تطويبة الحزانى (مت 5: 4)

جون ر. ستوت ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

يمكن أن نترجم هذه التطوبية بالقول: "ما أسعد غير السعداء!"، لكي نلفت الأنظار إلى ما يبدو تناقضًا مفزعًا في هذه الآية. فما هي نوعية الأحزان التي نشعر بها، حتى نحصل على أفراح بركات المسيح؟

 

واضح من القرينة أن المسيح يقدم الوعد بالعزاء في هذه التطويبة، ليس للذين فقدوا عزيزًا لديهم، لكن للذين فقدوا براءتهم، وبرهم، واحترامهم. إنه ليس الحزن الناتج عن الألم، لكنه حزن التوبة.
وهنا نجد الخطوة الثانية للحصول على البركات الروحية. فالمسكنة بالروح والاعتراف بها شئ، والحزن والنواح على هذا شيء آخر. أو بلغة لاهوتية: الاعتراف شيء، والندم وانكسار القلب شئ آخر.
لكن علينا أن ندرك أن الحياة المسيحية، طبقًا لفكر المسيح، ليست كلها فرحًا وضحكًا.
ويتخيل بعض المؤمنين (خاصة إن كانوا مملوئين من الروح القدس) أنهم يجب أن يلبسوا أقنعة ضاحكة. وأن تكون لهم ابتسامة دائمة، وأن يعيشوا حياة مليئة بالصخب. ولكن هذه الموعظة (طبقًا لما كتبه لوقا البشير) تحوي تحذيرًا يقول: "ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون" (لو 6: 25)، وهذا يدل على أنه يوجد ما يُسمى "البكاء المسيحي"، وقليلون يبكون حقًا.
لقد بكى المسيح على خطايا الآخرين، وعلى مصيرهم المرير في الدينونة والموت، كما بكى على المدينة القاسية التي لم تقبله... وهو يدعونا هنا لنبكي كثيرًا على خطايا العالم، كما فعل الأتقياء في كل العصور. قال إرميا المعروف بالنبي الباكي: "يا ليت رأسي ماء وعيني ينبوع دموع" (إر9: 1). وقال المرنم لله: "جداول مياه جرت من عيني لأنهم لم يحفظوا شريعتك" (مز 119: 136). وسمع النبي حزقيال الأمناء يبكون على الرجاسات المرتكبة في أورشليم (حز 9: 4). وكتب بولس عن المعلمين الكذبة الذين كانوا يزعجون الكنيسة في أيامه، يقول: "كثيرون يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا والآن أذكرهم أيضًا باكيًا وهم أعداء المسيح" (في 3: 18).
وليس المطلوب أن نبكي على خطايا الآخرين فحسب، بل نبكي على خطايانا. ألم تحزنّا خطايانا من قبل؟! هل بالغ "كرانمر" عندما طلب في خدمة العشاء الرباني (في عام 1662) أن يردد الشعب معه القول: "نعترف وننتحب على خطايانا وآثامنا الكثيرة"؟! وهل أخطأ "عزرا" عندما صلى واعترف وهو باكٍ وساقطٌ أمام بيت الله" (عز 10: 1). وهل أخطأ بولس عندما ناح وقال: "ويحي أنا الإنسان الشقي! من ينقذني من جسد هذا الموت؟" (رو 7: 24)، أو عندما كتب للكنيسة المخطئة في كورنثوس يقول: "أفأنتم منتفخون، وبالحري لم تنوحوا حتى يُرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل" (1كو 5: 2، 2كو12: 21).
لا أعتقد أن كل هؤلاء أخطأوا. وإني أشعر أن المؤمنين الذين ينبِّرون كثيرًا على النعمة، يستخفون بالخطية ويستهينون بها، ولا يحزنون عليها حزنًا كافيًا. وأعتقد أننا يجب أن نختبر أكثر ما نسميه "حزن التقوى" الذي يُنشئ توبة لخلاص بلا ندامة (2كو7: 10)، كما حزن المُرسل "دافيد برينارد" الذي بشَّر الهنود الحمر، وهو صاحب الضمير الحساس، فسجَّل في مذكراته بتاريخ 18 أكتوبر عام 1740: "في كل خلوة صباحية تذوب روحي فيَّ وأبكي بمرارة على كل ما فعلته من خطايا وآثام". مثل هذه الدموع مياه مقدسة يحفظها الله في زقّ (مز 56: 8).
هؤلاء الحزانى الذين ينوحون على خطاياهم، سيتعزّون. لكن العزاء الوحيد الذي سيخرجهم من حزنهم هو غفران الله المجاني لهم، فإن "أعظم عزاء هو إعلان الغفران لكل خاطئ تائب مُنتحب".
وقد تكلم أنبياء العهد القديم عن "العزاء" كعمل من أعمال المسيا، فهو المعزي، وهو الذي "يعصب منكسري القلوب" (إش40: 1، و61: 1). ولهذا قيل عن سمعان الشيخ إنه كان "ينتظر تعزية إسرائيل" (لو 2: 25). ويسكب المسيح زيت نعمته على جروحنا، ويُعزي بسلامه ضمائرنا المجروحة الممزقة، إلا أننا سنظل نبكي على خراب الموت والمعاناة الناتج عن الخطية والذي ينتشر في العالم أجمع. ولا نتوقع عزاء المسيح الكامل، إلا في حالة المجد الأبدية، حيث لن توجد خطية "ويسمح الله كل دمعة من عيونهم" (رؤ 7: 17)

جون ستوت
من تفسير الموعظة على الجبل