الشركة المسيحية: جماعة المؤمنين (2)

ديتريش (ديتريك) بونهوفر ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٢

الاعتزال (الاختلاء) أساس الشركة

 

"سيُقَدم لك الصمت كتسبحة يا الله في صهيون" (مز 65: 2)

كثيرٌ من الناس يسعون لطلب الشركة لأنهم يخافون العزلة. لأنهم لا يطيقون الوحدة، فهو مدفوعون لطلب رفقة آخرين. المسيحيون أيضًا الذين لا يطيقون أن يكونوا وحدهم، الذين كان لهم بعض الخبرات السيئة مع أنفسهم، يأملون أن يختبروا بعض المساعدة في الشركة مع الآخرين. هؤلاء غالبًا ما يُحبطون، ثم يلومون الشركة على ما هو في الحقيقة خطأهم الشخصي. شركة جماعة المسيحيين ليست مصحة روحية. والشخص الذي يدخل إلى الشركة هربًا من نفسه، إنما يُسئ بذلك استخدام الشركة في سبيل للثرثرة والتشتيت، حتى وإن بدت الثرثرة والتشتيت كدرجة من درجات الروحانية.

هذا الشخص فعليًّا لا يطلب الشركة على الإطلاق، بل يطلب النشوة فقط، التي ستسمح له أن ينسى وحدته لوقت قصير، وبهذه الطريقة عينها يخلق عزلة المرء المميتة. تَحَلُل الكلمة وكل الخبرات الحقيقية وأخيرًا الاستسلام والموت الروحي لهي نتائج مثل هذه المحاولات لإيجاد الشفاء.

ليتحذر من الشركة كل من لا يقدر أن يكون وحيدًا. لن يجلب إلا الضرر على نفسه وعلى الشركة. لقد وقفت وحيدًا أمام الله عندما دعاك، وكان عليك أن تجيب هذه الدعوة وحيدًا، كان عليك أن تأخذ صليبك وحيدًا، ووحيدًا كان عليك أن تصارع وتصلي، فوحيدًا ستموت وتعطي حسابك لله. لا تقدر أن تهرب من نفسك؛ لأن الله فرزك وانتقاك. إن لم ترد أن تكون وحيدًا، فأنت بذلك ترفض دعوة المسيح لك، ولا تقدر أن يكون له نصيبٌ في شركة المدعوين. "تحدي الموت يأتي إلينا كلنا، ولا يقدر أن يموت شخص عن الآخر، بل على كل شخص أن يخوض معركته مع الموت بنفسه، .."لن أكون معكم في هذا الوقت، ولا أنتم معي" (لوثر).

لكن العكس أيضًا صحيح: ليتحذر كل من ليس هو جزء من الجماعة من أن يكون وحيدًا. لقد دُعيت إلى الجماعة، لم تسر الدعوة لك وحدك، في جماعة المدعوين تحمل أنت صليبك، تصارع، وتصلي. أنت لست وحيدًا، حتى في الموت، وفي اليوم الأخير ستكون فقط عضوًا واحدًا من جماعة يسوع المسيح الكبيرة إن استهنت بشركة الإخوة، فأنت ترفض بذلك دعوة يسوع المسيح، وبالتالي فاعتزالك سيتحول لك إلى كارثة. "إن مت، فأنا لست وحيدًا في الموت إن عانيت، فهم (شركة المؤمنين) يعانون معي" (لوثر).

نُدرك أننا نقدر أن نقف وحدنا فقط في الجماعة، ومن هو وحيدٌ، فقط هو من يستطيع أن يحيا في الشركة. كلاهما ينتمي للآخر. في الشركة فقط نتعلم كيف نكون وحدنا بطريقة صحيحة، وفي الاعتزال فقط، نتعلم أن نحيا في شركة جماعة المؤمنين بطريقة صحيحة. ليس الأمر وكأنما الواحد يسبق الآخر، فكلاهما يبدآن في نفس الوقت، أي بدعوة يسوع المسيح.

كلٌ على حدى له أشراكه وأخطاره العميقة. لذل فالشخص الذي يرغب في الشركة دون الاعتزال، هذا يسقط في فراغ الكلمات والمشاعر، والذي يسعى طلبًا في الاعتزال دون الشركة يهلك في هاوية الأباطيل، والإعجاب الشديد بالذات واليأس.

ليحذر كل من لا يقدر أن يكون وحيدًا من الشركة. ليحذر كل من ليس جزءًا من الشركة من أن يكون وحيدًا.

جنبًا إلى جنب مع يوم شركة العائلة المسيحية معًا يوجد يوم عزلة الفرد. هكذا يجب أن يكون الأمر. يوم الشركة يصبح غير مثمر بدون يوم العزلة، لكل من الجماعة والفرد.

علامة العزلة هي الصمت والسكون، مثلما الكلمة هي علامة الشركة. الصمت والكلمة لهما نفس العلاقة الداخلية والاختلاف مثل العزلة والشركة. الواحدة لا تصلح دون الأخرى. الكلمة الصحيحة تخرج من الصمت، والصمت الصحيح يخرج من الكلمة.

الصمت لا يعني أن يكون الشخص أبكم، كما لا تعني الكلمة، الثرثرة. أن يكون الشخص أبكم، هذا لا يخلق الاعتزال، والثرثرة لا تخلق الشركة. "الصمت هو الفيض، السُكر، وضحية الكلام. لكن أن يكون المرء أبكم هذا أمر غير مقدس، مثل شئ مشوه، غير مقدم لله.. زكريا أصبح أبكمًا بدلاً من أن يكون صامتًا. لو كان قد قبل الإعلان، لربما كان قد خرج من الهيكل صامتًا وليس أبكمًا." (أرنست هيلوErnest Hello). الكلمة، التي تبرر الشركة مجددًا وتوحدها، يصحبها الصمت. "للسكوت وقتٌ وللتكلم وقت" (جا3: 7). مثلما توجد ساعات محددة للكلمة في يوم المسيحي، خصوصًا وقت العبادة الجماعية والصلاة، كذلك يجب أن يكون لليوم أوقات محددة للصمت والسكون، تحت الكلمة ونابع منها. هذه الأوقات هي خصيصًا الأوقات التي تسبق سماع الكلمة وتلحقها. الكلمة لا تأتي للشخص الصاخب بل للصامت الساكن. السكون في الهيكل هو علامةٌ على حضور الله المقدس في كلمته.

يوجد توجه غير مبال، بل حتى رفض، يرى في الصمت انتقاصًا لإعلان الله في الكلمة. هذه هي وجهة النظر التي تسئ تفسير الصمت كإيماءة احتفالية، كرغبة باطنية للوصول إلى ما هو أبعد من الكلمة. لا يمكن التعرف على الصمت فيما بعد في علاقته الأساسية بالكلمة، كسكون بسيط للفرد تحت كلمة الله. نحن نسكت قبل سماع الكلمة؛ لأن أفكارنا تكون موجهة بالفعل نحو الكلمة، مثلما يصمت الطفل عندما يدخل إلى غرفة أبيه. نصمت بعد سماع الكلمة؛ لأن الكلمة لا تزال تتحدث إلينا وتعيش فينا مهيئة لها مسكنًا. نصمت ف