الجحيم

سي. إس. لويس ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

(جهنم.. هل هي حقيقة؟!)

 

في فصل سابق تم الاعتراف بأن الألم الذي يستطيع وحده أن يوقظ ويحث الإنسان الشرير على معرفة أنه ليست كل الأمور على ما يرام، قد يقوده أيضًا إلى تمرد نهائي لا توبة فيه.

كما تم إدراك من خلال ما سبق أن الإنسان لديه إرادة حرة لذلك فإن كل العطايا التي توهب له هي سلاح ذو حدين. يتبع هذه الافتراضات مباشرة أن المهمة الإلهية المضيئة لفداء العالم لا يمكن أن يتم التيقن من نجاحها فيما يتعلق بنفس كل فرد. فالبعض لن يقبلوا الفداء. لا توجد عقيدة أرغب بشدة في إزالتها من المسيحية أكثر من هذه، لو كان الأمر في سلطتي. لكن هذه العقيدة تحظى بكل التأييد في الكتاب المقدس، وعلى الأخص، في كلمات ربنا نفسه؛ ويتم اعتناقها دائمًا بواسطة المسيحيين؛ كما أن المنطق يدعمها. فعند لعب أية مباراة رياضية، لابد أن يكون هناك احتمال دائمًا لخسارتها. هكذا إذا كانت سعادة مخلوق ما تكمن في إخضاع الذات، فلا يستطيع أحد أن يقوم بهذا الإخضاع إلا المخلوق نفسه (رغم أن الكثيرين يمكنهم أن يساعدوه في القيام بذلك) وهو قد يرفض. إنني أود أن أدفع أي ثمن لكي أتمكن من أن أقول بصدق، "الجميع سوف يخلصون". لكن منطقي يرد بحسم، "بدون إرادتهم، أم بإرادتهم؟" فإذا قلتُ "بدون إرادتهم" فإني سأفهم في الحال أن هناك تناقض؛ فكيف يمكن لفعل إخضاع الذات الإرادي الفائق أن يكون غير إرادي؟ وإذا قلت "بإرادتهم"، فإن منطقي سيرد، "وكيف سيحدث هذا إذا لم يخضعوا؟"

إن الأقوال الدومينيكانية Dominical (الخاصة بالرب يسوع المسيح) بشأن الجحيم، مثلما مثل جميع الأقوال الدومينيكانية الأخرى، يتم توجيهها إلى الضمير والإرادة، وليس إلى فضولنا الفكري. فعندما أيقظنا هذه الأقوال لكي نقوم باتخاذ فعل ما إذ اقتنعنا باحتمالية رهيبة (الجحيم)، ربما فعلت هذه الأقوال كل ما كان يُقصد لها أن تفعل، لكن إذا كان كل العالم عبارة عن مسيحيين مقتنعين بهذه الاحتمالية، لكنا من غير الضروري أن نقول كلمة أخرى عن هذا الموضوع. إلا أنه بحسب طبيعة الأمور، هذه العقيدة هي واحدة من الأسباب الرئيسية التي تُهاجم المسيحية على أساسها باعتبارها بربرية ووحشية، والتي يتم بها الطعن في صلاح الله. فيُقال أن هذه عقيدة بغيضة – وبالحقيقية، أنا أيضًا أكرهها من عمق قلبي – وأتذكر المآسي التي حدثت في حياة البشر من الإيمان بها. أما عن المآسي الأخرى التي تأتي من عدم الإيمان بها فإننا لم نُخبَّر عنها إلا بالقليل. لأجل هذه الأسباب، وهذه وحدها، أصبح من الضروري أن نناقش الأمر.

لا تكمن المشكلة ببساطة في إله يرسل بعضًا من مخلوقاته إلى الهلاك الأبدي. كانت تلك ستكون هي المشكلة لو أننا كنا مسلمين Mahometans. لكن المسيحية، كما هي دائمًا، بدون أن تُغيرِّ الواقع المعقد، تقدم لنا شيئًا أكثر تعقيدًا وأكثر غموضًا، تقدم إلهًا غنيًا في الرحمة يُصبح إنسانًا ويموت ميتة العذاب لكي يُزيل ذلك الهلاك الأبدي عن خليقته، والذي رغم هذا، عندما يفضل ذلك العلاج البطولي النبيل، يبدو غير مستعد، أو حتى غير قادر، على إيقاف ذلك الهلاك بفعل قوة مجردة. لقد قلت بدون تكلف منذ لحظات أنني اود لو أدفع "أي ثمن" لكي أزيل هذه العقيدة. لكني كذبت. فأنا لم يكن يمكنني أن أدفع واحدًا على ألف من الثمن الذي دفعه الله بالفعل لكي يزل تلك الواقعة. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية: غني كثير في الرحمة، ومع ذلك لا يزال هناك جحيم.

لن أحاول أن أثبت أن هذه العقيدة يمكن احتمالها. دعونا لا نُسئ الفهم؛ إنها لا يمكن احتمالها. لكني أعتقد أن هذه العقيدة يمكن أن تُبرهن أنها أخلاقية، بواسطة نقد الاعتراضات التي تُقام ضدها عادة، أو يتم الشعور بها، ضدها.

أولاً، هناك اعتراض، في كثير من الأذهان، على فكرة عقوبة القصاص بمثل هذه الطريقة. وقد تم التعامل بطريقة جزئية مع هذا الأمر في فصل سابق. فهناك تم الزعم بأن كل عقوبة تُصبح غير عادلة إذا انتزعت منها فكرتا عدم الاستحقاق والجزاء؛ وتم اكتشاف جوهر صواب واستقامة داخل عاطفة الانتقام نفسها، متمثل في المطالبة بألا يشعر الإنسان الشرير أنه راض تمامًا عن شره الذي ارتكبه، وأنه لابد أن يظهر له ما يظهر عن حق للآخرين – أي الشر الذي ارتكبه. وقلت أن الألم يغرس راية الحق داخل قلعة التمرد كنا عندئذ نناقش الألم الذي كان لايزال في الإمكان أن يقود إلى التوبة. لكني ماذا إذا لم يقد إلى التوبة – إذا لم تحدث أية مكاسب أخرى على الإطلاق سوى غرس راية الحق؟

دعونا نحاول أن نكون أمناء مع أنفسنا. تصور معي إنسانًا قد حصل على ثروة أو سلطة بواسطة أسلوب مستمر من الخداع والقسوة، باستغلاله لأعمال ضحاياه النبيلة لأجل الوصول إلى غايات أنانية بحتة، ساخرًا من سذاجتهم؛ والذي بعد أن تحقق له النجاح، يستخدمه لإشباع الشهوة والكراهية، وأخيرًا يتخلى عن آخر ميثاق شرف بين اللصوص بأن يخون المتواطئين معه بتهكمه عليهم في لحظاتهم الأخيرة من حيرتهم وإحباطهم. بل افترض أكثر من ذلك، أنه يفعل كل هذا، ليس (كما نود أن نتخيل) معذبًا بالشعور بالذنب أو حتى بالارتياب، ولكنه يأكل بنهم مثل صبي في المدرسة وينام في سلام مثل طفل صحيح الجسم – إنسان مرح، متورد الوجنتين، بدون همِّ في العالم، واثق بنفسه ثقة تامة لا تهتز حتى النهاية بأنه هو وحده الذي وجد الحل للغز الحياة، وأن الله والناس حمقى قد استغلهم بأفضل طريقة ممكنة، وأن طريقة حياته ناجحة ومُرضية ولا يمكن تعويضها. لابد أن نكون حذرين عند هذه النقطة. إن أقل انغماس في شهوة الانتقام هو خطية مميتة للغاية. لذلك تُشير علينا المحبة المسيحية أن نبذل أقصى جهد لتجديد مثل هذا الإنسان: أن نفضِّل تجديده، حتى ولو بالمخاطرة بحياتنا الشخصية، ولو على حساب حرماننا نحن أنفسنا، عن أن يُعاقب؛ أن نفضِّل ذلك بلا أي حدود. لكن ليست هذه هي المشكلة. لنفترض أنه لن يتجدد، ما المصير الذي يمكنك أن تعتبره ملائمًا له في العالم الأبدي؟ هل يمكنك أن ترغب حقًا أن مثل هذا الإنسان، إذا ظل كما هو (ولابد أنه قادر على فعل ذلك إذا كانت لديه إرادة حرة) يجب أن يكون مستقرًا إلى الأبد في سعادته الحالية – هل يستمر، طوال الأبدية، مقتنعًا تمامًا أنه هو الذي ضحك في النهاية؟ وإذا لم تكمن تنظر إلى ذلك باعتباره مقبولاً، فهل مجرد شرُّكَ – الحقد فقط – هو الذي يمنعك من القيام بذلك؟ أم هل تجد أن الصراع بين العدل والرحمة، الذي يبدو لك في بعض الأحيان قطعة بالية من اللاهوت، يدور الآن فعليًّا في فكرك الشخصي، وتشعر كثيرًا كما لو أن هذا الفكر (القصاص) جاء إليك من فوق، وليس من أسفل؟ ليست الرغبة التي تحركك هي إيقاع الألم بمثل ذلك المخلوق التعيس، بل مطلب أخلاقي حقيقي بأنه إن عاجلاً أم آجلاً، يجب توكيد ما هو صائب وتوكيد الراية التي غُرست في تلك النفس شديدة التمرد، حتى ل لم يتبع ذلك كسب أشمل أو أفضل. من ناحية ما، من الفضل للمخلوق نفسه، حتى ول لم يصبح صالحًا أبدًا، أن يعرف أنه فاشل، ومخطئ. حتى الحرمة بالكاد تستطيع أن تتمنى لمثل هذا الإنسان استمراره الأبدي برضى في مثل هذا الوهم الشنيع. قال توما الأكويني Thomas Aquinas عن الألم. مثلما قال أرسطو Aristotle قبله عن الشعور بالخزي، أنه ليس شيئًا جيدًا في حد ذاته، بل شيئًا قد يكون له خير معين في ظروف محددة. هذا يعني أنه إذا كان الشر موجودًا، فإن الألم في إدراكه للشر، حيث أن هذا نوع من المعرفة، هو خير نسبيًّا؛ لأن البديل هو أن تكون النفس جاهلة بالشر، أو جاهلة بأن الشر مناقض لطبيعتها، وكما يقول الفيلسوف، "أي منهما سيئ بشكل واضح". وأنا أعتقد، أننا رغم أننا نقشعر من ذلك، إلا أننا نتفق معه.

إن المطالبة بأنه يجب على الله أن يغفر لمثل هذا الإنسان بينما يظل الإنسان كما هو، مبنية على خلط بين التغاضي والتستر على الشر وبين الغفران. "فالتغاضي عن الشر" يعني ببساطة تجاهله، ومعاملته كما لو كان خيرًا. لكن "الغفران" لابد أن يتم قبوله وبالمثل تقديمه لو كنا نريده أن يكون كاملاً: فالإنسان الذي لا يعترف بأي ذنب لا يمكنه أن يقبل أي غفران.

لقد بدأت بمفهوم الجحيم كعقوبة قصاصية إيجابية يوقعها الله لأن هذا هو الشكل الذي تلقى بسببه العقيدة أكثر النفور، وقد تمنيت أن أعالج أقوى اعتراض. لكن بالطبع، رغم أن ربنا تكلم كثيرًا عن الجحيم باعتباره حكم يوقعه كرسي القضاء، فقد قال أيضًا في مكان آخر أن الدينونة تتمثل في نفس حقيقة أن البشر يُفضلون الظلمة على النور، وأنه ليس هو، بل "كلمته"، هي التي تدين البشر (يو 3: 19؛ 12: 48). لذلك فإن لدينا الحرية – حيث أن المفهومين على المدى الطويل يعنيان نفس الشيء – أن نفكر في هلاك هذا الإنسان الشرير ليس كحكم مفروض عليه بل لمجرد حقيقة كونه ما هو عليه. إن سمة النفوس الضالة هي "رفضهم كل ما هو ليس ببساطة ذواتهم". فالإنسان الأناني الذي تخيلناه منذ قليل يحاول أن يحوّل كل شيء يقابله إلى عالم الذات أو ملحق لها. الشعور "بالآخر"، أي القدرة نفسها على الاستمتاع بالخير، خامدة عنده إلا بقدر ما لايزال جسده يجذبه إليه في نوع من الاتصال البدائي مع عالم خارجي. يُزيل الموت ها الاتصال الأخير. فتبقى لديه رغبته، أن يعيش بالكامل في الذات وأن يستغل ما يجده هناك بأفضل صورة ممكنة. وما سيجده هناك هو الجحيم.

هناك اعتراض آخر يوجَّه إلى عدم التناسب الواضح بين اللعنة الأبدية ووقتيه الخطية. فإذا فكرنا في الأبدية باعتبارها مجرد وقت ممتد من الزمن، سنجد بالفعل عدم تناسب. لكن الكثيرين يرفضون هذه الفكرة عن الأبدية. فإذا فكرنا في الزمن باعتباره خط – وهو تشبيه جيد، لأن أجزاء الزمن متوالية ولا يمكن أن يتواجد اثنان منهما معًا في نفس الوقت؛ في مركزة، إذ لا يوجد عرض Width في الزمن، بل طول Length فقط – ربما يكون علينا أن نفكر في الأبدية كسطح مستو أو حتى كمُجسم. وهكذا فإن واقع الكائن البشري بأكمله سيكون ممثلاً في شكل مُجسّم. هذا المُجسّم سيكون أساسًا هو عمل الله، عاملاً من خلال النعمة والطبيعة، لكن الإرادة البشرية الحرة ستكون هي المسهمة بالخط القاعدي الذي نُطلق عليه الحياة الأرضية: فإذا رسمت خطك القاعدي أعوجًا، فإن المُجسّم كله سيكون في المكان الخطأ. حقيقة أن الحياة قصيرة، أو، بحسب التشبيه، أننا نسهم فقط بضلع صغير واحد في المُجسّم المركب كله، يمكن أن ننظر إليها باعتبارها رحمة إلهية. لأنه إذا كان مجرد ترك رسم ذلك الخط الصغير إلى إرادتنا الحرة، يتم في بعض الأحيان بطريقة سيئة للغاية بحيث يُفسد الكل، فكم بالأحرى كان سيصيب المُجسّم من اعوجاج وفوضى لو كان قد أوكل إلينا المزيد منه؟ هناك نموذج أبسط من نفس هذا الاعتراض يقول أن الموت يجب ألا يكون هو الحد النهائي الفاصل، وأنه يجب أن تكون هناك فرصة ثانية. لكني أعتقد أنه لو كان من المحتمل لمليون فرصة أن تفعل حسنًا، فإنها كانت ستُعطى. لكن المعلم في معظم الأحيان يعرف، في حين لا يعرف التلاميذ والوالدين، أنه في الحقيقة لا نفع من إرسال التلميذ لاجتياز امتحان ما مرة أخرى. لابد أن تأتي النهاية في وقت ما، ولا يتطلب الأمر إيمانًا قويًّا للغاية لكي نصدق أن العلم والمعرفة الكلية الإلهية تعرف متى.

الاعتراض التالي هو أنه لا يوجد إنسان محب يمكن أن يكون هو نفسه سعيدًا في السماء بينما يعلم أن هناك حتى ولو نفس بشرية واحدة لا تزال في الجحيم؛ إن كان الأمر كذلك، فهل نكون نحن أكثر رحمة من الله؟ يقع في خلفية هذا الاعتراض صورة ذهنية للسماء وللجحيم وهما يتواجدان معًا في نفس الوقت ويستمران بصورة متواصلة كما يتواجد معًا تاريخ كل من إنجلترا وأمريكا: بحيث أنه في كل دقيقة يمكن للمباركين أن يقولوا "عذابات الجحيم متواصلة الآن". لكني ألاحظ أن ربنا بينما يؤكد على هول الجحيم بقسوة شديدة دون كلل فإن يؤكد عادة ليس على فكرة الاستمرارية بل الحسمية والنهائية. فالإرسال إلى النار المهلكة عادة ما يتم التعامل معه باعتباره نهاية القصة – وليس بداية قصة جديدة. حيث أن النفس الضالة ستظل ثابتة أبدًا على موقفها الشيطاني الشرير فهذا ما لا يمكن الشك فيه: لكن ما إذا كان هذا الثبات الأبدي يتضمن استمرارية لانهائية – أو استمرارية على الإطلاق – فهذا ما لا يمكننا أن نعرفه. توجد لدى د.أدوين بيفان Dr. Edwyn Bevan بعض التكهنات المثيرة حول هذه النقطة. إننا نعرف عن السماء أكثر جدًا مما نعرف عن الجحيم، لأن السماء هي مسكن الإنسانية ولذلك فهي تحوي كل ما يُتضمَّن في الحياة الإنسانية الممجدة، لكن الجحيم لم يُصنع لأجل البشر. لذلك فهو لا يُقارن بالسماء من أية ناحية: إنه "الظلمة الخارجية" الهوة الخارجية حيث يتلاشى الكائن في اللاوجود.

أخيرًا، يُثار الاعتراض بأن الهلاك النهائي لنفس واحدة يعني انهزامًا للقدرة الكلية الإلهية. وهكذا هو الأمر. ففي خلق كائنات لديها إرادة حرة، تخضع القدرة الكلية إلهية منذ البداية إلى احتمالية مثل هذه الهزيمة. لكن ما تسميه أنت هزيمة، أُسميه أنا معجزة: لأنه أن يصنع (الله) كائنات ليست هي نفسه، وبالتالي أن يُصبح من إحدى النواحي، قادرًا على أن يتحمل مقاومة عمل يديه، فهذا هو أغرب وأكثر الأشياء التي لا يمكن تخيلها في المآثر التي ننسبها إلى الإله. إنني أعتقد عن طيب خاطر، أن المدانين هم من ناحية ما، متمردون ناجحون حتى النهاية؛ وأن أبواب الجحيم مغلقة من الداخل. إنني لا أعني أن الأشباح قد لا ترغب في الخروج من الجحيم، بالطريقة المبهمة التي "يتمنى" بها الإنسان الحسود أن يكون سعيدًا: بل لأنهم بالتأكيد لا يرغبون حتى في المراحل التمهيدية الأولية للتخلي عن الذات التي بها وحدها يمكن للنفس أن تصل إلى أي خير. إنهم يتمتعون إلى الأبد بالحرية المريعة التي طلبوها، ولذلك فهم مستعبدون لذواتهم: تمامًا كما يخضع المباركون للطاعة إلى الأبد، فيصبحون طوال الأبدية أكثر فأكثر حرية.

على المدى الطويل إذًا سنجد أن الإجابة على كل الذين يعترضون على عقيدة الجحيم، هي نفسها سؤال: "ما الذي تطلب من الله أن يفعله؟" هل أن يزيل خطاياهم السالفة، بأي ثمن، أن يمنحهم بداية جديدة، مذللاً كل صعوبة ومقدمًا كل معونة معجزية؟ ولكن الله فعل ذلك حقًا، على الجلجثة. هل أن يغفر لهم؟ إنهم لا يرغبون أن يُغفر لهم. هل أن يتركهم بمفردهم؟ للأسف، أخشى أن هذا هو ما يفعله حقًا.

تحذير أخير، وأكون قد انتهيت. لكي أوقظ العقول العصرية لفهم لهذه القضايا، قمت بالمغامرة بأن أقدم في هذا الفصل صورة لنوع من الإنسان الشرير الذي يمكننا أن ندرك بأكثر سهولة أنه شرير حقًا. لكن بعد أن أدت هذه الصورة دورها، كلما تم نسيانها كلما كان ذلك أفضل. فإننا في كل النقاشات الخاصة بالجحيم يجب أن نحتفظ باستمرار أما أعيننا بمشهد ذلك الدينونة المحتملة، ليس لأعدائنا ولا لأصدقائنا (حيث أن كلاً من هذين يفسد المنطق)، بل لأنفسنا. فهذا الفصل لا يتحدث عن زوجتك أو ابنك، وليس عن نيرون Nero أو يهوذا الإسخريوطي؛ إنه يتحدث عني وعنك.

 

سي. إس. لويس

من كتاب "الله – الإنسان، والألم"