الخطية: موضوع لم نعد نرغب في الحديث أو القراءة عنه. أليس كذلك؟!

جي. سي. رايلي ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

أعترف أنني أضع قلمي بمشاعر من الحزن والقلق. فهناك الكثير في سلوك المسيحيين في هذه الأيام مما يملأني بالهم، ويجعلني محملاً بالخوف من المستقبل.

فهنالك جهل عميق بالكتاب المقدس بين كثيرين، وبالتالي نقص في الديانة الراسخة المكينة، ليس هناك أسلوب آخر به أعلل الاسترخاء الذي أصاب الناس مثل اطفال "مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم" (أف 4: 14). فهنالك حب أثيني لكل ما هو جديد بالخارج، وكراهة رهيبة لأي شئ قديم وتقليدي، وينتهج نفس طرق آبائنا القدامى. فالآلاف سوف يتجمهرون ليسمعوا صوتًا جديدًا وعقيدة جديدة، دونما الانتباه للحظة إلى ما إذا كان ما يسمعونه صادق – هنالك نهم متزايد لأي تعليم يتصف بالحسية والإثارة وتحريك المشاعر – هناك شهية غير صحية لنوع من المسيحية المتشنجة والهستيرية. فحياة الكثيرين الدينية ليست أفضل من تجرع شراب مسكر، وأصبحت وصية الرسول بطرس بشأن "الروح الوديع الهادئ" نسيًا منسيًّا (1 بط 3: 4). فالجموع والصراخ والحجرات الدافئة والهيام في الترنيم والاستثارة التي لا تتوقف للمشاعر أصبحت هي الأمور الوحيدة التي يعني المرء بها – وانتشر العجز في التمييز بين الاختلافات في العقيدة، ومادام الواعظ كان "ذكيًّا" و "مُخلصًا"، فالمئات يعتقدون أن الأمور على ما يرام، وينعتونك "بضيق الأفق وعدم التساهل" إذا أشرت إلى عدم صواب ما يقول. فمودي MoodyوهاويسHaweis، دين ستانلي Dean Stanley وكانون ليدون Canon Liddon، ماكونوشي Mackonochieوبيرسال سميث Pearsall Smith (الأسماء الأولى من كل مجموعة تخص لاهوتيين ملتزمون "مودي ودين ستانلي وماكونوشي" أما الأسماء الأخرى فتخص لاهوتيين عليهم مآخذ في تعاليمهم – المترجم)، جميعهم سواء في نظر مثل هؤلاء الناس.


إن نظرة كتابية للخطية إنما هي واحد من أفضل الترياقات للاهوت الشديد التسيب والتحرر الذي يلقى رواجًا كبيرًا في وقتنا الحاضر. فالفكر المعاصر يميل إلى رفض العقائد وقوانين الإيمان وكافة أشكال القيود الدينية. الاعتقاد السائد الآن أنه من السمو والحكمة عدم إدانة أي رأي مهما كان، واعتبار كل المعلمين الجادين والأذكياء أهلاً للثقة، بغض النظر عن مدى تنافر آرائهم وقدرتها على التدمير – الاعتقاد الخاطئ أن كل أمر حقيقي، ولا شئ خاطئ! كل إنسان على حق، وليس هناك من يجانبه الصواب! والجميع سوف يخلصون ولن يهلك أحد! – فالكفارة وبدلية المسيح، وشخصية الشيطان، والعنصر المعجزي في الوحي، وحقيقة أبدية الدينونة المستقبلية، جميع هذه الركائز القوية يتم طرحها جانبًا ببرود، ككومة من الأخشاب المتكسرة، من على سطح سفينة المسيحية من أجل تخفيف حمولتها، وتمكينها من مجاراة العلم المعاصر – فإذا وقفت احترامًا لهذه الحقائق العظيمة فسوف تُعتبر ضيّق الأفق ومحافظًا وماضويًّا ومتحجرًا لاهوتيًّا. وإذا اقتبست نصًّا كتابيًّا، فسوف يقال لك إنه لا يمكن اختزال كل الحق في صفحات كتاب يهودي عتيق. وإن البحث الحر قد اكتشف الكثير من الأمور منذ اكتمل الوحي! –لذا فأنا لا أعرف شيئًا لمواجهة هذا الوباء المعاصر أفضل من التشديد على الحقائق الواضحة بشأن طبيعة الخطية وحقيقتها ودناءتها وسطوتها وذنبها. علينا أن نسأل ضمائر أولئك الأشخاص ذوي الآراء المتسيبة ونطالبهم بإجابة واضحة على أسئلة واضحة. علينا أن نطلب منهم وضع أياديهم على قلوبهم ليخبرونا عما إذا كانت آراؤهم المفضلة يمكنها تعزيتهم في وقت المرض، وعند ساعة الموت، وبجانب فراش والديهم الذي يجودون بأنفاسهم الأخيرة، وعند قبور زوجاتهم أو أطفالهم المحبوبين.
علينا أن نسألهم عما إذا كان الجدية المبهمة دون عقيدة محددة تهب لهم السلام في أوقات كهذه. علينا تحديهم ليخبرونا عما إذا كانوا لا يشعرون في بعض الأحيان بشئ يقض مضاجعهم من الداخل ولا يمكن لكل ما في العالم من بحث حر وفلسفة وعلم أن يهدئه. ثم علينا أن نخبرهم بأن هذا الشئ المزعج إنما هو الشعور بالخطية والذنب والفساد الذين يسقطونهم من حساباتهم. وفوق الكل يجب علينا أن نخبرهم بأن لا شئ أبدًا يمكن أن يهبهم الشعور بالراحة إلا الخضوع للعقائد القديمة بشأن هلاك الإنسان وفداء المسيح وإيمان الأطفال البسيط بشخصه.
فلا جدوى من غض أنظارنا عن حقيقة وجود قدر ضخم من المسيحيات الزائفة في يومنا هذا والتي لا يمكنك إنكار تأثيرها، بيد أنها مع ذلك لا تمثل المسيحية الحقيقية وليس لها أي وزن. إنها مسيحية لا ننكر أنها تملك "شيئًا عن المسيح، وشيئًا عن النعمة، وشيئًا عن الإيمان، وشيئًا عن التوبة، وشيئًا عن القداسة"؛ غير أنها ليست هي "الشئ كما هو على حقيقته" في الكتاب المقدس. فالأمور ليست في سياقها، وليست في قوامها. وكما قال لاتيمر Latimer قديمًا، فهي من قبيل "الحابل في النابل" ولا تُغني شيئًا. فلا هي تمارس تأثيرًا على السلوك اليومي، ولا هي تقدم تعزية في الحياة، ولا تلهم سلامًا في الموت؛ وأولئك الذين يتمسكون بها يفيقون غالبًا في وقت متأخر ليلقوا أنفسهم بلا شئ ثابت تحت أقدامهم. ولذلك فأنا أؤمن بأن أفضل وسيلة لمعالجة وإصلاح هذه النوعية المعيبة من التدين إنما تكون بالإبراز الجلي للحق الكتابي القديم عن شر الخطية وأن الخطية "خاطئة" جدًّا.فالناس لن يُثبتوا أنظارهم أبدًا نحو السماء ويعيشوا كمتغربين ما لم يدركوا أنهم معرضون لخطر الجحيم.
دعونا نحاول جميعًا إحياء التعليم القديم بشأن الخطية في الحضانات والمدراس والمعاهد التدريبية والجماعات. دعونا لا ننسى أن "الناموس صالح إن كنا نستخدمه ناموسيًّا"، وأنه "بالناموس معرفة الخطية" (1 تي 1: 8)؛ رو 3: 20؛ 7:7). دعونا نضع الشريعة في المقدمة ونفرضها على انتباه الناس. دعونا نشرح ونوضح الوصايا العشر، ونبين طول وعرض وعمق وارتفاع مطالبيها. هذه كانت طريقة ربنا في الموعظة على الجبل. ولا يسعنا إلا أن نتبع خطته. علينا أن نعتمد عليها، فالناس لن يأتوا إلى يسوع ويبقوا معه ويحيوا لأجله ما لم يدركوا لمَ عليهم أن يأتوا وما هو احتياجهم. فأولئك الذين يجتذبهم الروح إلى يسوع إنما هم أولئك الذين أقنعهم الروح بخطيتهم. وبدون اقتناع عميق بالخطية، قد يبدو الناس وقد أتوا إلى يسوع وتبعوه إلى حين، لكنهم سريعًا ما يسقطون ويعودون أدراجهم إلى العالم.


في المقام التالي، تعد النظرة الصحيحة للخطية الترياق الأفضل لتلك النوعية الحسية الطقسية الرسمية من المسيحية، Sensuous, Ceremonial, Formal، والتي اجتاحت إنجلترا كالطوفان في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة (كُتب ذلك في القرن الـ19) وجرفت الكثيرين من أمامها. يمكنني أن أرى بوضوح أنه، بالنسبة لبعض التركيبات الذهنية، فإن هنالك الكثير من الجاذبية في هذا النظام الديني، مادام الضمير غير كامل الاستنارة. لكن عندما يستيقظ ويحيا بحق ذلك الجزء الرائع من ماهيتنا والذي نسميه الضمير، فإنني أجد أنه من الصعوبة بمكان أن نؤمن بأن مسيحية طقسية يمكن لها أن تشبعنا إشباعاً حقيقياً.

 

قد يكون الأمر أن الحجم الكبير من الجدل الذي يُميز هذا العصر قد جفف حياتنا الروحية بصورة خفية. نحن غالبًا ما اكتفينا بالغيرة للعقيدة القويمة وأهملنا الحقائق الرصينة بشأن السلوك اليومي التقي. أيَّا كانت الأسباب، ينبغي عليّ أن أوضح أن اعتقادي الشخصي هو أن النتائج هي التي تبقى. فخلال السنوات الماضية تراجع مقياس القداسة الشخصية بين المؤمنين عما كان في أيام آبائنا. وكانت النتيجة العامة هي إحزان الروح! ويدعو الأمر إلى الكثير من الاتضاع وفحص القلب.


دعونا لمرة أن نرى الخطية في شرها المستعر، وفي قربها الشديد منا، بل وإمساكها بتلابيبنا أكثر مما نتصور، وعندئذ أثق وأؤمن أننا سوف نُقاد بحيث نكون أكثر قربًا من المسيح، وما أن نُصبح أكثر قربًا منه، سوف ننهل أكثر من ملئه ونتعلم تمامًا أن "نعيش حياة الإيمان" فيه، كما فعل الرسول بولس.

ولكنني موقن، كما ذكرت في بداية هذا الفصل، أننا يجب أن نبدأ من أسفل لكي نبني عاليًّا، وعلى قناعة بأن الخطوة الأولى تجاه الوصول إلى مقياس أعلى للقداسة إنما تكون بإدراك أكثر شمولاً لشر الخطية المذهل.

 

جي. سي. رايلي
من كتاب "دعوة للقداسة"