رهان باسكال الشهير الذي قدمه للعقليين الإلحاديين واللاأدريين

بليز باسكال ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

إن ما هو محمود ونهائي finite يزول في حضرة اللامحدود واللانهائي... هكذا الأمر مع عقولنا أمام الله. أو عدالتنا في حضور العدالة الإلهية.. 

 

إننا نعرف أن اللانهائي موجود دون أن نعرف طبيعته، تمامًا كما نعرف أنه غير صحيح أن الأعداد نهائية. بالتالي صحيح أنه يوجد عدد لا نهائي، رغم أننا لا نعرف ما هو.. 

لذلك نحن نعرف وجود الطبيعة، المحدودة، لأننا محدودون، ومثل الطبيعة، نحن نتكون من امتداد في حيز مكاني space. إننا نعرف وجود اللامحدود ولكننا لا نعرف طبيعته، لأنه هو أيضًا له امتداد لكنه يختلف عنا إذ ليست له أية حدود. ولكننا لا نعرف ما هو. بنفس هذه الطريقة يمكننا أن نتأكد أن هناك إله موجود، دون معرفة ماهيته.. 

لقد أوضحت بالفعل أننا نستطيع بصورة جيدة للغاية أن نعرف وجود شئ ما دون معرفة طبيعته. لذلك دعونا بحسب منظورنا الطبيعي. إذا كان هناك إله، فإنه يكون أبعد بصورة لا نهائية عن فهمنا، حيث أن كونه غير مرئي وبلا حدود معناه أنه لا يمت لنا بصلة. لذلك نحن غير قادرين على معرفة ماهيته ولا ما يمكن أن يكون عليه. لهذا السبب، من يمكنه أن يجرؤ أن يحاول الإجابة على هذا السؤال الخاص به؟ بالتأكيد لا يمكن أن نكون نحن، الذين لا نمتّ له بأية صلة.  

من إذًا يستطيع أن يلوم المسيحيين لعدم قدرتهم على تقديم أسباب لاعتقادهم، حيث أنهم يعترفون بالإيمان بديانة لا يستطيعون تفسيرها على أسس منطقية؟ 

 

دعونا نفحص أكثر هذه النقطة ونقول: "إما أن الله موجود، أو أنه غير موجود. "لكن أي من هذين البديلين سوف نختار؟ لا يستطيع العقل أن يقرر أي شئ. فهناك هوة هائلة لا نهائية تفصل بيننا. في النهاية القصوى لهذه الهوة اللانهائية هناك عملة يتم لفها وإلقائها والتي ستنزل على أي من وجهيها (الملك أو الكتابة). فما الذي ستخمنه؟ لا يمكن للعقل أن يحدد كيف ستختار، ولا يستطيع أن يدافع عن اتجاهك في الاختيار. 

لذلك لا تتهم أولئك الذين قاموا باختيار الزيف، ببساطة لأنك لا تعرف شيئًا عن كيفية قيامهم بهذا الاختيار. لكنك قد تجادل، "كلا. إنني لا ألومهم على اختيارهم، بل لأنهم اختاروا من الأساس. هذا لأن الشخص الذي يختار وجه العملة (الملك)، وذلك الذي يختار الوجه الآخر (الكتابة) كلاهما مذنب بنفس الخطأ؛ وكلاهما مخطئ. الشيء الصحيح الذي يجب القيام به هو ألا تراهن." 

لكنك قد تجادل أيضًا فتقول، "لكننا يجب أن نراهن. إذ ليست لك الحرية في أن تلعب أو لا. أنت ملزم بأن تقوم باختيار. فأيهما إذًا ستختار؟ هيا، فحيث أنك لابد أن تختار، دعنا نرى ما هو الأقل أهمية بالنسبة لك. لأنك ربما تفقد شيئين: الحقيقي والجيد. وهناك شيئان تضعهما موضع المخاطرة: عقلك، وإرادتك، معرفتك وسعادتك. بحسب طبيعتك، لديك شيئان تهرب منهما: الخطأ والتعاسة. وحيث أنك لابد أن تقوم باختيار، فإن عقلك لا يتم تحديه بواسطة اختيار الواحد أكثر مما يتم تحديه بواسطة اختيار الآخر. هذه النقطة تم توضيحها. لكن ماذا عن سعادتك؟ دعنا نعتبر العواقب الداخلة في اختيار وجه العملة (الملك) أن الله موجود. دعنا نقيِّم الموقفين. إذا فزت فقد فزت بكل شئ، لكنك إذا خسرت لن تخسر شيئًا. لا تتردد إذًا، بل اختر الرهان بأن الله موجود". 

- "هذا حسن، نعم، لابد أن أراهن. لكن ربما أخاطر بأكثر مما يجب في هذا الرهان." 

"هيا الآن. حيث أن لديك فرصة متساوية لكي تربح أو تخسر، إذًا كان عليك فقط أن تربح حياتين بحياة واحدة، فإنك لاتزال تستطيع أن تراهن. لكن إذا كان هناك ثلاثة يمكن أن تربحهم، سيكون عليك أن تقامر (حيث أنك مُلزم بأن تقامر على أية حال)، وسيكون من الحمق عندما تُجبر على أن تقامر ألا تخاطر بحياتك لكي تربح ثلاث حيوات في لعبة. لكن الحقيقة أن هناك أبدية من الحياة ومن السعادة موضع مخاطرة. فإذا كان الأمر كذلك، وكان هناك عدد لا نهائي من الفرص. واحدة منها فقط لك، فستكون لا تزال على حقٍ في أن تخاطر بواحدة لكي تربح اثنتين. ولكنك ستقوم بالقرار الخطأ إذا كنت بعد أن أجبرت على الرهان، رفضت أن تخاطر بحياة واحدة مقابل ثلاثة في لعبة فيها عدد لا نهائي من الاحتمالات، واحد فقط هو الذي لك، إذا كانت المكافأة هي لا نهائية من الحياة والسعادة. لأنه في هذه اللعبة يمكن أن تربح حياة أبدية، وسعادة أبدية. إن لديك فرصة واحدة للربح مقابل عدد محدود من فرص الخسارة. وما تخاطر به هو تقريبًا لا شيء. بالتأكيد هذا يحسم الأمر. فحيثما توجد لانهائية، وحيث لا توجد لا نهائية من الفرص للخسارة مقابل فرص الربح، لماذا التردد؟ بالتأكيد لابد لك عندئذٍ أن تخاطر بكل شئ. وبالتالي حيث أنك مجبر على اللعب، لابد أن تكون غير عاقل إذا لم تخاطر بحياتك لأجل هذه الإمكانية اللا نهائية من الربح، والتي من المرجح أن يتضح أنها في مثل المخاطرة بخسارة قليلة الأهمية. 

بالتأكيد، لا فائدة من قول أنه من المشكوك فيه ما إذا كنت ستربح أم لا، وأنه من المؤكد أنك تقوم بمخاطرة، وأن المسافة اللانهائية التي تقع بين "يقينية" ما تخاطر به "وعدم يقينية" ما سوف تربحه تساوي الخير المحدود الذي نخاطر به يقينًا مقابل عدم اليقينية اللانهائية. لكن الأمر ليس كذلك، لأن كل مقامر يخاطر بشيء يقيني على أمل ربح شئ غير يقيني. ولكنه يخاطر بيقينية محدودة لكي يربح عدم يقينية محدودة دون أن يكون لاعقلانيًا. هنا لا توجد مسافة واسعة بين المخاطرة اليقينية والربح غير اليقيني. لكن هذا غير صحيح. إذ توجد بالفعل مسافة لا محدودة بين يقينية الربح ويقينية الخسارة، لكن التناسب بين عدم يقينية الربح ويقينية الخسارة، لكن التناسب بين عدم يقينية الربح ويقينية ما تتم المخاطرة به يرتبط بفرص الربح أو الخسارة. لذلك إذا كانت هناك احتمالات في جانب ما بقدر الاحتمالات الموجودة في الجانب الآخر، فأنت تلعب لفرص متعادلة. في تلك الحالة، يقينية ما تخاطر به يساوي عدم يقينية ما قد تربحه. فهو ليس بعيدًا عنه لا نهائيًا بأية طريقة من الطرق. لذلك فإن برهاننا يمثل أعظم أهمية، عندما نُدرك أن المخاطرات محدودة في لعبة حيث توجد فرص متساوية للربح والخسارة، ومع ذلك هناك مكافأة لا نهائية نفوز بها. 

"إذا كان هذا واضحًا والبشر قادرون على رؤية أية حقيقة على الإطلاق، فهذه هي الحقيقة." 

- "إنني أقبل ذلك واعترف به بالفعل، لكن ألا توجد طريقة لرؤية ما يُظهره الوجه الآخر من البطاقات؟" 

"نعم، في الحقيقة يوجد، في الكتاب المقدس." 

- "نعم، لكن يداي مقيدة وشفتاي محكمة الإغلاق. إنني مجبر على المقامرة وأنا لست حرًا، لأنهم لن يدعوني أذهب. لقد صُنعت بطريقة لا يسعني بها إلا أن أشك. فماذا تتوقع مني أن أفعل؟" 

"هذا صحيح. لكنك على الأقل تستطيع أن تدرك أنك إذا كنت غير قادر على الإيمان، فليس هذا بسب العقل، بل بسبب عواطفك. لذلك حاول ألا تقنع نفسك بأسباب متعددة بوجود الله، بل بالتحكم في مشاعرك. أنت تريد أن تؤمن، ولكنك لا تعرف الطريق. أنت تريد أن تُشفى من عدم الإيمان، لذلك فأنت تسأل عن العلاج. لذلك تعلَّم من نماذج أولئك الذين، مثلك، كانوا ذات مرة في عبودية ولكنهم الآن مستعدون للمخاطرة بحياتهم بأكملها. هؤلاء هم الذين يعرفون الطريق الذي تود أنت أن تتبعه، والذين قد شفوا من سُقم ترغب أنت أيضًا في الشفاء منه. فاتبع الطريق الذي بدأوا به. لقد تصرفوا ببساطة كما لو أنهم آمنوا، بتناول ماء مقدس أو بتلاوة صلوات. هذا ما سيجعلك تميل بالطبيعة إلى أن تقبل وأن تنال السلام". 

- "لكن هذا ما هو ما أخاف منه". 

"لكن لماذا؟ ما الذي لديك لتخسره؟ لكي يُثبت لك الأمر أنه ينجح فعلاً، فإنه سيتحكم في المشاعر، التي تمثل لك حجر عثرة عظيم. 

ما الضرر الذي سيأتي عليك باختيار هذا الفعل؟ سوف تكون أمينًا، صادقًا، متضعًا، شاكرًا، مملوءً بالأعمال الصالحة، وصديقًا حقيقيًا مخلصًا. في الحقيقة، لن تجد نفسك بعد ذلك غارقًا في المتع السامة، مثل متع الشهوات والرغبة في الشهرة. لكن ألن يكون لك أي شئ آخر؟ إنني أؤكد لك أنك ستربح في هذه الحياة، وأنك مع كل خطوة ستأخذها عبر هذا الطريق، سوف تدرك أنك قد راهنت على شئ أكيد ولا مجدود والذي لم يكلفك شيئًا". 

- "آه، كم تملأني هذه الكلمات بالفرح والسعادة!" 

 

إذا كان هذا الجدل يرق لك ويبدو مقنعًا، يجب أن تعرف أنه يأتي من إنسان 

جثا على ركبتيه، قبل أن يكتب، وبعد ذلك صلى إلى هذا الكائن اللامحدود، 

غير القابل للتجزؤ والانقسام، والذي قد سلَّم وأخضع له كيانه الشخصي 

بأكمله، لكي يمنحك الله أن تُخضع نفسك، لأجل خيرك الشخصي ولأجل  

مجده، وأن تُعطى قوة لمثل هذا الاتضاع. 

 

لا شئ شديد الاتفاق مع العقل أكثر من رفض العقل (كتفسير مطلق) (يقصد الكاتب "برفض العقل" هو إدراك محدودية العقل في فهم أسرار الله والخلق والحياة والإيمان  المُحرر).

الخطوة الأخيرة التي لابد للعقل أن يأخذها هي أن يُدرك أن هناك عدد لا نهائي من الأشياء أبعد وأسمى منه. سيكون العقل مجرد شئ ضعيف إذا لم يذهب إلى المدى الذي فيه يُدرك هذه الحقيقة. إذا كانت الأمور الطبيعية أبعد منه، فماذا يمكننا أن نقول عما هو فوق طبيعي supernatural؟ 

 

من كتاب باسكال

"الأفكار"