الصراع الدائم

إنجي ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

لماذا علي ان أعيش هذا الصراع الدائم المؤلم الممزق للنفس, للجسد .. وحتي لحقيقة الوجود؟

هذا الصراع يفرتك كياني .. يفعص قلبي .. يمزق اصل خلايا وجودي

هذا الصراع .. اريد الاختباء منه ..

هذا الصراع .. ومطالبة الصراع .. يلاحقاني كشبح هائل مخيف مقيت يكتنفني ..

يلحق بي فيطيح بجسدي ارضا وبقلبي صريعا

لماذا علي ان أعيش هذا الصراع؟

لماذا علي ان أواجه هذا الشبح الموحش, المفرتك, المسلح, القاتم, ذو الانياب, المخيف .. وهو يجسد كوحش امتار طوله وعرضه أمام طفل صغير جدا غير قادر فقط علي الوقوف في ارض قفر موحشه سوداء لا تضبط ماء؟

لماذا علي انا اواجهه وانا كطفل عاري, أعزل, لا أفهم ولا اعي؟

ولماذا .. لماذا .. لماذا تطالبون الطفل بالصمود؟ 

 

 

طفل شريد .. ممزق القلب .. معوج الرأس .. أعمي البصيره .. يوجد في جسده جروح واضحه بارزه رغم كونها وكأنها قديمه .. و حينما يقف يقف جاهدا علي رجل واحده متبقيه ...

فجأة يفيق في اول وجوده ليجد نفسه في ارض مستوحشه

يقف فيها الشبح بعينيه الثاقبه أمامه ليفترسه في أواخر افتراساته التي ستقضي عليه بعد مرور هجماته السابقه

وفي غثيان دامي ملقي الطفل علي الأرض امامه في يأس وهلع ..

 

 

(( يا من تركت الطفل في اعاقته هنا ...

الا ينكسر قلبك امام المشهد؟ .. الا تري الرهبه والهلع في عينيه؟

الا تري العجز والاستسلام في صغره, في عماه, في ضعف حيلته وصغر رجليه؟ الا تروا قلة فهمه وادراكه؟

الا تشفق عيونك امام وجوده عاريا اعزلا غير قادر علي الوقوف؟ في كونه ليس له مكان ما للاختباء او أشخاص ليستنجد بهم؟

بمن يستنجد؟ ومن يترجي فقط ليعفيه؟ من يترجي فقط ليقول له أنت لست مطالب لمحاربة هذا الوحش, هذا ليس خطأك .. 

بمن يستنجد؟ وهو يعلم رغم صغره انه لا مفر من هذا الوحش؟

اين يذهب في يتمه؟ من يسأل عن سبب وجوده هنا فجأة؟

اين يذهب وهو يعلم, رغم قلة ادراكه, ان خالقه اوجده فجأة .. في هذه الارض المستوحشه الخربه بضآلته وعجزه امام هذا الشبح .. بارادته, بحريته, وبسبق الاصرار والترصد؟

بدون وعي الطفل, بدون اختيارة, بدون اسلحه ما او حتي اي مكان للاختباء ...

ربما اوجده في الحياة خصيصا ليتواجد امام هذا الشبح .. بعريه وعزلته .. ))

 

(( يا من تركت الطفل في اعاقته هنا ...

هذا الطفل لا يري ولا يدرك .. ويصرخ .. لماذا؟ لماذا تضعني هنا؟ لماذا تضعني امام هذا الشبح؟ لماذا؟

اتريد ان تخيفني؟ اتريد ان تري قلبي يضطرب ويفزع داخلي؟

اتريد ان تقول لي .. اتري انك أعزل, وحيد, ومعاق؟ اتري انك عاجز .. اتري انك لا شيء؟

اتزلني علي خلقتك انت لي؟

اتعيرني علي اعاقتي وضئالتي؟ علي تشوهي الظالم بيد اناس ايضا في عزلتي؟

اتستهين بالمي؟

لماذا .. لماذا تفعل هذا بطفل معاق اعزل هكذا؟ أليخضع لك؟ ألينكسر أمامك؟ 

أتوجد بيدك طفل اعزل عاري في ارض سوداء قفر كهذه امام وحش مهلع مخيف .. ليخضع لك؟ لتراه يستنجد بك؟

لينكسر بقية قلبه من هلعه؟ لتدفن بقية نفسه فيه وهو بعد حي؟ ...

لتراه وتراقبه جاهدا في صريخه محاولا حفر اي حفرة ما للاختباء من أعين هذا الشبح ولا يقدر من صغر يده .. وتراه مذنب لمحاولاته حتي للاختباء؟

أتضع بيدك طفل في هذا المشهد وتصمت؟ أتضع طفل في هذه الأرض وتطالبه بالمحاربه والصمود؟  

وبأنه في عماه, وبدون اي اختيار له, مطالب ان يدرك ويوافق ويقبل انه المسؤل عن وجود هذا الوحش ووجوده واعاقته وانه مطالب بمحاربته؟

ألا تحزن عليه؟ ... أتقف في صمت واضعا قوانينك بالمطالبه وتوعداتك امام العصيان ... وتصمت؟

اليس لديك قلب ما؟ .. ألا تشفق عينك؟ .. أتسمع صراخه حتي انقطع نفسه ولا تتحرك؟

 

اهذا هو الشخص المحفور وجوده في صخور الأرض و محفور ايضا المطالبه بالخضوع له؟ ))

 

 

يصرخ الطفل في انات متواصله وصريخ يشق الوجود ويقزف بالاذن .. من خوفه .. من هلعه ... 

يسمع صوت ما ان أوامر من يمكن ان يحميه مكتوبه علي الصخور ... ان من يقدر ان يحميه يتحرك .. بمطلبات ما مكتوبه علي الصخور ...

يتحرك الطفل زاحفا في محاوله يائسه ليمس, في عماه .. ما هو مكتوب علي الصخور وما عليه ان يفعله ... ما عليه ان يفعله ...

من آتي به الي هنا وكيف ينجو من هذا الشبح الذي لا يراه في كونه كفيف ولكنه يقطع في جسده وفي قلبه؟

يحاول في هلعه, عزلته, وحدته, يمس الصخور جاهدا .. ليجد ان أول المطلبات .. علي قدر فهمه ..

اولها علي الاطلاق .. وليس آخرها .. 

هو قطع الطفل رجله بيده ... نعم, قطع الطفل رجله بيده ..

 

(( يا من تركت الطفل في اعاقته هنا ...

اتقف وتتوعد ان لم يقطع رجله بيده فلن تبقي معه؟ ... اتتركه في الارض للشبح لينهي آخر نفس في رئتيه ليهلك للابد؟ لعزلته؟ وللارض القفر الذي اوجدته انت بها؟ 

 

اهذا هو الشخص المحفور وجوده في صخور الارض و محفور ايضا المطالبه بالخضوع له؟ ))

 

 

وفي الم كل طرف من اطراف جسده المدمر .. وفي عجزه حتي ان يتاكد مما لمسته يده ....

يلمس الصخور مره اخري .. يتضاعف اضعاف واضعاف هلعه لما يري, في عماه, ما هو مطلوب منه ان يدفعه ليحصل علي الاحتماء .. 

كيف له ان يقطع رجله بيده؟ كيف يفعل هذا؟

ان رجله هو الجذء الآخير المتبقي في جسده!

 

واقعا أمام هذا الشبح الذي يشعر به يقترب وجسده يتأرجح خوفا ..

يد علي الصخر المكتوب عليه القوانين واليد الاخري علي رجله المطلوب منه ان يقطعها!

 

وفي صريخ قاتل لقلبه الضعيف ومع هزة الارض لاقتراب الوحش منه اكثر ..

يسمع الصمت من خالقه .. ويري الاحتجاب

يري حتي الامبالاه بعدم الادلاء بطلب واضح لقطع الرجل

يترك الطفل الغير مميز الاعمي .. لفهمه ... لقلبه

 

يفكر في الم رهيب .. في رهبه مهلعه ..

انه غير قادر علي مواجهة الوحش وحيدا .. غير قادر .. غير قادر .. غير قادر علي قراءة الصخور في عماه ... وغير قادر علي قطع رجله!

غير واعي ماذا يجب ان يدفع وما عليه ان يفعل .. ما عليه ان يفعل .... احقا المطلوب هو رجله الباقيه؟

يصرخ في اضطراب جسده الضئيل "لينقذني احد" .. "ليحميني احد"

 

ويظل الوحيد في هذه الصوره هو الوحش مقتربا وصوت خطواته تهز الريح وتزلزل الارض

 

يشعر الطفل في داخله انه أكيد فعل شيء ما .. ربما هو في نفسه غير مستحق حتي لطلب واضح لقطع الرجل

يكره نفسه ..

ويهلع اكثر .. 

 

لا يقدر علي الهروب من هذا كله

لا وسيله للهروب من هذا كله

 

يصمت "المتحكم" .. يصمت, وينتظر قطع الرجل

ان كان فعلا ما لسمته يد الطفل هو هذا, وما عقله ادركه صحيحا ..

يصمت

ويتوعد في عدم قطعها ضمنيا بترك الطفل وحيدا .. 

 

ملقي الطفل علي الارض يسمع خطوات الشبح بجانب صوت ما في الوجود يصدر التوعدات بقلة الخضوع ..

توعدات بأشباح ما اخري سيترك ليواجها حينما لا يقوم بالطلبات ..

ويقول داخله, أيعني هذا اني سأترك حينما لا أقطع رجلي الباقيه؟

وتوعدات ان لم يتم الطلبات, بخضوع ما ... اما ان يترك ليميته هذا الشبح او ان يواجه باشباح اخري ليخضع رغما عن انفه

 

ومع احساسه بالتوعدات اكثر وبادراكه انه غير قادر علي قطع الرجل ..

يقف الطفل, شريدا, وحيدا, اعزل, يصرخ حوله في كل اتجاه ..

امن احد يري الظلم؟ امن احد ياخذه يحميه او فقط يعفيه من التوعدات؟ 

يسأل ماذا فعلت .. ماذا فعلت .. لماذا انا؟ ارجوكم ماذا فعلت .. لماذا انا هنا؟ لماذا علي ان أقطع ما تبقي لي من اطرافي؟ لماذا علي ان اواجه كل هذا؟ لمذا انا؟ ماذا فعلت ؟؟؟ 

 

هل لقبحي انا؟ هل لذنبي انا؟

 

يسمع ردود, آيضا في الوجود .. ان لم تسال اسأله اخري, وان ظللت تسال هذه الاسأله ستعاق اكثر ..

و حتي ان تركت للموت بيد الشبح او حتي بيدك ستعاقب باشباح اخري ولن تكون هناك اي وسيله للهرب .. فلن يكون موتك النهايه للألم

لابد ان تعترف انك المسؤل عن كل هذا .. لابد لقلبك ان يكسر

 

يقف الطفل في ياسه وهلعه غير فاهم ما هذا الكلام الذي يسمعه و ماذا عليه ان يفعل .. ماذا عليه ان يفكر .. ماذا عليه ان يسأل .. ماذا عليه ان يكون؟

 

يحاول جاهدا وهو يزحف برجله الواحده مبتعدا عن الوحش ان يترجي في عقله من سمع انه قادر ان يحميه

ربما يعطف, ربما يعفو عن الرجل الباقيه .. 

 

يعلم الطفل في داخله انه لا يستحق الشفقه .. لو كان استحقها لما وجد هنا

يعلم ان عليه ان يدفع ثمن شيء ما

يعلم ان عليه ان يعاقب بشكل ما

الم يوضع امام الشبح من البدايه؟

 

يقبل الرجلين في عقله .. ويصرخ في هستريا ربما يعفي عن قطع الرجل, ليعبر انه ليس لديه غير رجله, ليقول انه لا يعرف كيف سيقطعها ..

ولكن دون جدوي .. كل صراخه دون جدوي

 

علي احتمال ما لا يملك غيره ليحمي نفسه ان قطع رجله هو المطلوب .. يقرر قطع الرجل

 

في سواد ليل كئيب .. في عينين مبرآن علي وسعهما .. وصريخ وقف في الحلق بعد رفعه عاليا ..

يمسك الطفل برجله المتبقيه بيده ويحاول فصلها عن جسده .. بكل عافيته وبكل ما اوتي من قوه .. ربما يقدر ان يفصلها

لا تفصل الرجل من المحاوله ولكن احشاءه تتمزق بالالم

 

يأتـي الشبح فجأة ويمسكه ليركله ركله هائله في بطنه ويزيحه بعيدا جدا ويلقيه ارضا بجانب صخرتين

 

وفي هلعه وفي المه وغثيانه الشديد يحشر رجليه بين الصخرتين ويحاول بكل قوته ان يلوي جسده ليقطع رجله عن جسمه ...

يتألم, يصرخ, تصارع روحه خارجه منه

يتمني الموت هربا من كل هذا .. ولكنه يخاف فقط في امنتيه ان يموت ان يترك لآلام اكثر او لاعاقه اكثر!

 

يحشر رجليه ثانيا .. وفي صريخ وعويل .. 

يترجي المساعده من احد .. من اي احد .. فقط ليخلع رجله ... فقط ليقطع ما تبقي منه

ولكن يرتد صريخه في صمت .. بجانب صرخه جديده من قلبه مع اقتراب الشبح مره اخري

 

يقف لحظه واحده ليتأمل .. أهناك شخص قادر حقا ان يحميه؟ اما لمسته علي الصخور حقيقه؟ اما يسمعه في الوجود حقيقه؟

ايقطع الرجل الباقيه بدون سبب .. لتهيؤات ما؟ 

ايقطع الرجل لياخذ العفو من نفس القلب الذي اوضعه في كل هذا عن قصد؟ أيقدر قلب مثل هذا ان يعفي؟ أيقدر ان يحنو؟

 

توارده ثانيا انه يستحق ان يتواجد هنا .. يستحق الاعاقه .. يستحق الوحده .. ويستحق قطع الرجل

 

ياليت الطفل يصدق ان العيب خارجه ..

الا انه مكتوب امام عينه الكفيفه .. في ظلامها ..

انه مذنب .. انه مريض .. انه مستحق الالم .. انه مستحق العقاب ..ان هناك اشخاص يريدوا له الالم ..

وانه مسؤل عن كل هذا

 

يفيق الطفل من اسألته ويشعر بالصمت المقتم مع هزة الارض في تقارب الوحش اكثر واكثر واكثر ..

ومع علمه ان هذه الهجمه ستأتي بموته الجالب لألم ما اكثر

وفي محاوله يائسه وهلع .. بكل قوته مجمعه يحشر رجله ويلوي جسده لويا .. ويدوي صريخه عاليا جدا

 

وينتظر .. من بعيد .. المتحكم .. في صمته .. في جبروته .. ان تقطع الرجل .. ربما للتدخل, ربما للحمايه .... 

وربما فقط من اجل كسر الطفل .... والألم