القصيدة (الترنيمة) الخالدة: "السائح المسيحي"

كاتب غير معروف ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

1. يا أيها الفادي إليكَ حنيني
ولرؤيتى إياكَ كلُّ أنيني
قد ساقني لحماكَ حُسْنُ يقيني
في حبِّكَ الوافي جميعُ ديوني
بدمٍ جرى فوقَ الصليبِ ثمينِ

تحميل أوديو: ماهر فايز (تسجيل قديم)

يوتيوب: ماهر فايز (تسجيل وتوزيع حديث)

يوتيوب: هرماس

 

القرار
يا سائحاً نحوَ السماءِ تشدّدا
أنت الحبيبُ فلا تخف شرَّ العدى
(الأعداء الروحيين؛ الشيطان وأبالسة الجحيم)
إنّ انتصارَك بالصليبِ مؤكّدا
بل إنني أعددتُ عندي للمدى
لكَ منزلاً في غايةِ التزيينِ

 

2. يا سيدَ الأسيادِ، بل يا سيدي،
لكَ ما حَييتُ تديُّني وتعبُّدي
حبَّبتني في ذي الحياةِ تزهُّدي
بل أنت قانوني بِهاكَ ومرشدي
حتى أروحَ إليك أو تأتيني

 

3. صبحُ الجمالِ على جبينِك لائحٌ
وشذا الرضا من روضِ قلبِك فائحٌ
فلذا أنا بالروحِ نحوَك سائحٌ
طوْراً أنا فرحٌ وطوْراً نائحٌ
قصدي اللقاء، يا مُنيتي لاقيني

 

4. إنّي شعرْتُ بوحشةٍ في غيابِكَ
فمتى أنالُ الحظَّ مُجْتمعاً بك؟
هيهاتَ أن أنسَّرَ بغيرِ أُنسِكَ
ويشوقني إلاّ تلألؤُ وجهِكَ
عند التواصلِ أنْ تراكَ عيوني

 

5. لاشكَّ أنّك لي رفيقُ سياحتي
بالروحِ آخذُ منكَ بعضَ الراحةِ
متناسيّاً أيامَ بيْنٍ راحتِ
مُتذكِّراً أيامَ قرْبٍ لاحتِ
فبقرْبِها، يا سيدي، عزّيني

 

6. متلهفاً حتى أراكَ وأشبعَ
وأظلُّ عندَك باللقا مُتمتِّعا
لن أكتفي إلاّ به أو أقنعَ
كم من جراه قد ذرفتُ الأدمعَ!
حتى تقرَّحْ بالبكاءِ جفوني

 

7. يا أيُّها المحُيي الرفاتِ ثانيةْ؛
البشرَ الخطاةَ، بنفسِه، يا ذا الحملْ
يا مُشتهى نفسي ويا كلَّ الأملْ
بل يا رجا قلبي ونورَ العيْنِ بلْ
يا قدسَ أقداسِ الحياةِ محييني

 

8. إنّ الطريقَ إليكَ صعبُ المسلكِ
لكنني لسواكَ لستُ بمشتكِ
أكثِرْ بعُظْمِ تحيّري وتلبُّكي،
لو لم تُوافِ (تُوافي) سياحتي بمحرِّكِ
هو روحُكَ القدوسُ كيّ يهديني

 

9. يا أيُّها الروحُ العزيزُ رأيتني
وحدي أسيحُ إلى السما فصحبتني
حتى إذا ضلّتْ خُطايا هديتني
أو إنّ جَبُنْتُ في ضيقةٍ شجَّعتني
ما لم أصلْ، يا روحُ، لا تُرْخيني

 

10. هاتِ الأحاديثَ التي تنفي الكدرْ
عن سيدي المحبوبِ ما دامَ السفرْ
علِّل فؤادي كلَّ يومٍ بخبرْ
عنه، فلي شوقٌ إليه قد استعرْ
فلعّلها من حرقتي تطفيني

 

11. إنّ السعادةَ حظُ سُيّاحِ السما
يا حُسْنَ يومِ وصولِهم ذاك الحمى!
يلقاهُمُ جندُ السماءِ مرنِّما
ويسوعُ مسرورٌ بهِمْ مُتبسِّما
ويقولُ أهلاً بأُولاء تبعوني

 

12. حملوا الصليبَ وما استحوْا بي بيْن البشرْ
بل ما ابتغوْا حظاً سوى اسمي المحتقرْ
فليجلسوا حولي على عرشٍ الظفرْ
وليلبسوا تيجانَ مجدٍ قد بهرْ
وليشبعوا من نعمةٍ بيميني

 

13. هناك يا سيّاحُ فيها تمتّعوا
وتلذّذوا بالربِ حتى تشبعوا
طوبى لكم؛ أفراحُكم لا تُنْزَعُ
وقلوبُكم بالربِ لا تتزعزعُ
في فعلِ ذنبٍ للحبيبِ مهينِ

 

14. أفراحُ حالتِكم به لا تُشرَحُ
أو للتكدُرُ ليس يُوجَدُ مطرحُ
الموتُ يفنى والخطايا تبرحُ
والهمُّ يذهبُ والمدامعُ تُمْسَحُ
وتزولُ كلُّ شقاوةٍ في الحينِ

 

15. أتعابُكم زمنَ التباعدِ تذهبُ
وجُروحُكم حينَ السياحةِ تُعْصَبُ
فكلوا طيبَ جِنْيّ الحياةِ، واشربوا
من مائِها، يا حبَّذا، كمْ يَعْذُبُ!
يا ليتَ منه جرعةً تُرويني!

 

16. وتوطَّنوا الفردْوسَ ثم تنسَّموا
أرواحُكم فيها تُسّرُ الأعظمُ
وتبخَّتروا فيها علام (على ما) شئْتُموا
وعلى قياثيرَ المسرّةِ رنِّموا
لإلهِكم في أعذب التلحينِ

 

17. وتمتّعوا أنتمُ بلذاتِ الهنا
وأنا أقاسي الهمَّ والبلوى هنا!
متحيِّراً حتى يُسَّرَ إلهُنا،
فيُريحُني من كلِّ أثقالِ العنا
ونصيبَ حبٍ بينكم يعطيني

 

18. فإذا رآني الناسُ في الحالِ التي
قد عِشْتُ فيها، ههنا، يا قُدوتي
من دونِ ميلٍ للورا (للوراء) وتلَفُّتِ
حكموا عليَّ بأنني ذو جِنِّةِ
يا حبَّذا بكَ، يا يسوعُ، جنوني!

 

19. حُبُّك أوصلني لحالِ الهائمِ
حتى أُرى إلّاه غيرَ ملائمِ
فعلى قواعدِه بَنْيتُ عزائمي
لا أخشى في الحُبِ لوْمةَ لائمِ
إنْ عَنَّفَ الأشرارُ أو لاموني

 

20. إنّي أنا الصْبُّ الجسورُ المقْدِمُ
وبمذهبي: خوفُ المحبِ مُحَرَّمُ
وفُتورُه أثناء بَيْنِ يلؤمُ
لم يدْعُني نحوَ الوفا (الوفاء) إلاّ الدمُ
لمَّا جَرَى من جنبِكَ المطعونِ

 

21. إذ كُنتُ مديوناً لربي بالخطا (بالخطأ أي الخطيئة)
وحُكِمْ عليَّ بالهلاكِ مُربَّطا
فأتى يسوعُ للفدا متوسِطا
متكفِّلاً للهِ عنيّ بالعطا (بالعطاء أي دفع ثمن خطيئتي)
فوفاه (أوفى الآبَ) من فوقِ الصليبِ ديوني

 

22. يا سيدي قصدي رضاك، ولا سوى
إذْ أنّه مجموعُ مطلوبي حوى
أمِّنْ عليّ بذاك (أي برضاك) أثناءَ النوى (النوى هو الموت)
من يبتغى إلاّ رضاكَ، فقد غوى
وويْلُه من هولِ يومِ الدينِ!

 

23. ويلُ الخطاةِ الأشقيا مما مضى
من حينِ تُنْصَبُ الكراسي للقضا
فتضيقُ فيهم ثَمَ ساحاتِ القضا
ويُريعُهم غضبُ الإلهِ، ولا الرضا
ويقولُ كلٌ يا جبالُ غطِّيني!

 

24. أنتَ العزيزُ لديَّ في كلِّ الورى
حتى على عيني أراكَ مصوَّرا
ومتى حديثُك، يا منى قلبي، جرى
من روحِ ذكرى الحبِّ أغدو مسْكرا
فتفيضُ في سيلِ الدموعِ جفوني

 

25. يا حبَّذا السكرُ الحلالُ المشتهى
بمحبةِ الفادي لنا للمنتهى
حتى يُقالَ عن الدني: "هذا سَهَا"
إنّي لمشتاقٍ لوجهِك ذي البها
وإليه يا لتشوقي وحنيني!

 

26. مهما لاقيِتُ من الورى (الخلق أو البشر) لا أشتفي
من حزازاتِ الفؤادِ المدنفِ
ولو أنّه خِلٌ وفي ولي قد صَفَا (صفا قلبه لي)
يا فرطَ تشوِّقي وتلهِّفي
للقاكَ فهو، ولا سوى، يكفيني

 

27. يا سيدي قد طالَ وقتُ تغرّبي
ومللتُ حِمْلَ إهانةٍ وتجرُّبي
حتى أُرى في حضنِ أمي والأبِ
إنّي غريبٌ عن ديارِ حبيبي
وأقلُّ شيءٍ مانعٍ يُبْكيني

 

28. عَجِّلْ مجيئَك مُقْبِلاً حالاً إليّ
من دونِ مهْلٍ، غرْبَتُكْ طالتْ عليّ
ما رَاقَ في عيني بعدَك قطُ شيءْ
حرَّمْتُ عيني أن ترى إلاكَ كي
لا تنغوي، وبغيِّها تُغويني

 

29. في غُربتي إنّي شبعتُ تذلُّلا
حتى لها لا أستطيعُ تحمُّلا
كمْ قد وعدتُ النفسَ فيك تعلُّلا
وحَييِتُ في روحِ الرجا متأمِّلا
عما قليلٍ سيدي يأتيني

 

30. أرجوك لا تدع انتظاري للقا
أبداً يَقِلُّ، فإنّه روحُ التُقى
بل إنّما زِدْني إليه تشوّقاً
ولوجهِك البش (البشوش) المنيرِ تحرُّقا
زِدْني، ودعْ حبي له يسبيني

 

31. من لم يحبك ما درى ماذا الهوى
بل ما أتى الحبَّ الصحيحَ، وما نوى
إلا على بُغْضِ المهيّمنِ ما انطوى
بل ياله من فاجرٍ نجسٍ هوى
نحو الجحيمِ وفاجرٍ ملعونِ

 

32. لكنَّ مَنْ يهواك نالَ غنيمةً
وله الحياةُ سعادةً أبديةً
يَكسيه حبُّه للقداسةِ حلةً
تغدو له بيْنَ الملائكِ زينةً
ولي الرجاءُ بأنه يكسيني

 

33. قلبي الذي بالأصلِ كان منجَّسا
بدمِ المسيحِ على الصليبِ تقدَّسا
فعلى الصليبِ رجاءُ قلبي أُسِّسا
وبه أظلُ على المدى متفرِّسا
فيه تفرّسَ شاكرٍ ممنونِ

 

34. إذ أنه أضحى أساسَ عبادتي
وبه غلبتُ الخَصْمَ، يا لسعادتي!
وبه صلبتُ عواطفي وإرادتي
وبه رأيتُ عليّ حقَ شهادتي
بمخلصٍ للهالكينَ حنونِ

 

35. أنتَ الحنون، ارثِ (يرثي أي يُشفِق) لحالة غربتي
واشفق على ضعفي وفرِّج كُرْبتي
عطفاً، فلا يخفاك مزمنُ علتي
يا سيدي إني مريضُ محبتي
فإلى الحبيبِ، تكرُّماً، ودّيني (أي أوصلني إليه)

 

36. ما الظنُ يُبْرِئُها سواه وداؤها
ينبي (أي يُخبر) العليلَ بأن يعزَّ شفاؤها
سيدومُ، مادامَ الفِراقُ، بلاؤها
بل علتي تبرأ وأنت دواءُها
بل ذاكَ إيماني وكلُّ يقيني

 

37. حتى متى يُضني الجفا وإلى متى؟
مع كونِ بُعْدُك، يا حبيبي، مؤقَّتا
ومجيئُك المحبوبُ عنديّ ثُبِّتَ
فمتى يقولُ مبشرٌ: "ها قد أتى"
أهلاً وسهلاً بضياءِ عيوني

 

38. والآن أطلبُ راجياً متوسِلا
وعداً ووعدُكَ بالوفا لن يبطلا
قُلْ لي متى تأتي إليّ من العلا
جُدْ لي به يا مُعْطياً لم يبخلا
أكرمْ وبدِّل باليقينِ ظنوني

 

39. يا سائحاً نحوَ السماءِ تشدّدا
أنت الحبيبُ، فلا تخف شرَّ العدى
إنّ انتصارَك بالصليبِ مؤكّدا،
بل إنّني أعددتُ عندي للمدى
لك منزلاً في غايةِ التزيين

 

40. وها أنا آتي سريعاً بغتةً
إياكَ أن تنسى مجيئيَ لحظةً
بل فانتظره دقيقةً فدقيقةً
حتى تنالَ مع العروسِ وليمةً
هيَّأتُها لجميعِ مَنْ حَبَّوني

 

كاتب غير معروف

مراجعة وتشكيل: ق. أشرف شوق