طريقة عمله على مدار حياته بالكيفية والأغراض التي يتم تعلمها كثيرة للغاية وفي أحيان أخرى كانت الأشياء الجديدة التي يتم تعلمها كثيرة للغاية وفي أحيان أخرى كانت قليلة للغاية. فقد كانت هناك أزمنة ومناطق نجح فيها الناس عبر عدة أجيال في إيجاد أكثر الظروف مناسبة لتكوين عقول على أعلى درجات التعقيد وأقوى درجات التشابك بين الخلايا والحفاظ عليها.
بينما استمرت ظروف في أزمنة أخرى وفي مناطق أخرى، أدت إلى عدم استغلال القدرات الهائلة للجينات بنفس القدر لتكوين عقل يتسم بنفس القدر من شدة التعقيد ونفس الدرجة من تشابك الخلايا. وحتى اليوم لم يتغير شئ في هذه المنظومة. فحتى اليوم لا يزال هناك أشخاص أسعدهم الحظ لينشأوا في عالم يوفر لهم إمكانية استغلال القدارت الجينية الهائلة لبناء مخ يستطيع التعلم على مدار حياته بأكبر قدر ممكن، في حين يوجد آخرون يجدون أو يتوجب عليهم أن يجدوا حلولاً أيسر للحفاظ على استمرار حياتهم وحياة أجيالهم التالية.
أما إلى أي مدى يمكن أن تكون هناك اختلافات فعلية في العقول، وخاصة في عقولنا نحن البشر؟ ولماذا تكون عقولنا مختلفة إلى هذا الحد، ولماذا يكون لدوائر التحكم التي تنشأ لمرة واحدة في العقل هذا التأثير في تحديد الإمكانات المستقبلية لاستخدام العقل؟ فكل هذا يتم تناوله في الفصل الثاني، كما يتم فيه، ولأول مرة، توضيح ما يُميز العقل البشري مقارنة بجميع النماذج التي تتحكم فيها برامج معينة، وهو القدرة الدائمة على إعادة تفكيك واستبدال دوائر التحكم التي تكونت من قبل على مدى الحياة. ولذلك فإن عقل الإنسان هو الوحيد القادر على تفكيك البرامج التي تكونت فيه من قبل ووضع برامج أخرى بدلاً منها، حيت بدأت تعوق استمرار تطور القدارت العقلية والشعورية للإنسان.
وكما هي الحال بالنسبة لجميع الأمخاخ الأخرى القابلة للبرمجة، فإن أعمق التأثيرات وأطولها بقاءً هي التي تمت برمجتها أثناء فترة تطور المخ. فأهم تكوينات مخك قد حدثت بالفعل قبل أن تتمكن من قراءة هذا الكتاب بفترة طويلة؛ والخبرات المهمة التي مر بهاء الشخص أثناء مرحلة الطفولة المبكرة وأثناء مرحلة الشباب قد أدت إلى استقرار دوائر تحكم عصبية معينة في مخه.
وفي المراحل اللاحقة من العمر يمكن بسهولة تفعيل دوائر التحكم هذه التي تكونت من قبل، وذلك عند التعرض لخبرات إدراكية ومواقف معينة. ويمكن عندئذ أن تصبح تلك الدوائر عنصرًا يحدد "ما الذي يحدث داخلنا"، وكيف نشعر ونفكر ونتصرف في مواقف معينة.
وغالبًا ما يحدث هذا دون وعي منا، كما لو كان هناك برنامج معين بداخلنا يتحكم فيه.
وحتى يمكننا التخلص من مثل هذا النوع من البرمجة لاحقًا –فإنه يجب أن يتم التعامل معه باعتباره نوعًا من التركبيات التي تمت بالفعل عن وعي، وأن يتم التعرف إليها. وهذا هو ما يتناوله الفصل الثالث؛ حيث يتولى أولاً شرح ظروف التطور اللازمة حتى يمكن استخدام القدرات الجينية المتقدمة بشكل مثالي لتكوين مخ شديد التعقيد والتشابك وقادر على التعلم طول عمره. ونظرًا لأن القليلين فقط من البشر هم من يسعدهم الحظ بوجود مثل هذه الظروف في فترة طفولتهم وشبابهم، وفإننا سنتناول في هذا الفصل الآثار التي يمكن أن تمثل ظروف تطور أقل مثالية أو حتى غير كافية أصلاً للتطور.
ويتميز المخ القادر على التعلم طوال عمره أيضًا بقابليته للتغير، وكذلك يمكن تصحيح التركيبات أحادية الجانب، غير المتوازنة أو التالفة التي قد تكون نشأت أثناء فترة نمو المخ بقدر معين بعد الوصول إلى حالة النضج. أما كيف يمكن إجراء هذه التصحيحات فهذا ما يتناوله الفصل الرابع. وهدف جميع هذه الإجراءات التصحيحية هو إعادة تحقيق التوازن الداخلي المفقود. ففي أحيان كثيرة تنشأ –خلال عملية التطور التي تمت من قبل- حالات من عدم التوازن بين الانفتاح على العالم الخارجي والتزمت. ويمكن أيضًا أن تزداد درجة الارتباط النفسي للطفل بشخص معين يعتني به إلى حد زائد يكافئ رغبته في الاستقلال الذاتي. وهنا نادرًا ما يشكل الشعور والتفكير وحدة واحدة، ويحدث تناقض بينهما بسهولة. وغالبًا ما تكون جميع هذه "الأوضاع غير السوية" قد ترسخت عبر السنوات، بل عبر عشرات السنوات من العمر في كثير من الأحيان. ويترتب على ذلك التأثير بصورة مباشرة على ظروف استخدام العقل، وتحديدًا في اتجاه الحد من استخدامه. في ظل هذه الظروف لا يمكن أن يواصل العقل تطوره، كما يصبح تصحيح هذه التركيبات التالفة شرطًا ضروريًّا لتكوين العقل شديد التعقيد والتشابك الذي يمكنه التغير طوال العمر.
ولن تبقى شئ في العقل كما هو ما لم يستخدم بالطريقة نفسها التي اعتاد عليها من قبل. ولا يمكن أن يواصل أي شئ في المخ تطوره، أو أن يصبح أكثر تعقيدًا، ما لم يتم استخدامه في حل مسائل جديدة، وما لم يواجه متطلبات جديدة عليه أن يتغلب عليها. وهاتان هما المقولتان المحوريتان اللتان تشملان معًا ما يتم تناوله في الفصل الخامس تحت عنوان "أساليب العناية بالعقل". لو كان المخ مجرد عضو معقد للتفكير والتذكر، لكانت أفضل وسيلة للحفاظ عليه هي حل الألغاز الفكرية وحفظ أدلة الهاتف. ولو كان المخ مجرد عضو مركزي للتنسيق والتحكم في مختلف وظائف الجسم وعمليات الحركة المعقدة، لتعين علينا تدريبه وتحفيزه من خلال التمارين الرياضية وتمارين الجمباز. ولو كان الاستخدام الأهم لمخنا هو التعامل مع المدركات من عالمنا الذي نعيش فيه ومن العالم الداخلي لأجسامنا، ثم تحويلها إما إلى صور نعيش فيه ومن العالم الداخلي لأجسامنا، ثم تحويلها إما إلى صور ومشاعر وأحلام غير محددة أو إلى ردود أفعال معينة لكان أهم شئ لعقولنا هو التدريب على مواصلة تطوير هذه القدرات الخاصة بالإدراك والتعامل مع المدركات. ولو كان أهم غرض لامتلاكنا هذا المخ الكبير القادر على التعلم هو إظهار تفوقنا أمام الآخرين، لكانت أفضل نصيحة هي الاستمرار في البحث عن استراتيجيات للتفوق على غيرنا من البشر، وخداعهم، وسبقهم، وطرحهم أرضًا واستغلالهم كيفما يكون لتحقيق أغراضنا الخاصة.
وحتى إذا ما كان هذا يحدث في الماضي، وهو ما كان يتم في كثير من الأحيان تصوير الأمور به، كما لو كان استخدام العقل يتوقف على واحدة أو أكثر من هذه المهارات المتعددة أكثر من غيرها، فإن المعلومات التي أصبحت متوافرة لدينا اليوم تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الأمر يتوقف بالقدر نفسه على جميع هذه القدرات معًا؛ أي أن النقطة الجوهرية التي تتوقف عليها إمكانيات استخدام مخنا هي أنه من الضروري إيجاد الظروف لاستخدام هذه القدرات المختلفة لمخنا وتنميتها جميعًا بنفس القدر. فماذا يمكن أن تكون هذه الظروف، وأين يمكن للمرء أن يجدها، وكيف يمكن للمرء أن يستغلها لصيانة المخ والعناية به؟ هذا ما يتناوله الفصل الخامس من الكتاب والذي يعد الفصل الرئيسي فيه.
إن كل ما هو معقد التركيب تكون استجابته بدورها شديدة الحساسية لأي خلل. والمخ هو أكثر الأعضاء التي نمتلكها تعقيدًا. وإذا نجحنا في تحويله إلى عقل بشري والحفاظ عليه ليبقى كعقل بشري رغم الاحتمالات الضخمة لفشل هذه العملية نكون بذلك قد اقتربنا من تحقيق معجزة؛ فالاحتمال الأرجح هو أن عقل الإنسان يتعرض –نتيجة لظروف التطور والاستخدام غير المناسبة- للحيلولة دون إطلاق كامل قدراته، ويتناول الفصل السادس والأخير أهم حالات الخلل هذه التي تحدث دائمًا كأمر طبيعي. وأكثر الأسباب شيوعًا لهذه الاختلالات هي الأخطاء الفادحة في الاستخدام. ويبدأ حدوث هذه الأخطاء في الاستخدام غالبًا في وقت مبكر للغاية، وتحديدًا في الوقت الذي يكون فيه الآباء أو غيرهم من المسؤولين عن تربية الطفل في مراحله المبكرة هم من يقرر كيفية استخدام الإنسان لعقله والأغراض التي يستخدم عقله من أجلها. وفي المراحل اللاحقة من العمر تتسع دائرة الأشخاص الآخرين الذين يؤثرون على طريقة استخدام الإنسان لعقله. ومن هؤلاء الأشخاص يكتسب الإنسان كل هذه التصورات التي تبدور مناسبة للتعامل مع العالم الذي يعيش فيه؛ أي أن الطريقة التي يستخدم بها الإنسان عقله لا تتوقف فقط على المتطلبات والتحديات التي على الإنسان أن يواجهها في العالم الذي يعيش فيه، بل أيضًا على التصورات الخاصة بالأشخاص الآخرين، والتي يقدمونها له كوسيلة للتغلب على هذه التحديات، والتي يمكنه أن يكتسبها منهم؛ فالعالم الذي ينشأ فيه معظم الناس هو عالم تشكل عن وعي نسبيًّا وفقًا للمعايير الخاصة بأجيال سابقة. وليس من المحتم أن يكون أيضًا عالماً ذا طابع إنساني، ولذلك أيضًا ليس من المحتم أن يكون عالماً تسوده الظروف المثالية لتطور المخ البشري. وكلما قل توافر هذه الظروف، كان الجيل الناشئ مُجبرًا بشكل أكبر على ارتكاب أخطاء عند استعماله لمخه. ولذلك فإن احتمالات حدوث معجزة تكوين عقل بشري تصبح دائمًا أكثر ندرة، وبمرور الوقت -طال أو قصر- يقع الأمر المعتاد، في معظم الأحيان، وهو اعتبار أن الخلل أمر طبيعي. وعندما تصل الأمور إلى هذه النقطة فلا يبقى أمامنا سوى ثلاث إمكانيات: (1) الشك في قدرة خالقنا غير المحدودة، (2) أن نقوم بتغيير الصفات الوراثية حتى يُصبح العقل الذي يحملها قادرًا على التعامل مع الظروف الحاضرة بشكل أفضل، (3) أن نُغير الظروف الحالية السائدة حتى تسمح لنا ببناء عقول أكثر إنسانية. وقد استهلكت الإمكانية الأولى من كثرة ما طبقت، والثانية نقوم بتجربتها حاليًّا، وأما الإمكانية الثالثة غير المريحة فإننا نحاول دائمًا أن ن‍زيحها من أمامنا.


 


مكونات المخ في مختلف الكائنات


إذا وجدت مجموعة من الخلايا الثابتة في مكانها فإنها ليست بحاجة إلى مخ، وهي غير قادرة على أن ترتقي إلى مكان أفضل، ولا يمكنها الفرار من مكانها عندما يكون هناك حريق. فبالنسبة لها سيكون المخ مجرد رفاهية؛ أي أنه شئ لا يمكنها الاستفادة منه على الإطلاق. وقد يتعرض هذا المخ للضمور، بل ويمكن أيضًا أن تفقده هذه الخلايا دون أن تلاحظ ذلك أصلاً.
وهذا هو ما حدث للدودة الشريطية في جسم الإنسان، حيث كان أسلافها في وقت ما ديدانًا كثيرة الحركة، كان لديها جهاز عصبي يقوم بالتنسيق بين انقباضات خلاياها العضلية الكثيرة بحيث تتمكن الدودة بكاملها من الحركة إلى الأمام. وكان هذا الجهاز العصبي أيضًا قادرًا على التعامل مع الإشارات الواردة من مداخل الحواس بحيث تتمكن الدودة من الزحف إلى مكان لا يتهددها فيه الخطر أو مكان يوجد فيه ما يمكنها أن تأكله أو إلى حيث يمكنها أن تجد شريكًا للتزاوج. وفيما بعد عندما نشأت حيوانات أخرى أكبر حجمًا وأكثر تعقيدًا تمكنت بعض هذه الديدان اعتمادًا على مخها البسيط من العثور على مكان مريح للعيش فيه، وهو الأمعاء، ففي هذا المكان كان الغذاء يتوافر بكثرة ولم يكن هناك أي خطر يهددها مادام العائل لا يزال على قيد الحياة. وبدأت تدريجيًّا تفقد قدرتها على الحركة. ونمت على رأسها من الخارج زوائد خطافية ماصة لتتمكن من تثبيت نفسها داخل الأمعاء. أما في داخل جسمها فقد اختفى كل ما لم يعد له استخدام في هذا المكان الذي يمثل لهذه الديدان جنة ترتع فيها. وفقدت الديدان، دون أن تلاحظ على الإطلاق، مخها الذي كان حجمه كبيرًا للغاية فيما سبق، بل وفقدت أيضًا القدرة على تكوين مثل هذا المخ أصلاً.
وتكرر ما حدث مع الديدان الشريطية أيضًا مع جميع الكائنات الطفيلية.
ففي البداية استخدمت مخها بطريقة شديدة الذكاء لتهيئ لنفسها حياة مريحة، وعندما نجحت أخيرًا في تحقيق هذا الهدف بدأت في التبلد. فإحدى إمكانيات استخدام المخ تتمثل في استغلاله للوصول إلى مكان للحياة لا تدعو فيه الحاجة لاستخدام العقل.
وبالنسبة لتركيب المخ وأجزائه المختلفة لا يختلف الأمر كثيرًا، فتدريب مناطق معينة من المخ لكي تكون مسؤولة عن القيام بمهام معينة يتوقف على فيم يحتاج الكائن مخه وفيم يستخدمه. فإذا أخذناه على سبيل المثال، حيوان الخلد الذي كانت أسلافه تتغذى على الحشرات ولذلك كانت بحاجة إلى قوة إبصار جيدة نسبيًّا والقدرة على القفز. ونظرًا لأن ذلك كان يعرِضها لخطر الافتراس من حيوانات أكبر منها، فمن المؤكد أن قيامها بالاختباء في باطن الأرض لبعض الوقت كان مفيدًا لها. ولو وجدت كمية كافية من الغذاء تحت الأرض، لما احتاجت آباء الخلد للخروج إلى سطح الأرض مرة أخرى مطلقًا. فقد أخذت تحفر الأنفاق وتصطاد ديدان الأرض وأي شئ آخر يوجد تحت الأرض. ولم تكن الرؤية ممكنة في هذه الأنفاق المظلمة، ولكن القدرة على الشم والسمع جيدًا كانت ضرورية. ومن الواضح أيها كانت لديه رغبة أقل في الخروج إلى الضوء والشمس وكان يتمتع بأطول فم على شكل جاروف، كان يعيش لفترة أطول وينجب عددًا أكبر من الذرية. وفي وقت من الأوقات أصبحت جميعًا عمياء مثل حيوانات الخلد الحالية، وأصبح لديها أنوف طويلة وأفواه كبيرة للغاية على شكل جاروف للحفر، وفقدت بالتالي القدرة على القفز. ونتيجة هذا النمط من الحياة ونتيجة لعدم الحاجة إلى الخلايا البصرية في المخ بدأت تضمر، وبدلاً منها بدأت تنمو أجزاء المخ الخاصة بالشم والسمع تدريجيًّا بشكل أفضل.
وهذا هو مصير جميع المتخصصين؛ حيث يقومون في البداية باستخدام جميع حواسهم وكامل قدرات عقولهم للعثور على مجال مريح بالنسبة إليهم، وعندما ينجحون أخيرًا في العثور على هذا المجال فإن أمخاخهم وتراكيب أجسامهم بالكامل تبدأ تدريجيًّا في التواؤم مع الظروف السائدة في هذا المجال. وكلما كانت هذه الظروف أحادية الطابع وكلما نجحت عملية التواؤم هذه بشكل أفضل كان من الصعب عليهم بعد ذلك الخروج من هذا المجال.


 


تصميم قابل للبرمجة:
العقل البشري


مضى الآن 8 قرون منذ أن أثبت الإمبراطور فريدريك الثاني بالتجربة، ما يمكن أن يحدث للعقل البشري إذا ما تركنا مهمة تطويره للصفات الجينية وحدها. فعندما أراد الإمبراطور أن يعرف ما اللغة الأصلية التي ستصدر عن العقل من تلقاء نفسه، كلف بعض المربيات تربية اثنين من الأطفال بعد أن منعهن من أن يتحدثن مع الطفلين ولو بكلمة واحدة. وكانت نتيجة هذه المحاولة غير الإنسانية على غير ما توقع الإمبراطور بالمرة: فلم يبدأ الطفلان –كما ظن هو- في تحدث اللغة الآرامية أو حتى اليونانية أو اللاتينية، بل ظلا يعانيان التخلف في كل نواحي نموهما حتى ماتا في النهاية. أما كيف واصل عقلاهما التطور في ظل هذه الظروف، فهذا أمر لم تتم دراسته آنذاك. ولا يمكننا أن نتصورهما إلا مجرد نسخة بائسة مما كانا سيصبحان عليه في الظروف الطبيعية.
وحتى اليوم ينشأ أغلب البشر على الأرض في ظل ظروف تؤدي إلى عدم استغلالهم الإمكانات المبدئية الفطرية لتكوين عقل شديد التعقيد والتشابك، يكون قادرًا على التعلم طول العمر. وحتى اليوم يجد أغلب البشر في عالمنا أنفسهم مجبرين على استخدام عقولهم طوال عمرهم بطريقة آحادية ولأغراض محددة للغاية.
وهذا لا ينطبق فقط على أولئك الذين يقضون ليلهم ونهارهم منشغلين بتوفير احتياجاتهم الأساسية، ويحاولون الحصول على قدر كافٍ من الغذاء، وتجنب التعرض للهجمات الخطيرة والتهديدات والأمراض، والعثور على مكان هادئ للنوم، وربما حاولوا البحث عن شريك من الجنس الآخر وتكوين أسرة.
بل ينطبق أيضًا على جميع أولئك الذين وجدوا في وقت ما من حياتهم استراتيجية محددة للتغلب على مخاوفهم، وللحفاظ على نظامهم الداخلي فقط، فكانوا مضطرين إلى استخدام هذه الاستراتيجية التي توصلوا إليها من قبل، بعد ذلك مرارًا وتكرارًا بالطريقة نفسها؛ لأنهم يعتقدون أنهم بهذه الطريقة سيحلون أيضًا جميع المشاكل الأخرى وبهذه الطريقة فإن دوائر التحكم التي تم تفعيلها أثناء ذلك تُصبح متشابكة بفاعلية أكثر حتى تتحول تدريجيًّا "المسارات العصيبة" التي بدأت صغيرة إلى شوارع ثابتة، بل تصبح في النهاية "طرقًا سريعة" واسعة. وبهذا تتحول الاستراتيجية البدائية للتغلب على المشاكل إلى برنامج مستقر، يحكم كامل تفكير ومشاعر وسلوك الأشخاص المعنيين. وبشكل اضطراري يجدون أنفسهم يسعون دائمًا إلى إيجاد والحفاظ على تلك الظروف التي يمكنهم فيها إثبات فائدة قدراتهم التي طوروها من قبل. وبمجرد أن ينجحوا في هذا تأخذ قدرتهم على إنجاز مهام معينة في التحسن، كما تزداد كفاءتها ونجاحها باستمرار. إلا أنهم يفشلون غالبًا فشلاً ذريعًا، بمجرد أن تتغير الظروف وتواجههم تحديات جديدة لا تصلح نماذج دوائر التحكم القديمة المستقرة في عقولهم للتعامل معها، وكذلك نماذج دوائر التحكم القديمة المستقرة في عقولهم للتعامل معها، وكذلك يظل مثل هذا العقل المبرمج لغرض معين، والذي يتم استخدامه مرارًا وتكرارًا بالطريقة ذاتها وللأغراض نفسها، مجرد نسخة بائسة مما كان سيصبح عليه إذا طُوَّرَت جميع قدراته.
ومن المؤكد –كما يتضح من هذه الأمثلة- أن مسألة امتلاك عقل، تتحدد دوائر التحكم النهائية فيه بناء على الكيفية التي يستخدم المرء –أو أجُبر على أن يستخدم بها- عقله لا تكون مفيدة في جميع الأحيان.
أما ما يمكن أن يصل إليه مثل هذا العقل المرن القادر على التعلم، إذا تم استخدام القدرات الكامنة فيه لتكوين نماذج معقدة من دوائر التحكم، فهو يتوقف أيضًا بشكل أساسي على الظروف التي ولد فيها ذلك الشخص وأخذ في ظلها يُشكل حياته. ففي مكان لا يجد فيه المرء ما يكفي ليأكله –حيث تكون حياة الشخص وعائلته التي نشأ فيها معرضة للخطر دائمًا- يقتصر التعامل مع الأشخاص الآخرين على ما يساعده على اجتياز هذه الظروف العصيبة. وحيث يسود الحسد والغيرة، ويُمثل كل شخص منافسًا للآخر فلا يمكن أن ينشأ شعور بالتضامن والترابط. ونتيجة لذلك يُصبح كل شكل من أشكال التبادل مع الأشخاص الآخرين مرتبطًا بالحاجة إلى إثبات الذات والتعبير عنها.


 


العوامل المؤثرة على تكوين دوائر التحكم العصبية


لو كان لديك مخ مثل سمكة أبي شوكة، فلن تكون في حاجة لأن تشغل بالك بما يدفعك كل ربيع لأن تقوم بطقوس التزاوج مع شريك التزاوج في ذات الوقت الذي لا يتغير أبدًا. ولن تغضب أبدًا إذا تعرضت للمقاطعة أثناء ذلك وتضطر لأن تقوم بنفس العملية بالكامل من البداية مرة أخرى حتى تنجح في إكمالها. وعندما يكبر أطفالك ويقومون في نفس موعد موسم التزاوج بأداء الروتين نفسه مثلما فعلت أنت، فلن تتساءل كيف يتمكن أبناؤك من أداء هذه الطقوس المعقدة بمهارة رغم أنه لم يسبق لهم أن شاهدوها أو مارسوها من قبل، ففي هذه الحالة يمكنك الاعتماد بكل بساطة على أن جميع دوائر التحكم العصبية التي تحتاجها أي من أسماك أبي شوكة في مخها للبقاء على قيد الحياة وللاستمرار في التناسل- تكون موجودة في مخها بالفعل وبالتكوين نفسه لدى جميع الأسماك من ذات النوع. والبرامج الجينية المسؤولة عن ذلك قديمة ومحدودة القابلية للتغيير، مثلها مثل سمكة أبي شوكة.
ولو كان لديك مخ مثل مخ الأوزة الرمادية، وكان كونراد لورنز مؤسس علم دراسة سلوك الحيوان قام بتربيتك فور خروجك من البيضة، لكنت ستقوم في الربيع بأداء نفس طقوس التزاوج المبرمجة داخلك جينيًا مثلما تفعل جميع الأوز الأخرى، والاختلاف الوحي أنك لن تقوم بهذا أمام أوزة أخرى بل أمام كونراد لورنز.
ورغم الفشل الواضح لجميع محاولاتك، فإنك ستحاول التأكيد أن تعيد المحاولة في الربيع القادم. ففي وقت من الأوقات عندما كانت بعض دوائر التحكم الموجودة في عقلك لم تنضح تمامًا بعْدُ- ترسخت صورة الرجل المسن في عقل الأوزة الصغيرة، وتظل نماذج دوائر التحكم هذه مركبة بنفس الطريقة لبقية حياتك، كما لو كان برنامج جيني هو الذي قام بتشكيلها.
أما لو كان لديك مخ قرد فإن بوسعك أن تتعرض لخبرات أكثر من التي مرت بها تلك الأوزة، كما يمكن أن تترسخ هذه الخبرات في عقلك. وربما يمكنك أن تقوم فيما بعد بفك دوائر التحكم هذه أو باستبدالها من خلال تركيب دوائر أخرى. ولكن لن يكون بوسعك أن تستوعب أو تحكم ما إذا كانت هذه التركيبات التي تكونت من قبل في مخك ذات فائدة لك أم لا، وما إذا كنت ترغب بالتالي في أن تبقى محتفظًا بها أم لا. فحتى يمكنك أن تقرر ما إذا كانت دوائر التحكم التي نشأت في مخك حتى الآن، والتي تتحكم في شعورك وتفكيرك وتصرفاتك ينبغي أن تبقى بقية حياتك كما هي، أم أنه ينبغي أن يتم تغييرها، فأنت بحاجة إلى عقل قادر على التعلم طوال العمر. فإذا كنت تعتقد أنه ليس لديك مثل هذا العقل فيمكنك التوقف عن مواصلة قراءة هذا الكتاب الآن.
أما إذا قررت أن تواصل القراءة فيجب أن تقف هنا مع نفسك للحظات، وأن توضح لنفسك ما الذي يعنيه لك أن تعرف أن التركيبات التي تمت في مخك لم تتم بالشكل المثالي المرجو. فالسؤال هو من الذي يتحمل مسؤولية هذا؟ وماذا تريد أن تفعل عندما تعرف أنه- دون أن يكون لك دور في هذا وحتى قبل مولدك وأثناء طفولتك وفي المراحل اللاحقة من حياتك- نشأت في مخك دوائر تحكم معينة تتحكم بشكل كبير في مشاعرك وتفكيرك وتصرفاتك إلى اليوم؟


 


التركيبات العصبية المثالية


حين يمكننا أن نستغل الإمكانات التي انتقلت إلينا عن طريق الجينات إلى أقصى درجة لنقوم بتكوين دوائر تحكم شديدة التعقيد ويمكن تغييرها طوال العمر يحتاج المخ البشري لظروف تطور مثالية. فيجب ألا تحدث تغييرات مدمرة في أحجار وطبقات الأساس والعوامل المساعدة أو غيرها من العناصر اللازمة لنمو المخ، والتي تؤثر على نضج هذا المخ الذي ينمو بسرعة في هذه الفترة حتى قبل ميلاده. ولا يقتصر هذا الأمر فقط على نقص الإمدادات التي تصل إلى الجنين عن طريق المشيمة أو عمليات الأيض لدى الأم، بل أيضًا على تناول الأم لمواد تصل عن طريق المشيمة إلى مخ الجنين النامي وتؤدي إلى تغيير مجموعة الظروف السائدة فيه، والتي تتحكم في عمليات النضج الجارية (مثل الكحوليات، النيكوتين، المخدرات، الأدوية، الخ.). كما يمكن أن يؤدي حدوث تغييرات في بعض الهرمونات وعوامل النمو المعينة وغيرها من المواد الناقلة للإشارات الموجودة في دم الأم، والتي يتم إفرازها نتيجة الضغوط النفسية أو الجسدية أثناء فترة الحمل إلى التأثير على نمو المخ.
ومع قرب نهاية الحمل تكون مختلف أعضاء الحواس ودوائر التحكم الخاصة بها في مخ الجنين قد وصلت إلى درجة من النضج تجعل الجنين يبدأ فعليًّا في أولى عمليات الإدراك الحسية. فهو يشعر بحركات التأرجح، ويتذوق طعم الماء الموجود في المشيمة ويسمع صوت دقات قلب الأم وغيرها من أصوات الضوضاء، وأيضًا الأصوات والموسيقى الواصلة إليه من الخارج. فكل ما يصل إلى عالم الجنين، وكل ما هو قادر على إدراكه يجعله يرتبط بالأمان والحماية اللذين يسودان بطبيعة الحال هذا العالم. وقد تؤدي الاختلالات المفاجئة وربما المتكررة أثناء فترة الحمل، مثل الضوضاء المرتفعة وربما أيضًا مشاعر الخوف أو الضغط العصبي لدى الأم، والتي يشعر بها الجنين في صورة تغيرات في نبضات قلبها، والتغيرات في طبيعة دم الأم الواصل إليه، وما يرتباط بذلك من إفراز هرمونات مختلفة، كل ذلك قد يؤدي إلى كون الشعور بالأمان لدى بعض الأطفال ضعيفًا بالفعل وقت الميلاد. وفي هذه الحالة فإنهم يأتون إلى هذا العالم يسيطر عليهم قدر أكبر من مشاعر عدم الأمان والخوف، وتكون مهمة الأم في تهدئتهم أصعب إلى حد كبير من أولئك الأطفال الذين لم يتعرضوا لهذه الخبرات أثناء وجودهم في رحم الأم.
وتكون عملية الولادة هي أول عملية تنطوي على خوف وضغط عصبي يتعرض لها كل إنسان في حياته. فبعد هذا التغيير الدرامي في عالمه الذي اعتاد عليه حتى تلك اللحظة عليه أن يبحث يائسًا عن طريقة لاستعادة توازنه الداخلي المفقود. وتترسخ الخبرات الأولى- والتي يمكن بل من المحتم أن يحصل عليها هذا المولود الجديد في أيامه وأسابيعه الأولى في هذا العالم الجديد، والتي تؤثر أيضًا بشكل كبير على مراحل تطوره اللاحقة- في عقله على هيئة شعور معَّين، ألا وهو الشعور أنه قادر على التغلب على خوفه. وحتى يمكن لهذا الشعور أن يترسخ يجب أن يكون المولود قادرًا على التعبير عن خوفه، وهذا يعتمد على الانتباه لصراخه، وأن يهتم به شخص ما (غالبًا ما تكون الأم طبعًا)، وأن يقوم الشخص بهزه، ووضعه على صدره، والتحدث إليه، وأيضًا بتدفئته وتهدئته. وعندما يجد الطفل شخصًا يجعله قادرًا على أن يشعر ويحظى مرة أخرى بأكبر قدر ممكن من الأشياء التي كان يعرفها من حياته التي مر بها حتى الآن داخل رحم الأم، والتي ترتبط بما كان متوافرًا فيه من الأمان والحماية والراحة، عندئذ فقط يمكنه أن يتغلب على خوفه وأن يستعيد توازن مشاعره الداخلية مرة أخرى.
وكلما نجح أكثر في الوصول إلى هذا، زادت قناعته أنه يمكنه بقدرته الخاصة وبمساعدة أمه أن يتغلب على خوفه. وبهذا فإن ثقته في نفسه تزداد، وكذلك ثقته في قدرات أمه على أن توفر له الأمان والحماية. ويتولد لدى الطفل رابط وجداني خاص بأمه (أو أي شخص آخر يوفر له الرعاية في هذه المرحلة الأولية) ويأخذ عنها في مراحل تطوره اللاحقة جميع القدارت والمهارات والتصورات والسلوكيات التي تبدو له مهمة للتعامل مع حياته الخاصة، بالإضافة إلى اتساع الرابط الوجداني لديه ليشمل جميع الأشخاص الذين يمثلون أهمية لهذه الأم، والذين ترتبط بهم وجدانيًّا والذين يشعر الطفل في وجودهم بالأمان والحماية.


 


 للمزيد في هذا الموضوع، يمكنك مطالعة مقال "كيف يتكون مخنا"


نبذة مختصرة عن الكتاب:


 


إنه كتاب في علم الأحياء، وليس علم النفس أو الطب النفسي، إلا أن الدراسة التي يقدمها جديرة جداً بأن نقدمها هنا، وبالأخص أنها مكتوبة للعامة وليس للأخصائين، بطريقة يستطيع الجميع أن يفهمها ويستفد منها.
يتناول الكتاب موضوع فريد يمكن بالتأكيد لدارسي المشورة، كما لأي إنسان، الاستفادة الجمة منه؛ حيث تستند المقولة الأساسية للكاتب على أن العقل يتركب ويتكون وينمو تبعاً للكيفية التي يستخدمه بها الإنسان، وليس هناك تكويناً جامداً ثابتاً له.. ويا لها من مقولة رهيبة!!


والآن أترككم في هذه الرحلة مع هذا الكتاب الشيق: