ما هو الزواج؟ ما هو الجنس؟!

المجهولة ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

ترددت كثيرًا قبل أن أكتب هذا المقال، أولًا لأن موضوعه يُعتبر من المواضيع الشائكة في مجتمعنا المليء بالأمراض النفسية والإجتماعية، وثانيًا لأنني أدرك تمام الإدراك صعوبة أن تتناول سيدة -في مجتمعنا هذا- مثل ذاك الموضوع، وثالثًا، لعلمي التام بأنه لن يفهمني أحد؛ سوى قلة قليلة، ممن يقرأون ويفهمون..

على كلٍ، ها أنا أكتب في هذا الموضوع، وهو العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة..

بالطبع سيتبادر إلى ذهنك، عزيزي القاريء وجود علاقة زواج بين ذاك الرجل وتلك المرأة المقصودين في هذا المقال، وهو بالفعل ما أعنيه هنا، فأنا تحديدًا سأتحدث عن العلاقة الجنسية في ما يسمى بـ‘الزواج‘...

ما هو الزواج؟ هذا ما سألته لنفسي مرارًا وتكرارًا. وكسيدة متزوجة، تحتم عليّ أن أكتشف إجابة لهذا السؤال بنفسي، فأندهشت، لصعوبة وصولي لإجابة أولًا، وللإجابة -في حد ذاتها- التي توصلت لها ثانيًا.

بعدما خلق الله البشر، إناث وذكور، قصد لشقيّ البشر أن يتحدا سويًا برباط إلهي لا ينكسر، لكي يكمِّل كل منهما الآخر عن طريق تلك العلاقة شديدة العمق. خلق الله البشر في صورة جنسين مختلفين، لكي يجعل كل جنس في احتياج للإتحاد مع الجنس الآخر، ليمد كل جنس، الجنس الآخر بجزء متفرد وخاص جدًا به وضعه الله فيه من أجل تلك العلاقة الفريدة جدًا، بين الذكر والأنثى..

تحول الذكر -مخلوق الإله- إلى رجل؛ مُنتَّج المجتمع والشرائع الإنسانية. وتحولت الأنثى -مخلوقة الإله- إلى مرأة؛ مُنتَّج المجتمع والشرائع الإنسانية أيضًا. تحولت العلاقة فيما بينهم إلى مجموعة أوراق، وأوامر بتعهد الزوج بالانفاق على المرأة وأولاده منها، وبهذا الانفاق هو سيد تلك العلاقة الزواجية، والمرأة وأولادها عبيده المطيعون. وأوامر بتعهد المرأة أن تطيع وتتخلى وتُؤمّر وتتزوج وتحبل وتلد، بل وتفعل كل شيء من دون أن يكون لها أدنى رأي في كل ما تسمع أو تفعل.

في رأيي الشخصي لم تقف مأساة البشرية عند هذا الحد، بل إن تلك القوانين التي وضعها الرجال، في عصر مات فيه الضوء موت مؤقت، تلك القوانين جردت البشر تدريجيًا من إنسانيتهم المفطورين عليها من قِبَل الذات الإلهية، إلى أن تم مسخهم إلى كائنات تتظاهر بالحياة، ولكنها في باطنها يملأها الموت والتعفُن. ملأ الخواء والضعف البشر. وسواء كنت ترى عزيزي القارئ أن هذا الخواء والضعف هو من نتاج سقوط البشر وخطيئتهم الجدية ضد الإله، أو من نتاج أي سبب آخر، فلن اختلف معك، بل دعونا أن نقول أن أمر متعدد ومتشابك العوامل والأسباب. ما يهمني هنا، وهو موضوع حديثي من الأساس هو العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة. وجدت أن لدينا -نحن الكائنات البشرية!- اعتقاد شرير بأن تلك العلاقة الجنسية، والتي تعتبر من أشد العلاقات قربًا -نفسيًا وجسديًا- بين الرجل والمرأة نقوم بها فقط بأعضائنا الجنسية!!

يا لهول هذا الأمر، ويا لجزعي عندما تواجهت مع تلك الحقيقة، أي شر هذا يا ذاك الإنسان المخلوق على صورة الله، وأي فساد هذا يا الله، هل لمثل ذاك التشويه الذي لحق بخليقتك فرصة في أي تغيير أو حتى هل له نهاية؟!!

ما هذه الحماقة المُركَزَة؟! كيف نكون -كذكور وإناث- في أكثر أوضاعنا قربًا من بعضنا بعضًا، دون أن نحضر معنا نفوسنا وقلوبنا وأفكارنا وأعمق ما فينا إلى تلك العلاقة، لنتقاسم سويًا ما لدينا معًا. كيف يستطيع إنسان أن يتشارك مع إنسان آخر في علاقة بمثل هذا العمق بأعضاءه الجنسية فقط؟! كيف؟! وما الذي يمكن أن يقدمه إنسان خاوي وفارغ، لم يهتم بفِلاحه نفسه بل ولم يرع قلبه قط، إلى أي إنسان آخر؟! كيف نتمكن حتى من أن نتجرد من ملابسنا، كل منا أمام الآخر، كيف نقبل -نحن البشر، أكرم ما خلق الإله- أن نكون في مثل الموقف الوضيع والمهين؟!

كيف تجرأنا على أن نصدق أن علاقة بمثل هذا العمق والقدسية، سنتمكن -بتلك الشخصيات المُهَلهَلة التي لنا- من الانخراك فيها، بل وإنجاحها، وإشباع الطرف الآخر فيها. هل نسخر من أنفسنا أم هل أننا بالفعل غافلون عن الحالة المزرية التي وصلنا له كبشر؟ فبدلًا من أن نسمو لنُشابه ذاك الإله الذي خلقنا على صورته، هدرنا كل ما وهبنا الله من إمكانيات فكرية وشخصية وعقلية، وأصبحنا حتى لا نرقى لمرتبة الحيوانات. كل رجل يفكر في تلك العلاقة فقط عندما ينتصب قضيبه، وكل امرأة لا تتذكر تلك العلاقة إلا عندما تهيئ الهرمونات جسدها لذلك!!

هل نظن، كما نتعامل مع كل أمور حياتنا بكل ما نملك من سطحية وجهل، أننا سنتعامل بمثل هذه الضحالة مع زواجنا؟! هل نعتقد أن هذا القصور الذاتي الذي يُسيِّرنا في كل أمور حياتنا، سيفلح مع علاقة لا تقبل سوى أن يضع فيها ‘الإنسان‘ أعمق أعماق كيانه -وهو عاري حتى من الكلمات- أمام شخص آخر؟!

لا تعتقد عزيزي القاريء -سواء كنت رجل أو مرأة- إنني ألومك أو أنتقدك، أو حتى أنتقد مرض متفشي في المجتمع، لا، أنا أنتقد نفسي في المقام الأول. وأود عزيزي القاريء أن أخبرك بسر، وهو إنني الآن في أكثر حالات الصدق التي يمكن أن أكون فيها مع ذاتي. أنا فقط أنتقد طريقة تفكيري، أنتقد إهمالي في حق نفسي وحق زواجي. أنتقد تركي لزوجي يعاملني كشيء يُشبع به رغباته، وأنتقد تعاملي معه أيضًا كشيء يشبع رغباتي، أنتقد نسياني للصورة التي خلقني عليها هذا الإله، أنتقد نفسي لأني تصورت أن هذا الزواج سيُنجِح نفسه، دون تحمل عناء أي كلفة لهذا الأمر من جانبي. نعم، تخيلت، كما أرى دائمًا في الدراما التليفزيونية الساذجة، أن كل ما علي أن أفعله هو أن أوقِّع على عقد زواج كتبه وصلى عليه أحد الكهنة الموقرين، وكلاء سرائر الله، لينفُخ فيه من روح الله القدوس!! ولكني أدركت فيما بعد أن نجاح الأمر يتعلق بما مضى من سنوات عمري قبل الزواج، بدءًا من يوم زواجي وحتى أنقضى ربع قرن من عمري.

بعد عام من البحث والتنقيب داخل نفسي، وبعد عام آخر من الجلوس الهاديء مع نفسي: بمفردي أو من خلال جلسات المشورة الفردية والجماعية، بدأت ألملم بقايا قلبي الذي مزقه العنف والإهانة والتحقير وسوء الإستخدام -سواء من قِبَل والداي أو من قِبَل زوجي-  وبدأت اقرأ وأعي من أنا، وأتعلم عما لم يعلمني أحد إياه. امتلأت بالوجع لما أنا عليه، وفيه، وأعيش داخله. واجهت نفسي بحقيقة ما أهملت فيه، وأن أمامي العديد من السنوات حتى أتمكن من أن أبني ما هدمه الآخرون؛ لأنهم قد نقضوا أثمن ما لدي، وهو نفسي. وقد ملأني الإصرار لأعيد بناء تلك النفس التي لا أملك غيرها في تلك الحياة. أدركت لماذا لا أشعر إلا بالخواء والإعياء بعد كل علاقة جنسية أنخرط فيها مع زوجي، أكتشفت أننا، فقط، لا نتشارك في ذلك سوى بأعضائنا الجنسية، لذلك لم يضف الأمر لإنسانيتي أي شيء، بل إنه استنزف قواي وطاقتي النفسية والبدنية، وتركني وكأنني تعرضت للإغتصاب من شخص لا أعرف عنه سوى اسمه، وكأنني لم أتزوجه من خمس سنوات. أدركت مدى خوائي وخوائه، فكأننا -أثناء علاقتنا الجنسية- إنائين مصنوعين من زجاج رخيص، إرتطما بكل قوتهما ببعضهما البعض، ليتهشما إلى فتات متناثر لا فائدة منه. ولذا، فقد أبتعدت، لأنقذ ما تبقى لي من قلبي الواهن.    

  

إذن، ماذا علينا أن نفعل؟ هل نتعامى عن هذا الوضع الذي يُحَقِّر منا، أم هل نعترض عليه، ونتمسك ببقايا وأشلاء إنسانيتا الممزقة؟

لكن، إذا أخترت عزيزي القاريء الحالة الثانية، فاعلم أن أمامك حرب ضروس مع أشباه البشر؛ من يفكرون ويأكلون ويشربون ويحبون ويتكلمون ويعملون، لا بنفوسهم ولا عقولهم، بل للأسف بأعضائهم الجنسية..!!

 

"المجهولة"