غياب المخدع، أو كيف ماتت الكنيسة

أوستن فيليبس ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

هذا حقيقي بلا شك، فيما يختص باتجاهات حياتنا المسيحية المعاصرة – إذ أنها تجسِّد نوعًا من القوى المركزية الطاردة فيما يتعلق بحياة الاختلاء والصمت. تتجه الممارسات الروحية المعاصرة إلى مظاهرة خارجية، في مهام وأنشطة، غير جوهرية بالنسبة للحياة السرية (حياة الاختلاء والتأمل) مع الله.

وهي تفعل ذلك بواسطة غريزة فطرية، ربما لم تكن أبدًا أكثر نشاطًا في عملها من الآن. (ما يقصده الكاتب أن العبادة الجمهورية المعاصرة للكنيسة أصبحت تعتمد كثيرًا على تعبيرات ومظاهر خارجية وربما جسدية. هذه العبادة الجمهورية الخارجية قد تكون زائفة لأنها لا تعبر عن عبادة شخصية فردية في المخدع وفي ساعة صمت الاختلاء بين الإنسان وخالقه – المُحرر).

إذا كانت هذه هي كارثة الاتجاهات العالمية في الحياة المسيحية المعاصرة، فإن قرونًا من التدهور والفساد لابد أن تتبعها. بواسطة قانون مثبت مثل قانون الجاذبية الأرضية. لابد عندها أن تبدأ مؤسساتنا المسيحية سريعًا في الزوال، مثل بناء يتآكل هيكله من الداخل أكثر فأكثر بفعل "النخر الجاف". إذ لا يمكن للنشاط مطلقًا أن يحافظ على نفسه. فإذا تجاهلت القوة الحيوية التي تحركه وتحثه، ستجده يقع مثل ذراع ميت. لهذا لا نستطيع أن نشعر تمامًا، كل واحد بالنسبة لنفسه، أنه لابد لحياة الصمت والتأمل والاختلاء مع الله أن تُقوي وتُنشط كل مهمة مقدسة، تمامًا كما يأتي النشاط والحيوية في كل نسيج في الجسم بواسطة نبضات القلب القوية، والهادئة، والسليمة.

بالنسبة للشخص الذي يكون واعيًا بالقصور في تقواه الشخصية، بخصوص صداقة النفس مع الله، فإنه سيجد صدقًا وجمالاً عظيمًا في مناشدة أحد رجال الله: "لماذا تهرب من الصمت؟ لماذا ترفض ساعة الاختلاء؟ لماذا تضيع حياتك، مثل متعة السكير؟ لماذا، بالنسبة للكثيرين منكم، لا تأتي ساعة خلال الأسبوع كله، ساعة واحدة للتأمل الذاتي؟ إنكم تسيرون عبر الحياة مثل أناس حالمين؛ دائمًا بين البشر، وليس مع أنفسكم أبدًا. لقد هدمتم الدير، لكن لماذا لم تقيموه داخل قلوبكم شخصيًا؟

عجبًا يا أخي، لو أنك تسعى إلى ساعة السكون وصمت الاختلاء، لساعة واحدة كل يوم، ولو أنك تتأمل في المحبة التي استدعتك إلى الوجود، التي ظللتك طوال أيام حياتك بالبركة، أو في أوقات أخرى حذرتك وقوَّمتك بتجارب مؤلمة؛ لكان هذا يقربك إلى إلهك؛ لكنت تمسك يده بيدك. لكن كلما ضللت بعيدًا، بالتبديد المتواصل للقلب، فإن بحر البركة الإلهية سوف يحوطك من كل الجوانب، ولكنّ نفسك، رغم هذا، ستكون عطشى. أفلا تقترب إلى الله؟ إذًا، اسعَ لساعة السكون وصمت الاختلاء".

ففي جوهر مفهومها، تتضمن الصلاة تنازل العقل الإلهي Divine mind إلى مساكن البشر؛ وبدون تخطيط لرفع البشر لأعلى خارج مجال دونيتهم، فكريًّا. فالقصب المرضوض، والفتيل المدخن، والقلوب المنكسرة، والمتألمون البكم، وبطيئوا الكلام، والمؤمنون الجبناء والمترددون، والأرواح المجربة –الضعف بكافة أشكاله المتنوعة- يجد ملجأ في تلك الفكرة عن الله، والتي لا يكشفها شئ آخر بمثل هذه الطريقة المؤثرة سوى عطية الصلاة، وهي أنه عون "حاضر" في الضيقات.

ذاك الذي لا يمكن أن تسعه سماء السماوات. "قد تنازل ووضع نفسه في مركز الدائرة الصغيرة للأفكار والعواطف البشرية"، كما لو كان بغرض أن يجعل "ديانتنا هي دائمًا المسكن للمشاعر المشتركة". لقد جادل الفلاسفة، ما إذا كانت الصلاة ليست من طبيعة الشعر. إلا أن الشعر نادرًا ما يحاول أن يصف الصلاة؛ وعندما يفعل ذلك، ما هي التعبيرات التي يتحدث بها إلى قلوبنا بأكثر إقناع؟ هل هي تلك التعبيرات الرائعة والمتسامية؟ كلا؛ بل أنه يصور الصلاة بالنسبة لنا باعتبارها فقط: "حركة النار الخفية التي ترتعش في الصدر".

باعتبارها مجرد "عبء تنهد"، و"سقوط دمعة"، و"نظرة العين المتجهة إلى أعلى"، و"أبسط أشكال التعبير"، على "شفتي طفل".

كل هذا صحيح، ولا توجد فكرة يجب اعتناقها عن ذهنية الصلاة تتناقض مع هذا. لكننا نقلل من كرامة تنازل الله، إذا أسأنا فهم انغماسه في ضعفنا باعتباره تشجيع منه على كسلنا وخمولنا. ألا يجب علينا أن نجفل تحت توبيخ واعظ جولدن جروف، الذي يقول: "هل لنا أن نتوقع أن خطايانا يمكن أن تُغسل بصلاة خاملة؟ يجب ألا نجرؤ على أن نُلقي صلواتنا هكذا، مثل الحمقى".

ما يقصده الكاتب هو إمكانية أن يمتلك الإنسان عقيدة مسيحية صحيحة مستقيمة، ولكن في نفس الوقت يمتلك ممارسة إيمانية خاطئة لنفس هذه العقيدة – المُحرر). فسلامة العقيدة نفسها، يمكن أن تأوي انحلال الإيمان وتعفنه. يمكننا أن "نعترف بالعقيدة – المسيحية وندعو أنفسنا مسيحيين"، ولكن يمكن مع ذلك أن نقترب إلى الله كل يوم، كما يفعل معتنق للوثنية لم يسمع أبدًا عن المسيح. قد تكون رحمة الله العامة هي أساس كل رجاء، وكل ثقة، وكل حماسة نشعر بها حقًا في الصلاة، بينما لا يَرد على أذهاننا أبدًا أن المسيح هو أساس تلك الرحمة. يمكننا أن نُصلي إذًا، ربما مثلما كان يصلي سقراط Socrates وأفلاطون Plato.

لا يمكن أن نقارن صلاة الإنسان الذي لا يُدرك عمل المسيح الكفاري مع صلاة سمعان الذي يقول "عيني قد رأتا خلاصك".

هناك فكرة خاطئة قد تهاجم كل من يتواصل مع الله في صلاة، وهي أن الإنسان يمكن أن يقترب من الله كإنسان صالح أكثر منه كخاطئ مفدي. هذه الفكرة، إذا تكررت، تكون اتجاها زائفًا في أية حياة روحية دينية على هذا الكوكب. لا يعترف الإيمان المسيحي بأية أهداف أخرى لحرمة الله سوى الخطاة المفديين. لا يوجد آخرون مدعوون للعلاقة مع الله. فالدعوة مقدمة للعالم، فقط لأنه هكذا أحب الله "العالم"، حتى يكون عالمًا مفديًا. ذلك المسيحي الذي يجاهد لكي يُدرك في اختباره الشخصي، أي شئ سوى فرح الخاطئ المفدي، يجاهد ضد مستحيلات.

ومع ذلك فالقلب البشري مُعذب إلى أقصى حد في ممارساته في هذا الأمر. إنني أكرر، أن تجاهل المسيح قد يتخفى في عادات مشاعرنا، وقد يُعطي أسلوبًا معينًا لصلواتنا، عندما لا تُصيب هرطقة ما معتقدات عقلنا.

ألا نحتاج أن ذلك الروح الذي لن يتكلم من نفسه، بل الذي يأخذ مما للمسيح ويعطينا، يعلِّم قلوبنا؟ ألا نحتاج أن يتمركز أعمق فرح في التواصل مع الله في اختبار حقيقة الدم الكفاري؟ في هذه الفكرة الواحدة، لابد أن يبلغ ذروته ويستقر.

 

أوستن فيليبس

من كتاب: " ساعة صمت الاختلاء"