أنا بقيت عاملة زي الفار في لعبة المتاهة

بنت إسمها ... ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

ا بقيت عاملة زي الفار في لعبة المتاهة

 

زمان كنت بجري و خلاص.. بتحرك عشان لازم أتحرك.. مش عارفة المفروض أروح فين و عمري ما كنت بفكر أصلاً أروح في حتة.. كان كل همي إني أكون مع ناس و خلاص.. تايهة أه بس مش لوحدي..

 

و بعد شوية جري و تخبيط.. خذلوني الناس.. منهم اللي إتفرج على فيلم حياتي شوية و خلص الفيشار ومشي.. و منهم اللي شاف مصلحته أولاً حتى لو داس برجليه على ولاده.. منهم اللي مقدرش يحميني و خاف على نفسه أكتر ما يخاف عليا.. منهم اللي مات.. و منهم اللي عايش بس بالنسبة لي ميت.. منهم اللي سافر.. و منهم اللي موجود بس بالنسبة اللي مسافر.. منهم اللي مفهمنيش أبداً.. و منهم اللي عمري ما حاولت أخلّيهم يفهموني بالرغم من قربهم مني.. منهم اللي إتعلق بيا و توقع مني فوق اللي أقدر أعمله له.. و منهم اللي إتعلقت أنا بيه و توقعت منهم فوق اللي يقدروا يعملوه ليا..

 

 و في يوم ما أنا مش فاكراه أخدت القرار: أنا مش هتحرك.. و اللي عايزني يجيلي.. بس أنا مش هروح لحد.. و مش عايزة حد.. و مش عايزة حاجة.. حتى لو هبقى لوحدي، مش مهم، المهم إني أبعد عن أخطار التخبط في المتاهة، لأني مش عايزة أتخبط و أتألم و الأهم لأني مش عايزة أغلط، و الأهم من أي حاجة تانية إني أبعد عن الناس عشان ماأتعلقش بيهم و يسيبوني.. المهم أبقى في أمان و بس..

 

و فعلاً، أنا تقريباً مكنتش بتحرك، لا كان عندي دافع يحركني، ولا كنت شايفة أي حاجة قدامي، و كنت متأقلمة مع هذا الهدوء النسبي، و قابلت ناس كتير و أنا في مكاني.. كانوا خايفين زيي.. و كانوا بيبحثوا عن الدفئ مع الأمان.. و دلوقتي إتحقق هدف أكبر من اللي إتمنيته، بقيت مش لوحدي رغم إني مش بتحرك ولا بجري ورا حد ولا بجري ورا حاجة..

 

بس في حاجة غلط.. أنا مش مبسوطة.. مش مبسوطة خالص! في حاجة كبيـــــــــرة أوي ناقصة.. أنا مش عارفاها.. بس متأكدة إنها مش معايا و أنا محتاجاها.. و في نفس الوقت حاسة إني حتى لو لقيتها مش هبقى مبسوطة! بس كنت عايزة على الأقل أعرف هي إيه..

 

قمت أتحرك أخيراً.. قمت أبحث عن حاجة ضايعة مني أنا مش عارفاها!!!

 

مكنتش بروح بعيد لأني من زمان متحركتش من مكاني و كمان كنت خايفة أبعد عن الدفئ اللي ما صدقت إني لقيته ..

 

بس ملقيتش حاجة.. سألت الناس اللي حواليا و قالوا لي كبّري دماغك و إشغلي نفسك و متفكريش كتير عشان تعرفي تعيشي، التفكير متعب..

 

حاولت أعمل زي ما قالوا لي.. بجد حاولت بكل طاقتي إني أنسى اللي ضايع مني بس معرفتش.. هما مش فاهمين.. أنا مش مبسوطة! أنا تعيسة جداًجداً!

 

و في يوم ما أنا فاكراه أخدت القرار: أنا هتحرك.. أنا كل حاجة في المكان اللي أنا فيه مبقتش عجباني.. أنا مش عارفة أنا عايزة إيه بس هتخلص من كل اللي أنا مش عايزاه.. بس الأمان و الدفئ هيضيعوا مني.. أخدت تقريباً 6 شهور تردد و تأجيل في إتخاذ الخطوة رغم إن القرار كان مختوم و مستني التنفيذ! 6 شهور عايزة آخد أصغر خطوة للحركة بس خايفة.. مش عارفة هروح فين ولا عارفة أنا بدّور على إيه بس زهقت جداً جداً .. مفيش جبنة في المكان الآمن الدافئ اللي أنا فيه.. و مفيش اي ضمان يضمن لي وجود الجبنة في أي مكان تاني.. يعني مش هيبقى معايا لا جبنة ولا أمان ولا دفئ !..

 

بس لازم أعمل حاجة.. اللي  ضايع مني لازم الاقيه.. و لازم أعرف هو إيه..  مش هلاقيه ولا هعرف هو إيه و أنا قاعدة في مكاني..

 

و بعد ما فكرت كدة لقيت أول حاجة كانت ضايعة مني.. لقيت شجاعتي المفقودة.. في الأول مكنتش شايفة أي حاجة و كان الطريق كله ضباب.. بس شجاعتي كانت زي لمبة ضوءها ضعيف أوي لكن كانت بتساعدني أشوف شوية علامات للطريق..

 

و إتحركت من مكاني أخيراً.. أخدت خطوات صغيرة جداً بس تعتبر حركة..

 

و بمرور الوقت إكتشفت حاجات كتير جداً جداً مكنتش شايفاها و أنا في مكاني..

 

إكتشفت إن الأمان و الدفئ اللي كنت حاسة بيهم وأنا في مكاني كانوا مجرد نقطة مياه لشخص قاعد في الصحرا هيموت من العطش.. إكتشفت إن اللي ضايع مني كتير أوي أوي.. مش حاجة واحدة لكن حاجات كتير.. و إكتشفت إن أولهم الدفئ والأمان....

 

إكتشفت إني مش في متاهة عادية.. و إني في متاهة من السجون.....

 

في سجن كان مفتاحه بلاقيه في إيدي، و في سجن كان بيبقى مليان كراكيب و ضلمة و محتاجة وقت و مجهود كبير للبحث عن المفتاح...

 

و إكتشفت إن ليا صديق عزيز جداً عمره ما بيسيبني، أوفى صديق ليا في حياتي، دايماً بيشاركني أسعد لحظاتي، "الخوف" صديقي بيجي دايماً في الوقت المناسب و يطفي نور الشجاعة، و يبدأ صراع الخوف و الشجاعة، فالشجاعة تبذل مجهود كبير جداً للتقرب مني و يأتي الخوف في لحظة ليطيّر كل مجهوداتها في الهواء ..

 

ساعات بيكسب الخوف..بيبقي في إيدي المفتاح و بفضل جوة السجن.. ببقى عارفة إن برة في نور بس أنا ببقى إتعودت على الضلمة لدرجة إن عيني بتألمني من أي نور..

 

و ساعات بتكسب الشجاعة.. ألاقي المفتاح وأطلع أجري أجري أجري  و أتنفس و أعيش حريتي المفقودة هي كمان.. وأنطلق و أتوقع إني كدة خلاص لقيت أخيراً اللي ضايع مني.. أنا كنت ببحث عن حريتي و عن شجاعتي.. مش مهم أروح فين، المهم إني أخيراً حسيت إني مبسوطة! و بعد شوية أكتشف إني في سجن برضو بس أوسع شوية..

 

و هكذا كل مرة تبتدي فيها دايرة جديدة من التوهان و الضياع ... كل ما ألاقي المفتاح، و أشوف شوية نور، وأعيش صراع الخوف و الشجاعة اللي من غيرها مش هشوف الطريق، و ابتدي أتحرك، و أطلع ألاقي نفسي في سجن جديد و محتاجة أبتدي من الأول الرحلة..

 

تعبت .. و أُستهلكت تماماً.. و مش بطلب الراحة.. بس بتسائل هل من نهاية لهذا الضياع في هذه الحياة؟

 

إبتديت أفقد حماسي.. و حاسة إني برجع تاني لحتة أقعد فيها لوحدي و أحس إني مش عايزة حد و مش عايزة حاجة و مش عايزة حتى لا دفئهم ولا أمانهم..

 

أنا نفسياً في مكان يفتقر لكل شيء.. مكان لا يوجد فيه أي دليل لا علي وجودي و على وجود آخرين ولا على وجود لربنا.. و مع ذلك كلنا هناك في المكان ده و مش عارفة إزاي! أنا في مكان جوايا مستخبية فيه من كل حاجة.. من  ربنا و من الناس و مني....

 

أنا في العدم ولا أعرف إلى أين أذهب ..